` `

الأخبار العاجلة والخطيرة وعلاقتها بانتشار المعلومات المضللة

نور حطيط نور حطيط
أخبار
5 أكتوبر 2021
الأخبار العاجلة والخطيرة وعلاقتها بانتشار المعلومات المضللة
ساهم الاقتصاد الرقمي بانتشار صحافة الإثارة (Getty)

الآراء الواردة في المقال لا تُعبّر بالضرورة عن آراء مسبار.

 

"للأخبار الكاذبة قدرة على اجتذاب شعبية هائلة في الثّقافة، ويستهلكها ملايين الأشخاص".

                                                  مايكل رادوتسكي

تحّولتْ الأخبار المفبركة التي يتصاعد انتشارها في الآونة الأخيرة، لصناعة اتصالية ودعائية تستخدمها الكثير من المؤسسات الإعلامية والدّعائية، والأفراد ذوو النفوذ السّياسي، بما يتناسب وحاجيات الفرد المُستخِدم للفضاء الإلكتروني. ويشكّل عامل الإثارة أحد أهم عواميد الإعلام الجديد، الرّقمي خاصّة، وتلك التي تُعرف بصحافة التّابلويد. ويبدو واضحًا أنَّ هذه الظاهرة أخذتْ أبعادًا أخلاقية، بعد أن مسّـت صدقيّة المؤسسة الإعلامية كاملةً. لتكون بذلك، ضربًا من ضروب المسرحيات التي يقع أفرادها عنوةً ضحايا في فضاءها.

 التّحولات التي عصفت مع انبثاق الاقتصاد اللّاماديّ:

تكاثرَ الكلام في الفترة الأخيرة، وتوالت الدرّاسات منذ ظهور الاقتصاد الرقمي، وتعاونَ الباحثون في تسليط الضوء على إشكالية الأخبار الزائفة، وعلاقتها بهذا الاقتصاد الذي تنوعت أسماؤه بين الأوساط العلمية، حيثُ أطلق عليه بعض الباحثين عليه اسم الاقتصاد المعرفي، وآخرون سمّوه بالاقتصاد الرقمي أو الإلكتروني أو اقتصاد الإنترنت. ومن المعلوم أنَّ مصطلح الاقتصاد الجديد ظهر في منتصف تسعينيات القرن العشرين؛ لدراسة وتعيين كل من التحولات التي برزت مع الثورة التكنولوجية والرقمية في بداية الثمانينيات من القرن ذاته. وارتبط أكثر بظاهرة المعلومات المضللة التي يواجهها العالم حاليًّا.

وبفضل تطوّر تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، ازدادت قدرة الوسائل الإعلامية على نشر محتواها بين أواسط الجمهور، وعلى نطاق واسع بالتزامن مع تقليل التّكلفة وزيادة أرباحها وشهرتها، فتغيرت مفاهيم وانبثقت أخرى وأصبح السّبق الصحفي والتحول نحو النشر الرقمي أهم ما يميّز الإعلام اليوم. وباتت إشكالية الاقتصاد الجديد وعلاقته بهذه المهنة، تلوح بشكلٍ واضح في فضاء النزاهة والحقيقة.

جائحة الأخبار المزيّفة

أغرتْ فكرة تحقيق أكبر قدر من المتابعات والنّقرات، بعض الوسائل الإعلامية إلى عدم الالتفات لمحتوى الأخبار وصحته ودقته، لا بل ذهبت الأخيرة، إلى خلق المعلومات والأخبار وتكذيبها في آنٍ؛ بهدف زيادة عدد متابعيها بغية الوصول إلى أهدافها الربحية التي تصب في مصلحتها مباشرة.

وبالتالي باتَ انتشار الأخبار المسمّاة "البوز" أو "الإثارة"، يشكلّ خطرًا واضحًا على صدقيّة الوسائل الإعلامية التي من واجبها أن تنقل الأحداث بشكلها الحقيقيّ. وعُرفت هذه الأخبار بانتمائها إلى مدرسة "خبر عاجل" التي تعتمد على نشر المعلومات والأخبار والأحداث عامّةً بشكلٍ مقتضب وسريع ودون التأكد من صحتها. هذا ما أثار القلق حيال انتشار الشائعات والأخبار المضللة التي تؤدي إلى كوارث داخل المجتمع الواحد وفي المجتمعات كافّة مع انحصار الكرة الأرضية في “قرية صغيرة”.

وعزّز الاقتصاد الجديد، أيّ الاقتصاد المعرفيّ، وتحوّل الصّحافة الورقية إلى الصّحافة الرقمية، وقوع المستخدم في مصيدة الأخبار المضللة والمعلومات المزيفة، خصوصًا مع اعتماد بعض وسائل الإعلام على أسلوب الإثارة للوصول إلى أكبر قدر من المشاهدة وبالتالي جني الأرباح والمال.

