` `

هل الكعبة مركز الأرض؟

علوم
3 مارس 2021
هل الكعبة مركز الأرض؟
علميًا الكعبة ليست مركز الأرض، وقد نشر مركز الفلك الدولي دراسةً يُفنّد فيها هذا الادّعاء (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

للكعبة مكانة بالغة الأهمية عند المسلمين، فهي قبلتهم عند الصلاة ووجهتهم عند الحج، مما يثير سؤالًا بشكلٍ دائم هل الكعبة مركز الأرض؟

المقال التالي يبين أهمية الكعبة عند المسلمين، ويوضح إذا ما كانت الكعبة مركز الأرض أم لا، بالإضافة إلى المرات التي بُنيت فيها الكعبة عبر التاريخ.

 

مكانة الكعبة عند المسلمين 

سميت بالكعبة نسبةً لشكلها، وقيل سُميت كعبةً لارتفاعها، وللكعبة مكانة كبيرة بالغة الأهمية عند المسلمين كافة، فهي قبلتهم عند الصلاة وواحدةٌ من ثلاثةِ مساجد لا تشدُ الرحال إلا إليها، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى). ولم يكن اسم البيت الحرام متعارفًا عليه قبل الإسلام، والمسجد الحرام هو المنطقة المحيطة بالكعبة، وتأخذ بالتوسع أكثر فأكثر منذ قدوم الإسلام حتى يومنا هذا، وتتمثل أهمية الكعبة في العديد من الأمور الهامة التي جعلت لها مكانة عالية عند المسلمين:

  • قبلة المسلمين في صلاتهم، كما أن هناك الكثير من الأعمال في الإسلام يُستحب أداؤها باتجاه القبلة مثل النوم ودفن الموتى.
  • الكعبة المشرفة هي أول بيتٍ على وجه الإرض بُني لعبادة الله، فقد بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
  • الحج إلى بيت الله ركنٌ من أركان الإسلام، وقد فرض الله الحج على المسلمين في العام التاسع للهجرة.
  • اختصها الله تعالى بالهدي، حيث يقوم الحجاج بعد أداء المناسك بالذبح قربانًا إلى الله وهديةً للكعبة المشرفة.

وكانت للكعبة مكانة عند العرب قبل الإسلام أيضًا، فقد كان يحج إليها الناس ويقدمون عندها الهدايا والقرابين، كما وكان أسياد قريش يهتمون بكسوتها وترميمها كلما لزم الأمر، وكانت مكة أيضا مركزًا تجاريًا هامًا، فقد كان التجار يأتون من كلِّ أنحاء الجزيرة في مواسم الحج ليبيعوا بضاعتهم في سوق عكاظ بالقرب من الكعبة المشرفة.

 

ادّعاء الكعبة مركز الأرض

الكعبة ليست مركز الأرض، فبجانب عدم وجود أدلة مثبتة علميًا تؤكد أن الكعبة مركز الأرض، لا توجد أدلة شرعية تؤكد أو تُشير إلى ذلك أيضًا، ويستند أصحاب النظرية على تفسير بعض الآيات القرآنية والأحاديث المرفوعة، ومن أبرز الأدلة التي يستند إليها أصحاب ادعاء الكعبة مركز الأرض:

  • تفسير القرطبي للآية 143 من سورة البقرة: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطًا)، فقد قال عنها القرطبي:" المعنى: وكما أن الكعبة وسط الأرض، كذلك جعلناكم أمة وسطا"، إلا أنَّ تفسير القرطبي واحدٌ من عدة تفاسير مختلفةٍ للآية الكريمة ولا تشير قطعًا إلى أن الكعبة مركز الأرض، والراجح عند المسلمين تفسير ابن جرير للآية، فقد فسرها بأن الله كرَّم المسلمين بأن جعلهم أمة معتدلة.
  • حديث عبد الله ابن عباس:( أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت، ثم مُدًّت منها الأرض، وإن أول جبل وضعه الله على وجه الأرض "أبو قبيس"، ثم مدت منه الجبال). يستدلُّ البعض على هذا الحديث باعتباره دليلًا على أن الكعبة مركز الأرض، وهذا الحديث في كتب السنة مرفوعٌ، حيث إن الأحاديث المرفوعة لا يؤخذُ بها إلاَّ إذا ثبت اتصالها إلى الرسول الكريم.

كما وهناك بعض الأدلة الأخرى التي يُستدَلُّ بها على أن الكعبة مركز الأرض مثل تسمية مدينة مكة التي تقع فيها الكعبة المشرفة، وما رُوي عن بعض الصحابة أنهم كانوا يرون في الكعبة مركز الأرض مثل قول عبد الله ابن العاص بأن الله قد خلق الكعبة أولًا ثم بسط الأرض من تحتها، إلا أن علماء المسلمين لم يؤكدوا صحة بعض هذه الأحاديث ونفوا البعض الآخر، وبالتالي فإنه ليس هناك أي دليلٍ في الإسلام على مركزية الكعبة المشرفة.

