` `

لماذا نصدّق الأخبار الزائفة؟

الحقيقة الوهمية والمعلومات الخاطئة
مريم هواري مريم هواري
علوم
11 مارس 2020
لماذا نصدّق الأخبار الزائفة؟
تصديق الأخبار والمعلومات الكاذبة مرتبط بأثر الحقيقة الوهمية (Getty)

لا تنحصر ظاهرة الأخبار والمعلومات الزائفة وأسبابها وتبعاتها في دراسات الإعلام والصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي فقط، إنّما تشغل حيّزاً في دراسات علم النفس بهدف الإجابة على السؤال الأساسي، لماذا نصدّق الأخبار الكاذبة؟ وكيف يدفعنا دماغنا لتصديق هذه الأخبار؟

بحسب الإحصائيات يتواجد في الفضاء الرقمي في العام الجاري حوالي 1.69 مليار حساب على موقع فيسبوك و145 مليون حساب فعّال يوميًا على موقع تويتر[1]، وهو مصدر أساسي لنشر وتدفّق كميات مهولة من المعلومات والأخبار الزائفة، فمن منّا لا يذكُر قراءته لأخبارٍ عن العلاج الطبيعي لفايروس الكورونا أو عن النيزك الذي يهدد بالقضاء على البشرية، المشترك بين هذه الأخبار -وغيرها كثيراً- هو أولاً أنها غير صحيحة وغير مثبتة، وثانياً أنها مُكررة ورائجة، وهذا ما يزيد احتمالية تصديقها.

إحدى التفسيرات لتصديق الأخبار والمعلومات الكاذبة بحسب علماء النفس مرتبط بما يسمّى أثر الحقيقة الوهمية، وهو مفهوم ظهر لأول مرة في دراسة أجريت عام 1977 من قبل علماء نفس من جامعة تيمبل، إذ أشارت الدراسة إلى أن تكرار التصريح أو المعلومة، حتى وإن كانت كاذبة، يزيد من احتمالية تصديقها، إذ يختصر دماغنا عملّية البحث عن حقيقة أو مصدر المعلومة ويترجم المعلومات المكررة على أنها صحيحة ومنطقية.[2] بينما تشكّل أدمغتنا 2% من وزننا فهي تستهلك نحو 20% من طاقتنا، بالتالي، توفّر أدمغتنا الطاقة عن طريق عدم معالجة المعلومات المقروءة مراراً وتكرارًا مما يقودنا إلى تصديقها. [3]

في بحثٍ نُشر عام 2018 يهدف إلى كشف العلاقة بين وتيرة وتكرار نشر الأخبار وبين احتمالية تصديقنا لها، وُجد أنه انكشافٌ واحدٌ للخبر، حتى وإن كان زائف أو غير دقيق، يؤثر على قدرة القارئ المستقبلية في التدقيق في الخبر ذاته، وتزداد احتمالية تصديقه. إضافةً، يستمر أثر الأخبار والمعلومات الزائفة على الرغم من التنازع حول مصداقيتها وتناقضها مع أيديولوجية القارئ أو رؤيته للواقع، وتجدر الإشارة إلى أنه التعرّض المسبق للأخبار غير المعقولة بتاتًا لا يؤثر على احتمالية تصديقها، لكن تكفي درجة معقولية محتملة صغيرة للخبر الزائف ليتم تصديقه، وهنا تكمن خطورة هذه الظاهرة. وأظهرت نتائج البحث أن وسائل التواصل الاجتماعي هي بيئة حاضنة رئيسية لأثر الحقيقة الوهمية[4]، فهل لنا أن نتصوّر حجم تدفّق وتكرار الأخبار والعناوين الزائفة التي نقوم بتصديقها في ظل الكم المهول من المعلومات المتدفّقة في هذه البيئة؟

إذًا، كيف باستطاعتنا أن نحمي نفسنا من تأثير العناوين والأخبار الزائفة في ظل استهلاكنا وانكشافنا الدائم لمواقع التواصل الاجتماعي؟

أولًا، علينا الإدراك أن مصادر المعلومات ليست جميعها متساوية بمهنيّتها ودقّتها. ثانيًا، علينا التروّي عند قراءة العناوين والأخبار، والتفكير في كيفية قراءتها في سياق المعرفة والمعلومات المؤكدة الموجودة في أذهاننا من قبل، إذ تم استخدام هذه التجربة في بحثٍ سيُنشر في العام الجاري، حيث طُلب من المشاركين في البحث استخدام المعلومات العلميّة والصحيحة التي يمتلكونها من قبل عند تصنيف أخبار كصحيحة أو زائفة، بكلماتٍ أخرى، تم تحدّي أثر الحقيقة الوهمية عن طريق استخدام الطاقة الذهنية بدلًا من التسليم لسلاسة المعلومات والانكشاف المسبق لها، لكن تجدر الإشارة إلى نجاح هذه التجربة فقط في الحالات التي امتلك فيها المشاركين معلومات ومعرفة سابقة حول المعلومات والمواضيع المطروحة[5]، بالتالي، حتّى يجد الفضاء الرقمي آلية جارفة للتعامل مع المعلومات والأخبار الزائفة، بإمكاننا أن نحمي أنفسنا من الأخبار والمعلومات الزائفة عن طريق التحقق من هذه المعلومات حتّى وإن تطلّب ذلك جُهداً إضافياً، كي لا نقع في فخ الحقيقة الوهمية.

الأكثر قراءة