` `

الروبوتات والإعلام والأخبار الزائفة

نور حطيط نور حطيط
تكنولوجيا
30 أبريل 2021
الروبوتات والإعلام والأخبار الزائفة
وتشمل الأتمتة برامج مثل السوسيوروبوتك أو الروبوتات الاجتماعية (Getty)

أسهمَ التّطور التكنولوجي في إحداث ثورة وتغييرات كبيرة على عدة أصعدة، حين أصبحت البيئة الرقمية جزءًا لا يمكن الاستغناء عنه في حياتنا المُعاشة، ونمت فيها نُظم جديدة عكست التطور الحاصل في المجال الإعلاميّ، الذي بات يُعرف بصحافة الرّوبوت (Robot Journalism) أو الصحافة المُؤتمتة (Automated journalism). وشهدَ العالم في الآونة الأخيرة اندفاعًا لافتًا في استعمال الروبوت، الذي ورد للمرة الأولى سنة 1921 -كمصطلح- في مسرحية (Rossums universal robots)، للكاتب التشيكيّ كاريل كابيك، وقد مثّل فيها الروبوتات بالبشر التي تعمل ليل نهار، لتصبح في نهاية المطاف العدوّ الأول للإنسان، الساعي للقضاء عليه. 

وارتبطت هذه الصحافة بأتمتة الأخبار، الأمر الذي حذا بالكثيرين إلى التساؤل عمّ إذا كانت ستُغيّر كثيرًا من نمط البحث عن المعلومات التّي يحتاجها الصحفي-المواطن في أخلاقيات عمله الصحفيّ والإعلامي، خصوصًا أنَّ الأتمتة تُبسّط المهام المعقدّة للدعاية التي تحتاج جهودًا كبيرة من أجل إتمامها. 

ولأننا أصبحنا نعيش في قرية العالم الصغيرة، أصبح من المهم معرفة كيف تتشكل الوسائل بشكلها التكنولوجي الحديث بدلًا من الاكتفاء بتحليل المحتوى، ودعمًا لفرضية العالم الكندي مارشال ماكلوهان المتمثلة في أن "الوسيلة هي الرسالة".

وتشمل الأتمتة برامج مثل السوسيوروبوتك أو الروبوتات الاجتماعية (Social Botnets) التي، ومنذ مطلع عام 2010، أشارت تقارير إعلامية وأبحاث علمية إلى خطورتها، إذ بدا أنّها أصبحت تُستخدم لنشر المعلومات المضللة والأخبار الزائفة.

 فماذا عن التحديات التي يُواجهها الصحفيون وضحايا الأخبار الملفقة والكاذبة؟ في ظل تمدد الرقعة التي تعمل في نطاقها هذه الروبوتات؟ وماذا عن الكيفية التي تعمل بها، وسط فقاعة الخداع والتضليل الكبيرة التي تتوسع –يوميًّا- في بيئات التواصل الاجتماعي؟

الرّوبوتات الاجتماعية

في عام 2017، عمل المؤيدون لحركة اليمين البديل (Alt right)، المناصرة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، على تشويه سمعة الرئيس الفرنسي الحالي والمرشح السابق الوسطي للرئاسة الفرنسية إيمانويل ماكرون، عبر ما يسمى بالاشتغال الآلي واستخدام الروبوتات الاجتماعية في نشر محتوى غير دقيق ومضلل بهدف دعم مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان. 

وأُعيد نشر التغريدات التي حملت عنوان “تسريبات ماكرون” على موقع تويتر 87 مرة في الدقائق الخمس الأولى لظهورها، وخلال 90 دقيقة أسهم مؤيدو حملة مارين لوبان في إعادة نشر هذه التسريبات بطريقة أسرع من سابقتها بمساعدة هذه الروبوتات، وفق ما أوردته شبكة بي بي سي عشيّة الحدث.

