تحقيق مسبار
يهدف هذا المقال إلى بيان العديد من التفاصيل حول قصة زرقاء اليمامة؛ بما في ذلك سبب توجّه جيش اليمن لغزو جديس ورؤية اليمامة لهذا الجيش من مكان بعيد، كما أن المقال يتطرق إلى بعض الأمثال التي ضربها العرب لوصف شِدّة البصر إلى جانب المثل المضروب بزرقاء اليمامة، إضافةً إلى بيان العديد من الخصائص والصفات التي تمتّعت بها هذه المرأة من العَرب.
هل قصة زرقاء اليمامة حقيقية عند جميع المؤرخين؟
ذُكرت قصة زرقاء اليمامة بين ثنايا أخبار الحرب التي وقعت بين طسم وجديس، ويُشكِّك بعض المؤرخين في هذه القصة بينما يرجّح آخرون حقيقة أصل القصة مع وجود التهويل؛ فإن تهويلات القصاص لا تنفي أصل القصة، وهي قصة ذكرها كثيرٌ من المؤرخين قديمًا وحديثًا؛ ومنهم المسعودي في مضرب الأمثال، كذلك الديار بكري في كتابه تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس، وفيما يأتي من الأدلّة التي ترجِّح صحة أصل القصة المذكورة:
- إطباق المُؤرخين على القصة: على الرغم من وجود بعض الاختلافات اليسيرة بين قصة حرب طسم وجديس؛ إلّا إنّ المؤرخين أَطبقوا على ذِكر القصة، وهو ما يُرجّح كونها قصة حقيقية في الأصل.
- ذِكر العثور على بعض من آثارهم: استطاع أحد الرجال العثور على دراهم من بقايا قبيلة طسم وقبيلة جديس، التي عاشت معها زرقاء اليمامة، كما أورد ابن الكثير عن أبي عَمْرة، وكان وزن هذا الدرهم يساوي ستة دراهم وقتها.
ما هي قصة زرقاء اليمامة؟
فيما يأتي تفاصيل قصة زرقاء اليمامة:
- ظُلم الملك عمليق: حكمَ الملك عمليق قبيلتي طسم وجديس، وكان ملكًا ظالمًا حتى أنه كان يأمر بأن لا تتزوج امرأة من نساء جديس حتى يدخل هو عليها، وذلك بعد أن احتكمت إليه امرأة وزوجها ثم قالت فيه شعرًا أغضبه عندما تأخّر في الحُكم.
- الذهاب بعفيرة بنت غفار إلى الملك: لما تزوجت عفيرة بنت غفّار ذُهب بها إلى الملك عمليق فأبت عليه؛ إلّا إنّه دخل عليها مُجبرًا لها وكانت أُخت عظيم جديس وقتها، ولما قضى منها ذهبت إليهم بدمائها وكشفت عن عورتها وقالت شِعرًا أغضب قبيلتها.
- تدبير الحيلة لقتل الملك: حرص الأسود بن غفّار على إيجاد حيلة لقتل الملك الذي يذلُّ نساء قبيلة جديس، وكانت الحيلة في دعوة الملك مع قبيلته طسم ثم قتلهم جميعًا، ونفذ الأسود هذه الخطة فلم يفلت من رجال طسم إلّا رباح بن مُرّة.
- الاستنجاد بملك اليمن: ذهب رباح بن مرة إلى ملك اليمن مُستنجدًا به بعدما أوقع الأسود بقبيلته مقتلة عظيمة ُفنى فيها جميع رجال طسم؛ فأجابه ملك اليَمن إلى ذلك وتوجّه يريد بجيشه اليمامة، وكانت زرقاء اليمامة أُخت رباح متزوجة من جديس.
- الاختباء وراء الأشجار للتخفّي من زرقاء اليمامة: ذكر رباح لملك اليمن شِدّة إبصار زرقاء اليمامة وأشار عليه باختباء الجنود وراء الأشجار؛ حتى لا تراهم عند اقترابهم من قبيلة جديس مسيرة ثلاثة أيام؛ فإنها كانت تستطيع رؤية القادم من هذه المسافة.
- تحذير زرقاء اليمامة لقومها: عندما رأت زرقاء اليمامة الشجر يتحرك هرعت إلى تنبيه قومها، ووصفت لهم ما رأت من الشجر الذي يتحرك والرجال الذين يشتغلون بأكل الطعام وخصف النِعل؛ إلّا إنّ جديس لم تُصدقها على ذلك.