 

هل الكعبة مركز الأرض فعليًا؟

يقول العلم بأن الكعبة ليست مركز الأرض، وقد نشر مركز الفلك الدولي في وقتٍ سابقٍ دراسة تُثبت عدم مركزية الكعبة للأرض، كما وقد قدم العديد من الايضاحات حول مركز الأرض بناءً على أسس وقياسات حسابية دقيقة، فبحسب الدراسة؛ يعتمد أصحاب النظرية القائلة أن الكعبة مركز الأرض على دراسة أجراها بعض الباحثين من خلال قياس المسافة بين مدينة مكة وأطراف اليابسة في مختلف القارات، وقد خلصت الدراسة إلى أن مدينة مكة تتوسط اليابسة، إلا أن المركز قد نفى هذه المزاعم وبين عدم مركزية الكعبة من خلال إجرائه الحسابات التالية:

  • المسافة من أقصى شرق سيبيريا إلى مكة المكرمة = 10,070 كم
  • المسافة من ساحل أستراليا الشرقي إلى مكة المكرمة = 13,360 كم
  • المسافة من الساحل الشرقي لنورث أيلاند (نيوزيلندا) إلى مكة المكرمة = 15,660 كم
  • المسافة من أقصى غرب ألاسكا في أمريكا الشمالية إلى مكة المكرمة = 11,260 كم
  • المسافة من ساحل المكسيك الغربي وراء خليج كاليفورنيا إلى مكة المكرمة = 14,100 كم
  • المسافة من أقصى جنوب غرب أمريكا الجنوبية إلى مكة المكرمة = 13,600 كم
  • المسافة من أبعد حواف قارة أنتاركتيكا إلى مكة المكرمة = 14,130 كم

وعند استخدام نفس المعايير الحسابية لقياس المسافة بين مركز اليابسة وأطرافها تكون النتيجة هي مدينة تشوروم التركية الواقعة في جبال الأناضول، وهذا يؤكد عدم مركزية الكعبة للأرض. 

 

كم مرة بنيت الكعبة؟

مرت الكعبة المشرفة بالعديد من مراحل البناء والتعمير والتغيير في قياساتها قبل أن تستقر على الحجم المعروف في يومنا هذا، وقد اختلفت الروايات على عدد المرات التي بُنيت وهدمت فيها الكعبة، إلا أنَّ ما قد تم تأكيده تاريخيًا أنها بُنيت أربع مراتٍ قبل الإسلام.

  1. بناء النبي إبراهيم: بُنيت الكعبة بأمر من الله تعالى إلى إبراهيم عليه السلام، فبناها بمساعدة ابنه إسماعيل، وكان بناءُ الكعبة من الحجارة وبارتفاع أربعة أمتارٍ ونصف، ولم يكن للكعبة سقفٌ عندما بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وجعلا لها بابين لا ينغلقان، كما وجاء جبريل عليه السلام بالحجر الأسود ووضعه إبراهيم في مكانه.
  2. بناء العماليق: العماليق هم من القبائل الكنعانية العربية التي استقرت في مكة، وهم من أقدم القبائل العربية التي استقرت في أنحاء مختلفة من الجزيرة، ولم يأتي سبب إعادة بنائهم للكعبة، لكن جاء في الأحاديث الصحيحة عن علي بن أبي طالب قوله: قال: (فمرَّ عليه الدهرُ فانهدم فبنته العمالقةُ، قال: فمرَّ عليه الدهرُ فانهدم فبنته جُرْهُمُ، فمر عليه الدهرُ فبنته قريشٌ).
  3. بناء قبيلة جُرهُم: سمحت هاجر أم اسماعيل لقبيلةٍ من جرهم بالإقامة قريبًا منها في مكة، وبقوا فيها قرابة الثلاثمائة سنة، فأفسدوا فيها وتعدوا على الهدي ومال الكعبة، حتى جاءت قريش فطردتهم من مكة.
  4. بناء قريش: بنتها قبيلة قريش قبل البعثة النبوية بخمسة أعوام، وقد أعادت قريش بناء الكعبة فجعلت منها أصغر مساحةً مما كانت عليه، كما وقاموا بتسقيف الكعبة، وقد شارك الرسول عليه الصلاة والسلام في بناء الكعبة مع قريش قبل مجيء الإسلام.

كما وقد تعرضت الكعبة للهدم أكثر من مرةٍ بعد قدوم الإسلام، كان آخرها قبل ستة قرون في عهد السلطان العثماني مراد الرابع، حيث أمر بإعادة بناء الكعبة المشرفة بعدما جرفتها السيول.

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على