` `

الجيوش الإلكترونية: اصطناع الإجماع وتسميم الفضاء العمومي

الظروف التي تكتسب فيها الحقائق الموضوعية تأثيراً أقل في تشكيل الرأي العام، مقارنةً بتأثير ما تفضله العواطف والقناعات الفردية
محمد الشيخ يوسف محمد الشيخ يوسف
تكنولوجيا
19 مايو 2020
الجيوش الإلكترونية: اصطناع الإجماع وتسميم الفضاء العمومي
الجيوش الإلكترونية من أسرع وأقوى الأدوات التي تحقق هدف اختلاق رأي عام مناصر لقضية ما.

"عاجل: انفجاران يهزّان البيت الأبيض وإصابة باراك أوباما". هكذا نشرت وكالة أسوشيتد برس الإخبارية في 23 أبريل/ نيسان 2013. لتعود وتنفي الخبر مؤكدة تعرضها للاختراق. أدى هذا الخبر لانخفاض مؤشر داو جونز الصناعي بـ 125نقطة (وهو مؤشر صناعي لأكبر 30 شركة صناعية أميركية في بورصة نيويورك) تبنى بعد ذلك الاختراق ما يسمى "الجيش السوري الإلكتروني".

A screenshot of a cell phone

Description automatically generated

في 23 مايو/أيار 2017  تم اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية وبث تصريحات منسوبة لأمير قطر، في حين نفت قطر التصريحات ودعت إلى تجاهلها، أعلنت في اليوم التالي أن حسابها على تويتر تعرض للقرصنة وفتحت المجال للتحقيق في ذلك بمشاركة دول عربية وأجنبية. رغم ذلك استمرت بعض وسائل الإعلام تداول التصريحات المفبركة والتعامل معها على أنها حقيقية.

A screenshot of a cell phone

Description automatically generated

عام 2016، تم اختراق البريد الإلكتروني لكبير مساعدي المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، وتسريب محتويات البريد على ويكليكس. في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام، اعتقلت الشرطة الأميركية في واشنطن إدجار ماديسون ويلش (28 عاماً) بعد أن دخل مطعم "كوميت بينغ بونغ" للبيتزا، شاهراً بندقيّته. توجه إدجر ليتحقق بنفسه من القصص التي تدعي أن المطعم مقر لعصابة اتجار في الأطفال بهدف استغلالهم جنسياً، والادعاء بأنها عصابة تتزعمها المرشحة الديمقراطية في ذلك الوقت هيلاري كلينتون وكبير مساعديها في حملة الترشح. بعد أن أطلق المتهم ثلاث طلقات في الهواء وبحث في المكان عن الأطفال الذين زعم أنهم محتجزون في المكان، وتأكد أن المطعم لا يوجد فيه قبو كما ادعت الأخبار والقصص المتداولة عن المطعم، ترك المكان واستسلم للشرطة.

A street sign at night

Description automatically generated

مطعم "كوميت بينغ بونغ After Truth. Photograph: Courtesy of HBO

 

"عامة الشعب مخلوقات هشة جبانة لا تتحمل الحرية أو مواجهة الحقيقة، لابد من حكمها وخداعها بشكل منهجي عن طريق آخرين يكونون أكثر قوة"

—رواية 1984 لجورج أورويل

يسمى هذا العصر بـ Post truth أو عصر ما بعد الحقيقة، الذي يعرفه معجم أوكسفورد بأنه: "الظروف التي تكتسب فيها الحقائق الموضوعية تأثيراً أقل في تشكيل الرأي العام، مقارنةً بتأثير ما تفضله العواطف والقناعات الفردية"، في هذا العصر الذي تحول المستخدم إلى منتجٍ للمحتوىUser generated content  يحتاج الأخ الأكبر ووزارة الحقيقة إلى أدوات جديدة للسيطرة الممنهجة على الرأي العام، وإن لم تكن سيطرة عن طريق إعادة هندسة رأي الجمهور وفق سياسات الحكومات ولاعبي القوة، فهي بأفضل الأحوال تسميم للرأي العام بهدف تميع القضايا وخلق خلافات استنزافية للجمهور.

