` `

الوعي والانتباه وتأثيرهما على تصديق الأخبار

أسماء الغول أسماء الغول
علوم
4 أبريل 2021
الوعي والانتباه وتأثيرهما على تصديق الأخبار
فهم الأسباب التي تُحفز الناس على مشاركة الأكاذيب تساعد على حل المشكلة (Getty)

تُعد مشاركة الأخبار المزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي مصدر قلقٍ عالمي وتحدي كبير للدول والمنظمات المختلفة، حيث إن هذه الأخبار تُصمّم خصيصًا لزرع بذور عدم الثقة وتفاقم الديناميكيات الاجتماعية والثقافية القائمة، من خلال إساءة استخدام التيارات السياسية والإقليمية والدينية والتجارية. ويكون لها تأثيرًا سلبيًا على الأفراد والمجتمع لأنها تُقنع المستهلكين عمدًا بقبول المعتقدات الخطأ التي يتم مشاركتها.

فمثلًا الأخبار الكاذبة التي تروّج لوجهة نظر أو رأي معين حول منتجٍ أو علامةٍ تجارية أو مؤسسة، يمكن تصميمها عمدًا لتضليل المستهلكين، تمامًا كما حصل عندما هدّد المستهلكون بمقاطعة مطعم ماكدونالدز بعد انتشار الأخبار الكاذبة المتعلقة باستخدامه الديدان المطحونة في البرغر.

على العكس من ذلك، يتم تضليل المستهلكين أيضًا لشراء منتجاتٍ معينة من خلال التقييماتٍ المزيفة، وبالتالي، أصبحت الأخبار المزيفة وانتشارها الفايروسي مصدر قلقٍ بالغٍ في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ إن ميزة إخفاء الهوية والمحتوى الذي ينشئه المستخدمون تشجّع على سلوك مشاركة الأخبار المزيفة.

يُعد فهم الأسباب والسلوكيات المرتبطة التي تُحفز الناس على مشاركة الأكاذيب عبر الإنترنت من أهم الوسائل التي تساعد في تحديد حل لمعالجة الخطر المتزايد؛ وخاصةً أن الأبحاث المتوفرة لا تُقدم سوى القليل من المعلومات حول الدوافع الكامنة وراء هذه المشاركات. 

المخاوف بشأن الجمهور الذي لا يمتلك المعلومات الكافية أو حتى المضللة عندما يتعلق الأمر بالقضايا العلمية ليست جديدة. حيث إن الانفصال بين الرأي العام والإجماع العلمي حول موضوعات مثل سلامة اللقاح أو نظرية التطور أو تغير المناخ، موجود منذ فترة طويلة. ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، ساهمت البيئات السياسية، المتزايدة الاستقطاب، والتغيرات الأساسية في كيفية مشاركة المعلومات من قبل وسائل الإعلام والجماهير، في إلحاحٍ جديدٍ لهذه المشكلة.

 

أولًا: عدم فهم الحقائق العلمية: 

أحد المجالات الإشكالية هو فهم الحقائق العلمية الأساسية والعملية. 

تقيس استطلاعات مؤشرات العلوم والهندسة الأميركية (SEI) المعرفة الواقعية حول العلوم مرتين سنويًا، كمتوسط ​​عدد الإجابات الصحيحة لسلسلة من عناصر الصواب أو الخطأ، وعناصر الاختيار من متعدد. 

تُشير بيانات الاتجاه إلى أن المعرفة بالحقائق والمصطلحات العلمية لم تنخفض بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، هناك اختلافات بين المستجيبين، حيث ترتبط المعرفة الواقعية ارتباطًا وثيقًا بمستوى التعليم الرسمي للأفراد.

ضمنيًا، تفترض معظم مناهج معالجة الحقائق الخوارزمية أن المواطنين لديهم معلومات مضللة لأنهم غير قادرين على غربلة المعلومات وتقييمها بشكلٍ نقدي في البيئات الاجتماعية الناشئة. ومما لا شك فيه أن تدني مستويات الثقافة الإعلامية بين المواطنين جزء من المشكلة.

