` `

فيلم شكرًا على التدخين: عن صناعة الجهل ودورها بالترويج للسجائر

نور حطيط نور حطيط
أعمال
30 مايو 2022
فيلم شكرًا على التدخين: عن صناعة الجهل ودورها بالترويج للسجائر
وجد بروكتور أنّ شركات التدخين تحجب الحقائق وتبث الشكّ فيها لأجل الربح (Getty)

الأفكار الواردة في المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعبّر عن رأي “مسبار” بالضرورة.

 

"شكرًا على التدخين"، هو فيلم أميركيّ (دراما-كوميديّ)، من إخراج جيسون ريتمان، عُرض للمرة الأولى عام 2005، ويروي قصة نيك نايلور (آرون إيكهارت)، المتحدث باسم شركة تبغ أميركية تمثّل "لوبي" قوي للترويج للتبغ في الولايات المتحدة والعالم.

يذهب الفيلم في إبراز قوة نايلور في الترويج للتبغ وتحسين سمعته لدى العوام، والمعروف عن نايلور، قدرته أيضًا على مواجهة أعتى الخصوم المعارضين للتدخين، منهم سيناتور وعالم بيئي أميركي يحاول تحدّي نايلور بوضع علامة تحذيرية على علب السجائر.

يبدأ الفيلم بمشهد جلوس نايلور إلى جانب مريض سرطان يُدعى روبن ويليجر الصغير، يبلغ من العمر 15 عامًا، ضمن حلقة لبرنامج جوان لوندن.

يخبر ويلجير الصغير المشاهدين أثناء عرض البرنامج عن إقلاعه عن التدخين، فهو يعتقد أنَّ التدخين سبب إصابته بهذا المرض.

من أبرز ما يثير الاهتمام في البرنامج الذي استضاف العديد من الضيوف المهمّين المناهضين للتدخين، هو المتحدث الإعلامي لشركة صناعة سجائر كبيرة، نيك نايلور، الذي لم يتردد في مقاطعة الضيوف، وتحدّيهم بالقول: 
"من مصلحتنا أنْ نُبقي روبن على قيد الحياة" وأثناء مناوشة حاصلة بينه، وبين أحد الضيوف، أضاف "الأشخاص المناهضون للتدخين هم المستفيدون الأكبر من موت روبن الصّغير".
وختم حديثه بالقول "إنّهم-كشركة كبيرة- سيخصّصون ميزانية ضخمة لإقناع الأطفال بعدم التدخين، لأنَّه لا أهميّة أكبر من المحافظة على حياة الأطفال في أميركا".

يُعرف عن نيك نايلور بأنه شاب ذو مظهرٍ أنيقٍ، سفسطائي يجيد قلب الطاولات على الضيوف الحاضرين، واستخدام الكلام التضليلي كسلاح لممارسة قوته السحرية والإغوائية، بهدف واحد فقط وهو إقناع الجماهير بالإقبال على التدخين.

نظراء نيك نايلور: تُجار الموت

يجتمع نيك نايلور عادةً في حانة بيرت مع أصدقائه الناطقين الرسميين لشركات التبغ والكحول وصناعة الأسلحة، وهم يدعون أنفسهم بفرقة وزارة الدفاع، وشعارهم MOD، وهو اختصارٌ لعبارة تعني تجّار الموت.

و"بولي" التي تعمل لصالح مجلس الاعتدال في شركتها المُختصّة بصناعة الكحول، هي مدمنة كحول في عمر الأربعين ويقول نايلور باستهزاء عنها، بأنَّ هذه المرأة استطاعت إقناع البابا بالتصديق على النبيذ الأحمر. أمّا "بوبي جاي" فيروّج داخل مجتمعه، لبيع الأسلحة النارية.
ويتناول نيك نايلور العشاء معهم مرة واحدة في الأسبوع، وما يمتّعهُ في صحبتهم هو مناصبهم و انتماؤهم إلى جماعات الضغط المجتمعي، ويعتقد نايلور أنهم نظراؤه الحقيقيين في التضليل والتلاعب بالحقائق.

الترويج للتدخين في الأفلام

في الفيلم، يحاول أحد كبار المناهضين للتدخين السيناتور فيرمونت أورتولان فينيستيري، وهو عالم بيئي من ولاية فيرمونت، الضغط على شركات التبغ لوضع علامة جمجمة وعظمتين متقاطعتين على كل علبة سجائر، موضحًا أنَّ الرمز أفضل من الكلمة، خاصّةً أنّ الكثيرين، حسب قوله، لا يعرفون اللغة الإنجليزية.
يصبح السيناتور فينيستيري فيما بعد، الخصم الأبرز لنيك نايلور، الذي يستدعيه رب عمله بشكل مفاجئ، إلى اجتماع طارئ لاقتراح حل يحدّ من الخسائر التي قد تسقطهم كشركة ربحيّة. 
وعلى طاولة الاجتماع الطارئ يقول نايلور مخاطبًا أصدقائه في العمل: "في عام 1910 كانت الولايات المتحدة الأميركية تنتج عشرة مليارات سيجارة في السنة، وفي عام 1930 أصبحت تنتج بحدود 123 مليارًا، فماذا حدث في الوسط؟ ثلاثة أشياء: الحرب العالمية والحمية والأفلام".

