` `

دراسة تونسية حول واقع التحقق من الأخبار في ظل كوفيد-19

عائشة غربي عائشة غربي
علوم
19 فبراير 2021
دراسة تونسية حول واقع التحقق من الأخبار في ظل كوفيد-19

في ورقة بحثية حول التحقق من الأخبار الزائفة في تونس في ظل كوفيد- 19، درس ثلاثة باحثين تونسيين تأثير انتشار الفايروس على صحافة التحري، من خلال متابعة مختلف مبادرات منصات التحقق التونسية واستراتيجيات عملها.

ولفهم تأثير فايروس كورونا في مجال التحقق، اعتمد الباحثون وهم أروى الكعلي، فرج زميط وإكرام التومي، على منهجية تجميع منصات التحقق والمبادرات التي انطلقت في تونس، ورصد بياناتها المتعلقة بفترة إطلاقها وتطور عملها، ونوع الوسائط التي تعمل في إطارها، واستراتيجيات التحقق التي تعتمدها.

كانت الحملات الانتخابية، وفق الباحثين عاملًا مهمًا في نشأة منصات التحقق في حقبة ما قبل كوفيد-19. إذ تم إطلاق المنصة الأولى (Birrasmi8) في عام 2014 خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأولى. وهي موجهة للتحقق من الأخبار الزائفة على الإنترنت، بادرت بها منظمة غير حكومية تونسية "Les Cahiers de la Liberté" للتحري من ادعاءات السياسيين، إلا أن مجال عملها اقتصر على فترة الانتخابات.

وبين البحث كيف لعب سياق الانتقال السياسي في تونس دورًا أساسيًّا في ظهور منصات لتقصي الحقائق، حيث أدخلت الصحافة التونسية آليات مبتكرة وأعادت تصميم مبادئ عملها الأساسية، في استعادة لمسؤوليتها الاجتماعية بالتحقق من المعلومات الكاذبة التي تؤثر على الانتقال السلمي والديمقراطي في البلاد.

وكان للإذاعة والتلفزيون التونسيين، سبق في إطلاق مشاريع التحقق من الأخبار الزائفة منذ خريف 2017 حتى ربيع 2018، كفقرات ضمن برامجها.

وفي السياق ذاته، قدمت الدراسة أمثلة عن المبادرات التي أطلقت ثم اختفت مثل المنصة التابعة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي ظهرت عام 2019، وخصصت لمساعدة المواطنين على بناء رأي حول المرشحين أثناء الحملات الانتخابية، لكن منذ بداية انتشار الفايروس لم تنشر موادًا.

كما أطلق التليفزيون التونسي منصته الخاصة لتقصي الحقائق في عام 2019 ولكن بعد بضعة أشهر من إنشائها، لم يعد الموقع الإلكتروني متاحًا.

وبين فبراير/شباط وأبريل/نيسان 2020 ، ساهم انتشار فايروس كورونا المستجد في ظهور العديد من منصات التحقق على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك، منها منصة "فالصو"، فيما تطور عمل منصات وأخرى بعثت قبل تفشي كوفيد-19 مثل (Icheck.Tn) التي أطلقتها منظمة (I Watch) عام 2019. ومن بين ثماني منصات جديدة تم إنشاؤها قبل الفايروس ومع بدايته، تشرف منظمات غير حكومية على أكثر من نصفها.

وفق البحث، يمكن تصنيف (Falso و I check) على أنهما أهم مبادرات التحقق نظرًا لجمهورهما وعدد الأخبار التي يتحققان منها بشكل يومي. مع الإشارة إلى أن صفحة (Falso)، التي أطلقها مجموعة من النشطاء التونسيين، تضم أكثر من 14 ألف معجب على "فيسبوك"، وهو أكبر عدد من المتابعين لجميع صفحات ومجموعات التحقق في البلاد.

وخلال إجراء المقابلات الخاصة بالدراسة، أكد بعض مؤسسي المجموعات والصفحات والمواقع أن منصاتهم ستظل نشطة بعد انتهاء فايروس كورونا لأنهم يشتبهون في أن المعلومات المضللة ستنخفض ولكنها لن تختفي تمامًا (Falso و Icheck)، بينما أكد آخرون أنها ستعلق نشاطها مع نهايته (الخبر مقدس). فيما اعتبرت منصات أخرى مثل "نواة" أنها في فترة تجريبية ولم تقرر بعد استمرارها من عدمه.