لأجل تحقيق هندسة لرأي الجمهور وتطويق الرأي العام، يلزم اختلاق للإجماع على رأي أو قضية معينة، يحدث ذلك من خلال عدة مراحل من أهمها العبور في دائرة صناعة الرأي في حالة الرغبة في تمرير سياسة أو رأي معين للجمهور، أو تطويق الرأي العام في حال وجود قضية استثنائية نشطة تاريخيًّا أو حديثاً.

نشرح هنا آليات صناعة الرأي العام، من ثم طرق تطويق الرأي العام، من ثم ننتقل إلى أهم أدوات التطويق واصطناع الإجماع وهي الجيوش الإلكترونية، التي تستخدمها الدول والجماعات في اختراق المجال العام وتمرير أفكار ومعتقدات معينة، أو مهاجمة الأنظمة الأخرى إلكترونيا واختراق وتسريب معلوماتها.

هندسة الرأي العام: دائرة صناعة الرأي العام

بحسب كتاب "ماكينة الأخبار الكاذبة: كيف تضر البروباغندا بالإنترنت وتتلاعب بالعامة"، يقدم الكتاب دائرة الرأي العام وفق الشكل (١) والتي تبدأ تمر بالخطوات الآتية:

  • الاستطلاع: جمع المعلومات وتحليل الجمهور المستهدف ومدى المعرفة بموضوع الاهتمام
  • التسلح: إعداد القصة الرئيسية (نسخة الحقائق التي سيتم نشرها حول موضوع الاهتمام)، وإنشاء قصص جانبة داعمة للقصة الرئيسية، مع إنشاء بعض الاختلافات والإصدارات البديلة.
  • التوصيل: نشر القصة المعدة عبر قنوات محددة، مثل الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي، والأدوات المشروعة وغير المشروعة والخدمات التي تعمل على نشر وترويج القصة.
  • الترويج: بث موجة متحكم فيها وتوزيع الأفكار بين مجموعات صغيرة ولكنها مؤيدة ونشطة
  • الاستمرار: المثابرة على نشر القصة وزيادة ظهورها والوصول إلى أعداد كبيرة من المؤيدين إلى أن يتحول الجمهور المستهدف إلى مروج للقصة (تأثير كرة الثلج).
  • الثبات: استدامة القصة الرئيسية عبر دعمها بقصص جانبية وإعداد الجمهور لمناصرة التغيير وتقييم الحملة وقياس نجاحها
  • الإجراءات: طرح الإجراءات اللازمة لإحداث التغيير المراد من الحملة واستغلال حالة التحشيد لمناصرة الإجراءات
  • إزالة الأثر: تشتيت انتباه الجمهور أو تحويله إلى موضوع آخر، وطمس ما حدث وتقليل الاضطرابات التي تسببت بها هذه الدورة، والانتقال إلى دورة جديدة.

A close up of a sign

Description automatically generated

شكل (1): دائرة صناعة الرأي العام

لتحقيق الدائرة السابقة نجد أن شروط التوصيل والترويج أساس العملية من بعد إنتاج قصة محكمة لترويجها، ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي نشأت صناعة موازية لها تعمل على خدمات تحليل المستخدمين وتوجهاتهم وآراءهم واحتياجاتهم، مثلما حدث في قضية كامبريدج أناليتكا التي اعتمدت استراتيجية الـMarket segmentation  والتي تعتمد على التنميط السيكوغرافي للمستخدمين مما أتاح الفرصة لاستهداف الناخبين الأمريكيين أو المصوتين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حسب خصائصهم الشخصية والتي اعتمدت على أربع تقسيمات أساسية كما يصنفها الدكتور نواف التميمي في ورقته "نموذج التواصل السياسي لـكامبريدج أناليتكافبركة الأخبار وهندسة الجمهور":

