` `

هل الفعل المضارع دائمًا مرفوع؟

ثقافة وفن
28 فبراير 2021
هل الفعل المضارع دائمًا مرفوع؟
الفعل المضارع لا يأتي دائمًا مرفوعًا، بل يمكن نصْبهُ وجزمُهُ. كما أنه لا يأتي دائمًا معربًا (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

يشيع لدى بعض مستعملي اللغة العربية اعتقادٌ بأن الفعل المضارع يأتي دائماً مرفوعاً. وحظيَ الفعل المضارع باهتمامٍ واسعٍ من النحاة الذي تتبّعوا حالات وصيغ وُرُودِه في الشواهد القرآنية والشعرية القديمة، ليستخلصوا أحكام إعرابه أو بنائه، إذ يتميز النظام النحوي العربي بتنوّعِ وغِنى توصيفاته الدّلالية والمنطقية لمكونات اللغة من أسماءٍ وحروفٍ وأفعالٍ. 

تقدّمُ هذه المقالة الجواب الكافي بخصوص افتراض أنّ الفعل المضارع  دائمًا مرفوعًا، وتحددُ دلالات المضارع وعلاماتِه، كما تبين أهمَّ الحالاتِ الإعرابيةَ التي تعْتريه.

 

ما هو الفعل المضارع؟

المُضارعُ هو كلمة تدلّ على أمرين معًا: معنى، وزمنٌ صالحٌ للحال والاستقبال، كقوله تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ، وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) ولا بد أن يكون مبدوءً بالهمزة، أو النون، أو التاء، أو الياء. وتسمّى هذه الأحرف: «أحرف المضارعة». وفتْحُها واجبٌ، إلاّ في المُضارع الرباعيّ فتُضَمُّ، وكذا في: المضارع المبْنِيّ للمجهول. 

 

لماذا يسمّى هذا الفعل بالمضارع؟

سُمِّيَ فعلُ الحالِ والاستقبال بالمضارعِ لأنه يضارعُ اسم الفاعل، أي يُماثله فهو يماثل اسمَ الفاعلِ في الحركاتِ والسكناتِ والوظيفةِ الإعرابيةِ، والمضارِعُ يعني لغةً "المشابِهَ".

ما هي علامات الفعل المضارع؟

تدلّ على الفعل المضارع علاماتٌ عديدة تميّزه عن الفعل الماض وفعل الأمر. 

وأمّا علامات المضارع فمنها: 

  • أن يُنصب بناصب، أو يُجزم بجازم، مثل: لم أقصّرْ في أداء الواجب، ولنْ أتأخرَ عن معاونة البائس.
  • قَبولُه «السين»، أو: «سوف» في أوّله، مثل: سأزورك، أو: سوف أزورك. 

ويشترط النّحاة هاتين العلامتين وغيرهما لإمكان دلالة بعض الكلمات على ما يدل عليه المضارع. فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل المضارع ولكنّها لم تقبل علامته فليست بمضارع، وإنما هي اسمُ فعلٍ مضارع، مثل: «آه»، بمعنى: أتوجعُ شديد الوجع، و«أف» بمعنى: أتضَجّر كثيرًا. و«ويك» ماذا تفعل؟ بمعنى أعجب لك كثيرًا! ماذا تفعل؟ أو: هي اسمٌ مشتقٌّ بمعنى المضارع، مثل الطائرة مسافرة الآن أو غدًا.

ما هي الدلالات الزمنية للمضارع؟

أشرنا سابقًا أن المضارع يدل على الحال والاستقبال، لكن دلالته عليهما تتمظهر في عدة حالات يمكن إجمالها في أربع:

  • الحالة الأولى: أن يصلح للحال والاستقبال إذا لم توجد قرينة تقيّده بأحدهما. وتقْصُره عليه. وحين يصلح للحال والاستقبال يكون اعتباره للحال أرْجحَ، لأن الزمن الماضي له صيغة خاصة تدل عليه، وللمستقبل صيغة خاصة أيضًا، (هي: الأمر) ، وليس للحال صيغة تخصّه، فجُعلت دلالته على الحال أرجح، عند تجرده من القرائن.
  • الحالة الثانية: أن يتعيّن زمنُه للحال، وذلك إذا اقترن بكلمة تفيد ذلك، مثل: كلمة: الآن، أو: الساعةَ أو: حالًا أو: آنفًا. كما يختص للحال في حالات كثيرة إضافية كأن يقع خبرًا لفعل من أفعال الشروع، مثل : «طفق»، و«شرع»، وأخواتهما، ليساير زمنه معناها، أو ينفى بالفعل: «ليس» أو بما يشبهه في المعنى والعمل مثل: ليس يَقومُ محمد، إلخ.
  • الحالة الثالثة: أن يتعين زمنُه للاستقبال، وذلك إذا اقترن بظرف من ظروف المستقبل، مثل: «إذا...»، كقولك: أزورُكَ إذا تزُورُني، فالفعلان المضارعان هنا للمستقبل، والأوّل منهما هو العامل الذي عمل النّصب في الظرف. وكذلك يتعين للمستقبل إذا كان مسندًا إلى شيء متوقع حصوله في المستقبل، مثل: يدخل الشهداءُ الجنّةَ مع السابقين، إلخ.
  • الحالة الرابعة: أن ينصرف زمنُه للمُضِيّ، وذلك إذا سبقته «لمْ»، أو : «لمّا» الجازمتين. مثل: قوله تعالى عن نفسه: (لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وقول الشاعر: "لم يمت من له أثر … وحياة من السير"، فَزَمنُ المضارع هنا ماض. ومثل: لمّا يحضرْ ضيفُنا. 

 

كيف يُعربُ الفعل المضارع؟

يعتبر المضارع الفعل الوحيد الذي يأتي معربًا أو مبنيًا، بينما لا يأتي الأمر والماض إلا مبنيان. وتعتري الفعلَ المضارعَ عدة أحكام إعرابية:

  • الرَفْعُ: حيث يُرفع الفعلُ المضارع الصحيح بالضمة الظاهرة، ما لم تسبقه أداة نصْبٍ أو جزم، مثل (يخرجُ ويدخلُ ونكتبُ)، ويُرفع بالضمة المقدرة إن كان معتلّ الآخر، مثل (يهوي وتلهو ويلقى). ويُرفع بثبوت النون إذا كان من الأفعال الخمسة مثل (يضربونَ).
  • النّصْبُ: يُنصب الفعل المضارع فقط إذا سبقته أداة من أدوات النصب، ويكون هذا النصبُ بالفتحة الظاهرة إذا كان صحيح الآخر (نصحتُه أنْ يقرأَ) أو معتل الآخر بالواو أو الياء (نصحته أنْ يلهوَ). ويُنصب بالفتحة المقدرة إذا كان معتلّ الآخر بالألف. ويُنصب بحذف النون إذا كان من الأفعال الخمسة (نصحتهم أنْ يذهبوا).
  • الجَزْمُ: يُجزم الفعل المضارع الصحيح بالسّكون إذا سبقته إحدى أدوات الجزم (لا الناهية، ولمْ، ولامُ الأمر، ولمّا التي معناها النفي)، وإن كان معتلًاّ فيُجزم بحذف حرف العلة. كما يُجزم بحذف النون إذا كان من الأفعال الخمسة.

 

كيف يُبْنى الفعل المضارع؟

إذا لم يكن الفعل المضارعُ معربًا فإنه قد يأتي مبنيًا. والبناءُ هو ثبوت أواخر الكلمة دون تغيير في حركاتها مهما تغيرت العوامل الداخلة عليها أو مواقعها في الجملة. ويُبنى الفعل المضارع في حالتين وبطريقتين:

  • يُبنى على السكون عند اتّصاله بنون النسوة، فتقول :الطالبات يكتبْنَ. فهذا فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة.
  • يُبنى على الفتح إذا اتّصلت بهِ نون التّوكيد المباشرة، أي لم يُفصل بينها وبينه بفاصل، سواءٌ أكانت النون ثقيلة أم خفيفة مثل :لَيُفْلِحَنَّ المُجِدّ. فنقول إنه فعل مضارع مبنيٌّ على الفتح لاتّصاله بنون التوكيد المباشرة. أو مثل قولنا لأَسْعيَنَّ في الخير. فهذا فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة.

 

هل الفعل المضارع دائمًا مرفوع؟

يتبين من خلال الأحكام السابقة التي تعتري الفعل المضارع أنه لا يأتي دائمًا مرفوعًا، بل يمكن نصْبهُ وجزمُهُ. كما أنه لا يأتي دائمًا معربًا بل يمكن أن يرِد مبنيًا أيضًا. ويختلف بين كل هذه الأحوال تبعًا للعوامل الداخلة عليه، أو لما يتصل به من حروف وزوائد.


 

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على