- وصول ملك اليمن إلى جديس: عندما وصل ملك اليمن إلى جديس أوقع فيهم مقتلة عظيمة بعد أن فاجأها؛ ذلك لأنها لم تُلقِ بالًا لتحذيرات زرقاء اليمامة.
- قلع عيني زرقاء اليمامة: أمر الملك بقلع عيني زرقاء اليمامة بعد هزيمة جديس والقضاء عليها ثم صلبها على باب جو، وكانت المدينة التي تسكنها زرقاء اليمامة معروفة باسم جو ثم عُرِفت باسم اليمامة بعد ذلك.
ما هي خصائص زرقاء اليمامة ونسبها؟
تمتعت زرقاء اليمامة بالعديد من الخصائص التي تميّزت بها عن غيرها، ومنها ما يأتي:
- نسب زرقاء اليمامة: تنتسب زرقاء اليمامة إلى قبيلة طسم، وهي من قبائل العرب البائدة، ويرى بعض النسابون بأن طسم -الذي تنتسب إليه القبيلة- هو ابن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح نبي الله عليه السلام.
- أم زرقاء اليمامة: ذكر المسعودي في كتاب أخبار البلدان أن أمّ زرقاء اليمامة كانت كاهنة، وكان لها رئيٌ من الجن كما ورد، كما أن أمها واحدة من نساء جديس خلافًا لزرقاء اليمامة التي كانت من قبيلة طسم.
- شِدّة إبصارها: كانت زرقاء اليمامة حادّة البصر حتى أنها تستطيع رؤية الركوب على مسافة ثلاثة أيام، وقدّرها بعضهم بمسافة تبلغ 60 كيلومترًا تقريبًا كما جاء في قصة زرقاء اليمامة.
- صفة عينيها: عُرفت زرقاء اليمامة بهذا الاسم لأن عينيها كانتا توصفان بالزُرقة، وهي خضرة تشوب سواد العين كما فسّرها البعض، بينما فسّرها آخرون بأنها سواد يَغشى بياض العين، وهي صفة كذلك للبسوس والزباء.
- اختلاف حجم عينيها: روى بعض المؤرخين بأن إحدى عينيّ زرقاء اليمامة كانت صغيرة والأُخرى كبيرة، وكانت تُغلق الكُبرى وتعتمد على الصُغرى لرؤية الأشياء البعيدة.
متى توفيت زرقاء اليمامة؟
لم يتفق المؤرخون على تحديد تاريخ وفاة زرقاء اليمامة؛ إلّا إنّ قصتها تعود إلى العصور الجاهلية التي سبقت الإسلام، ويرى البعض بأنها عاشت قبل عشرة قرون من هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المَدينة، هذا يعني أن قصتها وقعت قُرابة سنة 250 قبل الميلاد، ويرجّح بعض المُستشرقين بأن القصة أقدم من ذلك.
هل توجد كُتب ذكرت زرقاء اليمامة؟
لا شك~ بأن هُناك عددًا كبيرًا من الكُتب التي ذكرت بعضًا من صفات زرقاء اليمامة أو تطرقت إلى قصتها في الحرب بين طسم وجديس، وفيما يأتي بعضًا من أسماء هذه الكُتب:
- كتاب مُعجم البلدان: ذكر ياقوت الحموي زرقاء اليمامة في أكثر من موضعة ضمن كتاب مُعجم البلدان، وبيّنَ فيه اسم الجبل الذي رأت زرقاء اليمامة منه المُحاربين، كذلك ذكر شِدّة إبصارها.
- كتاب تاج العروس من جواهر القاموس: يُعد هذا الكتاب أحد الكُتب التي ألّفها مُرتضى الزبيدي، وورد فيه أن اليمامة اسم لجارية زرقاء، وبيّن شِدّة بصرها وما ذكر من كونها أحد خلق الله بصرًا.
- كتاب نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب: روى ابن سعيد المغربي عن البُيهقي أن زرقاء اليمامة ملكت اليمامة لحكمتها وفضلها، كذلك ذكر قصة زرقاء اليمامة مع طسم وجديس في كتاب نشوة الطرب.
