` `

هل يمكن جمع كلمة دنيا في اللغة العربية؟

ثقافة وفن
1 فبراير 2021
هل يمكن جمع كلمة دنيا في اللغة العربية؟
يمكن جمع كلمة دُنْيَا جمع تكسير (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

تندرج كلمة دنيا ضمن فئة من المفردات التي يزخر معجم اللغة العربية بها، وتتميّز بصعوبة جمع كلمة دنيا، نظرًا لتركيبتها الصوتية النادرة التي تجمع حرفَيْ علّة في نهايتها. وبحكم انتماء كلمة دنيا إلى الاسم المقْصور، فإن ذلك يزيد أيضًا من تعقيد عملية جمعها، ويُحير كثيرًا من متكلمي اللغة العربية لإيجاد صيغته المناسبة.

تطرح هذه المقالة كيفية جمع كلمة دنيا، والجموع التي تنتهي إليها، وتشرح حالات الاسم المقصور في الجموع.

دلالة لفظة دنيا

الدُّنْيا: مؤَنَّث الأدنى، وتعني الحياة الحاضرة، وعكسها الآخرة، كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ". ويقال أقام الدُّنيا وأقعَدها: أحدث ضجَّة كبيرة، أثار الاهتمامَ، شغل النّاسَ، واسودَّتِ الدُّنيا في عَيْنيه: اغتمّ، وحزن. واشْتُق لفظ الأدنى والدّنيا من مادة "دنا" التي تعني اقترب أو قرُب. ودَنَا منه من باب سما، وسمّيت الدُّنْيا لدنوها، والنسبة إليها دُنْيَاوِيٌّ وقيل دُنْيَوِيٌّ و دُنْيِيٌّ. ودَانَى بين الأمرين قارب. وبينهما دَنَاوَةٌ أي قرابة أو قرب.

وفي الحديث {إذا أكلتم فَدَنُّوا} أي كلوا مما يليكم. وتَدَنَّى فلان أي دنا قليلا قليلا، و تَدَانَوْا دنا بعضهم من بعض. ويقال حَرْث الدُّنيا: متاع الحياة الدُّنيا من مالٍ وبنين وغيرهما. ويقال حُطام الدُّنيا: متاعُها، ما فيها من مالٍ كثير أو قليل لأنَّه يفنى ولا يبقى، وضاقت به الدُّنيا: سئم وضجر، وعلى الدُّنيا السَّلام: وداعًا وداعًا، قضي الأمرُ، انتهى كل شيء.

 

ما هو الاسم المقصور؟

تنتمي كلمة دنيا إلى فئة الاسم المقصور، وهو ما كان آخره ألف لازمة، نحو: الهُدى، والـمُصطفى، وليس منه (أبا) في قولك: أبا زيد؛ لأن الألف فيه تتغير إلى واوٍ وياء فهي غير لازمة. يُعرب الاسم المقصور بحركات مقدرة على آخره في جميع حالاته رفعًا ونصبًا وجرًا، والمانع من ظهورها هو التعذر، نحو: جاء الفتى، ورأيت الفتى، ومررتُ بالفتى، فـ(الفتى) في الجملة الأولى فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها التعذر، وفي الجملة الثانية مفعول به منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة، وفي الثالثة مجرور وعلامة جره كسرة مقدرة.

 

كيف يجمع الاسم المقصور؟

يُثنَّى الاسم المقصور ويُجمع جمعَ مؤنث سالمًا بردّ ألفه إلى أصلها إذا كانت ثالثةً، فيقال: (رِضا رِضَوان، وفتى فتَيان وفتَيات). وبقلبها ياء إذا كانت رابعة فأكثر؛ فيقال: (ذكرى ذكريان وذكريات، وسُفلى سُفليان وسُفليات، وعُليا علييان وعلييات، ومستشفى مستشفيان ومستشفيات)، لكن المستعمل المشهور في جمع (عليا) هو جمع التكسير (عُلى). وعندما يُجمع المقصور جمع مذكر سالمًا، تُحذف ألفه وتضاف واو ونون أو ياء ونون حسب الإعراب وتبقى الفتحة قبل الواو والياء . فنقول في رضا = رض = رضَون أو رِضَين، وفي مصطفى = مصطف الجمع يكون : مصطفَون أو مصطفَين.

