` `

الرأي العام كضحية للتضليل الإعلامي

يُقال إنّ المعتقدات والمشاعر الشخصية بدأت تحل محل الواقع الموضوعي.
يوسف القدرة يوسف القدرة
أخبار
12 مارس 2021
الرأي العام كضحية للتضليل الإعلامي
يُقال إنّ المعتقدات والمشاعر الشخصية بدأت تحل محل الواقع الموضوعي (Getty)

على الرغم من حدوث العديد من التحوّلات في الممارسات الصحفية، مع تطوير تقنيات الاتصال الجديدة، إلا أنّ دقّة وموثوقية الأخبار المُقدّمة للجمهور، والتي بناءً عليها يتشكل رأي عام تجاه قضايا معينة، ما تزال موضوعًا راهنًا. في عصرنا هذا الذي بدأ يُطلق عليه "ما بعد الحقيقة"، غالبًا ما يُقال إنّ المعتقدات والمشاعر الشخصية بدأت تحل محل الواقع الموضوعي. ففي سياق الانتشار الواسع للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي صارت جزءًا من الحياة اليومية، إلى جانب مميزاتها الإيجابية العديدة (التواصل السريع، واختفاء قيود الحيز الزمني، وسهولة الوصول إلى المعلومات، وغيرها)، تزامن مع الانتشار السريع للأخبار الكاذبة. هذه الظاهرة، التي بدأت في منع تكوين رأي عام سليم، جذبت اهتمام الإعلاميين والأكاديميين في السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، أدى الأمر إلى إنشاء منصات مختلفة للتحقق من الأخبار لمكافحة الأخبار المزيفة.

تجذب هذه المنصات الانتباه كمبادرات المجتمع المدني التي تحاول مقاومة المعلومات المضللة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية، وتبني موقفًا شفافًا ومحايدًا.

فمن حيث الإطار المفاهيمي ومراجعة الأدبيات، سواء سميت "أخبار كاذبة" أو "معلومات مضللة"، فإن حقيقة أن الأخبار الكاذبة والمتلاعب بها تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتصل إلى أعداد كبيرة من الناس، بما تنطوي عليه من آثار سلبية على المجتمع، مع الزيادة في عدد منصات التواصل الاجتماعي وشعبيتها ومجال تأثيرها، أصبح من الهام، أن يصير المستخدمون "متعلمين رقميًا"، وعلى دراية بأضرار وفوائد وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يكونوا قادرين على استخدام الأدوات الرقمية.

لقد تركت الصحافة القائمة على البحث والحقائق مكانها لبيئة إعلامية حيث تسود المعتقدات والقناعات الشخصية في عصر ما يسمى ما بعد الحقيقة. على الرغم من أن مفهوم "الأخبار المزيفة" هو موضوع العديد من المناقشات، إلا أنه يُعرّف عمومًا على أنه نشر معلومات مضللة على نطاق واسع وأخبار مضللة في وسائل الإعلام وعبر الإنترنت. بمجرد أن تبدأ الأخبار المستندة إلى معلومات غير دقيقة في الانتشار، قد تستمر الأخبار المزيفة في التأثير على آراء الناس ومعتقداتهم، حتى لو تبيّن لاحقًا أن هذه الأخبار لا أساس لها من الصحة.

من الناحية المثالية، ينبغي تشكيل الرأي العام كنتيجة لنقاش ديمقراطي اجتماعي، ويجب على الناس تحديد رأيهم في الأحداث الاجتماعية بناءً على معلومات دقيقة وموثوقة حصلوا عليها. من أجل تشكيل الرأي العام للجمهور بطريقة صحية، من المتوقع أن تساهم وسائل الإعلام كـ"قوة رابعة" بمعلومات دقيقة وموثوقة. في هذا السياق، مُجّدَ دور الإنترنت بفكرة أنه سيزيد من تدفق المعلومات والمشاركة الاجتماعية والسياسية ويساهم في إضفاء الطابع الديمقراطي على المجتمع، ولكن بعد ذلك انهالت العديد من الانتقادات حول تأثيرات شبكات الاتصال الرقمية، خاصة المعلومات المضللة عبر الإنترنت. 

على الرغم من أن الأدوات الرقمية يمكن أن تساعد في تسهيل حياة الأشخاص، إلا أنها توفر أيضًا ذخيرة معينة للأشخاص والمجموعات التي تحاول نشر أخبارًا مزيفة/توجيهية لأغراض سياسية واجتماعية واقتصادية. في هذا السياق، يمكن أن ينتشر المحتوى القائم على المعلومات المضللة بسرعة في شبكات الاتصال الرقمية من خلال حسابات (وهمية)، وتوجيه إنتاج المحتوى على المنصات الشهيرة مثل فيسبوك وتويتر، والتلاعب بالصوت والصور، وأنشطة القرصنة الإلكترونية، يؤدي هذا الوضع إلى انخفاض الثقة في وسائل الإعلام والأخبار، والتلاعب بالمستخدمين لأغراض اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية معينة، وتتأثر عمليات صنع القرار للمواطنين بشكل سلبي ويتشكل الرأي العام في هذا الإطار، من المعلومات المشبوهة. خاصة في السنوات الأخيرة، إذ شكّلت بعض الدول والأحزاب السياسية فرقًا على مواقع التواصل الاجتماعي لأغراض مثل التلاعب في نتائج الانتخابات وكسب التفوق الدبلوماسي، ونشر بعض الأخبار الكاذبة أو المضللة التي يكون لها تأثير سلبي على بناء رأي عام سليم، وعلى الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام. 