  • التقسيم الجغرافي: يتم تقسيم الجمهور إلى وحدات جغرافية
  • التقسيم الديمغرافي: تقسيم الجمهور حسب العمر والجنس والتعليم والدين والحالة الاجتماعية
  • التقسيم النفسي: بناء على الأنشطة والاهتمامات ونمط الحياة والقسم والمواقف والمكانة الاجتماعية
  • التقسيم السلوكي: مناسبة الخطاب، واحتمالية الاستخدام والولاء والفوائد المنشودة المتصورة عند المستخدمين

ولتحقيق هذا الاستهداف يجب توفر الثلاثية الآتية "شكل (٢)" والتي بدونها لن تكتمل دائرة صناعة الرأي العام وترويج القصة أو الأخبار الكاذبة. تأتي هذه الثلاثية كأساس لترويج القصة المراد نشرها.

  • الحافز: وهي القصة أو الأخبار المزيفة التي تعد وسيلةً لا هدفاً، وسيلة تسعى للتأثير على رأي الجمهور وهندسته بما يتوافق مع الرغبة باستمالة الرأي العام نحو تصديق قصة ما.
  • الأدوات والخدمات: أدى النمو المتواصل للشبكات الاجتماعية إلى أن تصبح منصات مثالية لنشر حملات التضليل والأخبار الكاذبة، نشأ إلى جانب هذا النمو قطاع كبير مختص بالترويج وصناعة القصص الإخبارية وتسويقها، وإنشاء الجيوش الإلكترونية والحسابات الآلية ويمتد هذا إلى التقييمات والتعليقات أحياناً.
  • شبكات التواصل الاجتماعي: لن تكون الأخبار المزيفة في وضعها الحالي دون مواقع التواصل الاجتماعي، تتطلب الخدمات المذكورة أعلاه الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار المزيفة للمستخدمين الفعليين. لشبكات التواصل الاجتماعي، لذلك، يلجأ مروجو الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يشكلون الجزء الآخر من مثلث الأخبار المزيف إلى وسائل مختلفة للحفاظ على نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الروبوتات، أو التعاون مع المستخدمين الفعليين، بحيث يتم إنشاء المنشورات الإخبارية المزيفة لتلبي رغبات القراء النفسية وتأكيد انحيازاتهم، والاحتياجات والرغبة في المشاركة أو ادعاء المعرفة.

A close up of a card

Description automatically generated

شكل(2) ثلاثية استهداف الجمهور وصناعة الأخبار الكاذبة

طوفان الأخبار الكاذبة: اختراق المجال العام واصطناع الإجماع

هل وجدت نفسك واقعاً تحت ضغط الأقران أو ضغط سيل من الآراء التي تصب لصالح قضية ما لم تكون رأيك الخاص عنها، أو شهدت على هجوم جماعة إلكترونياً على جماعة مخالفة لها؟ أو وجدت نفسك معرضًا لأخبار وروابط ومنشورات كلها تأكد على قصة ما وتحللها، هذا ما حدث مع إدجار ماديسون ويلش (28 عاماً) الذي ذكرناه في المقدمة حين وجد نفسه محاطاً بعشرات التحليلات والتأكيدات على وجود شبكة اتجار بالأطفال في مطعم "كوميت بينغ بونغ" للبيتزا، إلى أن اضطر للذهاب بنفسه حاملاً بندقيته للتأكد من صحة هذه الادعاءات وتحرير الأطفال هناك. وهذا ما حدث مع الناخبين في أميركا خلال فترة الحملة الانتخابية واستهدافهم بغرض التأثير على عواطفهم وأفكارهم من خلال حملات إعلامية تقوم على نشر الأخبار المفبركة والفضائح ونظرية المؤامرة بهدف التأثير على العملية الانتخابية. وهو ما حدث خلال فترة الترويج لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهو ما يحدث يومياً مع صعود لأي قضية رأي عام ونقاشها في المجال العمومي.

