` `

هل هناك أخطار تواجه التنوّع الحيوي؟

علوم
4 أكتوبر 2022
هل هناك أخطار تواجه التنوّع الحيوي؟
توجد عدة أخطار تواجه التنوع الحيوي في وقتنا الحالي (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

يعدّ التغيّر المناخي وما يتبعه من آثارٍ مدمّرةٍ للحياة والبيئة والتنوع الحيوي فيها بصورةٍ خاصةٍ، من أبرز المشكلات التي يواجهها عصرنا الحاليّ. لذلك من الضروريّ لنا معرفة الأخطار التي تواجه التنوّع الحيوي في كوكبنا، سواءً كانت ناتجةً عن التغيّر المناخي أم غيره من المسببات، وما هي أنواع التنوع الحيوي لكي نتمكن من درء المخاطر المحتملة ومحاولة إيجاد الحلول اللازمة لوقف هذا الضرر وحماية أنواع الكائنات الحية على كوكبنا الانقراض.

ما هو التنوع الحيوي

قبل البدء باستعراض الأخطار التي تواجه التنوّع الحيوي، لا بدّ لنا من فهم ما هو التنوع الحيوي وماذا يقصد به. حيث يمكن تعريف التنوع الحيوي (أو التنوع البيولوجي) بأنّه تنوّع الحياة الموجودة في مكانٍ ما على كوكب الأرض، أو في كثيرٍ من الأحيان التنوّع الكلي للحياة على كوكب الأرض. ويُدعى المقياس الشائع لهذا التنوع بثراء الأنواع، وهو إجمالي عدد الأنواع الموجودة في منطقة معيّنةٍ، لذلك يكون متفاوتًا بين المناطق حول العالم وليس متماثلًا. ويشمل التنوع الحيوي أيضًا التنوع الجيني داخل كل نوعٍ، وتنوع النظم البيئية التي تشكّلها تلك الأنواع.

ولفهم ما هو التنوع الحيوي بصورةٍ أشمل، فإنَّ هذا المصطلح يُشير إلى فكرة التنوع الأحيائيّ من الجينات والخصائص الحيوية إلى الأنواع والأنظمة البيئية الكاملة. وقد ظهر هذا المصطلح في منتصف الثمانينيات، ولكنّه في الحقيقة بلورةٌ وتأطيرٌ علميٌّ حديثٌ لما مضى دراسته وذكره في المؤلفات السابقة بصورةٍ غير مكتملةٍ أو غير واضحةٍ كما هي عليه اليوم. وأدّى المصطلح الجديد "التنوع البيولوجي" إلى تنشيط وإعادة تفعيل بعض الأفكار الأساسية التي تم تطويرها خلال العقد الماضي (أو لفترةٍ أطول)، كما ساعد هذا المفهوم في إيصال سبب قلق الإنسان بشأن فقدان التنوّع الناشئ عن أزمة انقراض الأنواع (والتي عرفت فيما بعد بأزمة التنوع الحيوي). وهذا يعترف بفكرة أنّ التنوع الحيويّ بحد ذاته له قيمةٌ حاليةٌ كونه يوفر فرصةً للفوائد المستقبلية للبشرية.

صورة متعلقة توضيحية

أنواع التنوع الحيوي

توجد عدّة مفاهيمٍ للتنوع الحيوي، لذلك فإنّ أنواع التنوع الحيوي تختلف باختلاف المقصود به، حيث يشمل التنوع الحيوي بصورةٍ عامةٍ جميع الكائنات الحية والأنواع والمجموعات وتعدادها؛ والاختلاف الجيني بينهم؛ وجميع تجمعاتها المعقدة من المجتمعات والنظم البيئية. كما يُشير إلى الترابط بين الجينات والأنواع والنظم البيئية وتفاعلها مع البيئة. لذلك عادةً ما تتمّ دراسة أنواع التنوع الحيوي ضمن ثلاثة مستوياتٍ وهي: تنوع الأنواع الحيّة، والتنوع الجيني، والتنوع البيئي أو تنوع النُّظم البيئية.

  1. تنوع الأنواع الحيّة (Species diversity): وهو أحد أهمّ أنواع التنوع الحيوي، ويشير إلى كل الاختلافات داخل وفيما بين مجموعات الأنواع الحية، وكذلك بين الأنواع المختلفة. ويعني عدد الأنواع المختلفة في منطقةٍ معينةٍ ووفرتها النسبية، حيث يمكن أن تكون المنطقة المعنية موطنًا أو منطقةً حيويةً أو المحيط الحيوي بأكمله. فحتّى تلك المناطق ذات التنوع المنخفض للأنواع لا تزال تحتوي على مجموعةٍ متنوعة من الكائنات الحية، في حين يكون تنوّع الغابات الاستوائية المطيرة كبيرًا جدًا بحيث لا يمكن تقييمه بدقةٍ. ويتمّ قياس هذا التنوع في الأنواع بمقياس أو مؤشر ثراء الأنواع، والذي يعني عدد الأنواع التي تعيش في موطنٍ أو وحدةٍ أخرى، هو أحد مكونات التنوع الحيوي. 
  2. التنوع الجيني (Genetic diversity): ويعني جميع الجينات المختلفة الموجودة في جميع النباتات والحيوانات والفطريات والكائنات الحية الدقيقة. وهذا الشكل أو النوع من أنواع التنوع الحيوي يحدث داخل الأنواع الحية نفسها، وكذلك بين الأنواع الحية المختلفة. ويُوفّر التنوع الجيني أساسًا اقتصاديًا لحماية التنوع الحيوي والحفاظ عليه، فعلى سبيل المثال، تنمو أشجار التنوب بكثرةٍ في غرب الولايات المتحدة الأمريكية، ويعود نجاحها في البقاء والانتشار إلى تنوعها على الرغم من مظهرها المماثل، حيث تُظهِر المجموعات الساحلية والداخلية اختلافاتٍ وراثيةٍ في تحمّل البرد، والاستجابة لإجهاد الرطوبة، وتوقيت ظهور وانبثاق البراعم. كما يوجد أيضًا اختلافاتٌ وراثيةٌ بين المجموعات أو الجماعات التي تفصل بينها مسافة 3-10 كيلومترات، والتي تتعرض لمناخٍ محلّيٍ مختلفٍ على المنحدرات المواجهة للشمال والمنحدرات المواجهة للجنوب. علاوةً على ذلك، يؤدي التباين الجيني إلى استمرار إنتاج أنماطٍ ظاهريةٍ متنوعةٍ، بعضها أكثر قدرة على مقاومة هجمات دودة برعم التنوب الغربية، وهي آفةٌ مهمةٌ لهذا النوع، حيث تستفيد المشاتل التجارية من الناحية التجارية والاقتصادية من هذا التنوع المحلي في برامج إعادة التحريج.
  3. التنوع البيئي أو تنوع النُّظم البيئية (Ecosystem diversity): وهو جميع الموائل الطبيعية المختلفة والمجتمعات الحيوية والعمليات البيئية، وكذلك التباينات داخل النظم البيئية الفردية.

هل هناك أخطار تواجه التنوّع الحيوي؟

نعم، يبدو أنّ التنوّع الحيوي أو البيولوجي يتأثّر بصورةٍ مباشرةٍ بالممارسات البشرية المدمّرة للبيئة، والتي نجم عنها التغيّر المناخي والتلوّث الكبير في البيئة. حيث يُشير فقدان التنوع البيولوجي إلى انخفاض التنوع البيولوجي بسبب إزاحة الأنواع أو انقراضها. وقد يبدو فقدان نوعٍ حيٍّ مُعيّنٍ غير مهمٍّ أو ذي قيمةٍ للبعض، خاصةً إذا لم يكن من الأنواع التي يشاهدها الناس بكثرة أو يستفاد منها، لكنّ العديد من الناس أصبحوا حاليًا يبحثون عن كيفية حماية الأنواع الحيّة، خصوصًا المهددة بالانقراض أو التي تكون أعدادها في تراجعٍ مستمرٍّ. 

ويُقدر علماء الأحياء أنّ انقراض الأنواع حاليًا أعلى بعدة مراتٍ من المعدل الطبيعي أو المعدل الذي كان عليه سابقًا في تاريخ الحياة على الأرض، وهذا يُتَرجم على أرض الواقع إلى فقدان عشرات الآلاف من الأنواع في حياتنا اليوم. لذلك من المحتمل أن يكون لهذا آثارٌ دراماتيكيةٌ على رفاهية الإنسان من خلال انهيار النظم البيئية. وقد يكون لفقدان التنوع الحيوي عواقب مدوّية على النظم البيئية، بسبب العلاقات المتبادلة المعقدة بين الأنواع. فعلى سبيل المثال، قد يتسبب انقراض نوعٍ ما في انقراض نوعٍ آخر نتيجة العلاقة بينهما، سواءً من ناحية المعيشة أو الغذاء أو غيرها. ومن أجل قياس فقدان التنوع البيولوجي، يقوم العلماء بصورةٍ مستمرّةٍ بتقييم الأنواع المُعرَّضة لخطر الانقراض؛ وكذلك مسح التدهور الحاصل في النظام البيئي.

ويتمثل التهديد والخطر الأساسي للتنوع الحيوي على كوكب الأرض في مزيج النموّ السكاني والموارد التي يستخدمها السكان، حيث يحتاج البشر إلى موارد للبقاء والنمو، ويتم الحصول على العديد من هذه الموارد من البيئة واستغلالها بشكلٍ غير مستدامٍ، وبالتالي تكون الأخطار والتهديدات الخمسة الرئيسية للتنوع البيولوجي هي فقدان الموائل والتلوث والاستغلال المفرط والأنواع الغَازيَة وتغيُّر المناخ. وقد أدّت زيادة التنقل والتجارة إلى إدخال الأنواع الغازية، في حين أنّ التهديدات الأخرى هي نتائج مباشرة للنمو السكاني واستخدام الموارد.

أخطار تواجه التنوع الحيوي

توجد عدة أخطار تواجه التنوع الحيوي في وقتنا الحالي، وهذه الأخطار أو التهديدات الرئيسية تشمل ما يأتي:

  1. الانقراض: ويعني الخسارة العالمية للأنواع. وقد حدثت خمسة انقراضاتٍ جماعيةٍ في التاريخ الجيولوجي، وكانت معدلات الانقراض مرتفعةً بشكل خاص خلال هذه الأحداث، وتشهد الأرض حاليًا انقراضًا جماعيًا سادسًا مدفوعًا بالأنشطة البشرية. لذلك عندما لا تحدث الانقراضات الجماعية بصورتها المعروفة، فهذا لا يعني أنّ الانقراض لا يحدث، بل لا يزال يحدث ولكن بمعدلٍ منخفضٍ ووتيرةٍ أقلّ سرعةً من معدل الانقراض الذي حدث تاريخيًا. ويعدّ القضاء التام على الأنواع محلّيًا (الاستئصال) أيضًا مصدر قلقٍ للحفاظ على التنوع الحيوي.
  2. فقدان التنوع البيولوجي وتبعاته: تتضمن الوسائل الشائعة لتقييم فقدان التنوع البيولوجي تصنيف الأنواع بناءً على مخاطر الانقراض. وتشمل القائمة الحمراء تسع فئاتٍ أو درجاتٍ من خطر الانقراض. وتسمّى الأنواع المعرضة بشدّةٍ لخطر الانقراض بالأنواع المهددة بالانقراض. ويمكن أيضًا قياس التنوع الحيوي على مستوى النظام البيئي، سواءً من حيث المنطقة أو تنوع النظام البيئي.
  3. فقدان الموائل: يشمل فقدان الموائل تدمير الموائل، وتغيير البيئة المادية بحيث لم يعد بإمكان الأنواع العيش هناك، وتجزئة الموائل التي تتضمن تقسيم الموائل إلى بقعٍ متقطعةٍ.
  4. الإفراط في الاستغلال: ينطوي الاستغلال المفرط على إزالة الكائنات الحية من بيئاتها بمعدلٍ أسرع ممّا يمكن تجديده. وتشمل الأمثلة الصيد الجائر والإفراط في جمع النباتات والفطريات بطيئة النمو.
  5. التلوث: هو إطلاق موادٍ كيميائيةٍ ضارةٍ أو موادٍ أخرى في البيئة بحيث تلوّث هذه المواد التربة أو المياه أو الهواء أو جميعها، مما ينتج عنه تأثيرٌ مدمّر للبيئة وبالتالي تغيُّر المناخ.
  6. انتشار الأنواع الغازية: الأنواع الغازية هي تلك التي تحدث خارج نطاق توزيعها التاريخي والجغرافي والتي تسبب ضررًا بيئيًا و/أو اقتصاديًا. ويمكن للأنواع الغازية أن تتكاثر بشكلٍ مفرطٍ أو تتفوّق على الأنواع المحلّية، ممّا يؤدي في بعض الأحيان إلى الانقراض. 
  7. تغير المناخ: يتسبب إطلاق غازات الاحتباس الحراري، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، عند حرق الوقود الأحفوري للحصول على الطاقة، في تغير المناخ. ولا يقتصر تغير المناخ على زيادة متوسط ​​درجة الحرارة العالمية فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى أنماطٍ مناخيةٍ لا يمكن التنبؤ بها. ويُهدد التغير المناخي التنوع الحيويّ مباشرةً من خلال مجموعةٍ متنوعةٍ من الآليات، ويمكن أن يتسبّب في تحولاتٍ في نطاق وتنوّع الأنواع، وحصول تفاعلاتٍ حيويةٍ غير متطابقةٍ، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتحمُّض المحيطات. لذلك تعدّ جميعها أخطار تواجه التنوع الحيوي.

بحث عن التنوع الحيوي

تجرى العديد من الدراسات والأبحاث العلمية في مجال حماية وصيانة التنوع الحيوي، ويمكن بسهولةٍ إيجاد بحث عن التنوع الحيوي على محركات البحث العلمية أو حتّى في الانترنت بصورةٍ عامةٍ. وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة أنّ الفترة 2011-2020 هي "العقد الدولي للتنوع الحيوي". وفي عام 2005، أجرى تقييم الألفية للنظم البيئية تقييمًا لعواقب تغير النظام البيئي على رفاهية الإنسان، وقدّم تقييمًا حديثًا للاتجاهات المختلفة في النظم البيئية في العالم، والخدمات التي تقدمها، وكذلك الأساس العلمي للعمل من أجل الحفاظ عليها واستخدامها بشكلٍ مستدامٍ.

وتُستخدم مصطلحات تنوع الأنواع والتنوع الحيوي على نطاقٍ واسع في علم البيئة وإدارة الموارد الطبيعية، ومن أجل إيجاد بحث عن التنوع الحيوي ينبغي الأخذ بعين الاعتبار التخصّص الذي يدرسه، سواءً كان من الناحية الزراعية أو الاقتصادية أو البيئية أو الوراثية أو البيولوجية فقط أو غير ذلك، وهذا لكون الباحثين والمؤلفين يستخدمون مصطلح التنوع الحيوي بأكثر من سياقٍ، وبالتالي فهو يحمل دلالاتًا مختلفةً.

وبصورةٍ عامةٍ، فإنّه في أيّ دراسةٍ أو بحثٍ عن التنوع الحيوي، سيتم تقييم القيمة الحيوية للنظم البيئية بالرجوع إلى خمسة معاييرٍ أساسيّةٍ:

  1. الثراء: أي عدد الأنواع أو الموائل في منطقةٍ معينةٍ، حيث تُمنح المنطقة التي تحتوي على أنواعٍ أو موائلٍ أكثر لكلّ وحدة مساحةٍ قيمةً أعلى من منطقةٍ فيها عددٌ أقل من الموائل. وبالتالي، غالبًا ما يُنظر إلى الغابات الاستوائية، مع وجود عددٍ كبيرٍ من الأنواع فيها، على أنّها تحظى بأولوية حفظٍ أعلى من الغابات الاستوائية الجافة المجاورة، والتي تعد أقلّ ثراءً في الأنواع.
  2. التوطُّن: أي محدوديّة توزيع الأنواع في منطقة ما، حيث تُمنح المنطقة التي تحوي على العديد من الأنواع المستوطنة قيمةً أعلى من المنطقة التي فيها عددٌ أقل.
  3. ندرة الأنواع أو الموائل في المنطقة: تُمنح المنطقة ذات الأنواع أو الموائل النادرة قيمةً أعلى من المنطقة ذات الأنواع أو الموائل الوفيرة. وبالتالي، فإنّ الأراضي الرطبة في المناطق القاحلة، تُمنح قيمةً أعلى من الأراضي الرطبة في المناطق المعتدلة.
  4. خدمات النظام البيئي: إنَّ أهمية الموائل الطبيعية، أو الأنواع الفردية المستوطنة القادرة على التأثير في وظيفة النظام البيئي، تكمن في الخدمات المختلفة ذات الأهمية للبشر.
  5. الوضع المحمي والتمثيل: أي الحماية النسبية للأنواع أو النظام البيئي الموجود بالفعل. حيث يتم إعطاء حماية النظام البيئي الذي لم يتم تمثيله بعد في نظام المناطق المحمية قيمةً أعلى من تلك التي تكون قد تمّ تمثيلها بالفعل.

اقرأ/ي أيضًا:

هل الحفاظ على البيئة مهم وضروري؟

هل مصادر الطاقة المتجددة صديقة للبيئة؟

هل يمكن الحد من الصيد الجائر للأسماك؟

هل يمكن حماية الحياة البرية من الانقراض؟

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على