منصات التحقق من الأخبار، التي تعمل على مكافحة الأخبار المزيفة، هي مبادرات أنشأها الأفراد أو الصحفيون أو المنظمات غير الحكومية للتحقيق في دقة المحتوى والادعاءات في المصادر العامة، ومشاركة نتائجها مع القراء، وإبلاغ المستخدمين بمصداقية المحتوى في البيئة الرقمية.  والغرض الرئيسي هو التأكد من أن المواطنين يبنون آراءهم على أخبار/حقائق موضوعية، بما يتماشى مع هدف إعلام الجمهور بشكل صحيح، ولضمان عدم تعرضهم لمعلومات مضللة بأقل قدر ممكن. من الممكن تقسيم منصات التحقق من الأخبار إلى ثلاث من حيث صفاتها. أولها منصات تتعامل مع التحقق من صحة التصريحات العامة وخطابات ووعود السياسيين، مع التركيز بشكل أساسي على القضايا السياسية. ثانيًا، هناك منصات تتعامل مع مختلف القضايا المثارة والاحتيالات الخبرية والأخبار المزيفة المتداولة عبر الإنترنت. أخيرًا، هناك منصات للتحقق من الأخبار تركز فقط على بعض الأحداث الجارية، مع التأكيد على أهمية هذه المنصات كمنظمات تسعى وراء الحقيقة بطريقة محايدة ضد المعلومات الكاذبة والمضللة في العالم وضبط الخطاب المشبوه الذي تروج له وسائل الإعلام.

بالنظر إلى منصات التحقق من الأخبار مثل، مسبار العربية، وتايت التركية، وسنوبس الأميركية، فهي تهدف إلى زيادة وعي الناس بالموضوع وزيادة الوعي حول الأدوات اللازمة لعمليات التحقق من الأخبار.  إذ تكافح منصات التحقق من الأخبار المعلومات المزيفة وغير المكتملة والمتلاعب بها، التي تنتشر للجمهور، من خلال الاستفادة من الأدوات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي التي توفرها تقنيات الاتصال الجديدة. في هذا السياق، لوحظ أن القضايا السياسية والاقتصادية، التي لها تأثير على تكوين الرأي العام، يتم التأكيد عليها، وتلقى اهتمامًا خاصًّا لديهم. بالإضافة إلى ذلك، يعملون على إعداد ملفات خاصة لزيادة وعي المستخدمين ضد انتشار الأخبار المزيفة، وتزويدهم بمعلومات عملية في سياق محو الأمية الرقمية. إلى جانب ذلك، يتم تشجيع المستخدمين على المشاركة في عمليات التحقق من الأخبار، ويتم أيضًا تقييم الأخبار المشبوهة التي يرسلونها، وبالتالي، يتم استخدام البنية التفاعلية لوسائل التواصل الاجتماعي إلى أقصى حد، بدلاً من الاتصال من جانب واحد، وهو أسلوب اتصال متعدد الاستخدامات يمكن للقرّاء المشاركة فيه في عملية الإنتاج. 

تقنيات الاتصال الجديدة لها آثار تحويلية على الحياة الاجتماعية، وبيئة الاتصالات مع القرن الحادي والعشرين. مع اندماج الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد في الحياة اليومية، حدثت تغييرات في فهم الاتصال والصحافة. إلى جانب الفوائد التي يوفرها الإنترنت، مثل سهولة الوصول إلى المعلومات، والتداول السريع للأخبار وجمع الناس معًا على الشبكات، فإن "الأخبار الكاذبة" المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر سلبًا على فكرة تشكيل رأي عام لدى الجمهور من خلال الأخبار الموضوعية/الصحيحة. بدأت منصات التحقق من الأخبار العاملة في البيئة الرقمية في لعب دور مهم في مكافحة هذه الأخبار المزيفة.

أخيرًا، يجب التأكيد على أن مبادرات المجتمع المدني هذه وحدها لا يمكن أن تكون كافية، وينبغي زيادة وعي الأفراد بهذه القضية. في هذا الاتجاه ، سيساهم نشر التدريب على محو الأمية الإعلامية الرقمية بدءًا من المدارس الابتدائية في حل المشكلات التي تثيرها الشبكات الاجتماعية، وخاصة المعلومات المضللة.

اقرأ/ي أيضًا:

هل اعتذر الحكم رضوان جيد للاعبي الأهلي بعد مباراة فيتا كلوب؟

التفكير الناقد سلاح قوي أمام التزييف

الأكثر قراءة