يُبدي المدير المسؤول اندهاشه قائلًا “ماذا تقصد بالأفلام؟ وما علاقة مشكلتنا بما تتفوه به الآن؟”.
ليجيبه نايلور بسخرية وبشيء من التهكم: في عام 1997 ولدت الصور المتحركة، وفجأة احتاج المخرجون إلى إعطاء الممثلين كاري جرانت وكارول لومباد وبيتي ديفيس، شيئًا يفعلونه بينما يتكلمون فأشعلوا السجائر أثناء التصوير!
ويتابع: "ما أردت إيصاله، أنّ هوليوود مكان للترويج الممتع للتدخين، ولذلك نحتاج فريق تمثيل مثل غرايس وويل لحثهم على التدخين، خاصة وأنَّ جمهور هوليود واسع ويمكن تشجيعه على التدخين بسهولة".
في سياق متلاحق، يتفاوض نايلور مع وكيل في هوليوود يدعى روب لوي، من أجل إقناعه بفكرة جعل نجوم السينما يدخنون على الشاشة مرة أخرى، يوافق المدير على الفكرة ويعتبرها ملهمة، ومن شأنها إنقاذ شركته وجني أرباح طائلة.

يتمكّن نايلور في النهاية، من إغلاق ملف فضيحة طاولته على إثر إقامته علاقة حميمية مع إحدى الإعلاميات، والتي تذهب بعد معرفة جميع مخططاته التضليلية في شركة التبغ خاصته، إلى نشرها في الجريدة التي تعمل لصالحها، وبالطبع، ستنقذه قدرته على استخدام الجدال والمغالطات، في قلب الحقائق لصالحه في هذه القضية بالذات.

صناعة الجهل

ما يلفت الانتباه في شركة التبغ التي يتباهى بها نايلور، أنها تقتل 1200 إنسانًا في اليوم، وتضمّ الشركة سبعة سادة محترمين من بينهم طبيبًا “اختبر العلاقة بين النيكوتين وسرطان الرئة لـ30 عامًا ولم يجد أي نتائج حاسمة”، الأمر الذي يتمثّل بصناعة الجهل ونشره بشكل متعمّد. 

نستذكر هنا، عام  1979 حين فُضحت المذكرة السرية لشركة براون آند ويليامسون التي حملت عنوان "الاقتراح المتعلق بالتدخين والصحة"، وجاء فيها "الشك هو أفضل الوسائل لمواجهة الحقائق التي تسكن عقول الجمهور، وهو أيضًا وسيلة لإثارة البلبلة". وكشفت المذكرة حينها، عن الأساليب التي تتبعها هذه الشركات لأجل الحفاظ على معدل ربحي عال.

في ذلك الوقت، تحقق روبرت بروكتور، وهو مؤرخ علمي في جامعة ستانفورد درس سلوك شركات التبغ، ووصل إلى أنَّ الأخيرة ولغايات ربحية محضة، تعمل على حجب الحقائق وإثارة الشكوك حول مخاطر التدخين على الصحة وحول علاقته بالإصابة بمرض السرطان. وقد قاده بحثه إلى ابتكار مفهوم جديد وهو Agnotology، المشتق من كلمتي "agnosis" اليونانية التي تعني الجهل أو عدم المعرفة، و كلمة "ontology" والتي تطلق على علم الوجود، والذي يعبّر عن صناعة الجهل المُتعمّدة.

يقول بروكتور في هذا الصدد "كنت أعكف على استكشاف كيفية نشر الشركات الكبيرة والقوية للجهل من أجل بيع منتجاتها. الجهل قوة كبيرة، ويعبّر المصطلح الجديد عن إشاعة الجهل عن سبق الإصرار. وبدراسة ذلك، اكتشفت أسرار عالم العلوم السرية، وبت على قناعة بأنه يتوجب على المؤرخين إعطاء هذا الأمر اهتمامًا أكبر".

ويورد بروكتور في سياق ما وصل إليه، مثالًا عن صعوبة استخلاص نتائج عقلانية في ظل تضارب الآراء حول منتج ما، ويذكر لجوء بعض شركات التبغ لبحوث علمية بعينها، لإظهار منتجاتها غير الضارة، فهذه الشركات، بحسب تعبيره، تلجأ إلى تزييف الحقيقة باستخدام عبارات على شاكلة "لا يتفق الخبراء حول هذا الرأي.." وهذا محرّك كبير لنشر الجهل وفقًا لرأيه. يقول بروكتور "يمكن بسهولة عبر التخفي بقناع الجدل والنقاش الحكيم، الترويج للجهل".

ودعت منظمة الصحة العالمية اليوم 31 مايو/أيار، الذي يصادف اليوم العالمي للامتناع عن تعاطي التبغ، في بيان صحفيّ لها، إلى مساءلة تلك الشركات وجميع دوائر صناعة التبغ حول العالم. وذكرت في البيان معلومات تُظهر حجم الخسائر في الأرواح والموارد، إذ تؤدّي صناعة التبغ كل عام إلى وفاة أكثر من ثمانية ملايين إنسانًا، وتتسبّب في فقدان 600 مليون شجرة و200 ألف هكتار من الأراضي، وخسارة 22 مليار طن من المياه، وانبعاث 84 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون.

 

المصادر والمراجع:

بي بي سي 

كتاب التضليل الكلامي و أليات السيطرة على الرأي – كلود يونان

منظمة الصحة العالمية

Thank you for smoking

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة