` `

هل الأمازيغ مسلمون؟

سياسة
18 يوليو 2020
هل الأمازيغ مسلمون؟
أول المسلمين الذين غزوا الأندلس كانوا في معظمهم من القبائل الأمازيغية (getty)
صحيح

تحقيق مسبار

يزخر الوطن العربي بالكثير من الهويات والمجموعات العرقية على امتداد حدوده، ومن ضمن هذه الجماعات العرقية القبائل الأمازيغية، في هذا المقال سوف نتعرّف على الأمازيغ، أين يتواجدون وكم عددهم، ما هي اللغة التي يتحدثون بها، وما هي ديانتهم، وأخيرًا سوف نرى إذا كان الأمازيغ مسلمون أم لا.

 

من هم الأمازيغ؟

الأمازيغ، أو البربر، مجموعة عرقية تعيش في شمال إفريقيا وبالأغلب في بلاد المغرب العربي. وفي أصل الاسم، لفظة الأمازيغ تعني الرجال الأحرار، أمّا بالنسبة لتسميتهم بالبربر فهو الاسم الذي أطلقه عليهم الرومان، وهو اسم كانوا يطلقونه على أي شعب ليس تحت سيطرتهم أو على الشعوب الذين هم أدنى منهم، أمّا بالنسبة للعرب فكلمة البربر تُطلق على البدو الرُحّل. 

أصل الأمازيغ من الناحية التاريخية غير محدّد أو مفقود، فهناك روايات تقول أنّ أصولهم تعود إلى الشعوب الأوروبية القديمة التي هاجرت واستقرّت في شمال إفريقيا، وتدّعي روايات أخرى أنّ أصل الأمازيغ يرجع إلى الكنعانيين، لكنّ الثابت أنّ الأمازيغ من الشعوب أو السكّان الأصليين في شمال إفريقيا.

 

أصل الأمازيغ

تعتبر مسألة أصل الأمازيغ من أكثر القضايا الخلافية بين المؤرخين لتاريخ شعوب شمال إفريقيا. وقد قُدّمت في مسألة أصل الأمازيغ اجتهادات كثيرة من مؤرخين عرب أو أجانب، بحثت كلها عن إيجاد أصول إثنية وعرقية وأنثروبولوجية تربط الأمازيغ بشعوب أخرى، بينما سارت اجتهادات تأريخية أخرى حول أصل الأمازيغ في منحى اعتبارهم من الشعوب الأصلية في المنطقة، ولم يفِدوا من أي منطقة أخرى من خارجها. ويمكن تلخيص هذه الاجتهادات التأريخية حول أصل الأمازيغ حسب أهم النظريات كما يلي:

  • الأمازيغ من أصل كنعاني:

هذا الاجتهاد اشتهر عن ابن خلدون العالم العربي الشهير، صاحب كتاب "المقدمة" الذي يعتبر مؤسسًا لعلم الاجتماع في نظر الكثيرين. يقول ابن خلدون في كتابه "تاريخ ابن خلدون": "والحق الذي لا ينبغي التعويل على غيره في شأنهم؛ إنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح".

  • الأمازيغ من أصل أوروبي:

يعتقد بعض المؤرخين أن أصل الأمازيغ أوروبي، ويعتمدون في هذه الفرضية على معطيات لغوية وبشرية تشير إلى أن الإنسان الأمازيغي يتحدر من الغاليين (Gaulois)، وهم من الشعوب القديمة التي استوطنت أوروبا. كما أن هناك فرضية تربط بين الأمازيغ وبين الوندال الذين سبق لهم أن استعمروا شمال أفريقيا.

  • الأمازيغ من أصل عربي:

كانت الرواية الرسمية في أغلب دول شمال إفريقيا وخصوصًا في المغرب والجزائر تدافع باستمرار عن فرضية أن الأمازيغ من أصول عربية، وأنهم هاجروا إلى شمال إفريقيا قادمين من اليمن عن طريق الحبشة. وقد كانت كتب التاريخ المدرسية في المغرب تدرس هذه النظرية لعقود طويلة. 

  • الأمازيغ من أصل محلي:

يقصد بهذه النظرية أن الأمازيغ لم يفِدوا من خارج شمال إفريقيا وإنما كانوا يستوطنونها منذ ما قبل التاريخ. وقد بينت اكتشافات الأركيولوجيين في الأربعين عامًا الماضية أن إنسان شمال إفريقيا يكاد يكون أقدم إنسان في العالم. وكان أهم هذه الاكتشافات إنسان جبل إيغود الذي وجد بالمغرب ويعد أقدم إنسان عاقل اكتشف لحد الآن.

