` `

الناس.. مصدر الأخبار الكاذبة!

أسماء الغول أسماء الغول
تكنولوجيا
14 يوليو 2020
الناس.. مصدر الأخبار الكاذبة!
الأدلجة، والتحزب والترويج لمنتجاتٍ بعينها، جميعها أسباب تجعل غير المتخصصين بل تجعل أيّ أحد راغباً وقادراً على نشر قصة مزيّفة (Getty)

في منتصف عام 2016 لاحظ محرر في موقعBuzzfeed ، اسمه Craig Silverman، تدفقًا مثيراً للاهتمام من القصص المزيّفة التي يبدو أنّه تم إطلاقها بل تحديداً اختراعها من بلدةٍ صغيرةٍ في أوروبا الشرقيّة، وهنا أخذ سيلفرمان بتتبّعها ليجد مجموعةً من المواقع الإخباريّة، جميعها تخرج من نفس البلدة الصغيرة في مقدونيا وتُدعى فيليس.

بدأ هو وزميله بالتحقّق مما يحدث هناك، ليجدا أنّه وقبل الانتخابات الأميركيّة بوقتٍ قصير هناك ما لا يقل عن 140 موقعاً إخباريّاً مزيّفاً تم نشر عناوين أخبارها عبر سحبها، وبأعدادٍ كبيرةٍ إلى صفحات Facebook.

قد يكون أو لا يكون لدى الشباب في فيليس اهتماماً كبيراً بالسياسة الأميركيّة، لكن بسبب الأموال التي يتم جنيها عبر إعلانات Facebook، أرادوا أنْ تسافر قصصهم الخياليّة على نطاقٍ واسعٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، وهنا كانت فرصة الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة موضوعاً ساخناً جداً للترويج، وكسب المال، بل إنّ المدينة كلها أصبحت غنيّة من وراء الأخبار المزيّفة.

وهكذا كتب المقدونيّون وتحديداً من يعملون على تزييف القصص الإخبارّية تفاصيل مشوقة، وبعناوين جذابة، إلّا أنّها جميعها كاذبة، ومن أشهرها كان "عميل مكتب التحقيقات الفدرالي المشتبه به في تسريبات هيلاري للبريد الإلكترونيّ تم العثور عليه منتحراً".

إذن يبدو أنّ المال دافعٌ كبيرٌ وراء انتشار الحكايات الوهميّة والقصص المزيّفة قبل دوافع الأدلجة، والتحزب والترويج لمنتجاتٍ بعينها، وجميعها أسباب تجعل غير المتخصصين بل تجعل أيّ أحد راغباً وقادراً على نشر قصة مزيّفة.

وهذا البحث وراء الأخبار الكاذبة وهوية مُطلقها، جعل الكاتب ستيف لوهر في مقالة له بصحيفة نيويورك تايمز يتساءل"ماذا لو لم تكن آفّة الأخبار الكاذبة على الإنترنت ناتجة عن عملاء روس أو متعصبين حزبيّين أو روبوتات يتم التحكم فيها بواسطة الكمبيوتر؟ ماذا لو كانت المشكلة الرئيسيّة نحن؟"

ويبدو سؤال ستيف مرعباً، ففي الوقت الذي تتّجه معظم التحليلات إلى أنّ الأخبار الزائفة هي نتاج لمتعصبين سياسياً وأيديولوجياً، وحكومات تريد تلميع صورتها، يأتي هو ليقول أنّ الناس العاديين هم وراء هذه الأخبار، فكيف يفسر ستيف ذلك؟.

يقول "الناس هم الجناة، فوفقاً لدراسة جديدة تُركّز على تدفق القصص في موقع تويتر، يُوضّح مؤلفوها بأنّ الناس يفضلون الأخبار الكاذبة، ولذلك فإنّ الأخبار الكاذبة تنتقل بشكل أسرع وأعمق عبر الشبكة الاجتماعيّة بشكل يفوق الأخبار الحقيقيّة".