- كتاب مُعجم الشعراء: تُعرف زرقاء اليمامة باسم زرقاء جو أيضًا حسب كتاب مُعجم الشعراء، وذكر هذا الكتاب حِدّة بصرها، وبيّنَ بأن جو اسم لليمامة، وسرد قصتها مع بني جديس.
- كتاب لسان العَرب: ذكر ابن منظور في لسان العرب أن اليمامة اسم لجارية زرقاء كانت تستطيع رؤية الراكب من مسيرة تبلغ ثلاثة أيام، وذلك عند بيان الجذر يمم.
- كتاب خزانة الأدب: تمّ تأليف كتاب خزانة الأدب من قِبل عبد القادر البغدادي، وفي هذا الكتاب ذكر صعود زرقاء اليمامة مكانًا مرتفعًا واستطاعت رؤية الجيش على بُعد ثلاثة أيام.
- كتاب آثار البلاد وأخبار العباد: ذُكرت قصة زرقاء اليمامة، بالإضافة إلى ما تتصف به من شِدّة البصر وقوّته في ثنايا كتاب آثار البلاد وأخبار العباد لأبي يحيى زكريا القزويني.
- كتاب الأغاني: قام أبو الفرج الأصفهاني بتأليف كتاب الأغاني، وفي هذا الكتاب ذكر بأن زرقاء اليمامة كانت ترى الجيش من مسافة تبلغ 30 ميلًا عربيًا، وأورد هذه الصفة عند ذكر هند بنت النُعمان.
- كتاب صفة جزيرة العَرب: وصف الهمداني شِدّة إبصار زرقاء اليمامة في كتاب صفة جزيرة العَرب، وقال بأنها استطاعت رؤية الذين نزلوا من رأس الدام مسيرةً تبلغ يومين وليلتين.
هل كانت زرقاء اليمامة مَضربَ المثل في قوة الإبصار؟
لا شكّ بأن زرقاء اليمامة كانت مَضربَ المثل في شِدّة الإبصار عند العرب لما ورد في قصتها من رؤية الجيوش البعيدة؛ فكان يُقال: أبصر من زرقاء اليمامة، كما أن العرب ضربت عِدّة أمثالٍ أُخرى للتنبيه إلى شِدّة البصر، ومنها ما يأتي:
- أبصر من عُقاب ملاع: قيل بأن ملاع اسم لهضبة، وقيل بأنه اسم للصحراء، واختارت العرب عُقاب الصحراء في ضرب المثل؛ لأنه أكثر حِدّة في الإبصار من عُقاب الجبال كما روى النيسابوري في كتابه مضرب الأمثال.
- أبصر من غراب: ضُرب المثل بالغُراب في شِدّة البصر عند العرب؛ ذلك لأن الغُراب يُغمض أحد عينيه دائمًا بسبب حِدّة بصره وقوته، وأطلقت العرب على الغُراب اسم الأعور على سبيل التفاؤل كما ذكر ابن الأعرابي.
من كم بيت تتكون قصيدة زرقاء اليمامة؟
كانت قصيدة زرقاء اليمامة من 6 أبيات لتحذير قومها عندما رأت الجيش مُختبئًا وراء الشجر، وعلى الرغم من هذا التحذير إلّا إنّ قومها لم يحذروا، وفاجأهم جيش ملك اليمامة فقتلهم ممّا أدى إلى إفناء جديس بعدما قامت بقتل طسم؛ ففُنِيتْ القبيلتان جميعًا كما روى أهل التاريخ، وفيما يأتي نص قصيدة زرقاء اليمامة:
خذوا حذركم يا قوم ينفعكم | فليس ما قد أرى بالأمر يُحتقر |
إنى أرى شجرًا من خلفها بشرٌ | وكيف تجتمع الأشجار والبشر |
ثوروا بأجمعكم في وجه أولهم | فإن ذلك منكم فاعلموا ظفر |
ضمّوا طوائفكم من قبل داهية | من الأمور التي تُخشى وتُنتظر |
فغوّروا كل ماء قبل ثالثة | فليس من بعده ورد ولا صدر |
وعاجلوا القوم عند الليل إذ رقدوا | ولا تخافوا لهم حربًا وإن كثروا |
اقرأ/ي أيضًا:
هل أهمية نهر النيل اقتصادية فقط؟
هل برج خليفة أطول برج في العالم؟