وتخلص الدراسة إلى أن التوجه إلى للتحقق من الأخبار الزائفة في تونس، بدا جليًّا منذ عام 2014، لكن تفشي فايروس كورونا، أحدث تغييرًا واضحًا في هذا المجال نظرًا للزيادة في عدد المنصات والموارد منذ فبراير/شباط 2020. كما خلق سياقًا ساهم في ازدهارها وكان معظمها من نتاج مبادرات المجتمع المدني. رغم ذلك تُنتقد المنظمات غير الحكومية من قبل العاملين في وسائل الإعلام التقليدية بسبب الشعور العام بعدم الثقة في دور المنظمات ما بعد الثورة ونقص الصحفيين المحترفين في هذه المنصات.

وأشار الباحثون، إلى أن البيئة الإعلامية التونسية تُظهر علامات تدل على هشاشة وسائل الإعلام وتأثرها بالأزمة الاقتصادية الوطنية التي تزداد سوءًا مع تفشي فايروس كورونا، وهو السبب في أن العديد من العاملين في المنصات ليسوا متخصصين في التحقق. وقد يمثل الغياب التام للمختصين في الصحافة العلمية مشكلة وتهديدًا للقدرة على تقييم المعلومات ونقلها إلى الجمهور. علاوة على ذلك، فإن حقيقة اعتماد العديد من المؤسسات على الأموال الخارجية لإنشاء منصة للتحقق تثير التساؤل حول استقلالية هذه المنصات ومستوى تأثير الممولين على عملها.

وانتهت الدراسة إلى أن منصات التحقق في تونس في سياق كوفيد-19، تفتقر إلى سياسية تحريرية واضحة واستراتيجية للتحقق.

فريق "مسبار" تواصل مع أروى الكعلي، إحدى القائمين على البحث وأستاذة صحافة البيانات في معهد الصحافة وعلوم الإخبار في تونس، التي بينت أنّ "وباء المعلومات" في ظل كوفيد-19، ودوره في التأثير على صحة الإنسان مباشرة، أدى إلى ظهور طفرة من المعلومات المغلوطة وفي سياق التصدي لها ظهرت مبادرات جديدة وفقرات للتحقق من الزيف والتضليل في تونس. وبينت أن كوفيد-19 كان دافعًا أساسيًّا لظهور العديد من منصات التحقق من الأخبار أو تطوير عملها.

أهم المبادرات، وفق أروى، هي التي أطلقها المجتمع المدني، مثل "فالصو" التي تقدم فقرة ضمن برنامج مونيتورينغ في التلفزيون العمومي التونسي(برنامج إعلامي يقوم على التعديل الذاتي لوسائل الإعلام)، بشكل أسبوعي، رغم أن التلفزيون أطلق منصة خاصة به للتحقق لكن سرعان ما اختفت.

وتعتبر الكعلي أنه يوجد تراجع في التحقق من الأخبار الزائفة في تونس حاليًّا، مقارنة بالعملية ذاتها خلال ما يعرف بالموجة الأولى لكوفيد-19، لأن عملية التحقق مكلفة على مستوى الموارد البشرية، ما يدفع بعض المواقع لانتقاء الأخبار التي ترى أنها الأكثر أهمية، رغم أن بعض المواقع تعتمد استراتيجية للتحقق من جميع الأخبار والبعض ينتقي أخبارًا بعينها.

وفق الباحثة التونسية، من الجيد وجود مبادرات للتحقق، منها التي أطلقها المجتمع المدني شرط توفر صحفيين مختصين قادرين على التقييم، أو متكونيين في مجال الصحافة والتحقق، ومن المهم أن تكون لوسائل الإعلام مبادراتها رغم الإكراهات المادية لأن التحقق من الخبر هو خبر في حد ذاته.

تقدم الكعلي بعض الحلول لتجاوز الإشكاليات المتعلقة بالتحقق من الأخبار الزائفة في تونس، منها بناء استراتيجية واضحة للتحقق، الدعم المادي لهذا الجانب في الصحافة التقليدية وتكوين مختصين في الصحافة العلمية ومجال التحري. كما دعت إلى التربية على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، لتوعية المستخدم تجاه ما ينشر في ظل تطور الذكاء الاصطناعي، مع غياب حارس البوابة الذي يضطلع بدور هام في الميديا التقليدية ويقوم بتمرير المحتوى والتحقق من صحته قبل نشره، إلا إذا كان لديه أجندة معينة.

شملت الدراسة 15 مبادرة للتحقق من الأخبار الزائفة في تونس، ورغم أنها "وصفية" لم تتطرق إلى مضامين ومحتوى المنصات، إلّا أنها تعد مبحثًا مهمًا في مجال التحقق في تونس، يمكن البناء عليه وتطويره.

المصادر

An examination of Tunisian fact-checking resources in the context of COVID-19

الأكثر قراءة