` `

أيّ علاقة بين التنافر المعرفي وانتشار الأخبار الزائفة؟

إيمان أبو عساكر إيمان أبو عساكر
تكنولوجيا
12 يناير 2022
أيّ علاقة بين التنافر المعرفي وانتشار الأخبار الزائفة؟
تقوم الخوارزميات بهندسة الرأي العام والتحكم بقرارات المستخدمين (Getty)

في أحد أهمّ المشاهد التي عُرضت على فضائيات السّينما المصرية، في فيلم العار يسأل الممثل محمود عبد العزيز أخاه الذي يلعب دوره الممثل نور الشريف، عن تدخين الحشيش عمّا إذا كان حلالًا أم حرامًا، ليجيبه نور الشريف "إذا كان حلال أدينا بنشربه واذا كان حرام أدينا بنحرقه". بالوقوف عند هذا المشهد، نرى أنه كان الأكثر تجسيدًا وعمقًا لما يسمّى فى علم النفس بـ " التنافر المعرفي".

التنافر المعرفي وسيكولوجيته

من أوائل من سلطوا الضوء على نظرية التنافر المعرفي، الباحث في علم النفس ليون فستنغر، مشيراً إلى أنَّ "التنافر المعرفي هو حالة من الاضطراب، والتّوتر النفسي، تصيب الفرد، في حال تعارضت سلوكياته مع أفكاره، وعليه يقع فريسة التناقضات، محاولًا التخلص منها لأجل إحداث حالة من الاتساق الداخلي الوهمي"، الذي يبعث –في الغالب- الراحة لديه.

 استنادًا إلى ما سبق، أسّس عالم النفس ليون فستنغر، نظرية التنافر المعرفي، وعمل على تفكيك سيكولوجيتها من خلال تسليط الضوء على كيفية سعي الأفراد للتماهي، وخلق انسجام داخلي بين واقعهم، وتوقعاتهم وذلك بطرائق ثلاث، منها قيام الفرد بتغيير السلوك أو الإدراك، أو اللجوء إلى تبرير سلوكياته وإضافة مدركات جديدة، وأخيرًا، إنكار وتجاهل أي معلومة قد تتعارض مع معتقدات الفرد الحالية. 

ومن أجل فهم أعمق لقدرة الأفراد على التعامل مع التنافر المعرفي بغية تطويع فكرة أو سلوك لإرضاء دواخلهم. نستعرض ما حدث في خمسينيات القرن العشرين، عندما اعتقدت جماعة دينية بشكل لا يقبل الشكّ، بحلول الدمار في كوكب الأرض مبشرًا ذلك بقيام الساعة. وفي الأثناء، استغل عالم النفس "فستنغر" ، الحدث من أجل دراسة ردود أفعال الجماعة.

 وعندما جاء يوم الحدث الموعود، تجمهر أفراد هذه الجماعة في منتصف الليل ليشهدوا دمار الأرض، ولكن المفاجأة التي صعقت عقولهم، آنذاك، هو أنّ لا شيء حدث البتة.

وسط علامات الذهول والصدمة التي لفتت وجوه الأفراد، خاصة بعد دفعهم مبالغ طائلة للنجاة من هذا الحدث المهيب، أعلن الكاهن بأنّ الرب قد غير موعد تدمير الأرض إلى أجل ربما غير مسمّى، الأمر الذي أضاف جوًّا من الارتياح لديهم، من أجل العودة لاجترار ما اعتادوا عليه من طقوس أدمنوها دون التوقف للحظة تأمل حقيقي أو تقييم موضوعي لما حدث.
هذه التجربة أكّدت كلّ توقعات فستنغر، التي تحدّث عنها مطولًا في كتابه الشهير "عندما تفشل النبوءة"، مؤسسًا قواعد نظرية "التنافر المعرفي".
شرح فستنغر فيه كيفية استنفار الدماغ من أجل مصالحة بين الإدراك والسلوك في سبيل الشعور بالتماهي الداخلي.

عقلنة اللامعقول والانحياز التوكيدي.. مخدّرًا لما يسمى بالتنافر المعرفي

عقلنة اللامعقول، أوالانحياز التوكيدي، هو ذلك النزوع البشري السيكولوجي الذي يدفع الفرد للبحث عن أي دليل من شأنه توكيد معتقداته التي تبناها سابقًا، متجاهلًا كل معلومة يمكن أن تتعارض مع ثوابته وأفكاره، بعيدًا عن أي تنافر معرفي أو صراع ناجم عن الحقيقة وتصوراته عنها. 