تم تعريف الثقافة الإخبارية والإعلامية على نطاق واسع بأنها "القدرة على الوصول إلى الرسائل وتحليلها وتقييمها وإنشائها بأشكالٍ متنوعة". ويمكن القول، إن مهارة "التقييم" هي التي تشكل التحدي الأكثر صلة بالمعلومات الخاطئة، حيث إن أولئك الذين لديهم قدرة محدودة على التقييم لا يمكنهم التمييز بين المصادر القديمة أو المتحيزة أو الاستغلالية، كما أفاد مركز بيو للأبحاث، بأن شخصًا واحدًا من كل أربعة من البالغين الأمريكيين، اعترف بمشاركة معلومات مضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

 

ثانيًا: وسائل الإعلام.

بينما يستمر المجتمع العلمي في التمتع بقدرٍ كبير من الثقة، تراجعت ثقة الجمهور في الصحافة بشكلٍ كبير خلال العقود الماضية. حيث أظهرت الاستطلاعات أن أكبر مشكلة في الأخبار المتعلقة بنتائج البحث العلمي هي الطريقة التي يُغطيها المراسلون الصحافيون. لا شك أن أرقام الاستطلاعات لا تعبّر بشكلٍ كافٍ عن جميع الفروق الدقيقة في ثقة الجمهور في العلوم أو الصحافة كمؤسسات وعلى الرغم من كونها مؤشرات غير كاملة، إلا أنها لا تبشّر بالخير بالنسبة لقدرة وسائل الإعلام على إعلام مختلف الجماهير بشكلٍ أفضل حول العلم أو حتى مواجهة المعلومات المضللة بين الجماهير التي تنتقد العلم بشكلٍ خاص.

 

ثالثًا: العلماء والمنظمات العلمية.

جادل بعض العلماء بأن تناقص الدعم العام والسياسات للعلم، من بين عوامل أخرى، قد خلق حوافز جديدة للمنظمات العلمية لاستخدام وسائل الإعلام وغيرها من القنوات العامة للترويج لنتائج معينة أو مجالات بحثية. 

تعتمد وسائل الإعلام بدورها، على العلماء المشهورين كمصادر لتقاريرٍ علمية ذات أهمية إخبارية. وقد أدّى ذلك إلى إثارة مخاوف من أن الضجيج والمطالبات المفرطة في البيانات الصحفية وغيرها من الاتصالات العلمية يمكن أن يؤدي إلى تصوراتٍ خاطئة بين الجماهير حول الإمكانات الحقيقية لمجالات العلوم الناشئة، خاصة إذا كان العلم غير قادر على تقديم ادّعاءات مبكرة عن علاجات للأمراض المختلفة، على سبيل المثال، كما في فايروس كورونا المستجدّ.

 

رابعًا: عدم الانتباه

وفقًا لدراسة جديدة في مجلة Nature ، وُجد أن العديد من الأشخاص يقترحون أخبارًا كاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي لأنهم ببساطة لا ينتبهون إلى ما إذا كان المحتوى وذلك ليس بالضرورة لأنهم لا يستطيعون معرفة الحقيقة من الأخبار المختلقة.

وتبيّن أن 33.1٪ من قرارات المشاركين للعناوين كاذبة لأنهم لم يدركوا أنها غير دقيقة، بينما كانت قلة الانتباه العامل الدافع وراء  51.2٪ من مشاركة المعلومات الخاطئة بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين شاركوا في تجربة أجرتها مجموعة من الباحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة ريجينا في كندا، وكلية إدارة الأعمال بجامعة اكستر في المملكة المتحدة، ومركز البحث والتدريس في الاقتصاد في المكسيك. 

 تشير نتائج تجربة أخرى ذات صلة، إلى أن تدخلًا بسيطًا (تنبيه) تحث مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي على التفكير في دقة الأخبار قبل النشر والتفاعل مع المحتوى، مما قد يساعد في الحد من انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت كما حدث في التجربة على مستخدمي موقع تويتر.

حيث أجرى بينيكوك وزملاؤه، سبع تجاربٍ علمية واستطلاعية في علم السلوك كجزء من دراستهم، بعنوان "تحويل الانتباه إلى الدقة يمكن أن يقلل من نشر المعلومات المضللة عبر الإنترنت". ركزت بعض التجارب على موقع فيسبوك والبعض الآخر عل “تويتر” كما ذكرنا سابقًا.

