` `

مؤشر مسبار: أبرز الأخبار الكاذبة في الأسبوع الثاني من مارس/آذار 2020

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
أخبار
17 مارس 2020
مؤشر مسبار: أبرز الأخبار الكاذبة في الأسبوع الثاني من مارس/آذار 2020

نشر "مسبار" 37 مادة لفحص الحقائق خلال الأسبوع الثاني من شهر مارس/آذار الممتد من 8 وحتى 14 مارس/آذار الجاري، منها 17 مادة في موضوع الحدث الأبرز عالميًّا في الوقت الحالي، وهو انتشار فايروس كورونا المستجد "كوفيد19"، فكلما زاد عدد المصابين وانتشر الوباء حول العالم، زادت الأخبار الزائفة والمضلّلة حوله.

 كما كان للسياسة مكانٌ في الأخبار الزائفة هذا الأسبوع، فاللقاء بين الرئيس التركيّ والروسيّ حاز على مادتيّ تحقُّق، كذلك كان لمحتوى زجاجةٍ خلف بشار الأسد مكاناً في الأخبار المضلّلة، وفي مكتب حكومي آخر شغلت صورة الحبيب بورقيبة التونسيين في ترويجٍ زائفٍ بأنها أُزيلت.

أما مواد التحقُّق من الخرافات فهي ضيفٌ مقيمٌ كل أسبوع، وسيتم تناولها بالتفصيل خلال هذا التقرير. ومن المهم التنويه أنّه ليس من الضرورة أن تكون الكذبة التي يتناولها خبر فحص الحقائق راجت في ذات الأسبوع الثاني من مارس، بل تفنيدها يُنجز في هذا الأسبوع بينما عادة تاريخ الخبر الزائف يمتد لشهورٍ أو أسابيع، وفي حال كانت خرافة فعمرها يمتد لسنوات، وأحياناً من الصعب معرفة متى بدأت بالضبط.

اتجاهات القراء

من الصعب التنبؤ الدقيق باتجاهات القرَّاء الأسبوعيّة في "مسبار" لكن من الممكن وضع عدد من الملاحظات حولها، فمثلاً ليس بالضرورة أنَّ الكذبة الأكثر انتشاراً تصبح مادة تفنيدها في "مسبار" الأكثر قراءة، بل قد يفرض خبراً جديداً تماماً على القارئ نفسه وينال قراءة عالية، كمادة التحقّق من تصفيق الجماهير الفرنسية للإجازة التي أقرها الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون في مواجهة كورونا، والتي كانت عبارة عن خدعة فيديو مركبة.

من الملاحظ أنّ الإثارة المصاحبة للخبر الزائف تجذب القراء أيضاً، فعلى سبيل المثال لن تنال مادة التحقّق من ترجمةٍ مضلّلة ذات القراءات التي ستنالها مادة تحقّق مثل "السيدة تومسون التي خانها زوجها..قصة مزيفة" أو مادة التحقق "فايروس كورونا المستجد بعد تكبيره 2600 مرة.. صورة زائفة".

إذن من الصعب وضع اتجاهات القرّاء الأسبوعيّة في قالب معين، وهناك دائماً مفاجآت فيما يفضّلونه، ففي الوقت الذي كان من المتوقع أن تكون المواد التي تتحدث عن لاعبي كرة القدم الأكثر قراءة، لم يحدث هذا، بل كان الاهتمام بما كتبه المؤرّخ أبو الحسن المسعودي قبل قرون والتحقّق من صحته، من ضمن المواد الأعلى قراءة، كما أنّه من الملاحظ أنّ مواد التحقّق التي تفحص أخباراً شديدة المحليّة لا يوجد إقبالٌ كبيرٌ عليها من خارج منطقتها.

