` `

خبر متداول يستند إلى ادعاءات غير دقيقة عن أضرار ارتداء الكمامة

فراس دالاتي فراس دالاتي
صحة
30 أبريل 2023
خبر متداول يستند إلى ادعاءات غير دقيقة عن أضرار ارتداء الكمامة
الخبر المتداول مأخوذ من تقرر لسحيفة ديلي ميل عن دراسة حولة الكمامة (Getty)

نشرت وسائل إعلام ومواقع إلكترونية، حديثًا، خبرًا مفاده أنّ دراسة ألمانية منشورة في مجلة Heliyon العلمية، كشفت أنّ الكمامات يمكن أن تسبب تسمّمًا بغاز ثاني أكسيد الكربون عند ارتدائها لفترات طويلة، وأنّ تراكمه في جسم المرأة الحامل قد يسبب مضاعفات للجنين. ويساهم ثاني أكسيد الكربون أيضًا في الإجهاد التأكسدي الذي يمكن أن يؤثر على الإدراك ويسبب مشاكل في الخصيتين لدى الرجال.

صورة متعلقة توضيحية

ديلي ميل هي المصدر الذي نقلت منه وسائل الإعلام الخبر

لكن عند تحقق "مسبار" من الادعاء، وجد أنّه ينطوي على إثارة ويستند إلى مقالة بحثية ضعيفة لا تتبع كافة قواعد المنهج العلمي. إذ اعتمد ناشرو الخبر على قصة نشرتها صحيفة ديلي ميل البريطانية يوم 22 إبريل/نيسان بعنوان "دراسة تحذّر من أنّ أقنعة الوجه قد تزيد من خطر موت الجنين داخل الرحم، والخلل الوظيفي في الخصية، والتدهور المعرفي بسبب تراكم ثاني أكسيد الكربون". وفيه استعرضت نتائج تلك الدراسة التي وصفتها بـ "المتفجرة".

صورة متعلقة توضيحية

لكن الدراسة المشار إليها -والتي كانت في الواقع مقالة بحثية استعرضت مجموعة دراسات منتقاة- ومنشورة في دورية Cell Press بتاريخ الثالث من مارس/آذار الفائت لا تقدم أي دليل على أنّ الكمامات تسبب مشاكل صحية خطيرة إذا ارتداها الإنسان لمدة طويلة.

دراسات عن مخاطر التعرّض لثاني أوكسيد الكربون

المقالة راجعت 43 دراسة حول التعرّض لثاني أكسيد الكربون لم تصل أيًّا منها إلى استنتاجات نهائية، ونشرت تحذيرًا بشأن "الاستخدام اليومي الإلزامي للأقنعة على المدى الطويل، خاصة للأطفال والمراهقين والشباب والحوامل"، وأشارت إلى "بيانات تشير إلى تسمم الخصيتين لدى المراهقين".

وجاء في المقالة "توجد أدلة ظرفية على أنّ استخدام القناع لمدة طويلة قد يكون مرتبطًا بالملاحظات الحالية لوفاة الأجنة وتقليل الحركة اللفظية والأداء المعرفي العام لدى الأطفال الذين ولدوا أثناء الوباء".

المؤلف الرئيسي للمقالة، كاي كيسيلنسكي، الذي يصف نفسه "باحث مستقل وجرّاح" دون تحديد الجهة التي يعمل فيها، وصف المقالة في عنوانها بأنها "مراجعة تحديد النطاق" (Scoping review). ومراجعات تحديد النطاق، هي تقييم أولي للحجم المحتمل ولنطاق الأدبيات البحثية المتاحة، وتهدف إلى تحديد طبيعة ومدى دقة أدلة البحث (عادةً في بحثٍ جارٍ حول موضوع ما غير مجزوم بأمره).

صورة متعلقة توضيحية

مراجعة تحديد النطاق في البحث العلمي

أشارت مراجعة تحديد النطاق التي أجراها باحثون في جامعة غويلف في كندا في عام 2014 إلى أنّ "مراجعة تحديد النطاق أصبحت نهجًا شائعًا بشكل متزايد لتجميع الأدلة البحثية. إنّه نهج جديد نسبيًا لم يتم وضع تعريف عالمي موحد له، وهذا يزيد من خطر أن ينتهي الأمر بمراجعة تحديد النطاق إلى انتقاء أي دراسات قد تدعم وجهة نظر معينة دونًا عن غيرها".

التجارب عن أضرار الكمامة أُجريت على حيوانات

واعتمدت المقالة البحثية على دراسات للحيوانات المعرّضة بشكل مزمن لثاني أكسيد الكربون، وهذه الدراسات لا تنطبق على البشر الذين يرتدون الكمامات بشكل متقطع.

كما أنّ المقالة تبالغ في تقدير كمية ثاني أكسيد الكربون التي يتنفسها الناس عند ارتداء الأقنعة بمضاعفتها 60 مرة، دون إيضاح سبب ذلك أو شرحه لاحقًا. فعندما يتنفس البشر، فإنهم يستنشقون قرابة ستة لترات من الهواء، وبما أنّ القناع يحتوي 0.1 لترًا من الهواء فقط، فإنّ 1/60 فقط من الهواء المُتنفس أثناء ارتداء القناع يأتي من داخله.

وأدرجت المقالة بعض الدراسات التي أظهرت أنّ ارتداء الكمامة لأكثر من خمس دقائق يمكن أن يرفع كمية ثاني أكسيد الكربون التي تتنفسها بخمس نقاط مئوية. والحجة التي ذكرها مؤلفو مراجعة النطاق هذه هي أنّه عند ارتداء الكمامة، يتم تنفّس المزيد من الهواء الذي استُنشق بدلاً من الهواء النقي.