يظهر في الشكل (3) كيف تتصاعد وتيرة نشر الأخبار بهدف تحقيق التطويق الكلي للرأي العام بالقصة التي ذكرناها سابقاً على أنها الحافز وعلى أنها أول خطوات دائرة صناعة الرأي العام، يتم تغذية الفضاء العمومي بموجة من الأخبار الأخبار الكاذبة من ثم ضخ موجات إضافية داعمة، وترويج تلك الأخبار حتى الوصول إلى تطويل شامل للرأي العام وإن لم يكن تحويلاً في مساره فهو تسميم له. وفي الشكل (4) تبدأ بنية القصة عبر استهداف الاستثارة العاطفية للجمهور وتأكيد انحيازاتهم الفكرية، عبر ارتباطات زائفة من بعد الادعاء بالإجماع عبر موجة الأخبار الكاذبة، ثم قد يلجأ مروجو الأخبار إلى التخويف والترهيب لتحييد الأصوات المخالفة لهم، ومع استمرار ترويج الإشاعة، أهم ما يجب فعله هو استمرار الكذب.

A picture containing device

Description automatically generated

شكل (3) تطويق الرأي العام

A close up of a logo

Description automatically generated

شكل (4) تكرار الكذب

البروباغندا: سموم الإنترنت والوعي الجديدة

يقصد بالبروباغندا/الدعاية كما يعرفها الدكتور نواف التميمي على أنها المنهج الإعلامي الذي يسعى، عبر نشر معلومات وحقائق أو أنصاف حقائق أو حتى أكاذيب، إلى التأثير في اتجاهات الرأي العام وآرائه وسلوكه. ويحدد أنتوني لاينبرغر في كتابه "الحرب النفسية"، الدعاية بأنها "حملة تقوم على استخدام مخطط لأي شكل من أشكال الاتصال الجماهيري بهدف التأثير في عقول ومشاعر مجموعة بشرية معينة، ولتحقيق غرض محدد، سواء كان عسكر ًّيا أو اقتصادياً، أو سياسيا" ويعرف دوغلاس وولتون الدعاية أنها "قيام مجموعة أو منظمة ضغط بفرض وجهة نظر ما، وتقديمها وترويجها لجمهور عريض".

ويصنف التميمي الدعاية إلى ثلاثة أنواع:

  • الدعاية البيضاء: وهي الدعاية العلنية في وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية وغالباً ما يتم الكشف عن المصدر المنتج للمضمون الإعلامي والجهة المنظمة له.
  • الدعاية السوداء: وهي الدعاية السرية المستورة، لا تظهر ولا يتم الكشف عن مصادر هذه الدعاية، وتهدف غالباً إلى تشويه الخصم وتعتمد على الشائعات والفبركات والمبالغة والتهويل.
  • الدعاية الرمادية: تأتي غامضة في ما يتعلق بالمصدر، كما تكون بين العلنية والسرية، أو تُنسب إلى غير مصادرها الحقيقية

ولتنفيذ الدعايات السابقة، لا بد من قنوات لتوصيلها إلى أكبر شريحة ممكنة، تختلف هذه القنوات حسب نوع الدعاية والهدف منها، وهنا نركز على الدعاية الهدامة ودعاية التهيج والتحريض التي تعتمد التكرار وإثارة الغرائز والعاطفة والميل للمبالغة والتهويل ونشر الأكاذيب. تأتي هذه القنوات الناقلة للدعاية في أشكال عديدة، منها عبر الوسائل الإعلامية التقليدية وقنوات البث التلفزيوني والصحف، ومنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. انظر شكل (5)

في وسط الهرم  نجد أن واحدة من أهم الأدوات شيوعاً الآن هي "الجيوش الإلكترونية"، هذه الجيوش التي تنقسم في النوع إلى آلية العمل، وإلى بشريةـ

A close up of text on a black background

Description automatically generated

شكل (5) قنوات نقل الدعاية من مشغل الحملة إلى الجمهور

الجيوش الإلكترونية: الآلات في مواجهة البشر

الجيوش الإلكترونية هم مجموعة تعمل وفق أجندة خاصة لصالح جهات سياسية أو أمنية أو تجارية. يتحركون عن طريق إنشاء حسابات بأسماء وشخصيات وهمية وإدارتها عن طريق روبوتات (Bots) لتشارك في النقاشات العامة، ويدعمون هاشتاغات وقضايا وآراء معينة لاختلاق الإجماع عليها أو مهاجمة خصومها، ويخترقون مواقع إلكترونية لشخصيات ومؤسسات ودول. تهدف هذه الجيوش إلى تطويق الرأي العام وتشكيله أو توجيهه وتروج للإشاعات والأفكار والتوجهات ونشر الأخبار المزيفة أو دعم مواقف معينة.