 اللافت للنظر هو تعزيز فكرة الانحياز التوكيدي على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال ما سمّاه الباحث برايزر بتقنية فقاعة التصفية أو فقاعة الترشيح أو فقاعة الترشيح التي تهدف إلى ترشيح وتصفية المعلومات التي تتوافق مع ميول المستخدمين، ومع اهتماماتهم وأفكارهم والعمل على عرضها دون الأخرى، وذلك بناءً على عمليات سابقة يقوم بها المستخدم عبر منصات التواصل الاجتماعي. لهذه الخوارزمية أثرٌ صارخٌ في حجب كل ما يتعارض مع أفكار المستخدمين وإدخالهم في فقاعة لكل التشابهات الأيدولوجية، منفصلين عن كل المعلومات غير المتوافقة مع وجهات نظرهم وقناعاتهم. 

وبالنظر إلى خطورة هذه الخوارزمية، فإنّ المستخدمين يصبحون أكثر عرضة للتجسس، واختراق تفاصيل حياتهم، فعبرها يتم التعرف على التوجهات السياسية والثقافية للأشخاص، والتي من خلالها يتم ما يسمّى بهندسة الرأي العام، بهدف التحكم بقراراتهم، بل وفرض توجهات سياسية محددة وإدخال معلومات مستحدثة، قد تجدهم مستميتين في الدفاع عنها بضراوة.

العلاقة بين خوارزمية فقاعة التصفية وظهور الأخبار الكاذبة

بسبب تعرض المستخدمين المتكرر للمعلومات والأخبار التي تتوافق مع أفكارهم وتوجهاتهم كنتاج لمساهمة فقاعة التصفية، تفاقمت ظاهرة انتشار الأخبار الزائفة بشكل كبير، حيث أصبح المستخدم يتلقى المعلومات دون أي تحقيق أو تمحيص، مفتقدًا بشكل تدريجي لحسّه النقدي، بل ومساهمًا في نشر تلك الأخبار الزائفة التي تدعم أراءه بشكل مقصود أو غير مقصود، الأمر الذي أدى إلى تسويق الكثير من الأخبار الكاذبة.

الجدير بالذكر، أنَّ هواجس الباحثين في مجاليّ الإعلام والاتصال ازدادت حول تلك المسألة، لأن التوقعات التي تتجه إلى نتائج استطلاعات الرأي الإلكترونية لجمهور مواقع التواصل الاجتماعي، ستفقد قيمتها العلمية وتغدو زائفة كونها لا تُبنى على أساس موضوعي يستند إلى خيار كامل من الفرد وقراره الحرّ، حيث لهذه التقنية جلّ الأثر في تزييف الرأي العام. 

ويبقى السؤال الأكثر تمركزًا في كيفية اهتداء الباحثين  لمعرفة اتجاهات الجمهور حقًا وهم بمعزل عن كل ما يتعارض مع أفكارهم وتوجهاتهم، وكيف سيستطيع ناشر المعلومة على منصات التواصل حصر التأثير الذي يسعى إليه في عقول وقلوب المستخدمين، إذا كان ما ينشره ينحصر فقط في تثبيت الآراء السابقة للجمهور ولمن يتوافقون معه بالرأي  ليس إلّا؟، ولسان حاله يُردّد: إلى متى سيبقى هذا الزيف يبتلع الكثير من الحقائق في منصات التواصل الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا:
دراسة جديدة عن أثر الاستجابة العاطفية على سرعة انتشار الأخبار الزائفة

كيف يمكن لحكمة الجماهير أن تحل مشكلة المعلومات المضللة على فيسبوك؟

المصادر:

 فاطمة الزهراء محمد أحمد السيد، الخوارزميات وهندسة تفضيلات مستخدمي الإعلام الاجتماعي

الخوارزميات وهندسة تفضيلات مستخدمي الإعلام الاجتماعي | مركز الجزيرة للدراسات (aljazeera.net)

 همام يحي، انحياز إلى الإيديولوجيا على حساب الحقيقة.. فتّش عن الأسباب

همام يحيى | معهد الجزيرة للإعلام (aljazeera.net)

فادي عمروش، كيف تزيد الإنترنت الاستقطاب في المجتمع

كيف تزيد الإنترنت الإستقطاب في المجتمع؟ | by Fadi Amroush | Medium

8 Common Thinking Mistakes Our Brains Make Every Day and How to Prevent Them

الأكثر قراءة