صحف التّابلويد (الإثارة)

عودةً إلى نمط الاقتصادات الجديدة التي حاوطت العمل الصّحفي، وبالتزامن معها، عملت المؤسسات الإعلامية على بلورة خُطَتها بما يتناسب وأسلوب الإثارة والتّشويق. بهدف زيادة حجم المتابعين، دون الحاجة إلى جهد الصّحافة في التّدقيق والتوثيق الصّحيح، ما يقودها إلى زيادة عائدات الدّعايات بالدرجة الأولى، وبالتالي جني الأرباح الطائلة منها.

وإذا أردنا الخوض في ماهية أسلوب الإثارة، يمكن الاعتقاد بأنّه نوع من الانحياز الصحفي، يرتكز بجوهره على ربط الأحداث التافهة والصغيرة، وغير المهمة، بمشاعر تضخيمية، وصور مثيرة للجدل، وموسيقى مصاحبة إذا كان مقطعًا إخباريًا. علاوة على ذلك، تسعى مؤسسات إعلامية، إلى الزحف نحو الشكل الصغير للصحيفة والتي تُعرف بصحف التابلويد. ولا يمكن التّغاضي عن العلاقة المتينة التي تجمع هذا النوع من الصّحف وأسلوب الإثارة الذّي يودي بالأفراد المتابعين إلى استلاب حقيقيّ، وتضليل كبير.

التّابلويد وعلاقته بالأخبار المضللة

يشهد العالم تحولًا سريعًا نحو الاختزال ونحو تقديم وجبات سريعة للقرّاء والمشاهدين والمستمعين، فيما يخصّ العمل الصّحفي، الذي باتَ اليوم، في أغلبيته السّاحقة، يعتمد على تكوين حالة من الاندهاش شديدة الـتأثر وفي الوقت عينه، سريعة الزوال لدى المستخدم الذي يشارك محتواها  بحماسة المستمتعين/المندهشين، لتحقق هذه المؤسسات بدورها، غاياتها في جني الأرباح.

 وبدأت في هذا الخصوص، الصّحف العالمية في التّحول تدريجيًا إلى تابلويد. كصحيفة وول ستريت جورنال الأوروبية والآسيوية. ومنذ منتصف السّبعينات شهدت الصين على سبيل المثال، تحولًا ملفتًا في النظام الصحفي، واكتسح هذا التحول صحف العالم، نذكر منها: صحيفة كييف بوست في جورجيا، وصحيفة موسكو نيوز في روسيا، وصن تايمز في شيكاغو وغيرها.

هذا الشكل الجديد، يتيح للكثيرين، استغلاله لنشر الأكاذيب والشائعات والمعلومات المضللة بشكل أسرع وأوسع، وهنا تبرز نقطة الفصل بين الصحافة التي تُعنى بالاستقصاء الحقيقيّ، والمزيف منه، وذلك الذي لا يعتمد بذاته على الأدلة والبراهين، بل قد يصدر عن صحافة التابلويد تحقيقًا لأهداف شريرة كالتّشهير وضرب سمعة شخصية ناجحة ومشهورة.

 

بين الاستقصاء والتّجارة الإعلامية

 إحدى المهمات التي تقع على عاتق الصحفي الاستقصائي هي  البحث عن الوثائق، والمقابلات والشهود لكشف القضايا التي تتعلق بالفساد والجرائم السّياسية وغيرها، ومعياره الأساسيّ النزاهة والأخلاق والوصول للحقائق. وعادةً ما يتجنب إثارة الضرر والتشويه لأي شخصية إن كانت سياسية أم غير سياسية، والتعرض لها. 

ورغم كون التحقيقات الاستقصائية أصعب فنون العمل الصحفي وربما أخطرها، نظرا لكشفها الخبايا بشكل أساسي، وتطرّقها لملفات الفساد بكافة أشكالها، سواء استغلال المناصب، أو الرشاوى والمحسوبية، إلا أنها نجحت في فرض نفسها لتكون لاعبًا أساسيًا في دائرة الرقابة على التجاوزات التي تستهدف المجتمعات. 

ولكن في المقابل، من يوقف تدفق أخبار الإثارة، والعاجل الخطير؟ خاصة أنه أصبح من الصعب تجنب القصص التي تثير الريبة والتي تُستخدم كأداة للتشهير والتلاعب تحت حجة ملاحقة الفاسدين والمجرمين، ذلك أنًّ العمل الاستقصائي يتنافى والمنفعة الشخصية وتحقيق المكاسب المالية التي تُجنى من نشر الأنباء الملفقة. 

مصادر: 

كتاب تشكيل هيكلية وظائف الإعلام، الدكتور علي رجب السيد

الجزيرة

الرياضية

الأكثر قراءة