وتنتشرُ على موقع تويتر روبوتات إعادة التغريد (Retweet Bots) التي يختص عملها على تضخيم شخصيات مُحددة وإبرازها على نطاق واسع عبر سياسات معتمدة؛ بهدف الوصول إلى مبتغاها، وإحدى السياسات المتبعة، تلك التي تقوم على إعادة تغريد محتوى "حقيقي أو زائف" صادر من مغردين بعينهم. 

وتندرج روبوتات الأخبار (News Bots) تحت هذا النوع، إذ تهتم بدورها بإعادة محتوى ما، صادر عن مصادر إعلامية. وهذا ما شهدناه عشيّة انتخاب الرئيس الفرنسي، إذ نشرت الروبوتات الاجتماعية وشاركت محتويات زائفة لإنهاء فرص ماكرون.

 ولم يُجمع العلماء والباحثون على تعريف محدد للروبوتات الاجتماعية، إذ راح البعض ليصفها بأنها "فاعل على شبكة الإنترنت ذو برمجة آلية يتمتع بخصائص الذكاء الاصطناعي، وقادر على تأدية مهامه بشكل مستقلّ"، كما أنّها قادرة على التلاعب بالرأي العام والمستخدمين للشبكة العنكبوتية خصوصًا.

أمّا عن أنواع الروبوتات الاجتماعية فهي كثيرة، ويتخصص بعضها -مما سنشير إليه تواليًا- في نشر الأخبار المضلِّلة وضخ الشائعات، عدا عن تلفيق الدعايات والإعلانات، وتقديم بروباغندا إعلامية مختلفة.

أنواع الروبوتات الاجتماعية

يُعتبر روبوت البريد المزعج (Spam Bots) أحد أنواع الروبوتات الاجتماعية، إذ يعتمد على نظام اتصال يتكون من عقدة وقد يصل إلى مجموعة عقد، وله المقدرة على الوصول إلى أعداد كبيرة من الفاعلين في الوقت ذاته، ويعمل على إرسال روابط الاصطياد الملغومة والأخبار الزائفة. 

ففي سنة 2017، اكتشف الباحث الأمني الفرنسي بينكو، 711 مليون عنوان بريد إلكتروني، استُخدمت لجمع بيانات عديدة لأهداف محددة كتلك المتعلقة باستغلال المستخدمين وتحريك الرأي العام.

أمّا الروبوت السّياسي (Political Bot) فيعتبر من أهم أشكال الروبوتات الاجتماعية؛ لقدرته على المشاركة في الحياة السياسية والفضاءات المتعلقة بسياسة الحكومات وأيديولوجياتها. ويقف وراء تصميمه وبرمجته السلطات السياسية والمجموعات التي تُعنى بنشر أفكارها ومواقفها. 

ويذكر الباحث الفلسطينيّ المختصّ في مجال الإعلام السياسيّ والدعاية، حيدر إبراهيم مصدّر، بأنّ الروبوت السياسي "يستطيع تضخيم شهرة شخصية سياسية ما أو ترويج فكرة أو موقف سياسي معين، بالاعتماد على خاصية النشر أو الإعجاب أو المتابعة أو المشاركة. كما يمكن له التصدي وكبح المواقف السياسية المعارضة، عبر قدرته تحديد أماكن تواجد المناقشات أو المنشورات أو التعليقات السلبية بالاستفادة من خدمة تحديد الكلمات الرئيسة ومن ثمَّ الولوج إليها وإغراقها بمحتوى دعائي مضادّ معدّ سلفًا. ويضيف مصدرّ "أنَّ للروبوت السياسي القدرة على تحقيق تأثير مضاعف، خاصة في حال تعاون عدد كبير منها، إذ تستطيع صناعة انطباع مضلل حول حدث أو استحقاق سياسي ما".