وقد أعاد اكتشاف إنسان جبل إيغود حسابات المؤرخين حول تاريخ الإنسان العاقل بعد العثور على بقايا متحجرة من البشر، تعود أصولها تاريخيًّا إلى ما بين 300 و350 ألف سنة في منطقة اليوسفية وسط المغرب. وقد تم نشر نتائج هذا الاكتشاف في مجلة "نيتشر" العلمية الشهيرة، للتأكيد على أن هذا الإنسان هو أقدم إنسان عاقل اكتشف في تاريخ البشرية. 

ويدافع بعض الباحثين في مجال التاريخ الأمازيغي عن فرضية أنّ أصل الأمازيغ محلي، بناءً على هذه الاكتشافات التي تعتبر شمال إفريقيا مهد البشرية ومنطلق الإنسان العاقل الذي سيعبر بعد ذلك عبر مضيق جبل طارق إلى أوروبا ومن ثمة إلى آسيا وينتشر عبر العالم.

وتضرب الاكتشافات الأركيولوجية التي أثبتت قِدم الإنسان في شمال إفريقيا في كل النظريات الأخرى حول أصل الأمازيغ التي تربطهم إمّا بالشرق الأوسط أو بالجزيرة العربية، وتعتبر بالتالي أن الإنسان الأمازيغي ليس عنصرًا وافدًا على شمال أفريقيا ولكنه قديم فيها ووجد منذ ما قبل التاريخ والحضارة. ويؤكد هذه الفرضية وجود اكتشافات سابقة على إنسان جبل إيغود مثل إنسان مشتة العربي الذي تم اكتشافه في الجزائر. وكذلك إنسان سيدي عبد الرحمن الذي تم اكتشافه في منطقة الدار البيضاء بالمغرب. 

لكن وجود الإنسان في شمال إفريقيا منذ ما قبل التاريخ لا ينفي وجود صلات تاريخية وحضارية بين الأمازيغ وبين من جاورهم من الحضارات الشرقية والإفريقية والعربية والأوربية. ولعل هذا الاحتكاك بالمحيط الجغرافي هو الذي ترك لدى الأمازيغ آثارًا ديمغرافية وحضارية متنوعة.

 

أين يتواجد الأمازيغ؟

ينتشر السكّان الأمازيغ في شمال إفريقيا من المحيط الأطلسي غربًا إلى واحة سيوة في جمهورية مصر شرقًا، ومن سواحل البحر الأبيض المتوسط شمالًا إلى النيجر جنوبًا. ويعيش معظم الأمازيغ الناطقين باللغة الأمازيغية في دول المغرب العربي مثل الجزائر وتونس والمغرب وليبيا، كما تتواجد مجموعات منهم في شمال مالي وشمال النيجر، بالإضافة إلى وجود مجموعات صغيرة من الناطقين باللغة الأمازيغية في موريتانيا وبوركينا فاسو ومدينة سيوة في مصر، وهناك مجموعات كبيرة من الأمازيغ المهاجرين الذين يعيشون في دول أوروبا مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرهم.

 

تعداد الأمازيغ

من الصعب الحصول على إحصائيات دقيقة حول أعداد الأمازيغ الحقيقية نظرًا لعدم وجود دراسات استقصائية تشمل جميع المناطق التي يتواجد فيها الأمازيغ، ولكن التقديرات تشير إلى أنّ أعدادهم تتراوح بين 30 و 40 مليون نسمة، يتواجد العدد الأكبر منهم في دولة المغرب حيث يبلغ عددهم حوالي الـ 14 مليون نسمة، تليها في المرتبة الثانية الجزائر حيث يتراوح عدد الأمازيغ الموجودين فيها بين 10 و 13 مليون نسمة، بالإضافة إلى مئات الآلاف منهم يتوزعون في كل من ليبيا وتونس ومصر. أمّا الأمازيغ المهاجرين فتعتبر فرنسا أكبر تجمعاتهم، إذ تقدّر أعدادهم هناك بحوالي 2 مليون نسمة.

 

لغة الأمازيغ

تاريخيًا، تحدّث السكّان الأمازيغ اللغة الأمازيغية في مختلف الأماكن التي تواجدوا فيها، وتعتبر اللغة الأمازيغية إحدى فروع اللغات المسمّاة بالآفرو-آسيوية. وتشير التقديرات إلى وجود حوالي 32 مليون أمازيغي في شمال إفريقيا ما زالوا يتحدثون اللغة الأمازيغية بمختلف لهجاتها.

