` `

مراجعة لكتاب الدعاية والتضليل الإعلامي

نور حطيط نور حطيط
أخبار
31 مايو 2021
مراجعة لكتاب الدعاية والتضليل الإعلامي
الساحة الإعلامية تماهت مع ساحة مواقع التواصل الاجتماعي (Getty)

الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن آراء "مسبار".

تطورت وسائل التضليل والتلاعب بالعقل البشري بصورة كبيرة مع تطور التكنولوجيا، وتوسعت فضاءات العالم الرقمي. إذ أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تشكلّ بيئة إعلامية خصبة تنتشر فيها المعلومات والأخبار بشكلٍ كبيرٍ. فأرست ثقافة الاستهلاك وشجعت العقل النقلي في النمو على حساب العقل النقدي. وباتت المعلومات تتدفق على الساحة الرقمية مرارًا وتكرارًا دون تمحيص، ودون الاعتماد على نسق إبستيمولوجي وعلميّ يجنّب المستخدم الوقوع في وعاء الأخبار الزائفة، وفي خانة الراديكالية في تبني المواقف التي لا تخضع للمراجعة، بل لنظرة أحادية متطرفة.

مع هذا النمو للوسائل التي تشارك في تصاعد المعرفة، تطور الإعلام واختلفت وتعددت أشكاله. فالساحة الإعلامية تماهت مع ساحة مواقع التواصل الاجتماعي إلى درجة أن أصبح المستخدم صحافيًّا بدوره. ويأتي السؤال هنا حول مفهوم التضليل الإعلامي بمختلف وسائله الكلاسيكية والحديثة، والطرائق التي يعتمدها لتمرير سياساته وأهدافه.

يعرّف الدكتور فريد حاتم الشحف في كتابه "الدعاية والتضليل الإعلامي" التضليل الإعلامي بأنّه "معلومات كاذبة مقصودة، تقدّم فائدة من أجل شنّ عمليات عسكرية فاعلة، والكشف عن تسريب المعلومات وإعادة توجيه تسريبها، وتوجيه عملية التلاعب بالوعي والتحكم به كذلك، وتنويه أحد ما عن طريق تقديم معلومات ناقصة، أو كاملة لكن غير مفيدة، وتحريف جزء منها في الوقت نفسه".

ويذكرُ الدكتور الشحف تقوية القيم الموجودة في وعي الناس والتغيير الجزئي في الأحداث، والجذري للمفاهيم الحيوية، مثل مستويات ووسائل التلاعب في وعي الجمهور، والسعي للتحكم به. فعلى سبيل المثال أثناء جلسة الاستماع في مجلس الأمن إبّان احتلال العراق للكويت، أدلت طفلة شهادة عيان حول معاناة الأطفال التي انكشفت أثناء الاجتياح وكيف انتزع جنود عراقيون الأطفال الرضّع من أحضان أمهاتهم، ووضعوهم على الأرض ليموتوا من الطقس السيء البارد وقتذاك، ليتبن لاحقًا أنَّ هذه الطفلة كانت ابنة السفير الكويتي في الولايات المتحدة والتي لم تحضر الحرب بل كانت تقيم مع والدها هناك. ويصبّ التضليل هنا لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية ومخططاتها وأجندتها السياسية.

للوسائل الإعلامية طرائق خاصة في التضليل

يحدد الدكتور فريد حاتم الشحف العديد من الطرق التي تلجأ إليها الوسائل الإعلامية بهدف التضليل نذكر منها:

أداة السخرية: يعتبر الدكتور فريد بأنَّ السخرية آلية تكوين إدراك نمطي ومبرمج، تستخدمها بعض الجهات الإعلامية لهدف تدمير الأفكار والمعلومات وحتى البرامج والشخصيات الهامّة، السياسية والاجتماعية واتحادات جماعات مختلفة من الناس. تؤثر هذه الآلية في الشعور النفسي للقرّاء/السامعين، فتصير جميع المعلومات محط سخرية على الرغم من جدّيتها وبالتالي تصبح الأخبار غير قابلة للتصديق ويقع الجمهور في فخ التضليل.

الإسناد إلى مرجعية مجهولة موثوقة: تنتمي هذه الطريقة إلى الدعاية الرمادية، إذ تستخدمها الوسائل الإعلامية بشكل واسع بهدف التضليل، والتأثير على الرّأي العام.

تقوم هذه الوسائل بالاستشهاد بمصادر مجهولة أو غير موجودة أساسًا فتقول على سبيل المثال "أثبتت تجارب كثيرة بأنّ العلماء.. ينصح الأطباء.." لكن أي علماء؟ وأي أطباء؟ إنَّ هذه الطريقة تؤدي إلى انتشار الأخبار الزائفة.

حكاية يومية: يوضح الدكتور فريد أنَّ طريقة الحكاية اليومية تُستخدم لكي يتكيّف الإنسان أو يتعود على خبر سلبي واضح، يستدعي الرفض والاستنكار. فإذا أردت أن تهيئ الناس للعنف، وللدم، وجرائم القتل، أو للأعمال الشريرة، فإنَّ المذيع التلفزيوني يخبرك يوميًا، بوجه هادئ وصوت متوازن عن أكثر الجرائم أو أعمال العنف قسوة التي تحصل يوميًا. بعد عدة أسابيع من هذه المعالجة، يتوقف الناس عن العلاقة العكسية السلبية، تجاه ما يحصل في المجتمع من الجرائم البشعة والعنيفة.

