` `

حول الأعطاب المعرفية الناتجة عن وباء الأخبار الزائفة

نور حطيط نور حطيط
أخبار
17 أكتوبر 2021
حول الأعطاب المعرفية الناتجة عن وباء الأخبار الزائفة
ساهمت الأخبار الزائفة بانتشار أمراض متعلقة بالمعرفة وتحصيلها (Getty)

الأفكار الواردة في هذه المقال لا تُعبّر بالضرورة عن رأي مسبار.

 

تدفقتْ الأخبار بعد دخول الإنترنت كل منزل، ما حذا بالمعرفةِ أن تتحصّل مضامينها بطرقٍ مختلفة عن السّابق -أي ما قبل الثّورة التكنولوجية-، وقد أصبح من السّهل التّكلم عن أعطاب أصابت طرائق اكتساب هذه المعرفة. 

ورغم أهمية الأخبار وانتشارها وصناعتها، وارتباطها الأساسيّ بالشكل الأمثل للحكم، أي الديمقراطيّة،  إلّا أنّ أمراضًا عصية ظهرت، متعلقة بالمعرفة واستحصالها، مثل الأخبار المضللة والمعلومات الزائفة النّاتجة عن غياب الحقيقة، فجوهر المعرفة مرتهن دائمًا وأبدًا بالحقيقة.

الأعطاب الإبستيمية (المعرفية)

عوامل كثيرة أدّت إلى تسريع إنتاج الأخبار المُضللة والزّائفة، مثل وسائل التّواصل الاجتماعي ومحركات البحث وغيرها، إضافة إلى انتشار ما يدعى "صحافة المواطن"، وتمكّن الفرد من نشر الأخبار والمعلومات على صفحات التّواصل الاجتماعيّ، التي قد يكون مصدرها بعض الحكومات التي تسعى لتطويع شعبها وفقًا لأجنداتها، أو من جهات لها أهداف ما. 

ومن أجل معرفة كيف تتحول هذه الأخبار الزائفة إلى معتقدات خاطئة لا بدّ من طرح السّؤال التالي: كيف ومن يقوم بنمذجة انتشار المعلومات، والأخبار والأفكار في عصر التّواصل الإجتماعي؟

وظّف العديد من علماء الاتصال والتواصل وأساتذة العلوم السيسيولوجية "نماذج رياضية تتضمن محاكاةً لتمثيل مبسّط للتفاعلات الاجتماعية للبشر باستخدام خوارزمية حاسوبية، ثم استعانوا بهذه المحاكاة لهدف فهم ما يحدث في العالم الواقعي. 

داخل هذه النماذج الرياضية، شبكة تتكون من عُقَد تمثل الأفراد، وأطراف تمثل العلاقات الاجتماعية. وضع علماء التواصل فكرة في أحد "العقول"، ليعرفوا الآلية التي تنتشر من خلالها تلك الفكرة، وفقًا لافتراضات متنوعة تتعلق بزمنية حدث الانتقال". واتضح بأنّ الأفكار كالفايروسات تنتقل من عقلٍ لعقلٍ بطريقة عبقرية عن طريق العدوى.

إذًا، أحد أهم العوامل التي تجيب على سؤال كيف؟ هي العدوى الشديدة التي تفسر الكثير من سلوكيات المستخدمين لمواقع التواصل الإجتماعي. وبالتالي يمكن تفنيد ما جرى أثناء اجتياح فايروس كورونا المستجد للكوكب بعينٍ فاحصةٍ وحكيمة. إذ إنَّ غالبية الشائعات والمعلومات الزائفة ونظريات المؤامرة، جرى تناقلها مثل الهشيم في النار، من عقل إلى عقل، فأضحى لدينا كمًّا كبيرًا من فايروسات الأخبار الزائفة التي تنتقل بسرعة هائلة، كالعدوى نتيجة التّطور التكنولوجي.