أمّا حاليًا، فيمكن تصنيف الأمازيغية على أنّها هوية إثنو-لغوية، إذ يشمل الأمازيغيون على من يتحدث باللغة الأمازيغية كلغة أم، بالإضافة إلى الأمازيغيين الذين يتحدثون اللغة العربية بلهجاتها المغربية كلغة أم، حيث تبنّى بعض الأمازيغ اللغة العربية بعد وصول الدين الإسلامي لمنطقة شمال إفريقيا وعمليات التحوّل الثقافي واللغوي الذي حصل تبعًا لذلك، كما اكتسب الكثير من الأمازيغ الهوية العربية أيضًا.

ولا توجد أرقام دقيقة حول أعداد الأمازيغ المتحدثين باللغة الأمازيغية، وتضعها منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة والمعنية بقضايا التربية والعلم والثقافة ضمن قائمة اللغات المهددة بالانقراض، غير أنّها أصبحت من اللغات الرسمية في المغرب منذ سنة 2011 إلى جانب اللغة العربية.

 

ديانة الأمازيغ

خلال البحث في تاريخ الأمازيغ، لوحظ أنّ اتباعهم للديانات قد بدأ في عصور ما قبل التاريخ، حيث وُجدت بعض الآثار والرسومات على جدران الكهوف التي سكنوها تشير إلى أنّهم كانوا يمجدّون بعض الحيوانات كالثيران والظباء والأكباش. ومع حلول العصر الروماني، ترك الأمازيغ تمجيد الحيوانات، حيث عثر في منتصف القرن العشرين على آثار تشير إلى أنّهم عبدوا بعض الآلهة مثل بعل-آمون إله الخصوبة والمحاصيل وعميد الآلهة في مصر وشمال إفريقيا، كما عبدو تانيت ربة الخصوبة وحامية مدينة قرطاج، وهي أعظم الربات الأمازيغيات حيث جعلوها رفيقة للإله بعل، ثمّ عُبدت تانيت من قِبل الإغريق والتي عُرفت باسم أثينا كما أشار إلى ذلك أفلاطون.

وفيما بعد، وخلال حكم الإمبراطورية الرومانية، اتّبع الكثير من القبائل الأمازيغية الدين المسيحي، ويذكر المؤرخون أنّ العديد من القبائل كانت تتبع المسيحية قبل الفتح الإسلامي.

 

آلهة الأمازيغ

تدين الغالبية الساحقة اليوم من الأمازيغ بديانة الإسلام، ويعتبر الأمازيغ من أكثر شعوب شمال إفريقيا محافظةً على المعتقد الإسلامي والتزامًا به. كما نبغ من بينهم الكثير من العلماء المسلمين في مجالات مختلفة كالفقه واللغة والتفسير عبر التاريخ. لكن قبل مجيء الإسلام كان الشعب الأمازيغي يدين بمعتقدات مختلفة عبر مختلف العصور. فقبل وصول هجرات اليهود الأولى ثم المسيحية لاحقًا، كان جل الأمازيغ مثلهم مثل شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط يدينون بديانات وثنية تتميز بتعدد الآلهة. كما عرفت معتقداتهم في فترات من التاريخ تقديس القبور والأجداد والجن، إضافة إلى نسج الكثير من الأساطير انطلاقا من مكونات الطبيعة. 

ويشير المؤرخ ويسترمارك إلى أن العديد من المبادئ الدينية والأسطورية الأمازيغية كانت تمارس في الغالب من قبل نساء الأمازيغ تحت ستار عبادة القبور، حيث تقوم النساء بانتظام بزيارة المقابر وأداء طقوس مختلفة بالاشتراك مع الأسلاف القدامى والموتى، مثل استقبال المقدسات. كما كانت تنتشر بين قبائل الأمازيغ طقوس النوم في قبور الموتى والأسلاف حسب ما أشار إليه هيرودوت بخصوص شعب ناسامون الليبي القديم. وبالإضافة إلى عبادة القبور، كان هناك العديد من آلهة الأمازيغ الذين يرتبط بعضهم ببعض قوى الطبيعة مثل الإله "أنزار" الذي يذر المطر، إضافة إلى آلهة الأمازيغ المشتركة مع حضارات مجاورة مثل الإله آمون الذي عبده المصريون القدامى كذلك.

وعبر الأمازيغ عن لفظ "الله" أو "الإله" بمسميات أمازيغية مختلفة. فحسب ما جاء في العديد من المخطوطات الأمازيغية القديمة، فقد استخدم الأمازيغ أربع كلمات متقاربة صوتية للتعبير عن معنى كلمة "الله". وجاءت هذه الكلمات كالتالي:

  • يوش
  • أيوش 
  • أكوش 
  • ياكوش 

لكن الأمازيغ بمختلف قبائلهم وحضاراتهم القديمة من جنوب مصر في سيوة إلى جزر الكناري في المحيط الأطلسي كانوا مصدرًا لتسمية العديد من الآلهة القديمة، التي تشاركوها في كثير من الأحيان مع الحضارات المجاورة كالرومان واليونان والمصريين. ومن أشهر آلهة الأمازيغ التي قدّسوها في القدم:

  • آمون: هو أشهر هذه الآلهة، ويعتبر في الأصل بمثابة إله الرياح في حضارة مصر القديمة، وهو إله مشترك بين حضارات مختلفة كالحضارة الفينيقية والإغريقية والأمازيغية والمصرية.
  • أفري: ويقال إنها مصدر تسمية القارة بإفريقيا. هي إلهة القوت لدى الأمازيغ القدامى. وينطق هذا الاسم بالفتح وبالكسر "إفري" ويعني في المعجم الأمازيغي "الكهف". 
  • أنزار: وتعني باللغة الأمازيغية المطر. وأنزار في الأساطير الأمازيغية هو إله المطر. وتروي الأسطورة الأمازيغية القديمة أن أنزار هو زوج "تيسليت" التي يرمز إليها بقوس قزح.
  • أطلس: هو إله الجبال أو العملاق الذي يحمل السماء على أكتافه. وحسب الأسطورة الإغريقية فإن أطلس هو ابن الإله بوصيدون. ولا يزال اسم أطلس حاضرًا في الجغرافية المغربية حيث يطلق على سلسلة جبال الأطلس التي تعتبر الأعلى في شمال إفريقيا.
  • بعل حمون: اسم هذا الإله يؤكد التمازج بين معتقدات الأمازيغ ومعتقدات الحضارات المجاورة كالحضارة البونيقية. فبعل يرتبط بالحضارة الفينيقية، وهو أحد آلهتها، و"حمون" هو بمثابة إله الوحي عند الأمازيغ القدامى. 
  • بوصيدون: إله مشترك بين الأساطير اليونانية والأساطير الأمازيغية. ارتبط اسم هذا الإله عند هذه الحضارات بقوى طبيعية مختلفة كالزلازل والعواصف والماء والبحر. 
  • تانيت: وهي إلهة ارتبطت بحضارة القرطاجيين التي ظهرت في تونس، ارتبط اسمها بمعاني الخصوبة والسماء. ورغم وجود اسمها في حضارات مجاورة، إلا أنها كانت أساسية في معتقد القرطاجيين وتاريخهم.
  • تينجا: يقال إنها أصل تسمية مدينة طنجة في شمال المغرب. وهي زوجة "عنتي" حسب الرواية الأسطورية الأمازيغية، الذي كان دوره هو حماية أرض الأمازيغ في مواجهة الغزاة.

 

هل الأمازيغ مسلمون؟

على الرغم من أنّ التاريخ الدقيق لوصول الدين الإسلامي إلى منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا غير معروف، إلّا أنّ الروايات ترجعه إلى أول حملة عسكرية إسلامية بقيادة عقبة بن نافع عام 665 ميلادي. وبعد حوالي القرن من الزمن وبحلول عام 788 للميلاد كان الإسلام قد انتشر في مناطق المغرب العربي وأصبح الدين الغالب بين قبائل شمال إفريقيا، واتّبع الأمازيغ الدين الإسلامي وقاموا بنشره أيضًا.

وعلى الرغم من الانتشار الواسع والكبير للإٍسلام، إلّا أنّ ديانتي اليهودية والمسيحية لم تنتهيا تمامًا، إذ بقيتا موجودتين حتى وقتنا الحالي وما زال بعض الأمازيغ يعتنقون اليهودية والمسيحية.

 

شخصيات أمازيغية إسلامية مشهورة

تنقل بعض الروايات الإسلامية أنّ أول المسلمين الذين غزوا الأندلس كانوا في معظمهم من القبائل الأمازيغية وعلى رأسهم طارق بن زياد، وكان عميد فقهاء قرطبة يحيى بن يحيى بن كثير الذي نشر المذهب المالكي في الأندلس أمازيغيًا، بالإضافة إلى المخترع عباس بن فرناس أول من حاول الطيران كان من أسرة أمازيغية.

 

الأمازيغية المغربية

يعتبر الأمازيغ مكونًا عرقيًا أساسيًا في المغرب إلى جانب العرب، ويكاد عدد السكان الأمازيغ يجاوز الخمسين بالمائة. ويعتبر الأمازيغ سكان المغرب الأوّلين حسب كتب التاريخ المدرسي. وقد استوطنوا هذا البلد منذ آلاف السنين ويتوزعون جغرافيًا في كل أرجاء المغرب شمالًا ووسطًا وجنوبًا. ويمكن تقسيم الأمازيغية المغربية إلى ثلاثة فروع أو قبائل رئيسية هي:

  • الريفيون: ويستوطنون شمال المغرب، في منطقة جبال الريف.
  • إمازيغن: ويستوطنون منطقة الأطلس المتوسط.
  • الشلوح: ويستوطنون مناطق الجنوب وخصوصا منطقة سوس الشهيرة.

وتختلف هذه المجموعات الثلاث عن بعضها البعض بلهجة أمازيغية مستقلة، إذ يتحدث الريفيون لهجة "تريفيت"، بينما يتحدث إمازيغن لهجة "تمازيغت" ويتحدث الشلوح لهجة "تشلحيت"، وهي كلها لهجات تنضوي تحت اللغة الأمازيغية. وقد اعترف الدستور المغربي برسمية اللغة الأمازيغية سنة 2011، وينص الدستور في فصله الخامس على أن الأمازيغية "تعد أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدًا مشتركًا لجميع المغاربة بدون استثناء". وأعدت الحكومة قانونًا تنظيميًا لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية المغربية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلًا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية.

وعلى الرغم من أن اللغات الثلاث كلها تنتمي للغة الأمازيغية، إلّا أن بينها الكثير من الاختلافات والفوارق الصوتية والمعجمية والتركيبية، التي قد تصل إلى درجة صعوبة التواصل والتفاهم بين متحدّثٍ بتريفيت مثلًا مع متحدثٍ بتمازيغت. ويرجع الباحثون هذه الفوارق الكبيرة بين اللهجات الأمازيغية المغربية إلى الفوارق الجغرافية باعتبار أن كلًّا من هذه القبائل الثلاث تستوطن منطقة جبلية تكاد تكون مستقلة عن الأخرى، وتتوزع بين جبال الريف في الشمال وجبال الأطلس المتوسط في وسط المغرب، وجبال الأطلس الكبير في الجنوب. وقد ساهمت هذه العزلة الجغرافية في المزيد من الانغلاق اللغوي مما عقّد إمكانية التّوصل إلى لغة أمازيغية مغربية موحدة ومعيارية. 

وقد تأثرت الأمازيغية المغربية كثيرًا باللغات المجاورة لها، فوقعت أوّلًا تحت تأثير اللغة العربية، حيث تحتوي اللغة الأمازيغية المغربية مئات الألفاظ العربية. كما أنها متأثرة بلغات أخرى كالفرنسية وبعض اللغات الإفريقية القديمة.

 

أسماء أمازيغية مغربية

بحكم عراقة الثقافة الأمازيغية وتجذّرها في تاريخ شمال إفريقيا فإنها تتميز بقدر كبير من الغنى والانفتاح فيما يخص الأسماء والألقاب التي يستعملها الأمازيغ ويطلقونها على أبنائهم وبناتهم. ومع أن الأسماء العربية والإسلامية شائعة في أوساط الأمازيغ مثل اسم محمد وإبراهيم إلا أن الأسماء الأمازيغية القديمة لا تزال حاضرة خصوصا في المناطق التي تعرف كثافة سكانية يغلب عليها الأمازيغ. 

لقد تأثرت الأمازيغية في القدم بالحضارة الرومانية كما كان لها احتكاك بالحضارة القبطية المصرية القديمة، وتفاعل الأمازيغ أيضا مع الشعوب الإفريقية، قبل أن يصل التأثير العربي الإسلامي ثم الفرنسي مع الاستعمار. كل هذه الحضارات تركت أثرًا في التسميات التي يستعملها الأمازيغ. وقد تراجعت الأسماء الأمازيغية عن الظهور خلال الفترة التي تلت الاستقلال، لكنها عادت من جديد إلى الظهور بكثافة في سنوات التسعينيات مع اعتراف بعض الحكومات في شمال إفريقيا بالحقوق الثقافية للأمازيغ.

وبالنظر إلى أنها توارت لسنوات طويلة فإن هذه الأسماء الأمازيغية قائمةٌ تتكرر في كثير من البلدان كالمغرب والجزائر. ويمكن الاستعانة بهذه القائمة التي تضمّ عشرين اسمًا من بين أشهر هذه الأسماء، وهي مرتبطة ببعض القيم الأساسية كالحرية والكبرياء ونابعة أحيانًا من الطبيعة والكون والتاريخ أو متأثرة بمزايا بعض الكائنات الأخرى وخصائصها.

أسماء أمازيغية مغربية للذكور:

1 - أَدْرفي: يعني "الطليق"، أي السجين الذي استعاد حريته. ويحمل هذا الاسم معاني مرتبطة بالثقافة الأمازيغية باعتبار أن كلمة "أمازيغ" تعني الرجال الأحرار.

2 - زيري: اسم أمازيغي مغربي عريق، وقد حمله قادة مشهورون منهم زيري بن عطية، مؤسس مدينة وجدة شرق المغرب. 

3 - أماستان: يأتي هذا الاسم المميز من لهجة الطوارق، ويعني "الحامي"، وهو الاسم الذي يطلق أيضًا في المعجم الأمازيغي على المحامي الذي يمارس مهنة الدفاع عن المتهمين.

4 - إيتري: وتعني النجم، وغالبًا ما يقصد بتسمية الرجل بهذا الاسم وصف جماله ورفعته وضياء وجهه. ويحمل الكثير من المطربين والمغنين الأمازيغ في المغرب هذا اللقب دلالة على الشهرة. 

5. باديس: وهو اسم شائع في المغرب، أطلق على جزيرة مشهورة في البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل المغربية. كما تُسمّى به النساء أيضًا.

6- ماسينيسا: ويعني سيد القوم، وهو أحد ملوك الأمازيغ القدامى الذين خلدهم التاريخ. 

7- أسافو: ويعني المشعل، أو كل ما يُستضاء به لإنارة الطريق.

8- تاشفين: اسم موروث عن الحقبة المرابطية في المغرب، وهو اسم مؤسس هذه الدولة وزعيمها الذي حكم المغرب والأندلس، ويسمى يوسف بن تاشفين. 

9- أيّور: وتعني القمر في الأمازيغية، وهو اسم شائع الاستعمال لدى الأمازيغ. ويقصد من ورائه تشبيه المسمى بالقمر في جماله ورفعته.

10- إيدير: اسم شائع في الجنوب المغربي بمنطقة سوس، وفي الجزائر. وكان اسمًا لمغنّي جزائري شهير. ويعني "الحي" ويقابل اسم يحيى في اللغة العربية.

أسماء أمازيغية مغربية للإناث

إذا كانت علامة التذكير في الأمازيغية هي أن يبتدأ اللفظ بحرف الألف، كما هو الحال في أسماء "أيور" و"إيدير" و"أسافو"، فإن علامة التأنيث في الأسماء الأمازيغية هي ابتداء اللفظ بحرف التاء. ومن بين الأسماء الأمازيغية المغربية المشهورة في تسمية الإناث نجد:

  1. نوميديا: وهو اسم لمملكة من ممالك شمال إفريقيا القديمة، التي عمرت في ليبيا على الخصوص. ومن الشائع بين الأمازيغ المعاصرين توظيف أسماء ملوك وملكات ومملكات قديمة لتسمية أبنائهم وبناتهم.
  2. تودرت: وتعني الحياة، وهو اسم يشتق منه للذكر اسم "إيدر" أو "إيدير" الذي ورد سابقًا ويعني "الحي".
  3. تافوكت: من أشهر الأسماء الأمازيغية للإناث وتعني الشمس. 
  4. إيجّا: بترقيق الجيم، وتعني المُعَطّر، الذي تفوح منه رائحة طيبة.
  5. تيتريت: وتعني النجمة المضيئة.
  6. تاونزا: ويقصد بها جالبة الحظ، وتاونزا في الأصل تطلق على نوع من الحلي الذي تضعه النساء الأمازيغية كالتاج على رؤوسهن.
  7. ماسيليا: ومعناها الفتاة الرقيقة الرشيقة.
  8. توسمان: ويقصد بها نوع من الأزهار.
  9. توناروز: ويقصد بها الأمل، وهي تقابل الاسم العربي النسائي الشائع "أمل".
  10. تايري: وهي اسم شائع أيضًا لدى جزء من أمازيغ المغرب، وهي مصدر لفعل "إِرا" ويعني بالأمازيغية "أَحبّ".

 

لغة البربر

لغة البربر وتسمى أيضًا اللغة الأمازيغية، تنتمي لعائلة اللغات الأفرو-آسيوية. وتعتبر لغة البربر القسم الأكثر تجانسًا داخل اللغات الأفرو-آسيوية، وقد كانت الدراسات الفرنسية التي اكتشفتها تشير إلى اللغات البربرية كلغة واحدة في الماضي، لكنها في الأصل ليست لغة واحدة إذ يتحدث لغات البربر اليوم ما يقرب من 14 مليون شخص، معظمهم في مناطق متفرقة في المغرب الكبير، وهو منطقة شاسعة في شمال إفريقيا بين واحة سيوة في مصر وموريتانيا. لكن الاستعمال المكثف للغة البربرية أو الأمازيغية يوجد بين بلدين: المغرب والجزائر.