أخبار كورونا

بعد مرور قرابة شهرين على تغطية "مسبار" لتدرّج انتشار فايروس كورونا المستجد "كوفيد19" أصبحت أخباره تنقسم لعدة مواضيع، وهذه المواضيع يتم تغذيتها كل شهر بأخبار مضلّلة ومزيّفة جديدة، فمثلاً على مدى شهرين تم تغذية أخبار متولدة حول تنبؤ أفلام وكتب وروايات بظهور وباء كورونا، وذلك في شهري فبراير/شباط، ومارس/آذار، كما من المتوقع أن يظهر غيرها في الأسابيع القادمة. كما أنّ أخبار إصابة رياضيين تتكرر كل فترة، فمثلاً في شهر فبراير/شباط الماضي انتشر عن لاعب نادي إنتر ميلان الإيطالي، التشيلي أليكسيس سانشيز إصابته بفايروس كورونا، وكان خبراً كاذباً، وفي الأسبوع الثاني من مارس الجاري انتشر خبرٌ عن إصابة اللاعب الأرجنتيني باولو ديبالا، مهاجم فريق يوفنتوس الإيطالي، بفايروس كورونا، واتضح أيضاً أنه زائفٌ.
وكل يومٍ نقرأ أخباراً غير صحيحةٍ عن اكتشاف علاجاتٍ ولُقاحات؛ للتخلص نهائياً من كورونا لكن لا يطّبق أي منها في الواقع، فمثلاً غطّى "مسبار" خلال الأسبوع خبرين مزيفين، يتعلق الأول باختراع كمامةٍ ذكيةٍ؛ للتخلص من كورونا في تركيا، وخبراً آخر عن اختراع كل من لبنان وفلسطين ومصر مصلاً ناجحاً؛ للتخلص من كورونا إلا أنّها مجرد إشاعات.
وهذه الأخبار إنما تعبر عن المُتمنَّى والمُشتهى سماعه لدى الجماهير، كفكرة إيجاد علاج، أو أن يشاهدوا كرة ويلسون الشهيرة من فيلم الممثل توم هانكس CAST AWAYمعه في الحجر الصحي بعد التأكد من إصابته بفايروس كورونا المستجد، فانتشرت أخبارٌ أنّ الممرضات في المستشفى الأسترالي رمَيْن له واحدة، ولم يكن سوى خبراً زائفاً وصورةً غير صحيحة، وهذا النوع من الأخبار يسبقنا إليها الخيال، ومجرد أن ينتشر يصدّقه أغلبنا أو أراد أن يصدّقه، فأحيانا الكوارث يتعمّد أن يصنع فيها الناس الواحات.

خرافات

غالبا ما يُفتن الناس بالشر والظلم، ويريدون أن يعرفوا القاتل أو الظالم ولماذا فعل ما فعله، لذلك طالما كانت أقسام الحوادث والجرائم الأوسع انتشاراً في الصحف الكلاسيكية والآن في المواقع الإلكترونية، هذا ذاته الشرّ الذي كان بطل قصة ‏السيدة تومسون التي خانها زوجها، فدست له السم في قهوته، فلما ظهرت عليه علامات التسمم أخذته إلى حبل المشنقة في الحديقة، وقبل أن تلف الحبل على عنقه أوقدت ناراً ثم دفعت الكرسي، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة أطلقت عليه الرصاص، فمات مسموماً محروقاً مشنوقاً ومقتولاً، وهنا تحدث الفتنة بحجم الشرّ ويصدقّونه بل يشاركون في رؤوسهم فك اللغز، لذلك حين يأتي تكذيب هكذا قصة أو سردها بواقعيّتها يكون غير مقبول،فهي غدت أسطورة، وستظل تجذبهم حتى لو عرفوا أنّها كذبة.
في الوقت ذاته يُفتن أغلب القراء بالنهايات السعيدة بعد ظلمٍ طويلٍ وقاس، وبالأحرى يحبون رؤية الضوء في نهاية النفق، كما حدث مع الصورة التي انتشرت على مستوى عربيّ للطفلة الفلسطينيّة سارة التي تمسّكت بكتبها لحظة هدم بيتها على يد الاحتلال سنة 2003 إلى أن حصلت على الماجستير في اللغات وأصبحت محاضرة في جامعة كندية، لكن حين تواصل "مسبار" مع المصور فادي ثابت الذي التقط الصورة، أكّد أنّه التقطها في عام 2014 إبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهي لطفلةٍ تُدعى سهيلة من شمال القطاع، وكانت تحمل بين يديها كتبها المدرسية بعد قصفٍ مدفعيٍّ للاحتلال الإسرائيلي على الحدود المحاذية لمنزلها، وتبدو على وجهها علامات الهلع والبكاء. وهذه الطفلة لا تزال تعيش الأوضاع ذاتها، ولم تسافر إلى كندا أو تدرس لغات ولكن هذه النهايات التي يحب أن يسمعها المتلقّي؛ فغالباً ما يرتاح ضميره، وتنزاح عنه جزءاّ من المسؤولية الاجتماعية؛ لذلك نجد المئات يشاركونها. وهاتين الخرافتين اصطادهما في فلتر "مسبار" الزميل أحمد بعلوشة.
وليس بعيداً عن القصتين السابقتين، كثيرون صدقوا أنَّ يوم المرأة العالميّ في الثامن من مارس آذار الجاري؛ هو يوم منسوب للتاريخ ذاته من العام 1911وأنَّ حريقاً شـبَّ في مصنع نسيج في الولايات المتحدة، وقُتل في الحادث 140 امرأة؛ لأنّ الأبواب أُغلقت عليهنّ في الطابق الأرضيّ للمصنـع، حيث اعتاد صاحبا المصنع "بلانك" و"هاريسون" إغلاقها بالمفاتيح أثناء العمل؛ لمنع العاملات من مغادرة أماكنهن، حتى إلى دورات المياه، ولكي يضمنا عدم قيامهن بسرقة أي شيء.
وفي كل عام يتم تداول هذه الحكاية كأنّها أمرٌ مفروغ ٌمنه ما يجعلها مجرد خرافة، بينما حقيقة التاريخ تعود إلى 8 مارس 1917 (23 فبراير في التقويم الروسي السابق)، حين خرجت عشرات الآلاف من النساء الروس إلى الشوارع مطالباتٍ بالتغيير، ومهدت الصرخة الموحدة الطريق أمام المرأة الروسية للحصول على حقوق التصويت بعد فترة وجيزة.

