` `

التضليل وتحفيز الخوف: عنوان الحملات الدعائية في الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة

كفاء مساعد كفاء مساعد
سياسة
20 مايو 2022
التضليل وتحفيز الخوف: عنوان الحملات الدعائية في الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة
فازت أغلب الأحزاب التقليدية بمقاعد في البرلمان (Getty)

الأفكار الواردة في هذا المقال لا تُعبّر بالضرورة عن رأي “مسبار”.

 

تتجسّد قوة الأحزاب التقليدية اللبنانية في تكريسها وتغذيتها للنظام الطائفي القائم؛ خصوصًا أنّها هي نفسها تحمل طابعًا طائفيًا. وتعتمد بشكل أساسي على تطييف خطابها السياسي، ليخلق كلّ حزب وجهًا مختلفًا للحقيقة يتلاءم مع أيديولوجيته ويضمن استمراريته في نيل رضا أتباعه وولائهم. 

ويتجلّى ذلك من خلال لعبة شدّ العصب الطائفي وتأكيد هذه الأحزاب لجمهورها  على الدوام وبشكل متكرّر أنّها هي دون سواها الضمانة لوجودهم في المنطقة، كمجموعات دينية أو طائفية. وفي زوالها تخسر هذه الجماعة حاميها الذي تنضوي تحت مظلّته، وتخسر مكانتها وكرامتها في المجتمع اللبناني الأكبر، بما أنّ وجود الحزب الطائفي وزعيمه الروحي هو علّة وجودها. 

لهذا على الرغم من تنوّع الحملات الدعائية للأحزاب اللبنانية قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، نرى أنّها جميعها تلتقي عند نقاط مشتركة تكمن في انفصالها عن الواقع وروح الأزمات التي يعاني منها لبنان، والتركيز على التهديد الوجودي الذي تتعرّض له وما يتبعه من ضرورة حماية الطائفة وحقوقها. وبالتالي يتغيّر قالب الحقيقة أو الحقيقة المبتكرة، إذا صحّ القول، مع تغيّر اللاعبين، لتبقى الشعارات نفسها ويختلف اللاعبون. 

وعادة ما يكون المواطن بغضّ النظر عن الطائفة التي ينتمي إليها هو الخاسر الأكبر، لأنّ هذه الأحزاب تبيعه شعارات مضلّلة تخدم مصلحتها لا المصلحة العامة ومصلحة المواطن، وغالبًا ما تكون عارية عن الصحةّ ولا تستند إلى أي معيار حقيقي أو أقلّه موضوعي ومنطقي.

وهذا ينسجم مع تعريف البروباغندا الذي يشير إلى أنّها "تستند إلى منح الأشخاص معلومات خاطئة ما يستدعي اتخاذهم لقرارات لا تصبّ في مصلحتهم". وتنعكس هذه القرارات في الانتخابات النيابية، عندما يتكثّف استخدام هذه الشعارات، من خلال إعادة انتخاب ممثلين في البرلمان اللبناني ينتمون إلى الأحزاب التي تحمل هذه الشعارات وتروّج لها. 

في هذه المدونة نستعرض بعضًا من الخطابات والشعارات المختلفة التي استخدمتها الأحزاب اللبنانية ورافقتها لمخاطبة جماهيرها وأتباعها قبل استحقاق الانتخابات النيابية التي جرت بتاريخ 15 مايو/أيار الجاري، علمًا أنّ نتائجها منحت أغلب الأحزاب التقليدية مقاعد في البرلمان اللبناني الجديد، مع خسارة فريق حزب الله للأكثرية النيابية التي كان يتمتع بها سابقًا، ودخول مجموعة جديدة من النواب من خارج الطبقة الحاكمة والذين ينتمون إلى شرائح مختلفة معارِضة من المجتمع المدني.

خطاب التيار الوطني الحر 

حمل التيار الوطني الحر الذي يترأسه جبران باسيل وهو صهر رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، شعار "كنا ورح نبقى هون" في حملته للانتخابات النيابية اللبنانية هذا العام. لهذا الشعار دلالة رئيسية مفادها أنّ مسيحيي الشرق كانوا وسيبقون موجودين في لبنان والمشرق. 

ومن خلال هذا الشعار يريد التيار الوطني الحر ترسيخ فكرة أنّه ضمانة المسيحيين اللبنانيين للبقاء في وطنهم في ظلّ التهديدات "الوهمية" التي يتعرّضون لها والتي تشكِّل خطرًا على وجودهم في المنطقة.

الانتخاب على قاعدة الخوف والتخويف

فالأحزاب الطائفية  تغذّي مثل هذه الشعارات لأنها تعطيها شرعية من خلال منطق التخويف من الآخر المختلف طائفيًا، والمقصود هنا إضافة إلى اللبناني المسلم، كلّ من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ذات الأغلبية المسلمة أيضًا، إضافة إلى حزب القوات اللبنانية الذي تَقاتل مع التيار الوطني الحر خلال الحرب الأهلية اللبنانية، والذي يتهمه التيار بمحاولة إلغائه.

