` `

تحطم طائرة الرئيس الإيراني: كيف سمح غياب الأخبار الرسمية بتدفق سيل المعلومات المضللة؟

فراس دالاتي فراس دالاتي
أخبار
21 مايو 2024
تحطم طائرة الرئيس الإيراني: كيف سمح غياب الأخبار الرسمية بتدفق سيل المعلومات المضللة؟
صورة من اللقاء الذي جمع رئيسي بنظيره الأذري على الحدود قبل الحادث (Getty)

بعد ظهر الأحد التاسع عشر من أيار/مايو الجاري، ذكرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية أن طائرة هليكوبتر في موكب الرئيس إبراهيم رئيسي، تعرضت "لهبوط اضطراري صعب" في منطقة جبلية قريبة من حدود البلاد مع أذربيجان. 

وذكرت وكالة تسنيم، التي تتبع للحرس الثوري الإسلامي، أنّ "عددًا من الأشخاص مع الرئيس تمكنوا من إجراء مكالمات هاتفية، وهذا ما يثير الأمل في أن هذا الحادث قد لا يسفر عن أي خسائر بشرية". في حين أن وزير الداخلية الإيراني أشار إلى أنه كان على اتصال بمرافقي رئيسي، لكن الأخير قال أيضًا إنه "نظرًا لتعقيد المنطقة، فإن الاتصال يمثل تحديًا إلى حدٍّ ما"، وأن الظروف الجوية السيئة يمكن أن تعرقل جهود البحث.

بعد ذلك ذكرت وكالة مهر شبه الرسمية للأنباء أنّ الرئيس بخير وهو في طريقه إلى تبريز، لتسحب الخبر بعد دقائق فقط، بعد أن نقلته عنها عشرات وسائل الإعلام. ومع وصول عمال الإنقاذ إلى المنطقة، عرض التلفزيون الرسمي لقطات لهم وهم يتنقلون في مركبات وعلى الأقدام وسط ضباب كثيف. كما طلب من المشاهدين الدعاء بالسلامة لرئيسي ورفاقه.

محطة mtv اللبنانية نقلت خبر سلامة الرئيس الإيراني وتوجهه إلى تبريز عن وكالة مهر دون تحقق
محطة mtv اللبنانية نقلت خبر سلامة الرئيس الإيراني وتوجهه إلى تبريز عن وكالة مهر دون تحقق

بالإضافة إلى متابعة التحديثات من مختلف أجهزة جهاز الإعلام الحكومي الإيراني، سعت العديد من وسائل الإعلام العربية والعالمية إلى وضع الحادث في سياقه، مثل بروفايل رئيسي الذي أعدته بي بي سي، وتحليلات العواقب المحتملة لوفاته في حال تأكد ذلك، خصوصًا أن النقاش حول خليفة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي، يدور منذ مدة في الأوساط الإيرانية، وكانت تنحصر الاحتمالات بين ابنه مجتبى والرئيس الراحل رئيسي.

خامنئي يطمئن الشعب الإيراني بعد سقوط طائرة رئيسي

ظهر خامنئي على شاشة التلفزيون الرسمي لمعالجة الوضع، وقال: “يجب على الجميع أن يصلي من أجل صحة الرئيس ورفاقه من خادمي الشعب. كما لا يجب على الشعب الإيراني أن يشعر بالقلق، وأن غيابهم لن يؤثر على الأداء الحكومي". 

وفي وقت لاحق، قال رئيس الهلال الأحمر الإيراني للتلفزيون الرسمي إنّ عمال الإغاثة لم يجروا أي اتصال بالمروحية، ونفى الشائعات التي تقول عكس ذلك. وفي النهاية، ذكرت وسائل الإعلام الحكومية أنه تم تحديد موقع المروحية، التي صارت توصف بالإيجازات الإخبارية حينها بأنها "تحطمت". وبدأت تتسرب أخبار بأن رئيسي قد لقي حتفه في وسائل الإعلام غير الرسمية، مثل وكالة مهر، وفي بعض وسائل الإعلام الغربية كمجلة ذا أتلانتيك، قبل تأكيد الخبر في النهاية في نشرة حية بثها التلفزيون الحكومي، عندما أعلنت المذيعة مقتل رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وممثل المرشد الأعلى في أذربيجان الشرقية ومحافظها، وبقية من كان على متن المروحية.