الرؤساء

كما قلنا سابقاً كان للرؤساء حظٌّ من الأخبار خلال الأسبوع الثاني من مارس، ففي البداية جاءت زيارة الرئيس أردوغان إلى روسيا والأحداث الكثيرة التي رافقت بروتوكول الزيارة، وتحليل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لتحركات إثنين من أقوى الرؤساء على الساحة، فتابعنا خبراً مضلّلاً أنّ أردوغان يفقد التركيز بعد اجتماعه المطول مع بوتين، ويمد يده لمصافحة وزير خارجيته الذي أتى معه إلى موسكو بدلاً من مصافحة الوزير الروسي، والخبر الثاني أنَّ بوتين يحرج أردوغان خلال لقائه في قصر الكرملين، بوضع تمثال للإمبراطورة الروسية كاترين الثانية التي هزمت العثمانيين، وتمثال آخر للجنود الروس الذين قضوا على العثمانيين في بلغاريا، إلا أنَّ التمثال ينفي القصر منذ سنوات.
أما الزجاجة التي ظهرت خلف بشار الأسد، أثناء خطابٍ متلفزٍ له، قالوا إنّها مصنوعةٌ من رمال بحيرة طبريا ومملوءةٌ بمائها، وتعود قصتها إلى حرب عام 1973، ونفت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهوريّة الأمر، وفي ذات تفاصيل الديكور ننتقل إلى قاعة الاجتماعات في وزارة التربية والتعليم حيث اُتهم محمد الحامدي، وزير التربية التونسي بنزع صورة الحبيب بورقيبة، أول رئيس للجمهورية التونسية، وهو ببساطة لم يقم بذلك.

الأدب

لا يمكن التنبؤ بالكذبة الجديدة على الإطلاق، وفي أيِّ مجال ستكون، وكيف ستكون، بل تستلمها جاهزة وما عليك سوى تصديقها أو تكذيبها، وفي "مسبار" نقول لك لماذا لا تصدقها، وأحيانا يصعب ذلك حين تكون الكذبة نابعةً من جنس الحقيقة وهذا ما حدث في نفي تنبؤات الكتب بوباء كورونا وأزمات الحاضر، كوقف الحج والعمرة، فهذه الكتب مصادفة تحمل رؤية دراميّة لما سيحدث والذي يشبه الحاضر كثيراً، ولكن دون قصد من الكاتب أن يتنبأ فيما بعد كتابه بعقد أو عقدين وأحياناً مئات السنين كما حدث مع كتاب "أخبار الزمان" لأبو الحسن المسعودي، فعلى الرغم من أنَّ سرديّة كتابه التاريخيّة تتحدث عن المصائب والزمن والإنسان والمدن، وقد نصدق مثلاً قصيدة يحذر فيها من 2020 وتعاظم الأزمات وظهر الوباء، ولكن سرعان ما تكتشف أنّها كذبةٌ جاءت من جنس كتابه لكنّها لا تنتمي له، بل مجرد كذبة اخترعها قارئٌ جيدٌ لمنظور المسعودي المستقبلي لكنه لم يستطع تقليد نَظّمه وفكره.
 كذلك الأمر مع رواية "عيون الظلام" وهذه المرة لم يخترعوا نصاً ونسبوه للرواية بل كان النص موجوداً وفادح الشبه بالحاضر، إلا أنّها مجرد صدفة، كان لها سياقها وسببها التاريخيّ، فمثلا لماذا اختار الكاتب أن يطلق على الفايروس في الرواية اسم "ووهان 400" وهي المدينة التي خرج منها الفايروس مؤخراً، والمفارقة أنّ هذه المعلومة جاءت فقط في الطبعة الثانية، فقد كان اسم السلاح في الطبعة الأولى Gorki-400نسبة إلى مدينة روسية، إذ كانت روسيا هي العدو لأميركا في ذلك الوقت، أما في الألفية الثانية لم تعد روسيا كاتحاد سوفيتي تشكّل أيَّ خطرٍ على أميركا، أي أنّها لم تعد المنافس الأول لها، لذلك وجّه الكاتب قلمه إلى الصين ومدينة ووهان المعروفة بمختبراتها العلمية، وبذلك غير اسم سلاحه والعدو المستهدف في روايته، ومن هنا يأتي السياق مشابهاً لكنه لا يصبح تنبؤاً إلا إذا قلنا ذلك من سبيل الإثارة والبحث وراء الغموض، ومحاولة لتفسير أحداث تتجاوز قدرات البشر ما يصبح أسهل أن نعطيها مسحة مؤامرتيّة خارقة على أن نفكّر بها.

الأكثر قراءة