وتشمل اللغات البربرية الرئيسية اللغات التالية:

  • تشلحيت: وتستعمل في جنوب المغرب وخصوصًا في منطقة سوس.
  • تريفيت: وهي السائدة في منطقة جبال الريف شمال المغرب
  • تمازيغت: وتسود في منطقة الأطلس المتوسط بالمغرب.
  • القبائلية: وتسود في شمال الجزائر وخصوصًا في منطقة الأوراس.
  • تماهق: وهي اللغة البربرية التي يستعملها غالبية شعب الطوارق في دول الساحل الإفريقي.
  • الكواناش: وكانت سائدة في جزر الكناري التي تتبع اليوم لإسبانيا.
  • الليبية القديمة: أو اللغة النوميدية وهي الموجودة في تونس وليبيا وكذلك في واحة سيوة بمصر.

وهناك لغات ولهجات أخرى محلية وفرعية تابعة لهذه اللغة البربرية أو اللغة الأمازيغية. وتعتبر "تيفيناغ" هي الأبجدية القديمة التي كتبت بها اللغة البربرية. وتعني كلمة "تيفيناغ" في لغة البربر معنى "اكتشافنا". وتتميز لغة البربر حسب علم الصوتيات بمجموعة من الخصائص التي تميزها ضمن عائلة اللغات الأفرو-آسيوية، فلغة البربر ليست لغة صائتية. فهي تشمل الحروف الساكنة المؤكدة. كما تعتبر الحروف الساكنة الممدودة شائعة جدًا في لغة البربر، وتعتمد على المضاعفة والإدغام. ويتميز نظام الصوائت في لغة البربر بثلاثة أحرف متحركة كاملة هي "a i u". وتحتوي لغة البربر أيضًا على نظام يمكن فيه استخدام بعض الحروف الساكنة، التي تسمى "الجذور الضعيفة"، كحروف متحركة اعتمادًا على مكان تموضعها داخل الكلمة.

من الناحية الصرفية تتميز لغة البربر مثل العديد من اللغات الأفرو-آسيوية الأخرى بنظام جذر ونمط للتشكل. في نظام الجذر والنمط، يتجلى المعنى المعجمي الأساسي للكلمة في الحروف الساكنة وحدها، هذه البنية الصرفية الثابتة هي "الجذر". ويضيف تسلسل حروف العلة المتداخلة بين الحروف الثابتة "النمط" معلومات نحوية وقد يعدل المعنى المعجمي الأساسي للجذر. ويتم دمج الأنماط أحيانًا مع السوابق أو اللواحق. في حين أن نظام الجذر والنمط فعال في العائلة اللغوية الأمازيغية، إلا أنه أقل انتظامًا هناك مما هو عليه في اللغات السامية.

وتتميز الأسماء البربرية بالجنس المذكر والمؤنث وبحالتين نحويتين، الحالة المطلقة والوضع المرفق. كما أن صيغ الجمع الداخلية شائعة، وهي ممارسة تتضح من التغيير من النمط "يو" إلى "يا". مثلًا ننتقل في جمع كلمة حِمار من:

أغيول (مفرد) إلى إغيّال (جمع). كما تُستخدم اللاحقة "n" أيضًا بشكل شائع لتحقيق الجمع، مثلما هو الحال في كلمة: أرجاز (رجل) التي تصبح: إرجازن في حالة الجمع، بإضافة اللاحقة المتمثلة في حرف النون. وبالنسبة للجنس، أي التأنيث والتذكير، تتميز لغة البربر عمومًا بسابقتين ولاحقتين تظهر من المثالين الآتيين:

  • أفروخ (ولد مذكر) تصبح في حالة التأنيث "تفروخت" (بنت).
  • أمغار (السيد) تصبح في حالة التأنيث "تمغارت" (السيدة).

يلاحظ إذن أن تحقيق التأنيث يتم عبر زيادة التاء كسابقة ولاحقة في الوقت نفسه في الكلمة.

ومن الناحية التركيبية يغلب على لغة البربر استخدام الترتيب التقليدي للجمل في العربية وهو: فعل - فاعل - مفعول به. هذا على الرغم من إمكانية وجود ترتيب خارج هذه القاعدة مثل: الفاعل - الفعل - المفعول في الجمل الرئيسية. وهذا يعني أن لغة البربر تتميز أيضًا بخاصية التبئير أو التأكيد التي تميز اللغة العربية عبر نقل مكون من مكونات الجملة بالتقديم أو التأخير.