استخدام الروبوتات الإجتماعية

سنة 2013، نجح روبوت في اختراق حساب وكالة Associated Press على منصّة تويتر، نتج عن ذلك تدهورٌ حاد في أسهم البورصة أدى إلى خسارات كبيرة وإلى تهديد الأمن الاقتصادي الأميركي. لم يكتفِ الروبوت في اختراق حساب الوكالة بل سعى إلى نشر إشاعة تُفيد بوقوع هجوم إرهابي على البيت الأبيض وإصابة الرئيس باراك أوباما. 

يأتي إذًا دور الروبوتات في تهديد أمن المجتمع أحيانًا واستقراره السياسي والاقتصادي.

يعمل الروبوت أيضًا على نشر الروابط الخبيثة بهدف سرقة المعلومات التي يحتاجها والبيانات اللازمة أو لهدف حجب خدمات الاتصال. كما يقوم بإنشاء حسابات وهمية منتحلة أو مزيفة يخدع فيها الشخص المستهدف حيث يقوم -الروبوت- على تزويد الحساب بجميع المعلومات كاستخدامه لصور مزيفة وبيانات شخصية غير صحيحة؛ لإقناع المستخدم والتأثير عليه، عبر جمع بياناته واستخدامها لاستغلاله لاحقًا أو لممارسة سلوك التصيّد أو لهدف الإحتيال.

كما يستفيد الروبوت من خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي من أجل التلاعب في المحتوى الظّاهر الذي يعرض على المتلقّي ويقول مصدّر في هذا السياق بأنَّ أسرابًا من الروبوتات تعمد إلى صناعة ظهور مزيّف لقضية أو رأي أو موقف ما، عبر مشاركتها وتكرارها على نطاق واسع، بحيث تبدو للمستخدم الحقيقي وكأنها منبثقة عن رأي عام أصيل، دون أن يدرك حقيقتها بكونها ممارسات تضليل تهدف إلى خداعه. 

فمثلًا، خلال انتخابات التجديد للنصف الثاني لعضوية الكونغرس الأميركي عام 2010، اُستخدمت الروبوتات بهدف دعم بعض المرشحين وتشويه صورة منافسيهم عبر روابط تحيل إلى مواقع إلكترونية تنتشر فيها الأخبار المفبركة.

تقوم الروبوتات على نشر الأخبار المضللة والزائفة في أوقات محددة وحسّاسة، فعقب الانفجار الذي حصل في مدينة بوسطن الأميركية خلال المارثون الرياضي، قامت روبوتات اجتماعية بنشر أخبار مضللة أدت إلى إصابة السكان المحليين بالذعر الشديد.

وتُحاول أيضًا التأثير على الناخبين، فقد كشفت إحدى الدراسات عن وجود 400 ألف روبوت اجتماعي على تويتر خلال حملة الإنتخابات الرئاسية الأميريكية سنة 2016 نشروا أكثر من 3.8 مليون تغريدة، محتواها خُصص لدعم دونالد ترامب على حساب "هيلاري كلينتون".

ويُضيف حيدر المصدر أنَّ "الروبوت يقوم على تنفيذ عمليات تغطية (Smoke Screening)على بعض أجزاء من قضية ما باستخدام وسومها الرائجة، وذلك بهدف تشتيت مناقشات المستخدمين حولها، وجرّهم إلى نقاط جديدة بعيدًا عن النقاط الرئيسية التي يجري تداولها، أو تنفيذ عمليات تحويل انتباه (Misdirection) عن القضية برمتها من خلال صناعة محتوى لا يرتبط بها، لكن مذيل بوسم القضية".

 

المراجع

حملة تشويه ضدّ إيمانويل ماكرون من يمينيين متطرفين

اختراق معلومات أكثر من 700 مليون بريد إلكتروني

صناعة صحافة الروبوت وتحدياتها المهنية والأخلاقية

المصدّر حيدر إبراهيم، الدعاية على الشبكات الاجتماعية – قراءة في أدوات السيطرة والتضليل 

الأكثر قراءة