 

هل يمكن جمع كلمة دنيا؟

بناء على القواعد السابقة فإن كلمة دنيا تندرج في فئة الاسم المقصور، الذي يمكن جمعه جمع مؤنث سالم أو جمع تكسير.  ولهذا يمكن جمع كلمة دُنْيَا جمع تكسير على وزن (فُعَل=دُنَى)، مِثْلها مِثْل (كُبْرَى)، إذ تُجمَع على (كُبَر)، وهذا جمع شائع، ويجوز رسمها (دُنا) حسب بعض القواعد الإملائية. ويصحّ أيضا جمع كلمة دنيا جمع مؤنثٍ سالم، ويصبح جمعها (دُنْيَيَات)، مِثْلها مِثْل (كُبْرَى) إذ تُجمَع على (كُبْرَيَات).

الدّنيا في الشعر العربي

لطالما احتلت الدّنيا مكانة مركزية في اهتمامات الشعراء، وخصوصًا من أهل الزهد والورع، الذين خصّصوا أشْعارهم للتحذير من مغَبَّة غرورها وإغرائها. ولعل أشهر شاعر وصف الدنيا ومفاتنها الزائلة شاعر الزّهد أبو العتاهية، الذي خصّص قصائده لدعوة الناس إلى الاهتمام بالآخرة واحتقار الدنيا. ومن أشهر ما نظمه أبو العتاهية في وصف الدنيا والدعوة إلى الزهد فيها قصيدته الشهيرة "لَعَمرُكَ ما الدُنيا بِدارِ بَقاءِ" والتي يقول فيها:

لَعَمرُكَ ما الدُنيا بِدارِ بَقاءِ          كَفاكَ بِدارِ المَوتِ دارَ فَناءِ

لا تَعشَقِ الدُنيا أُخَيَّ فَإِنَّما          تَرى عاشِقَ الدُنيا بِجُهدِ بَلاءِ

حَلاوَتُها مَمزوجَةٌ بِمَرارَةٍ         وَراحَتُها مَمزوجَةٌ بِعَناءِ

فَلا تَمشِ يَوماً في ثِيابِ مَخيلَةٍ     فَإِنَّكَ مِن طينٍ خُلِقتَ وَماءِ

لَقَلَّ امرُؤٌ تَلقاهُ لِلَّهِ شاكِراً          وَقَلَّ امرُؤٌ يَرضى لَهُ بِقَضاءِ

وَلِلَّهِ نَعماءٌ عَلَينا عَظيمَةٌ           وَلِلَّهِ إِحسانٌ وَفَضلُ عَطاءِ

وَما الدَهرُ يَوماً واحِداً في اختِلافِهِ     وَما كُلُّ أَيّامِ الفَتى بِسَواءِ

وَما هُوَ إِلّا يَومُ بُؤسٍ وَشِدَّةٍ           وَيَومُ سُرورٍ مَرَّةً وَرَخاءِ

وَما كُلُّ ما لَم أَرجُ أُحرَمُ نَفعَهُ          وَما كُلُّ ما أَرجوهُ أَهلَ رَجاءِ

أَيا عَجَباً لِلدَهرِ لا بَل لِرَيبِهِ            تَخَرَّمَ رَيبُ الدَهرِ كُلَّ إِخاءِ

وَمَزَّقَ رَيبُ الدَهرِ كُلَّ جَماعَةٍ         وَكَدَّرَ رَيبُ الدَهرِ كُلَّ صَفاءِ

إِذا ما خَليلٌ حَلَّ في بَرزَخِ البِلى        فَحَسبي بِهِ نَأياً وَبُعدَ لِقاءِ

أَزورُ قُبورَ المُترَفينَ فَلا أَرى         بَهاءً وَكانوا قَبلُ أَهلَ بَهاءِ

وَكُلٌّ رَماهُ واصِلٌ بِصَريمَةٍ           وَكُلٌّ رَماهُ مُلطِفٌ بِجَفاءِ

طَلَبتُ فَما أَلفَيتُ لِلمَوتِ حيلَةً          وَيَعيا بِداءِ المَوتِ كُلُّ دَواءِ

وَنَفسُ الفَتى مَسرورَةٌ بِنَمائِهَ          وَلِلنَقصِ تُنمي كُلُّ ذاتِ نَماءِ

وَكَم مِن مُفَدّاً ماتَ لَم أَرَ أَهلَهُ           حَبَوهُ وَلا جادوا لَهُ بِفِداءِ

أَمامَكَ يا نَدمانُ دارُ سَعادَةٍ             يَدومُ النَما فيها وَدارُ شَقاءِ


 

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على