يستشهد المؤلفون بعد ذلك ببعض الدراسات التي أجريت على حيوانات مثل الجرذان وخنازير غينيا، التي أظهرت أنّ التعرض المزمن لثاني أكسيد الكربون كان مرتبطًا بزيادة خطر المواليد الموتى ومشاكل في النسل مثل تلف الخلايا العصبية الذي لا رجعة فيه و"انخفاض التعلم المكاني الناجم عن موت الخلايا المبرمج في جذع الدماغ. وانخفاض مستويات الدورة الدموية لعامل النمو الشبيه بالأنسولين -1".

وأشار المؤلفون أيضًا إلى دراسات أجريت على خصيتي الجرذان عندما ذكروا أن "هناك أيضًا بيانات تشير إلى تسمم الخصيتين لدى المراهقين، نتيجة استنشاق ثاني أكسيد الكربون بتركيزات أعلى من 0.5 في المئة".

القوارض ليست كالبشر

افترضت المقالة أنّ النتائج التي توصلت إليها الدراسات التي أجريت على القوارض يمكن تطبيقها على الإنسان مباشرة دون أي مقاربة حيوية للأعضاء المدروسة. لكن ما يحدث في القوارض قد لا يحدث للبشر، فأجسام كلا النوعين ليست متطابقة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تعريض القوارض بشكل مزمن لمستويات أعلى من ثاني أكسيد الكربون لا يعني جعلها ترتدي أقنعة الوجه الوقائية التي يرتديها البشر. 

كما لم توفر المقالة رابطًا علميًا منهجيًا بين تعرض القوارض المزمن لثاني أكسيد الكربون ضمن المختبر الذي ارتبط بمشاكل صحية لديها، وبين القول أنّ ارتداء قناع الوجه قد يسبب مثل هذه المشاكل في البشر.

ومع ذلك، استنتجت المقالة أنّ "هناك خطر حدوث تأثير سلبي محتمل من خلال فرض ارتداء الأقنعة لمدة طويلة، خاصة للمجموعات الفرعية الضعيفة. توجد أدلّة ظرفية على أنّ استخدام القناع لمدة طويلة قد يكون مرتبطًا بالملاحظات الحالية لوفاة الأجنة، وانخفاض الحركة اللفظية والأداء المعرفي العام عند الأطفال المولودين أثناء الجائحة".

صورة متعلقة توضيحية

الأبحاث المضلّلة حول الكمامات

هذه ليست المرة الأولى التي تنتشر فيها معلومات لا تستند إلى أدلة حاسمة حول الكمامات. إذ انتشر معلومات مضللة تُفيد بأنّ ارتداء الكمامة يوقف جهاز المناعة في الجسم، ويُسبّب هبوط مستويات الأكسجين في الدم إلى أقل من الطبيعي، وأنه يؤذي الأطفال من خلال حبس كميات من ثاني أكسيد الكربون.

لكن العلماء لم يجدوا ما يكفي من الأدلة على أن نوع الأقنعة التي يرتديها تلاميذ المدارس تؤثر سلبًا على مستويات الأكسجين أو ثاني أكسيد الكربون. ويقول العلماء أيضًا إنّ مستويات التلوث على الأقنعة ليست أسوأ من مستويات التلوث في الأغطية الشائعة الأخرى، مثل الوشاحات والقبعات.

ولم تجد الدراسات مشاكل صحية كبيرة في ارتداء الأقنعة لفترات طويلة. إذ استطلعت دراسة أجريت عام 2020 حالات 343 متخصصًا في الرعاية الصحية يعملون على الخطوط الأمامية لمحاربة وباء كورونا في مدينة نيويورك ممن ارتدوا أقنعة جراحية وأقنعة N95. وكانت الشكاوى الأساسية من الصداع وتهيج الجلد.

كما قام باحثون في مستشفى ومركز تشيتياند البحثي في الهند باستطلاع 124 من المتخصصين في مستشفيات الأذن والأنف والحنجرة في بلادهم، الذين استخدموا أقنعة الوجه لفترات طويلة. وخلصت الدراسة التي نشرت عام 2021 إلى أنّ الاستخدام المطول "يسبب انزعاجًا كبيرًا، ولكن أقنعة الوجه ضرورية لحمايتنا من الإصابة بكوفيد-19".

وتوصل باحثون من جامعة غانا إلى نتائج مماثلة لنتائج الدراسة الهندية في دراسة أجريت في ديسمبر/كانون الأول عام 2022، عندما أجروا مسحًا لآراء 2136 من مرتدي الأقنعة بانتظام وبشكل متقطع في جميع أنحاء العالم.

وهكذا يطرح انتشار هذا الادعاء تساؤلًا حول الطريقة التي يجب أن تستقي منها وسائل الإعلام معلوماتها من الدراسات والأبحاث العلمية، إذ لا يكفي أن تُنشر الدراسة في مجلة ما حتى تصبح مصدرًا موثوقًا للمعلومات. 

المصادر:

Daily mail

Cell

Guides

Lib guides

Ncbi

Clinmed journals

Ncbi

Mdpi

اقرأ/ي أيضًا:

ادعاءات مضللة روج لها الفنان زين العمر عن لقاح كورونا

فيروس كورونا وانتشار وباء التضليل

الأكثر قراءة