ويندرج تحت هذا العنوان العريض تصريحات مختلفة لجبران باسيل تصبّ في الإطار نفسه، نذكر منها هنا بعض الأمثلة في قوله "مَن يصوِّت للقوات يصوّت لإسرائيل وداعش...". 

صورة متعلقة توضيحية

أو قوله أيضًا "التيار باقي بكل لبنان وبالعالم، يواجه لما يحكمونا الإخوان ولما يبقوا النازحين ولما يستوطنوا اللاجئين...".

صورة متعلقة توضيحية

ويمكن رصد التضليل في هذه التصريحات من خلال عدّة نقاط أساسيّة أبرزها أنّ الحرب الأهلية اللبنانية التي انتهت عام 1990، أثبتت عدم قدرة أي طائفة على إلغاء طائفة أخرى في لبنان. إضافة إلى ذلك، يقصد باسيل بداعش هنا حلفاء حزب القوات اللبنانية من الطائفة السنية في شمال لبنان. 

وتظهر دراسات وتقارير أميركية وأخرى أنجزتها منظمة هيومن رايتس واتش أنّ داعش التي تحدّث عنها جبران باسيل لا تشكّل تهديدًا للمسيحيين فقط، إذ إنّ العدد الأكبر من ضحاياها هم من المسلمين. 

ونشرت صحيفة ذا غارديان البريطانية عام 2014 خبرًا بعنوان "داعش تقتل مئات العراقيين من السنة من عشيرة البو نمر في محافظة الأنبار". وبالتالي، التهديد الداعشي الذي طرق حدود لبنان الشرقية ودخل إلى بلدة عرسال قبل عدّة سنوات قبل أن يتمكّن الجيش اللبناني من دحضه، ليس تهديدًا لمسيحيي لبنان فقط، بل للكيان اللبناني ككلّ.

صورة متعلقة توضيحية

من جهة ثانية، حليف التيار الوطني الحر الرئيسي والذي أوصل الرئيس ميشال عون إلى سدّة رئاسة الجمهورية اللبنانية هو حزب الله. وهو حزب ديني عقيدته ترتكز على التبعية لولاية الفقيه وفق ما يعرّف نفسه. 

خطابات حزب الله وحركة أمل

حزب الله هو جزء من منظومة الأحزاب اللبنانية منذ أن دخل في اللعبة السياسية بشكل واضح وترشّح للانتخابات النيابية عام 2005، بعد اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري. وهو حزب يروّج لنفسه على أنّه حزب مقاوم ضدّ إسرائيل ويفاخر بعدد الشهداء الذين سقطوا في صفوفه في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، الذي انتهى بتحرير الجنوب في 25 مايو عام 2000. وبالتالي حمل حزب الله هذا العام شعار "باقون نحمي ونبني"، في إشارة إلى أنّ وجوده هو الضمانة لحماية أتباعه في وجه إسرائيل. وتمحورت حملته الانتخابية على تصوير نفسه على أنه الأقوى والوحيد القادر على حماية لبنان من أي اعتداء خارجي. كما يعمد إلى استخدام لغة التخوين والتبعية للسفارات الأجنبية لكل مَن يختلف معه ويعارضه في الرأي.

وفي هذا السياق، يواجه أخصام حزب الله حملته بتذكيره على الدوام بأنّه هو أيضًا حزب مموّل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقراره غير سيادي بما أنه رهين لها بما تقدمه له من مال وسلاح كما جاء قبل سنوات على لسان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، مقرًّا أن تمويله وسلاحه تقدّمه له إيران.

صورة متعلقة توضيحية

كذلك تحالف في أكثر من مناسبة مع مَن يعمد إلى تخوينهم على الدوام، وكان أوّل تحالف جمعه مع حزب القوات اللبنانية في انتخابات عام 2005.

إضافة إلى ذلك، يعمد حزب الله إلى تبرئة نفسه من تهم الفساد التي يوجّهها اللبنانيون إلى عدد من الشخصيات والأحزاب ضمن الطبقة الحاكمة، ليشير منتقدوه إلى أنه كان شريكًا في الحكم مع هذه الأحزاب منذ عام 2005.

صورة متعلقة توضيحية

أمّا حركة أمل وهي الحليف لحزب الله تحمل أيضًا شعارات الوفاء للأرض والقضية علمًا أنّ رئيسها نبيه بري يشغل منصب رئيس مجلس النواب منذ عام 1992.

الحزب التقدمي الاشتراكي

بدوره اعتمد الحزب التقدمي الاشتراكي على الترويج لكونه يتعرّض لحرب كونية يخوضها ضدّه الثنائي الشيعي المؤلّف من حزب الله وحركة أمل بهدف إلغاء وجوده. والحزب الاشتراكي الذي يحمل اسمًا تقدّميًا، يترأسه النائب تيمور جنبلاط ابن وليد جنبلاط، وهو زعيم درزي بخلفية إقطاعية مقرّها قصر المختارة الموجود في قرية المختارة الشوفية. 