قال المؤلف المشارك في الدراسة جوردون بينيكوك، الأستاذ المساعد في العلوم السلوكية في جامعة ريجينا ، لمجلة The Journalist’s Resource: "يبدو أن سياق وسائل التواصل الاجتماعي قد يصرف انتباه الناس عن الدقة". غالبًا ما يكون الأشخاص قادرين على التمييز بين المحتوى الإخباري الحقيقي والخطأ، لكنهم يفشلون حتى في التفكير في مدى دقة المحتوى قبل مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي.

قام الباحثون بتجنيد المشاركين في معظم التجارب من خلال Amazon’s Mechanical Turk، وهو سوق جماعي عبر الإنترنت يستخدمه العديد من الأكاديميين في تجربة واحدة، اختاروا مستخدمي “تويتر” الذين سبق لهم مشاركة روابط  تعود إلى موقعين مشهورين، يصنفهما مدققو الحقائق المحترفون باستمرار على أنهما غير موثوقين  وهما Breitbart.com و Infowars.com، ليتم تقديم أحد التفسيرات المحتملة لهذا الفصل بين أحكام الدقة ونوايا المشاركة من خلال الحساب القائم على التفضيل لمشاركة المعلومات الخاطئة. حيث وُجد أن الأشخاص يهتمون بالدقة أقل بكثير من العوامل الأخرى، وبالتالي يشاركون المعلومات المضللة عن عمد. ومع ذلك، عندما سُئل الأشخاص في نهاية الدراسة عما إذا كان من المهم مشاركة المحتوى الدقيق فقط على وسائل التواصل الاجتماعي، كانت الاستجابة النموذجية "مهمة للغاية".

لماذا إذن كان المشاركون في الدراسة على استعداد لتبادل المعلومات المضللة؟

  1.  اهتمام الأشخاص بالدقة أكثر من أبعاد المحتوى الأخرى، ولكن الدقة غالبًا ما يكون لها تأثير ضئيل على المشاركة.
  2.  سياق وسائل التواصل الاجتماعي يركز انتباههم على عوامل أخرى مثل الرغبة في جذب وإرضاء المتابعين، الأصدقاء أو الإشارة إلى عضوية المجموعة.

قدمت الدراسة دليلًا على أن تحويل الانتباه إلى الدقة هو الآلية الكامنة التي تؤدي إلى أكبر انخفاض في مشاركة العناوين الرئيسية التي من المرجح أن يعتبرها المشاركون غير دقيقة.

 

تشير هذه الدراسات مجتمعة إلى أنه عند اتخاذ قرار بشأن المحتوى المراد مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي، غالبًا ما ينصرف الناس عن التفكير في دقة المحتوى. لذلك، يمكن أن يؤدي تحويل الانتباه إلى مفهوم الدقة إلى قيام الأشخاص بتحسين جودة الأخبار التي يشاركونها. علاوة على ذلك، وُجد انفصالٌ بين أحكام الدقة ونوايا المشاركة التي تُشير إلى أن الأشخاص قد يشاركون أخبارًا ليس لديهم بالضرورة إيمانًا راسخًا بها. ونتيجة لذلك، قد لا تكون معتقدات الناس متحيزة كما يبدو من خلاصات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم.

أيضًا تُشير النتائج إلى أن التصميم الحالي لمواقع التواصل الاجتماعي، الذي يجعل المستخدمين يمرّون بسرعة عبر مزيجٍ من الأخبار الجادة والمحتوى الجذاب عاطفيًا، ويتلقون تعليقات اجتماعية فورية ومحددة الكمية حول مشاركتهم، قد يثني الأشخاص عن التفكير في الدقة. 

ولكن هذا ما لا يجب أن يكون عليه الحال، فالحل هو تدخلات يمكن أن تستخدمها مواقع التواصل الاجتماعي لزيادة تركيز المستخدمين على الدقة. على سبيل المثال، يمكن للمواقع أن تطلب من المستخدمين دوريًا تقييم دقة العناوين المختارة عشوائيًا، وبالتالي تذكيرهم بالدقة بطريقة خفية. يمكن لمثل هذا النهج أن يزيد من جودة الأخبار التي يتم تداولها عبر الإنترنت دون الاعتماد على مؤسسة مركزية للتحقق من الحقيقة والرقابة على الخطأ.

المصادر:

Nature

الأكثر قراءة