` `

دور الصحافة الاستقصائية في التّنقيب عن الحقيقة وسط موجة الأخبار الزائفة

لم يعد دورُ الصّحافة يقتصر على عملية الإخبار التقليدي.
نور حطيط نور حطيط
أخبار
29 أبريل 2021
دور الصحافة الاستقصائية في التّنقيب عن الحقيقة وسط موجة الأخبار الزائفة
لم يعد دورُ الصّحافة يقتصر على عملية الإخبار التقليدي (Getty)

إشكالية الحقيقة في ظلّ الانتشار الواسع للأخبار الزائفة..  

 

"تُسمِّم الأخبار الزّائفة الأجواء التي نعمل فيها جميعًا. لقد تسببت في فقدان الجمهور ثقته بكلّ الأخبار المتداولة، كما أضرّت بالعلاقة القائمة بين وسائل الإعلام وجمهورها" - فيراشني بيلاي، رئيسة تحرير، هافنغتن بوست، جنوب أفريقيا.

 

لم يعد دورُ الصّحافة يقتصر على عملية الإخبار (informer) التقليدي، بل أصبح للصحافيّ مهام أصعب وأدوار كثيرة تخصّ التحليل والبحث والتدقيق وحتّى التحقيق والسعي للوصول إلى الحقيقة الموضوعية، خصوصًا مع اضمحلال معالم "الفضاء العام" (The public sphere)، المفهوم الذي أدرجه الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس في نظريته حول التواصل؛ فرغم زعمه بنزول القضايا من أيدي النخب والطبقات العليا وولوجها إلى عالم مواقع التواصل الاجتماعي، وإدراجها بين الشعوب على منصات مثل تويتر وفيسبوك وغيرها، إلّا أنّه لم يكفِ، بل حالَ دون خلق فضاء صحّي وسليم، بسبب تشويش الحقيقة وتعميتها، بعد ما تسامحت الأخيرة -أي المنصات- في انتشار الأخبار الزائفة والمضللة. 

وبدلًا من إشراك الجميع في القضايا والأحداث المهمة ومسح الغبار عن المخبوء منها، أصبح من السهل تحريك الرأي العام وتضليله بما يخدم مصالح شخصية.

أدى انتشار الأخبار الزائفة إلى زعزعة ثقة الجمهور بالصحافة، بل ولعب دورًا بارزًا في التحريض على العنف والإرهاب وفي تشجيع صعود الشعبوية العلمية، فيما يخص المناخ وجائحة كوفيد-19 على سبيل المثال لا الحصر. وكان لا بد من تسليط الضوء على الأدوار المنوطة بالصحفيّ في الاستقصاء وبحثه الدؤوب عن الحقيقة.

الصحافة الاستقصائية

يزيد عمر مصطلح صحافة الاستقصاء على النصف قرن، في الدول التي تُعتبر متطورة، لارتباطه الضروي بالديمقراطية وبجوهر العدالة. يخوض الصحفي الذي يشتغل في العمل الاستقصائي رحلة ملغومة بالشك بهدف الوصول إلى الحقيقة التي لطالما واجهت تحديات كبيرة في الماضي. ودون الخوض في مدارسها، سنشير فقط إلى الخطر المقبل في عصر باتت فيه الأخبار الزائفة تؤثر وتغيّر وتحرّض، إذ أصبح الصحفي اليوم يواجه عاصفة من هذه الأخبار يمكن أن تودي به وتشكّل خطرَّا على حياته.

يأتي إذًا دور صحافة الاستقصاء لحماية الصحفيّ من جهة، والحدّ من، بل إيقاف انتشار الأخبار المضللة من جهة أخرى، فماذا عن هذه التحديات وكيف يمكن مواجهتها؟