ركّز الحزب في استراتيجيته الانتخابية على كون المختارة مهدّدة بالزوال، وروّج إلى أنّ حزب الله يسعى إلى إقفال "دارة المختارة" بما تحمل من رمزية لعدد من دروز لبنان، غير أنّ هذه الشعارات تحمل كذلك في طيّاتها الكثير من التضليل، كونها لا تستند إلى الوقائع.

فمن خلال مراجعة العلاقة بين الثنائي الشيعي والحزب التقدمي الاشتراكي، نرى أنّ الطرفين تحالفا في أكثر من مناسبة انتخابية وفي أكثر من استحقاق داخل المجلس النيابي خلال الأعوام الفائتة. كما تجمع علاقة وثيقة كلًا من وليد جنبلاط ورئيس حركة أمل نبيه بري، وتنوي الكتلة الاشتراكية إعادة انتخاب بري لرئاسة المجلس النيابي الجديد، ما دفع عددًا من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي بتذكيرها من الشعارات التي كانت تحملها  قبل أيام معدودة فقط.

صورة متعلقة توضيحية

حزب القوات اللبنانية

حملت حملة حزب القوات اللبنانية شعار "نحنا بدنا ونحنا فينا"، في إشارة إلى قدرة الحزب على تلبية تطلّعات الناس في أكثر من موضوع منها حماية الهوية، واستعادة السيادة. وبالتالي، هذا الحزب أيضًا ركّز في حملته على التخويف من ضياع الهوية في حال خسارته في الانتخابات، وهو يقدّم نفسه أيضًا على أنه يحمي المسيحيين والمناطق المسيحية بين هلالين، كما حصل في أحداث الطيونة العام الفائت.

صورة متعلقة توضيحية

ويتشابه خطاب الأحزاب اليمينية المسيحية على الرغم من خلافاتها، إذ جميعها تسعى دون استثناء إلى اللعب على وتر شدّ العصب الطائفي وإشعار مسيحيي لبنان تحديدًا أنهم في حالة تهديد دائم من شركائهم في الوطن. 

وفي هذا الخطاب تحديدًا الذي ينشر فيه رئيس حزب القوات اللبنانية كلام البطريرك الماروني الراحل “نحن من أنشأ لبنان ولن نكون غرباء فيه”، يكرّر تكريس إحدى الأساطير الطائفية التي يتحدّث عنها المؤرخ الراحل كمال صليبي في كتابه “بيت بمنازل كثيرة: الكيان اللبناني بين التصور والواقع”. 

ويفنّد الصليبي السياق التاريخي الذي أسّس لقيام ما عرف بـ"الميثاق الوطني" الذي شكّل الضمانة لحقوق الموارنة، من خلال وصفهم بالطائفة التي خاضت معركة تأسيس لبنان. ويقول الصليبي إنّ الأسطورة قائمة على أنّ الطوائف الأخرى ألحقت جغرافيًا في جبل لبنان، وهو ما يتناقض مع تاريخها وامتداداتها في المنطقة.

صورة متعلقة توضيحية

إذًا تتعدّد المشهديات في الساحة اللبنانية على صعيد اللوائح التي ترّشحت وتنافست إلّا أنّ جميع الأحزاب التقليدية لجأت إلى النهج نفسه في التسويق إلى نفسها وجذب الناخبين للاقتراع لها. وكسرت اللوائح المرشحة عن المجتمع المدني هذه القاعدة من خلال حملها شعارات وطنية جامعة بعيدة عن الاصطفافات السياسية مثل “صوتوا كرمال لبنان”.

وتنافس كذلك مَن هم مع السيادة ومن هم مع بقاء سلاح حزب الله، ولكن معظم المقترعين على ما يبدو لم يقترعوا لمشروع أو خط سياسي أكثر ممّا اقترعوا فعليًا ضدّ الإلغاء والإقصاء والعدو الخائن الذي يتربّص بهم. وكلّها شعارات وهمية واهية تنقضي مع انقضاء الموسم الانتخابي ليعودوا جميعًا إلى الطاولة نفسها تجمعهم المصالح المشتركة، إذ تخلص دراسة أجراها الباحث جانار سجوبلوب بعنوان “دراسة بروباغندا الأحزاب” إلى أنّ تأثير البروباغندا ضئيل وثانوي في المساحة البرلمانية، بينما هو ضخم في الساحة الانتخابية.

اقرأ/ي أيضًا:

ليست المرة الأولى التي يخسر فيها طلال أرسلان الانتخابات النيابية اللبنانية خلال 30 عامًا

روايتان متناقضتان عن غرق مركب الموت في طرابلس اللبنانية

المصادر:

جريدة النهار

حساب سمير جعجع على موقع تويتر

حساب جبران باسيل على موقع تويتر

البروباغندا

تقرير وزارة الخارجية الأميركية

الحرب الأهلية اللبنانية

موقع قناة الحرة

هويمن راتس واتش

حديث نصرالله

بيت بمنازل كثيرة: الكيان اللبناني بين التصور والواقع -كمال الصليبي

صحيفة ذا غارديان

قراءة في النظام اللبناني بين القانون والتطبيق

مجلة الجيش

حملات الدعاية الحزبية

مجلة الدراسات الإسكندنافية

الأكثر قراءة