إنَّ هذه العدوى غير البيولوجية واللامرئية، لها تاريخ لا يمكن نسيانه، فعلى سبيل المثال لا يمكن التغاضي عن خرافة "الحمل التارتاري" التي انتشرت في القرون الوسطى لعدّة عقود. إذ يعود انتشارها إلى المؤرخ سير جون ماندفيل الرحالة الذي زار الكثير من المدن ولاحظ أمورًا كثيرة وأشياء باهرة، من بينها شجرة هندية تحمل فاكهة تشبه الحملان الصغار، ومنذ ذلك الوقت انتشرت الشائعات والأساطير حول هذه الشجرة، وقد وصل البعض إلى الاعتقاد بأنَّ هناك مخلوقًا غريبًا عُرف باسم هذه الشجرة وأنّه يستطيع بقوة عجيبة التنقل ليرعى ويأكل، فإن لم يستطع الحصول على الطعام يموت. واعتقد الناس بأنَّ الجذع الثابت في التراب يعتبر أساس وجوده حيًّا، وإذا تمّ قطعه أو حرقه فإنَّ قدر الكائن العجيب سيكون الموت. انتقلت القصة من عقل لآخر، ومن جيل إلى جيل حتى انتهت بها المطاف بالزوال، وذلك بعد أن وكّل الملك تشارلز الثالث، العالم السويدي انجليبرت كامفبر، ليؤكد أنه لا يوجد مخلوق عجيب ولا شجرة تُدعى بشجرة الحملان.

واليوم، ولا يمكن التغاضي عمّا ينتشر من معتقدات زائفة وأخبار ومعلومات مضللة، ففي ظلّ التطور الرقمي، أصبح من الصعب تحديد جهات النشر، لكن من السهل بفضل علماء الاجتماع وغيرهم فهم كيفية انتقالها، عبر ما أسموه لاحقا بالإطار المعرفي للشبكة.

"الإطار المعرفي للشبكة"

لا يكفي نموذج العدوى للجواب على السّؤال الذّي طرحناه أعلاه، فقد طوّر علماء الاقتصاد في هذا الخصوص، مفهوم الإطار المعرفي للشبكة لأول مرة منذ عشرين عامًا، بهدف دراسة وملاحظة انتشار المعتقدات بين الأفراد بعد أن انتقوا عيّنة مجتمعية. 

تنطوي هذه التجربة على جزأين: المشكة التي تحمل في طياتها خيارين: إمّا مثلًا أن تلقح أطفالك أو لا تقم بتلقيحهم وذلك تبعًا للخيار الثاني وهي شبكة الأفراد أو ما يعرف بالوكلاء، حيث أنَّ الأخيرين يملكون معتقدات حول اختياراتهم، ووفقًا لذلك، تتنوع الاختيارات، إمّا الاعتقاد بأنَّ التطعيم فعّال وجيد، وفي حين يدق ناقوس الخطر في معتقد البعض حول اللقاح الذي يمكن أن يسبب على سبيل المثال أمراضًا كمرض التوحّد.

ترتبط معتقدات الأفراد بسلوكهم كما يرتبط سلوكهم بمعتقداتهم، بل يجري أحيانًا تشكيل هذه الأخيرة، فمثلًا عندما تقوم هذه الجماعات بالتلقيح، وعند ملاحظتهم بعدم حدوث أي مشكلة، يعتقدون بفاعلية التطعيم وأمانه.

أمّا الجزء الأخير من نموذج الإطار المعرفي المتمثل بشبكة من الصلات الاجتماعية، فإنًّ الأفراد لا يقتنعون من تجربتهم الخاصة فحسب بل أيضًا من تجارب الآخرين المحيطين بهم. لذلك يكون للمجتمع دورًا واضحًا وكبيرًا في تطوير المعتقدات وتشكيلها لديهم، بالتالي يمكن لهم ابتداع الكثير من المعتقدات الخاطئة فيقع الكثيرون منهم ضحية تناقل المعتقدات والمعلومات المضللة.

وإن لم يقم كل فرد منا بتفعيل الإمكانيات التي تتميز بها عقولنا، يصبح من الصعب التعّرف على المعتقدات الصحيحة والحقائق، لذلك ولعدم الوقوع ضحية هذه الآفة لا بدّ من اعتماد التفكيك والتحليل إضافة إلى التحصّن العميق بالمنهج النقديّ الذي يتمحور حول الشكّ وعدم اليقين بكل ما نراه أو نقرأه أو نسمعه.

 

المصادر 

Scientific American

كتاب عصر التضليل: كيف تنتشر المعتقدات الزائفة

كتاب إبستمولوجيا الأخبار الزائفة

الأكثر قراءة