 

لغة النيجر

تعد جمهورية النيجر من أكبر بلدان منطقة الساحل الإفريقي في الصحراء الكبرى غرب القارة الأفريقية. وهي بلد شاسع المساحة إذ تصل إلى 1.266.700 كيلومتر مربع. وتحيط بالنيجر مجموعة من البلدان العربية والإفريقية، حيث تحدها شمالًا الجزائر وليبيا، بينما تقع تشاد شرقها، ثم تتموضع نيجيريا وبنين في جنوبها، في حين تحدّها من الغرب بوركينا فاسو ومالي. وتعدّ النيجر بسبب موقعها بين البلدان الإفريقية والعربية بلدًا متنوع الأعراق واللهجات واللغات. وتتوزع ساكنة النيجر بين عرقية هوسا التي تمثل الغالبية بنسبة 55.4%، ثم عرقية دجرما سونراي بنسبة 21%، ثم الطوارق الذين يمثلون نسبة 9.3% من السكان، إضافة إلى عرقيات أخرى مثل بيوهل وكانوري مانجا. ويدين 80% من سكان النيجر بالإسلام، بينما يدين 20% الباقون بمعتقدات أخرى من بينها المسيحية.

وتعد لغة الهوسا المستعملة أيضًا في نيجيريا وفي دول غرب إفريقيا لغة النيجر الرئيسية. وتكتب هذه اللغة بالأحرف اللاتينية، كما أن لها إرثًا أدبيًا مهمًا. وتأتي لغة السونغاي في المرتبة الثانية في النيجر، كما تسود في دول أخرى مجاورة مثل مالي وشمال بوركينا فاسو وشمال بنين. وتنقسم هذه اللغة في النيجر نفسها إلى لهجات مختلفة كالزارما وديندي. وإضافة إلى هذه اللغات الإفريقية القديمة تعتبر النيجر موطنًا لفرع من فروع اللغة الأمازيغية وهي اللغة الطوارقية، نسبةً إلى الطوارق. 

وتنتشر لغة الطوارق في خمسة بلدان إفريقية متجاورة هي الجزائر، ليبيا، مالي، النيجر، وبوركينافاسو. ويبلغ مجموع السكان الناطقين بهذه اللغة في هذه البلدان حوالي مليون ونصف المليون نسمة. ينقسم الطوارق إلى عدة أنواع فرعية إقليمية متمايزة بشكل واضح، وينعكس هذا الانقسام على اللهجات المستعملة في اللغة الطوارقية، حيث يمكن التمييز بين أربع لهجات رئيسية جلها يسود في بلاد النيجر أيضًا: 

  • لهجة تماهق (أو تاغارت): تسود وسط قبائل تايتوق المستوطنة في النيجر والجزائر، كما يتحدث بها كل طوارق الهجار في الجزائر، وكل طوارق منطقة أجر (الجزائر وليبيا).
  • لهجة تماجق (أو تايرت): ويتحدث بها أساسا طوارق الكيل أير بالنيجر.
  • لهجة تماشق (أو التادياق): ويتحدث بها بشكل رئيسي كل طوارق آيتش من أدرار دي إفوغاس بمالي.
  • لهجة تويلميت: وينطق بها طوارق إويلميدن الذين يعيشون بين النيجر ومالي.

ومنذ 6 ديسمبر/أيلول 2019 أصبحت لغة "تاكدال" لغة من اللغات الوطنية، وهي لغة أخرى من فروع الأمازيغية السائدة في شمال النيجر. وتعتبر النيجر دولة إفريقية رائدة في مجال الاعتراف بالثقافات واللغات المحلية. ويبلغ عدد اللغات الوطنية المعترف بها رسميا 11 لغة. وتعتبر لغة "تاكدال" خليطًا من لغة السونغاي والأمازيغية، وتسود في أوساط قبائل الرحل في الشمال.

وتُظهر الخريطة اللغوية للنيجر تنوعًا كبيرًا حيث يصل عدد اللغات المنتشرة في البلاد إلى العشرات. وينضاف إلى هذه اللغات حضور مهم للغة العربية، ولا يزال عدد كبير من سكان النيجر يقرؤون ويكتبون بالعربية، نظرًا لأن غالبيتهم يدينون بالإسلام. وتمتلك النيجر واحدة من أقدم المدارس الدينية العربية في إفريقيا بمنطقة أغاديز حيث يدرس الطلاب اللغة والقرآن والحديث. وقد ساهمت الأبجدية العربية في تحويل بعض اللغات المحلية إلى لغات مكتوبة كما هو الحال بالنسبة للغة الفولاني. 

وإضافة إلى العربية تظل اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية، ولغة التدريس في النيجر، على الرغم من أن هناك فئات واسعة من السكان لا يزالون يجدون صعوبة في فهمها واستعمالها. وكانت النيجر مستعمرة فرنسية قديمة، ولا يزال الوجود الفرنسي فيها مؤثرًا بالنظر إلى ما تمتلكه من ثروات طبيعية مهمة يتم استغلالها من طرف الشركات الفرنسية الكبيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل البوسنة دولة إسلامية؟

هل الشّيشان دولة مسلمة؟

هل اليمن دولة خليجية؟

هل مصر مذكورة في القرآن؟

هل فلسطين دولة معترف بها دوليًا؟

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على