وكالة مُهر الإيرانية تنشر خبر وفاة إبراهيم رئيسي قبل الإعلان الرسمي
وكالة مُهر الإيرانية تنشر خبر وفاة إبراهيم رئيسي قبل الإعلان الرسمي

غياب الأخبار الدقيقة فسح المجال للشائعات

بين أنباء "الهبوط الصعب"، وتأكيد وفاة رئيسي، وضبابية المعلومات لمدة تزيد عن 15 ساعة، اشتعلت النقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام. على وسائل التواصل الاجتماعي، سمح غياب الأخبار الصحيحة للمعلومات والأخبار المضللة بالازدهار، فاستغلت حسابات تأخر الإعلان الرسمي عن تحطم الطائرة لنشر صور من زيارات سابقة لرئيسي إلى محافظات كرمان وكهغیلویه وبویر أحمد على أنها لأول ظهور له بعد النجاة. ونظرًا لغياب الصور ومقاطع الطائرة حتى بعد سقوطها، يادر مستخدمون إلى نشر صور من حطام طائرة إغاثة قديم، ومقاطع من جورجيا وكولومبيا على أنها للطائرة الرئاسية الهابطة، من بين عشرات الأخبار الزائفة الأخرى.

كما ساهم غياب المعلومات في انتشار شائعات لا أساس لها من الصحة، مثل نشر مستخدمي إكس لقطة شاشة من برنامج FlightRadar24 لتتبع حركة الملاحة، تُظهر طائرة شحن عسكرية أميركية من طراز C-17 عائدة من أذربيجان في نفس وقت تحطم الطائرة الرئاسية، لإشعال نظريات المؤامرة، رغم أنه إجراء اعتيادي بالنسبة لدولتين بينهما تعاون عسكري، ووجود قاعدة جوية أميركية في العاصمة الأذرية باكو. 

كما انتشر ادعاء ساخر نشرته حسابات إسرائيلية على إكس يفيد بأن قبطان الطائرة عميل للموساد اسمه "إيلي كوبتر"، وجرى تداوله في نهاية المطاف بين بعض الحسابات على أنه جاد.

صورة مولّدة بالذكاء الاصطناعي أُرفقت مع المنشورات الإسرائيلية الساخرة التي قالت إن قبطان مروحية الرئيس الإيراني كان يدعى “إيلي كوبتر”
صورة مولّدة بالذكاء الاصطناعي أُرفقت مع المنشورات الإسرائيلية الساخرة التي قالت إن قبطان مروحية الرئيس الإيراني كان يدعى “إيلي كوبتر”

أما في وسائل الإعلام، فكان غياب المعلومات فرصةً لإشغال التغطية بالاستقطابات والآراء بدلًا من الأحداث نفسها. إذ عرض التلفزيون الرسمي لقطات لبعض الإيرانيين وهم يدعون لرئيسي، بينما أشارت وسائل معارضة إلى إرثه في إصدار أوامر الإعدام وقمع المعارضين والاعتقالات الجماعية للصحفيين. فيما شاركت "إيران إنترناشيونال"، وسيلة الإعلام الإيرانية المعارضة الأكبر، ومقرها لندن، لقطات قالت إنها لأشخاص يطلقون الألعاب النارية داخل إيران. كما نشرت نعيًا بعنوان يشير إلى رئيسي باعتباره “رجل دين سيئ التعليم أخطأ في رئاسة فاشلة”.

يقول كوروش زياباري، خريج كلية الصحافة في جامعة كولومبيا، في تحليل لمجلة نيولاينز الأميركية حول حالة الصحافة في إيران "عندما يندلع حدث كبير له آثار على الأمن القومي، تتوقع سلطات الجمهورية الإسلامية من جميع المؤسسات الإعلامية أن تتبع طريقة عمل موحدة ومتجانسة، حتى من خلال اللجوء إلى معلومات غير دقيقة، حتى تتمكن من الإشراف على الخطاب وهندسة المزاج العام". 

في هذه الحالة، كان ذلك ينطوي على التقليل من شأن الأخبار الحقيقية المتعلقة بخطورة الوضع وتأخيرها، تتبعه الأجهزة الإعلامية في الدول الشمولية، وهو أسلوب ليس بالجديد حسب زياباري، إذ تفقد وسائل الإعلام الحكومية الثقة من جماهيرها المحتملة، و بدلًا من ذلك، ينتهي الأمر بتوجيه الأهمية والأولوية إلى وسائل الإعلام الخاصة أو حتى المنظمات الأصغر في أماكن أخرى. ويضيف زياباري أنّ الشائعات قديمة قدم المجتمع البشري نفسه، ودائمًا ما كانت تزدهر خلال الأزمات والحروب وفترات الكساد. 

وفي ورقة بحثية لأُستاذَي علم النفس، قسم العلاقات الاجتماعية في جامعة هارفارد، جوردون ألبورت وليو بوستمان نُشرت عام 1946 بعنوان "تحليل الإشاعة" يضع الباحثان القانون الأساسي الذي يقول "تطير الإشاعة في غياب الأخبار. لذلك، يجب أن نقدم للناس أدق الأخبار الممكنة، بسرعة وبشكل كامل".

اقرأ/ي أيضًا

أبرز الادعاءات المضللة عن حادثة تحطم مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي

التغريدة مفبركة وأفيخاي أدرعي لم يلمّح إلى مسؤولية إسرائيل عن مقتل الرئيس الإيراني

الأكثر قراءة