` `

مجموعات فيسبوك ودورها في ترويج المحتوى الزائف

أنس سمحان أنس سمحان
تكنولوجيا
11 نوفمبر 2021
مجموعات فيسبوك ودورها في ترويج المحتوى الزائف
يُروّج لمجموعات فيسبوك على أنها فضاءات موثوقة (Getty)

تُعد العواطف والمشاعر أكبر حليفٍ مساعد للأخبار والمعلومات المضللة، هذا ما لفتت إليه الباحثة نينا چانكوويكس، مشيرةً إلى أنّ المجموعات على موقع فيسبوك، تمثل فضاءً قائمًا ومشحونًا طوال الوقت، بالعواطف.

ولا يتوقف الأمر هنا، إذ إنّ تنوع هذه المجموعات وكثرتها، جعل منها مراكز متخصصة في نوع المحتوى الذي تقدمه لأعضائها، ما يجعلها مع مرور الوقت غُرفًا صدوية" (Echo Chambers)، تسمح للناس بالتلاقي في مكانٍ واحد، لينشروا محتوى مؤيدًا لأفكارهم وانحيازاتهم دون مراجعة نقدية لنوع المحتوى، وهو ما يزيد من أزمة نشر وترويج المعلومات والأخبار المضلّلة. 

عند اشتراك أيّ شخص في مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، فإن تفاعلاته المتكررة تحكم نوع المحتوى الذي سيتعرض له مستقبلًا. ينطبق هذا أيضًا على نوع الترشيحات التي تقدّمها هذه المواقع للمشتركين، فلو أنّ فردًا تردد على الإعجاب بالمنشورات التي تشكك في حقيقة فايروس كورونا فإنّ أنواع اقتراحات الأصدقاء والصفحات والمجموعات التي ستصله ستكون ملائمة لاهتماماته. بالتالي، سينضم إلى مجموعات تُدعّم آراءه ووجهات نظره، وستدفعه لقراءة أخبار ومعلومات تُفعل انحيازه التأكيدي لما يعرفه مسبقًا، وتسمح له بنشر محتوى مشابه. 

فخ المجال الخصوصي

نشطت في الآونة الأخيرة المجموعات المغلقة، على وجه الخصوص، في نشر الأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة، وحشدت داخلها آلاف الأشخاص الذين يصدّقون ما يُتداول داخلها.

بعد انتخابات 2016 في الولايات المتحدة الأميركية، وبعد فضيحة كامبريدج أناليتيكا، حاولت إدارة “فيسبوك” تصحيح ما فعلته عبر جعل المحتوى على موقعها متناسبًا أكثر مع العائلة والأصدقاء، مع تخفيف وصول الشركات والحملات التسويقية للمشتركين، ومن هذا المنطلق، رُوِّج لمجموعات فيسبوك (Facebook Groups) على أنّها “فضاءات موثوقة”، حيث يمكن للأفراد أصحاب الاهتمامات المتشابهة أن يجتمعوا وأن يتحادثوا فيما بينهم، أو كما شرح مارك زوكربيرغ في عام 2019 "يفضّل الكثير من الناس حميمية النقاش الفردي بدلًا من الجماعي أو النقاش مع عدد محدود من الأصدقاء". 

من هنا، تطورت خصائص المجموعات وانتشرت أكثر تحت شعار “الخصوصية المحمية والمُجتمع الموثوق”.

لكن هذا الشعار في حد ذاته، هو ما يسبب أزمة مجموعات موقع فيسبوك الآن “الخصوصية المحمية والمُجتمع الموثوق”، إذ بدت تشكل خطرًا على وعي الناس بما يسمح للفاعلين المحليين والدوليين الوصول والتحكم في آراء عدد ليس بالقليل من أفراد المجتمع، أينما كانوا، وتوجيههم نحو نشر المعلومات المضللة والزائفة. 

يشبه التواصل في المجموعات، التواصل في تطبيقات المحادثة، حيث تكون على علاقة أو معرفة بالشخص الذي يشارك المقالات أو المنشورات، ويتولد عن ذلك نوع من الثقة العمياء، خاصة عندما يكون المحتوى مؤيدًا، ولو جزئيًا، لما قد يعتقده الشخص، وهو ما يلعب على الانحياز الإدراكي لديه. كل هذا يجعل من المجموعات خلايا مشغولة للاستقطاب والتطرف أحيانًا. 

جائحة المعلومات

كانت وما تزال جائحة كورونا، إحدى أكثر المراحل حرجًا في تاريخ المعلومات المضللة والزائفة، فعقب تفشي الفايروس في بداية 2020، انتشر كمٌّ هائل من المعلومات المثارة حول حقيقته وطرائق التعامل معه وعلاجه، حتى بات من الصعب تقصي جذور ومراكز نشر المعلومات غير الصحيحة.