 

تنقسم الجيوش الإلكترونية إلى نوعين أساسيين:

أولاً: الجيوش الإلكترونية التقنية

مهمة هذه الجيوش هي تقنية بالأساس وتعمل على تنفيذ هجمات إلكترونية تشمل اختراق الشبكات وتعطيلها، وتدمير قواعد البيانات ونشر الفيروسات والديدان الإلكترونية، بالإضافة إلى قطع أنظمة الاتصال وشل أنظمة الدفاعات وقد يصل الأمر إلى التدمير الفعلي للخدمات واللوجستيات والأسلاك والكابلات والأجهزة التي تحتوي قواعد البيانات.

بالإضافة لعمليات الهجوم الإلكترونية، تعمل الجيوش الإلكترونية على تأمين الدفاع عن الشبكات الحاسوبية للأنظمة، وتشمل عمليات الدفاع حماية الأجهزة والشبكات من الاختراقات الخارجية على مستوى الشبكات والبرمجيات والخوادم وسحب وقواعد البيانات.

أخيراً تعمل الجيوش الإلكترونية على استطلاع شبكات الحاسب الآلي من خلال الدخول غير المشروع والتجسس على شبكات وقواعد بيانات الخصم، وغالباً لا يصاحب هذا الاستطلاع أي تدمير أو تخريب للشبكات والبيانات، بل استطلاعها ونقلها ونسخها بشكل أساسي والتجسس على حركات ومعلومات وشبكات دفاع الخصوم.

تعتبر الوحدة 61398 الصينية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني واحدة من أشهر الوحدات الإلكترونية التي تقوم بعمليات تجسس إلكتروني وسرقة معلومات عبر الإنترنت. بالإضافة إلى وحدة قيادة الفضاء الإلكتروني التابعة للولايات المتحدة والتي استحدثها البنتاغون في 2009 لتنفيذ عمليات في الفضاء الإلكتروني والتي كان على رأس قيادتها الجنرال ألكسندر كبت، وهي وحدة متخصصة بالإشراف على كل ما يتعلق بالإنترنت من تأمين وقيادة عمليات إلكترونية ضد أهداف خارجية أو حماية شبكات وزارة الدفاع الأميركية. وتعد وحدة 8200 الإسرائيلية واحدة من أشهر الوحدات الإلكترونية التي تخوض حروب الهجوم والدفاع عبر الفضاء الإلكتروني، وأخيراً وحدة قراصنة الظل التابعة للحكومة الروسية والتي تعمل على بناء نظام إلكتروني شامل يعمل على حماية البنية الأساسية للقوات المسلحة ضد الهجمات الإلكترونية.

ثانياً: الجيوش الإلكترونية المناصرة (المعنوية)

من أهم مهام هذه الجيوش هي المشاركة في تبني الطروحات الرسمية، والمشاركة في حروب التغريدات والتعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي، وترويج الأفكار المراد ترويجها، والتبليغ عن حسابات الخصوم، وصولاً إلى اختلاق أو تطويق رأي عام يدعي مناصروه أنه يتصف بالإجماع. يطلق على هذه الجيوش مسمى "ذباب إلكتروني" للتحقير منها، وقد انتشر هذا المسمى بعد أزمة الخليج.

يصنف الكاتب أسامة الشامي في تقريره أنواع حسابات الجمهور على شبكات التواصل الاجتماعي إلى أربعة أنواع:

1. شخص حقيقي وهوية رقمية حقيقية
2. شخص حقيقي وهوية رقمية مزيفة
3. حساب إلكتروني دون هوية لشخص غير موجود (وهمي/آلي)
4. هوية رقمية متكاملة لشخص غير موجود

نركز في هذه المقالة على الأنواع الثلاث الأخيرة، والتي تستخدم كأدوات للدعاية السياسية أو التجارية، وتعمل ضمن مجموعات منظمة للمشاركة في النقاشات العامة أو دعم تريندات محددة. ونسعى هنا لتحديد أنواع تلك الحسابات المزيفة حسب نشاطها وسلوكها على الأنترنت.