ويذكر فريد أنَّ هذه الطريقة استخدمت في تشيلي عام 1973، أثناء الانقلاب العسكري الذي قاده بينوشيه، لخلق لامبالاة عند الرأي العام أمام الأعمال الإجرامية التي تقوم بها العصابات المسلحة.

أسلوب التكرار: تلجأ وسائل الإعلام إلى تكرار بعض الأفكار والتعريفات والرسائل والشعارات بشكل دائم وبوسائط متعددة بهدف تثبيتها في وعي الجماهير، ولا يشتمل التكرار في كثيرٍ من الأحيان على عناصر بعينها كالمذكورة أعلاه، بل يتضمن نهج الوسيلة الإعلامية في تناولها لمختلف الأحداث والقضايا، أو ما يسمى السياسة التحريرية المعتمدة. يقول جوزيف جوبلز في هذا الصدد حتى الكذبة الكبيرة يمكن تصديقها، طالما أنها تُكرّر مرارًا على مسامع الجماهير.

فعالية الارتداد الكيدية: يعرف الدكتور فريد فعالية الارتداد الكيدية، على أنّها مجرفة تركز عليها بشكل منتظم المجموعات التي تتحكم بالسلطة، فتعمد إلى تشويه منتظم وشامل للطرف الآخر، ويعطي مثالًا واضحًا أمام ما حصل من نجاح غير متوقع كالذي حصده الرئيس الأميركي روزفيلت وكانت النتيجة "إذا أردت أن تكتسب سمعة طيبة لدى جمهور واسع من الناس، كوّن لنفسك الشخصية المناضلة من أجل العدالة، والملاحقة من قبل السلطات".

وللتوضيح أكثر يبين الدكتور فريد مثالًا آخر، حين حقق فلاديمير جيرينوفسكي ومرشحوه نجاحًا باهرًا في الانتخابات البرلمانية الروسية في كانون أول عام 1993، بعد أن كانت تُظهره وسائل الإعلام شخصية سياسية، مثيرة للضحك والساخرة.

فعالية الأسبقية في نقل الخبر: يقول وزير الدعاية النازيّ "إنَّ الإنسان الذي يقول للعالم الكلمة الأولى، هو دائمًا على حقّ". وتعتبر هذه الجملة أحد المبادئ المفتاحية في مجال الدعاية، إذ أكدّ عالم النفس كارل هوفلاند، أنًّ نجاح الدعاية مضمون إلى درجة كبيرة إذا وصلت معلومات عن شخص ما، عمل على تثبيتها في وعي الجمهور، قبل أي معلومة قد تجنى مناقضة فيما بعد، ولأنَّ الإنسان عادة يميل إلى الاقتناع بالمعلومات التي يسمعها للمرة الأولى.

فعالية الإيهام بالوجود في مسرح الحدث: يُعلمنا الدكتور فريد بأنَّ هذا الأسلوب يتضمّن عددًا من الخِدع، المطلوب منها تقليد الواقع، لنقله بصورة مضللة. وتُحدث خدع "المعلومات المؤكدة"، تأثيرًا عاطفيًا واسعًا تجعل من الفرد صيدًا كبيرًا للأخبار وللألاعيب المضللة.

التعتيم الإعلامي: يتم استخدام هذه الطريقة أثناء الحروب، أو عند العمليات الانتخابية فقد تُحدث وسائل الإعلام الموالية ضجة إعلامية حول المرشح المفضل فقط. وأيضًا اقتصاديًّا، ويذكر في هذا الصدد الدكتور فريد أنَّه في السبعينيات، عند التحضير وأثناء عملية الانتقال إلى اقتصاد السوق، جرت عملية تعتيم إعلامية حقيقية، إذ لم يُسمَح للاختصاصيين الذين حذّروا من العواقب الكارثية لعملية الخصخصة التي أدارها اقتصاديون موالون للمدرسة الرأسمالية-الليبرالية، من أن يوصلوا رأيهم للشعب الروسي.

أسلوب قلب الصورة (Flipping- projection): يُعرف أيضًا بالواقع المعكوس أو المقلوب (reversal of reality). وعادة ما تقوم وسائل الإعلام باستخدامه لشقلبة الحقيقة وعكسها نحو مكان آخر فيقع الجمهور في فخ التضليل والتيه.

أسلوب الإشباع (saturation): إنَّ المثال الأوضح على هذا الأسلوب، هو ما جرى إبّان حديث الوسائل الإعلامية بشكل متكرر وثابت عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، وبالتالي إنَّ تركيزها على الموضوع أدى بالجمهور إلى تبنّي معلوماتها دون أن يتحقق من صدقها ومن زيفها.

وأخيرًا، يمكن للوسائل الإعلامية والدعائية أن تعتمد أسلوب الدليل المزيّف أي أنّها تقوم بالاعتماد على أدلة مزيفة لدعم حججها وبالتالي تضليل الجمهور وتحقيق أهدافها.

وتبقى هذه الأساليب واحدة من بين أساليب وطرق عدّة تتبعها وسائل الإعلامية التقليدية والحديثة لتضليل الشعوب وتزييف الحقائق وتوجيه الرأي العام.

المراجع:

كتاب الدعاية والتضليل الإعلامي "الأساليب والطرق"، د. فريد حاتم الشحف.

الأكثر قراءة