ويشرح ستيف عن الدراسة الجديدة أنّ باحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجدوا أنّ الأخبار الكاذبة في كل موضوع، ليس فقط في السياسة والأساطير، لكن أيضاً في الأعمال والعلوم والتكنولوجيا؛ فالمزاعم الكاذبة أكثر احتمالاً لمشاركتها على موقع تويتر بنسبة 70 بالمائة من المزاعم الحقيقيّة.

وتتابع الدراسة "نادرًا ما تمت إعادة تغريد القصص الحقيقيّة من قبل أكثر من 1000 شخص، ولكن تمّت مشاركة القصص الكاذبة بشكلٍ روتينيّ من قبل 1000 إلى 100000 شخص، كما استغرقت القصص الحقيقيّة ستة أضعاف طول القصص الزائفة للوصول إلى 1500 شخص".

وهنا تصل الدراسة إلى استنتاج يعتبر مفاجأة، ففي الوقت الذي يمكن لبرامج الروبوتات تسريع انتشار القصص الكاذبة، إلّا أنّ الباحثين اكتشفوا عبر استخدام البرمجيات لتحديد وإزالة الروبوتات، أنّه معها أو بدونها، كانت النتائج هي نفسها بشكلٍ أساسي.

ويكتب ستيف في تفاصيل الدراسة التي نُشرت الأسبوع الفائت في مجلة "علوم" أنّ كُتابها  "تتبعوا منذ عام 2006 حتى2017 حوالي126000 قصة غرّد بها ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص أكثر من 4.5 مليون مرة، ووجدوا أنّه تم تعريف "الأخبار" و"القصص" على نطاقٍ واسعٍ على أنّها ادّعاءات للحقيقة، بغض النظر عن المصدر، وتم تصنيف القصص على أنّها صحيحة أو خاطئة، باستخدام معلومات من ست منظماتٍ مستقلةٍ للتحقق من الحقائق بما في ذلك Snopes و PolitiFactوFactCheck.org".

ومن المهم الإشارة إلى أنّ الدراسة تجنّبت مصطلح "الأخبار المزيّفة"؛ لأنّه أصبح مستقطباً بشكل لا يمكن إصلاحه في المناخ السياسيّ والإعلاميّ الحالي.

ويتابع ستيف في تغطية الدراسة التي توضح أسباب انتشار الأخبار الكاذبة بسرعة الفايروس، بالقول إنّ الأخبار الكاذبة تتمتع بجاذبيّة؛ فعبر تطبيق أدوات قياسيّة لتحليل النص، وجدوا أنّ الادّعاءات الكاذبة كانت جديدة بشكلٍ ملحوظ أكثر من تلك الحقيقيّة، وربما ليست مفاجأة؛ فالأكاذيب هناك من يبدعها.

كما اكتشف مؤلفو الدراسة أنّ العواطف التي تثيرها القصص الكاذبة مقابل الحقيقيّة هي عامل مهم وراء انتشار الأولى وخمود الثانية، فالأخبار الكاذبة تُثير ردود تعرب عن مفاجأة أكبر، وردود عاطفيّة أكثر حدة كالاشمئزاز، بينما الأخبار الحقيقيّة تعني المزيد من الترقب والحزن.

ويحاول ستيف في استقراء للدراسة أنْ يجد حلاً لهذه المعضلة أي آفة انتشار الأخبار الكاذبة، ليكتشف أنّ فهم كيفية انتشار الأخبار الكاذبة خطوة أولى نحو كبحها، وهو ما أوصى به الباحثون، فإنّ مراقبة السلوك البشريّ يلعب دوراً كبيراً في تفسير الظاهرة.

المعلومات الخاطئة والأكاذيب والخداع ستبقى موجودة إلى الأبد، لكن ما اكتشفه الناس حالياً وخاصة شباب تلك القرية المقدونيّة أنّه يمكن صناعة المال من قصةٍ ألّفها للتو وهو يجلس أمام التلفاز لتنتشر على طول الكرة الأرضيّة، ولن يخسر شيئاً بل سيزيد حسابه في البنك.

المصادر:

  Nytimes

BBC

 

الأكثر قراءة