ماذا تفعل الحسابات المزيفة كي تتجنب الشبهات؟

  • نشر أخبار متنوعة حسب نوع الحساب والهدف منه، لتغطية الصفة الوهمية وتقريبه إلى الحساب الحقيقي
  • إعادة تغريد لتغريدات متنوعة عن أكثر من موضوع وممارسة نشاط الحسابات الحقيقية
  • استخدام صورة حساب تخدم الغرض من الحساب وحسب نوعه
  • متابعة مصادر متعددة وعدد كبير من الحسابات غالباً يكون عدد المتابع أكبر من عدد المتابعين

بفهم الاصطفافات السياسية لأي منطقة يمكن بسهولة الكشف عن الحسابات المزيفة أو الوهمية عبر تحليل مضمونها وسلوكها وطبيعة مشاركتها في النقاشات العامة.

تخيل وجود جماعتين متخاصمتين أو نقاش يدور حول قضيتين مختلفتين

الجماعة (أ) والجماعة (ب)

نجد أن سلوك الجيوش الإلكترونية المشاركة في النقاشات حول الجماعتين سوف يتمحور حول التصنيفات الأتية:

  • حسابات تدعم المجموعة (أ) لرفع مستوى التفاعل واصطناع الاجماع على رأيها وإعطاء مصداقية لها
  • حسابات تهاجم المجموعة (أ)، وهي حسابات تدار من نفس المجموعة ولكن الغرض منها رفع حدة النقاش وتبرير خطاب الكراهية وتصعيده. مثال: حسابات سعودية تهاجم وتشتم حسابات سعودية لاستخدامها في التدليل على أن من يهاجمون السعودية يستخدمون لغة كراهية وتبرير مهاجمتهم.
  • حسابات تشبه في خصائصها المجموعة (ب) لكنها تدعم المجموعة (أ) لتساهم في تعزيز فكرة أن المجموعة (أ) مقبولة عند أفراد من المجموعة (ب): مثال: أن تجد حسابات قطرية تدعم حسابات وآراء سعودية.
  • حسابات بخصائص ضعيفة من مجموعة (أ) وتهاجم المجموعة (!) وتدعم المجموعة (ب) لكنها غير مضبوطة جيداً، والهدف منها أن تظهر كحسابات وهمية كي يتم استخدامها كحجة على أن المجموعة (ب) تستخدم جيوش إلكترونية.
  • حسابات تشبه في سلوكها وخصائصها مجموعة (ب) وتهاجم المجموعة (ب) لكنها بالأساس تدار من المجموعة (أ).

نفس الأنواع الخمسة السابقة يتم عكسها لأجل خدمة بروباغندا المجموعة (ب) على حساب المجموعة (أ).

عبر ملاحظة السلوكيات السابقة نجد أن الجيوش الإلكترونية من أسرع وأقوى الأدوات التي تحقق هدف اختلاق رأي عام مناصر لقضية ما، أو تطويق الرأي العام بقصة معينة واختلاق الإجماع عليها، عبر توفير عنصر أساسي وهو الكم الكبير الذي يخدم انحياز معين أو يسمم المجال العام عبر استهداف الخصوم والقضايا.

المصادر:

نموذج التواصل السياسي لــ"كامبريدج أناليتكا": فبركة الأخبار وهندسة الجمهور

Oxford Word of the Year 2016 | Oxford Languages

بين إدارة الفوضى و"الذباب" الإلكتروني.. كيف يُصنع التريند السياسي على "تويتر"؟

The Fake News Machine, How Propagandists Abuse the Internet and Manipulate the Public

تصاعد دور “الجيوش الإلكترونية” في المؤسسات العسكرية

الأكثر قراءة