مؤسسة شؤون إعلامية، أشارت إلى أنّه في شهر واحد انضم أكثر من نصف مليون مستخدم إلى مجموعات تروج لمعلومات مضللة وزائفة عن اللقاحات. وكشفت الدراسة التي أعدتها المؤسسة الأميركية، أنّ أكثر من نصف هذه المجموعات كانت مغلقة، أي لا يمكن الدخول إليها إلا عبر دعوات، وهو ما يُقيّد قدرة الناس والأخصائيين في تفنيد المعلومات المنشورة عليها وإيضاح زيفها. الأمر الذي دفع بالرئيس الأميركي جو بايدن، لأن يُصرّح في شهر يوليو/تموز 2021، بأنّ مواقع التواصل الاجتماعي "تفتك بالناس".

تُشكّل مجموعات "فيسبوك"، بتنوعها، مصدرًا مهمًا لنمو الموقع، وفي الوقت نفسه، مصدرًا للمشاكل الكبيرة، خاصة مع صعوبة مراقبتها على الدوام ومعرفة ما يحصل فيها عندما تكون خاصة أو مغلقة. وقد تكون مرتعًا للمعلومات المضللة أحيانًا أو لبيع الأسلحة أو حتى للاتجار بالبشر والجنس في أحيانٍ أخرى.

ماذا يفعل فيسبوك؟

بعد تصريح جو بايدن عن مواقع التواصل الاجتماعي بأنّها “تفتك بالنّاس”، نشر غاي روزن، نائب رئيس قسم التواصل الاجتماعي في شركة ميتا، مدونة قال فيها إنّ منصة فيسبوك أزالت أكثر من 18 مليون مادة عن كورونا منذ بداية الجائحة، وحدّت من انتشار 167 مليون مادة رأى المتحققون لدى “فيسبوك” أنها غير دقيقة. 

وأضاف روزن أنّ موقع فيسبوك قدّم لمدراء المجموعات بعض الأدوات التي تساعدهم على التخلص من المعلومات الزائفة. لكن ماذا لو أن مدراء المجموعات هم أنفسهم مروجون للادعاءات المضللة والكاذبة؟

حتى لو حذف "فيسبوك" بعض المجموعات المروّجة للمعلومات الزائفة، فلن يتمكّن من إزالتها بشكل كامل، لأنه يعتمد غالبًا على الذكاء الاصطناعي، ولن يتمكن من منع الناس من الانضمام إليها، كما لن يكون قادرًا على منعها من الانتشار والتضخم، خصوصًا أنّ خوارزميته تقرّب الناس ذوي الاهتمامات المشتركة من بعضهم البعض، وتتيح لهم تبادل المعلومات والأفكار، بما يؤثر على حياة هؤلاء الناس أنفسهم على مستويات مختلفة، ليس ابتداءً بالسياسية، ولا انتهاءً بالصحة. 

ليس المطلوب حذف مجموعات أو منشورات بعينها، وإنما زيادة الشفافية تجاه المجموعات الخاصة والمغلقة ومن يديرها، وطريقة الانضمام إليها، وحتى طريقة تصنيفها تبعًا لنوعها (عامة أو صحية أو سياسية)، وكذلك مراجعة صفة الصفحات التي تنشر المعلومات ومن ويقف وراءها. 

ربما أيضًا على "فيسبوك" نشر توضيحات للمستخدمين تخبرهم بأنّ بعض الصفحات والمجموعات تديرها نفس الحسابات، إذ يسمح هذا للمستخدم العادي معرفة ما إذا كانت هناك جهود متعددة ومتضافرة تحاول إغراقه بالمعلومات التي تؤثر على توجهه السياسي أو الديني أو الصحي أو غيره. 

هل بقي مجالًا عامًّا؟

مع انطلاق الإنترنت كشبكة معلوماتية عامة، كان ينُظر إليه على أنه ثورة ضد التحكم في المجال العام لدى البشر، خاصة أنّ وسائل الإعلام الرسمية، صارت مؤسسات مملوكة لأصحاب رؤوس الأموال الذين يتحكمون في اتجاهاتها وسياسات تحريرها. لكن الآن، وبعد أكثر من عقدين من إغراق الشبكة العنكبوتية بالمحتوى والمحتوى المُضاد، وعلى الرغم من إمكانية "تحريره"، صار الإنترنت مجالًا محدودًا ومُقيدَّا ويمكن التحكم به عبر السيل العام من البيانات والحسابات الزائفة التي تسعى لتحقيق أهداف وأغراض معينة، تؤثّر على قرارات السلم والحرب وقرارات الاقتصاد والصحة. والمطلوب منا جميعًا، أفرادًا، إلى جانب مسؤولية المواقع والشركات الكبرى، أن نكون أكثر وعيًا حيال آلية عمل مثل هذه المنصات، وألّا نقع ضحايا لخوارزميتها والأفخاخ المنصوبة لها لنكون أكثرَ وعيًا، وأكثر حساسية تجاه ما نتلقاه.

المصادر:

npr

NBC News

WIRED

WIRED

Forbes

Media Matters

McAfee Institute

Politico

npr

الأكثر قراءة