بعدما صار المواطنون قادرين بدورهم على ممارسة أدوار صحفية وإعلامية لتناقل الأخبار والمعلومات دون الحاجة إلى انتماء مؤسساتي -أي انتماءاتهم لمؤسسات إعلامية- وباتوا يرون في صفحات الإنترنت فضاء مهمًّا وشاملًا لصوغ سياسات التحرير ونشر المعلومات، تصاعدت ظاهرة التضليل ونمت بوتيرة متسارعة، لعدم دراية "الصحفي المواطن" الكاملة بأبجديات العمل الصحافي وافتقاره إلى مهارات الاستقصاء والتحليل ورؤية ما وراء الخبر، وبالتالي إلى المحتوى الصحفي المتكامل، فالصحافة التّشاركية (Participatoryjournalism) أو ما يعرف بصحافة المواطن، ورغم أهميتها داخل الأنظمة الديمقراطية، إلّا أنّها واجهت انتقادات عديدة، من قبيل تشكيلها خطرًا على حياة الناس، لما في ذلك من تبعات كالتهديد والتحريض على العنف، وهذا ما ظهر جليًّا في انتهاكات مرعبة تعرّضَ لها صحافيون من جميع أنحاء العالم، وثقت معظمها منظمة مراسلون بلا حدود.

 

 موقع رابلر، ومنظمة Correctiv أنموذجًا  لمحاربة الأخبار المضللة وما ينتج عنها

"الصحفيون هم حراس الحقائق" - ماريا ريسا، الرئيس التنفيذي لشركة  Rappler

 

لعبت الصحافة الاستقصائية دورّا مهمًّا في مواجهة الأخبار المضللة، فنذكر على سبيل المثال موقع رابلر الإخباري، الواقع في الفليبين والمعروف بعمله الجاد في مكافحة الأخبار الزائفة بالتعاون والاشتراك مع مجلة Investigative Journal، وهي نشرة للصحافة الاستقصائية الطويلة وتغطي العديد من المواضيع التي تعنى بتغيّر المناخ وحرية الصحافة.

في عام 2016، وصل لرابلر رسالة من محلل الاستثمارات جون فيكنورينو يدّعي فيها أن لديه 26 حسابًا مشبوهًا في الفليبين على منصّة فيسبوك، فقام فريق العمل بالاستقصاء وسرعان ما قادهم البحث والتحقق إلى شبكة أكثر تعقيدًا تتضمن العديد من الصفحات والحسابات الأخرى، ما دفع برابلر إلى إنشاء أداة "sharktank" تُساعد على مراقبة الكيفية التي تتدفق فيها كافة الأخبار والمعلومات إلى فيسبوك. ومنذ عام 2019 استطاعت رابلر الاستقصاء عن حوالي 40 ألف صفحة مزيّفة تحوي ملايين المتابعين.

وفي تصريح لماريا ريسا، الرئيس التنفيذي لشركة  رابلر قالت فيه "إن الجيل الحالي من الصحفيين يُحاول النضال من أجل الحقائق واستعادة السيطرة على الحقيقة" من أولئك الذين لديهم أكبر مكبرّ صوت وأكثر قوة". وأضافت: "إنّ صعود التكنولوجيا أدّى إلى تفاقم الهجمات على الإعلاميين، وفشلت وسائل التواصل الاجتماعي في تحمل مسؤولية نزاهة الصحافة". وهنا يبرز دور الصحافة الاستقصائية الأشمل في استعادة الحقيقة.

وفي سياق متصل، سعت شركات عدة كشركة Silicon Valley الألمانية، إلى التعاون مع فيسبوك ومع منظمة Correctiv للصحافة الاستقصائية غير الربحية للتحقق من جميع الأخبار المضللة والمفبركة. وعملت الشركة على تقديم سياسة إبلاغ للمستخدمين عن الأخبار الزائفة والمعلومات المشبوهة، بالإضافة إلى عرض التحذيرات إلى جانب البيانات المضللة للتحقق منها وقطع إيرادات الإعلانات عن المواقع التي تنشر الأخبار المضللة وتُقدم نفسها على أنها مؤسسات إخبارية حقيقية. 

ونوهت الشركة الألمانية في مدونة موقع الويب التابع لها، بأهمية موثوقية التقارير والأخبار المنشورة على موقع فيسبوك. وقال “فيسبوك” في هذا السياق إن عملية تدقيق الحقائق يمكن أن تُمثل أداة قوية للصحافة، من أجل حمايتها وحماية المجتمعات كافة، خصوصًّا بعد صعود الأحزاب الشعبوية التي تستغل الأخبار الكاذبة كعادتها، لمحاولة التأثير على الناخبين.

المراجع

ARAB NEWS

ARAB NEWS

الأكثر قراءة