` `

فيلم لا تنظر للأعلى يطرح قضية التضليل الإعلامي والسياسي وقت الأزمات

نور حطيط نور حطيط
ثقافة وفن
8 أبريل 2022
فيلم لا تنظر للأعلى يطرح قضية التضليل الإعلامي والسياسي وقت الأزمات
ليوناردو دي كابريو وجينيفر لورنس في أحد مواقع تصوير الفيلم (Getty)

يبدأ فيلم "لا تنظر للأعلى" عندما تكتشفُ طالبة الدكتوراه كيت ديبياسكي، التي تتقمّص شخصيّتها الممثلة جينيفر لورينس، أنّ مذنبًا ضخمًا على وشك الاصطدام بالأرض وتدميرها بالكامل. وتُطلِع أستاذها البروفيسور المحاضر في جامعة مشيغن، د. ميندي، الذي يؤدي دوره الممثِّل ليوناردو دي كابريو، على الأمر.

على الأثر، يتجه مندي رفقة طالبته ود. تيدي أوغلثورب، رئيس مكتب تنسيق الدفاع بين الكواكب في وكالة الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء(ناسا)، إلى البيت الأبيض للإبلاغ عن مدى خطورة مسارات هذا المذنّب الذّي سيقضي على كوكب الأرض بعد ستة أشهر و14 يومًا.
وباستخدام تقنية "القَطع القصير"، ينقل الفيلم تتابع الحدث والتأثيرات بحرفيّة تامّة، ليبدأ بكارثة المذنب وينتهي بكوارث أخرى. فيكون المُشاهد إزاء نوع جديدٍ من النقل الفانتازي للمشكلات، تتمحور حول جدلية كيفية معالجة عالم ما بعدَ الحقيقة، الحقيقةَ نفسها. 

في الأثناء، يُطلَب من الفريق، أخذهما بسرعة إلى العاصمة واشنطن، وبإيعاز من مخرج السيناريو، يتم وضعهما في مرآب الطائرة، ليُقال لهما “هذه الطائرة الوحيدة الذاهبة إلى هناك”.
في واشنطن، يقابل أوغلثورب ومندي وطالبته، رئيسة الولايات المتحدة الأميركية جاني أورليان، التي تؤدي دورها الممثّلة ميريل ستريب، ليخبروها في عشرين دقيقة عن الكارثة التي ستحلّ بكوكب الأرض، لكنَّ حالة غريبة من اللامبالاة وعدم الاكتراث بمعلومات الأكاديميين تتسيّد الموقف لدى السلطة السياسية ووسائل الإعلام.
على مائدة الطعام الأخيرة لعائلة ميندي، وسط العبث والخراب، تنتهي الحياة على الأرض، مع انتهاء المشهد الأخير من الفيلم، لتبدأ التساؤلات عمّا إذا كنّا حقًا نعيشُ في فقاعة كبيرة من التضليل والتزييف.

وفي إطلالة على الواقع المشابه إلى حدٍّ كبير لأحداث الفيلم، نعود إلى الخطاب الذي ألقته الناشطة البيئية غريتا تونبرغ أمام جمعية الأمم المتحدة، في مناسبة القمة الدولية للتغيّر المناخي في نيويورك، وممّا قالت فيه "كلّ هذا خطأ، لم يكن يجب عليّ أن أكون هنا، بل في مدرستي على الجانب الآخر من المحيط. لقد قضيتم على طفولتي بأحاديثكم الفارغة. الناس يعانون...الناس يموتون، نظامنا البيئي ينهار، ونواجه مخاطر الانقراض الجماعي، وأنتم تتحدّثون عن المال وعن قصص الخيال بشأن النمو الاقتصادي الأبدي. ما هذه الجرأة". حينها، سخر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، من خطابها في تغريدة له على تويتر، وقلّل من شأنه أمام متابعيه.

أوجه الشبه بين استهزاء ترامب في الواقع من قضية أساسيّة تهدّد سكان الأرض واستخفاف الرئيسة الأميركية في الفيلم الخيالي من نتائج مذنب مدمِّر، تبعث على التساؤل عمّا إذا كان يمكن أن تكون الرئيسة الأميركية المتخيّلة في الفيلم، تمثِّل في الواقع، نموذجًا عن الرئيس السابق دونالد ترامب.

كما يمكن مقاربة استغلال الرئيسة الأميركية لقضية اصطدام المذنب بكوكب الأرض وتوظيفها لخدمة حملتها الانتخابية، بخداع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لشعبه بشأن وباء كورونا العالمي. فحين عَلمَ بأنَّ الفايروس قابل للانتقال بشكل كبير وخطير، أخفى الحقيقة العلمية بهدف "الحصول على المزيد من المال"، وفق سرٍّ أفشاه أحد موظفي ترامب، مارك ميدوز، في كتاب نشرتْ تلخيصه صحيفة ذا غارديان البريطانية. كذلك قبل مناظرته الرئاسية بثلاثة أيام، كان ترامب يعلم أنَّه مصاب بفايروس كورونا، ورغم ذلك عرَّض الكثيرين للخطر وللتضليل فقط لمواصلة حملته الانتخابية. 

من جهتها، تلعب السّينما دورًا في تجسيد العالم الواقعي الذي نعيش فيه وتسليط الضوء على مشاكله، ما يسبّب أحيانًا في محاولة إسكاتها. فعام 1940، مُنعَ الفيلم الكوميدي السياسي "الديكتاتور العظيم" للممثل الصامت تشارلي تشابلن، من العرض في ألمانيا. ولعلَّ السبب الرئيسيّ، هو تصوير المؤلف والمخرج والممثل تشارلي تشابلن، للأحداث المشحونة التي رافقت المجتمع الألماني وقتئذ، ونقله الحقيقة بشكل دقيق وتصويبها، خصوصًا أنَّ نظام هتلر تميّز بماكينته الإعلامية المضللة. وبعيدًا عن أسباب منع عرض الفيلم في ألمانيا، يمكن القول، على الضّفة الثانية من التاريخ، إنَّ فيلم “لا تنظر للأعلى” (Don’t look up) هو تجسيد آخر لبنية السُلطة في العالم الحديث. فهي لم تعدْ مبنيّة على شكل أجهزة وأدوات قمعية أو “لوياثان” (leviathan) كما يصفها توماس هوبز، ونظام هتلر الديكتاتوري، أو محتكرة في الدولة كما أشار الفيلسوف الألمانيّ كارل ماركس، إنما ذائبة في الجسم الاجتماعي، ديمقراطية أكثر، لا يمكن حصرها في اتجاه أو آلية أو شكل محدَّد، كما ذكر الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو. لنأخذ مثالًا من الفيلم نفسه، فهل يمكن اعتبار ما يُعرف اليوم بـالإعلام الجديد أنّه سلطة جديدة؟
في الفيلم، حين أدركَ الشعب حقيقة ما يجري، أي حقيقة توجه المذنّب نحو الأرض، انقسم إلى عدة أقسام. فريقٌ أيَّدَ حملة "لا تنظر للأعلى" بالتزامن مع الحملة الانتخابية للرئيسة الأميركية. وفريق جعل من الكارثة "تريند" مسلٍّ على غرار برنامج حواري "توك شو". وفريق آخر أيَّد مشروع رئيس مجموعة "باش" للاتصالات، بيتر، الذي ربمّا يجسّد الشركات العملاقة التي تحكم عالمنا الحالي، كونه مَن يُمَوِّل حملة الرئيسة الانتخابية، ويحاول إقناع الجمهور بإمكانية الاستفادة من المعادن التي يسعى لاستخراجها من المذنّب، من خلال القضاء –مستقبلًا- على الفقر والبطالة والتسوُّل في العالم أجمع.
هكذا إذًا، ضجَّت مواقع التواصل الاجتماعيّ بنظريات المؤامرة، وأصبحت طالبة الدكتوراه كيت ديبياسكي، مجرد وسمٍ ساخر يستهلكه الجمهور ويتواطأ فيه البيت الأبيض ورجال الأعمال بهدف تضليل الحقائق العلمية التي تؤكِّد وجود المذنّب المدمِّر.
إنَّ تلاعب السلطة السياسية والإعلامية بالحقائق العلمية، وتجاهلها للكارثة التي ستحلّ في الفيلم، يعكس واقع بعض السلطات السياسية وغيرها، في عالمنا الواقعي. فمَن منّا لم يراقب عن كثب الحملات الانتخابية في الأعوام الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية؟ من منّا لم يسمع الكثير من الخطابات التي تحمل داخلها كمًّا هائلًا من المعلومات الزائفة والعبارات المضلِّلة؟ ومن منّا لم يشهد على استغلال المُرشَّحين، أصحاب النفوذ لتمويل حملاتهم الانتخابية؟ وذلك عبر اختراق بيانات الجمهور وضخّ الإعلانات المضللة والتحريض على الكراهية وجمع معلومات عن أكبر عدد من مستخدمي الشبكة والتلاعب بعقولهم من خلال هندسة الخوارزميات، إضافة إلى وسائل أخرى لإنجاح حملاتهم الانتخابية وإعادة تشكيل سيكولوجية الحشود والجماهير بما يخدم مصلحتهم.

أنهى المخرج الكوميدي آدم ماكاي، الفيلم بأكل مخلوق (البرونيتروك) الفضائي لجاني أورليان، رئيسة أميركا في الفيلم. وربّما أراد المخرج من خلال هذه النهاية أن ينبّه العالم لخطر "الظاهرة الترامبية"، في استخفافها بمشاكل المناخ، وفي إنتاجها للأخبار الزائفة والمضللة، وللشرّ، على الرغم من ظهوره بشكلٍ تافهٍ وساذج.

اقرأ/ي أيضًا:

حول صناعة الدعاية والسيطرة على وسائل الإعلام

وثائقي لنتفليكس: الإعلام الإسباني ضلّل في تغطيته تفجيرات مدريد عام 2004

المصادر:

Trump Mocks Greta Thunberg on Twitter

The Guardian

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة