في 20 أكتوبر/تشرين الأول الفائت، نشرت الصفحة الرسمية لوزارة الإسكان المصرية، بيانًا، عن استقبال وزير الإسكان شريف الشربيني، لرجل أعمال ياباني يُدعى كانازاوا يوكيو. وصف البيان يوكيو بأنه "أسطورة العقارات في اليابان"، وقال إن لقاءه بوزير الإسكان، غرضه بحث سبل التعاون المشترك في مجال التطوير العقاري بمصر.
كرر البيان استخدام لقب "أسطورة العقارات في اليابان" 7 مرات، مع كل ذكر لاسم كانازاوا يوكيو الذي يمتلك شركة باسم "تايتان كابيتال" ينوي الاستثمار من خلالها في مصر، إضافةً إلى استثمار جارٍ بالفعل يتمثل في مشروع شراكة مع وزارة الإنتاج الحربي، لإنتاج جهاز لتوليد المياه من بخار الماء في الجو، وفقًا لما جاء في نص البيان.
على مدار أسابيع لاحقةٍ لهذا البيان، أجرى مسبار تحقيقًا في سيرة كانازاوا يوكيو وشركاته في اليابان بالاعتماد على بيانات المصادر المفتوحة من سجلات هيئة الضرائب اليابانية ومزودي خدمات تسجيل الشركات ومن أرشيف الصحافة اليابانية؛ ليتبيّن أن لقب "أسطورة العقارات في اليابان" ربما كان مبالغةً في وصف رجل أعمال يمتلك شركات صغيرة بخسائر كبيرة ومقر واحدٍ متواضع يجمع هذه الشركات، بالإضافة إلى سجل من الاتهامات الجنائية بالتهرب الضريبي.
متهم سابق بالتهرب الضريبي والرشوة السياسية
رغم ندرة الأخبار عن كانازاوا يوكيو في اليابان، يُمكن العثور على خبر في أرشيف الصحافة اليابانية، يعود إلى نوفمبر 2003، عن اتهامه بالتهرب من دفع ضرائب بقيمة 640 مليون ين ياباني (قرابة 4 مليون و91 ألف دولار)، من خلال إخفائه دخلًا بقيمة 2.15 مليار ين، تمكن من تحقيقها خلال عامي 2000 و2002، عبر شركة كان يملكها آنذاك باسم "هيدكوارترز ديوك".
خلال التحقيق في تهمة التهرب الضريبي اكتشف قسم التحقيقات الخاصة في مكتب المدعي العام بطوكيو، أن يوكيو متورط في رشوة بأكثر من 3 ملايين ين لمسؤول سياسي رفيع في لجنة السياسات المركزية بالحزب الليبرالي الديمقراطي الياباني الحاكم آنذاك، مقابل تسهيلات في عمليات بيع وشراء أراضٍ وعقارات.
بحسب موقع Yomi.Tokyo المتخصص في الأرشفة النصية للبيانات الرقمية اليابانية، نقلًا عن موقع شبكة Nikkei الإخبارية اليابانية، حُكم على يوكيو في أكتوبر 2004 بالسجن مدة عام و10 أشهر، وغرامة 160 مليون ين (10 مليون 227 ألف دولار). وظلت قضية الرشوة السياسية محط تداول في المحاكم والرأي العام الياباني ضمن مجموعة أوسع من اتهامات الفساد السياسي خلال نفس الفترة شملت مسؤولين آخرين في الحزب الحاكم، حينها.
كيف دخل إلى مصر؟
عن طريق جهاز "كوسوي" الذي يعمل على توليد المياه الصالحة للشرب باستخدام بخار الماء في الهواء، وكما نشر عبر مدونته، بدأ يوكيو الاستثمار في جهاز كوسوي منذ عام 2016. منذ ذلك الحين لم يتمكن الجهاز عبر شركته "ميزوها - Mizuha" من الوصول لأي عملاء تجاريين باستثناء تجارب ميدانية للجهاز في منشآت عمومية.
لكن في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عرض كيشيرو نيوا، المدير التنفيذي المسجل لشركة ميزوها، جهاز كوسوي خلال فعاليات مؤتمر المناخ كوب27 في شرم الشيخ، ليحصل على أول عميل للجهاز متمثل في الحكومة المصرية عبر وزارة الإنتاج الحربي، حيث وقعت مع ميزوها اتفاقية إنتاج مشترك للجهاز، وظهرت أولى صور الجهاز المصنع في مصر في يونيو 2024.
ولم تحقق شركة ميزوها وجهازها كوسوي نجاحًا يُذكر قبل الاتفاقية التي وقعتها مع الحكومة المصرية. ورغم أنّ الموقع الإلكتروني للشركة يذكر أنها تأسست عام 2020، إلا أنّ التوقيت الحقيقي لتأسيس الشركة كان في 2016، كما ذكر يوكيو في مدونته، وكما توضح قاعدة بيانات الشركات الخاصة Baseconnect استنادًا إلى التقارير المالية للشركة. وتؤكد أيضًا أداة Domaintools لفحص بيانات تسجيل المواقع أنّ موقع الشركة أُسس في يوليو 2016 وسُجّل بواسطة شركة ميزوها ذات المسؤولية المحدودة (MIZUHA CO.,Ltd).
إذًا تأسست شركة ميزوها في 2016 كشركة ذات مسؤولية محدودة، لكنها لم تحصل على رقم ضريبي من الهيئة الوطنية للضرائب في اليابان سوى في عام 2020، وهو العام الذي تزعم الشركة عبر موقعها الإلكتروني أنه عام التأسيس.
وفي الواقع، فإن السنوات الثلاثة الأولى للشركة شهدت خسائر مركبة، إذ تكشف قاعدة بيانات Buffet لسجلات الشركات اليابانية، أن الشركة تأسست برأس مال يبلغ 14 مليون ين (حوالي 90 ألف و800 دولار أميركي) في 2016، وفي يونيو 2019، أي بعد ثلاثة أعوام، حققت خسائر بقيمة 56 مليون ين (حوالي 363 ألف دولار أميركي)، لتسجل الشركة صافي قيمة (Net Worth) سالب 113 مليون ين.
وبحسب ملف ميزوها المعروض على موقعها الإلكتروني، تبلغ قيمة رأسمال الشركة الآن 10 ملايين ين وهو ما يُساوي حوالي 64 ألف و800 دولار أميركي.
ووفقًا للموقع الرسمي لشركة ميزوها، فإن الحكومة المصرية هي العميل التجاري الوحيد حتى الآن للشركة، علمًا بأنّ الجهاز الذي تنتجه الشركة ليس الأول من نوعه، إذ أنتجت عديد الشركات الأخرى من دول مختلفة حول العالم بما في ذلك اليابان والصين، أجهزة مماثلة تقوم بتوليد المياه الصالحة للشرب من خلال تكثيف بخار الماء في هواء الجو.
شركة صغيرة وخسائر كبيرة
تشير تقارير وسائل الإعلام المصرية، إلى أن الاستثمارات المحتملة لـ"أسطورة العقارات في اليابان" ستكون من خلال شركته تايتان كابيتال، الأمر الذي دفعنا للبحث عن هذه الشركة وقياس حجمها مقارنة بكبرى شركات العقارات في اليابان، ليتبين أن الشركة التي مضى على تأسيسها أكثر من 12 عامًا، لا تعدو كونها شركة صغيرة بخسائر كبيرة.
بعد سنوات من قضية التهرب الضريبي، تنقّل يوكيو في العمل بين شركتين بريطانيتين، حسب ما تُظهر قاعدة بيانات الشركات البريطانية الرسمية. وعمل يوكيو من 2010 وحتى يوليو/تموز 2014 في شركة مسؤولية محدودة تُدعى ITHACA DORSET وتضمّن منصبه العمل في 3 شركات أخرى تابعة لنفس الشركة في نفس الوقت.
وفي الأثناء، انضم للعمل أيضًا لصالح شركة أخرى أُنشئت في يناير/كانون الثاني 2014، وظل يعمل بها حتى إبريل 2017. بالتوازي انضم يوكيو في أكتوبر 2012 للعمل في شركة مسؤولية محدودة تُدعى SCMI، وانقسم عمله فيها إلى فترتين، إذ خرج من الشركة في يونيو 2013، ثم عاد إليها في أكتوبر 2014 قبل أن يخرج منها نهائيًا في نوفمبر 2016.
وجدير بالذكر أن الشركتين لا علاقة لهما بالتطوير والاستثمار العقاري، فإحداهما وهي ITHACA متخصصة في الخدمات النفطية، بينما الأخرى SCMI متخصصة في وساطة الأوراق المالية.
خلال فترة عمله في الشركتين أسس كانازاوا يوكيو شركة تايتان كابيتال في اليابان، في مارس 2012، ما يعني أنه بقي في عمله موظفًا حتى بعد 5 سنوات من تأسيس شركته.
ومنذ تأسيسها ركزت أعمال تايتان كابيتال على الوساطة العقارية دون أي سجل في التشييد والتطوير العقاري. وأُسست الشركة برأسمال صغير يعكس صغر حجمها، إذ بلغ رأس المال الذي سُجّلت به 3 ملايين ين أي 19 ألفًا و500 دولار أميركي.
استطاع يوكيو تسويق شركته في مصر بوصفها "أكبر مجموعة عقارية في اليابان" وهو التوصيف الذي استخدمته وسائل إعلام مصرية للإشارة إلى تايتان كابيتال. رغم ذلك، يُناقض واقع الشركة التشغيلي والمالي هذا التوصيف، وذلك بدايةً من مقر الشركة. وتمكن مسبار من تحديد مقرها على خرائط غوغل استنادًا إلى بيانات التسجيل الرسمية لها، وكذلك العنوان الموضح على موقعها الإلكتروني.
وتبيّن أنّ مقر الشركة عبارةٌ عن شقة إدارية في مبنى متواضع يضم عيادات ومكاتب إدارية، تُديره شركة وساطة عقارية أخرى تُسمى Unimat Realty. وعلى نفس العنوان أيضًا، سُجّلت شركة ميزوها المنتجة لجهاز توليد المياه من الهواء. وعليه أيضًا سُجّلت شركة أخرى سابقة تُسمى "تايتان لإدارة العقارات" دمجها يوكيو مع "تايتان كابيتال" في 2017. والشركتان، أي تايتان كابيتال وميزوها، مديرهما التنفيذي نفس الشخص وهو كيشيرو نيوا، والذي بدأ عمله مع يوكيو كمدير تنفيذي لشركاته منذ 2017 تقريبًا، بحسب ما ذكر يوكيو في مدونته.
تستخدم الشركات الصغيرة مقار عمل مشتركة بغرض التوفير وخفض التكاليف التشغيلية، خاصةً في ظل قلّة عدد موظفيها، وهو الحال مع شركتي تايتان كابيتال وميزوها، اللتان تشتركان في مدير تنفيذي واحد هو كيشيرو نيوا، ويبلغ إجمالي عدد العاملين فيهما 20 موظفًا على أقصى تقدير.
بالإضافة إلى رأس المال الصغير والمقر المشترك المتواضع، فهي غير مدرجة على أي قوائم لأكبر الشركات العقارية في اليابان. وتستند قوائم الشركات العقارية الأكبر في اليابان إلى عدة مؤشرات، على رأسها حجم المبيعات والإيرادات والقيمة السوقية.
وبمراجعة قائمة Disfold لأكبر 159 شركة في قطاع العقارات باليابان بحسب القيمة السوقية، والصادرة في يوليو 2024، لا نجد ذكرًا لشركة تايتان كابيتال.
وتغيب شركة تايتان عن تصنيفات أكبر شركات التطوير العقاري، وأكبر شركات الوساطة العقارية، وأكبر شركات الإدارة العقارية، التي تُصدرها مؤسستي Nationwide Rental Housing وJutaku Shimpo المتخصصتين في رصد وإحصاء بيانات قطاع العقارات في البلاد. كما تغيب عن أحدث تصنيف لـ"شركات الوساطة العقارية الموثوقة" الصادر عن الملحق العقاري لمؤسسة Mynavi الإعلامية، والذي يستند إلى مقارنة حجم العمليات وحساب الإيرادات وقيمة المبيعات.
وفقًا لموقع شركة تايتان كابيتال، فإن حجم الاستثمارات التي عملت عليها الشركة في 2023 بلغ 65 مليار ين أي قرابة 424 مليون دولار أميركي. ولا يُمثّل هذا الرقم أرباح الشركة أو مبيعاتها أو الاستثمارات المباشرة من قبلها، وإنما يُمثّل قيمة العقارات التي عملت عليها الشركة سواءً بالوساطة أو الإدارة.
وتؤكد ذلك البيانات المالية للشركة التي سجّلت رقمًا ضريبيًا في الهيئة الوطنية للضرائب في 2015، إذ تكشف بياناتها المالية، وفقًا لقاعدة بيانات Buffet، أنها بعد 3 أعوام من تعيين رقم ضريبي لها و6 أعوامٍ من تأسيسها، خسرت ما يساوي أكثر من 270 مرة ضعف رأسمالها البالغ 3 ملايين ين (19 ألفًا و174 دولار).
وبلغت خسائر تايتان كابيتال في 2015 ما قيمته 96 مليون ين (حوالي 626 ألف دولار)، محققةً صافي قيمة سالب 111 مليون ين (حوالي 7 مليون 9500 دولار)، لتكون بذلك قد خسرت حوالي 32 مرة ضعف رأسمالها، فيما بلغ إجمالي ديونها الثابتة وديونها الجارية (أي المطلوبات المالية قصيرة الأجل) 14 مليار و788 مليون ين (حوالي 94 مليون و519 ألف دولار).
في العام التالي، 2016، تمكنت تايتان كابيتال من تعويض خسارتها عبر بيع أصولها، إذ باعت أكثر من 71% من أصولها الثابتة وأكثر من 30% من أصولها المتداولة، علمًا بأنّه في نفس العام اندمجت تايتان كابيتال عن طريق الاستحواذ، مع شركتين أخريين كان يمتلكهما يوكيو، إحداهما متخصصة في إدارة الصناديق الاستثمارية، وكانت قد حققت في 2015 أرباحًا صافية بقيمة 26 مليون ين، ممتلكةً في محفظتها أصولًا بقيمة 91 مليون ين (قرابة 582 ألف دولار).
رغم أن خسائر الشركة في 2015 بلغت 96 مليون ين (قرابة 614 ألف دولار أميركي)، إلا أن الموقع الإلكتروني لها يقول إن حجم الاستثمارات التي عملت عليها في نفس العام يبلغ 45 مليار ين (حوالي 288 ألف دولار)، وهو ما يؤكد أن الأرقام التي تعرضها الشركة على موقعها الإلكتروني إنما تُمثّل القيمة السوقية للعقارات التي قامت بتسويقها أو إدارتها.
ويؤكد ذلك أيضًا أداؤها المالي في عام 2018 إذ وصلت خسائرها إلى 819 مليون ين (حوالي 5 مليون 340 ألف دولار)، وهو ما يساوي أكثر من 270 ضعف رأسمالها.
وجاءت تلك الخسائر الكبيرة رغم الاندماج الاستحواذي للشركة في 2017 مع شركة أخرى كان يمتلكها أيضًا يوكيو، وتُسمى "تايتان لإدارة العقارات" والتي امتلكت في وقت الاندماج أصولًا بقيمة حوالي 16 مليار و689 مليون ين (نحو 107 مليون دولار). وفي المقابل، انخفض إجمالي ديون تايتان كابيتال في 2018، وانخفض معها إجمالي الأصول، بحساب أصول شركة تايتان لإدارة العقارات التي استحوذت عليها.
الأداء المالي لشركة تيتان كابيتال على مدار السنوات، وحجم أعمالها ووضعها التشغيلي، لا يشي بكونها "عملاق سوق العقارات في اليابان" ولا بأن صاحبها كانازاوا يوكيو "أسطورة العقارات في اليابان"، فرغم أن الشركة تمكنت في السنوات اللاحقة لـ2018 من تعويض جزء من خساراتها بعد أن أسس يوكيو فرعًا للشركة في جزر هاواي الأميركية، كما تُظهر قاعدة بيانات قسم تسجيل الأعمال في ولاية هاواي؛ إلا أنّه جزء صغير في سلسلة الخسارات المتتالية، كما أنه لم يؤهلها لدخول قائمة أكبر ـ159 شركة في قطاع العقارات باليابان. وبلغ إجمالي أرباح الشركة في 2021 قرابة 432 مليون و700 ألف ين (حوالي 3 مليون و790 ألف دولار)، علمًا بأنّه على عكس صافي الربح، فإن إجمالي الأرباح هو المبلغ الذي حققته الشركة قبل خصم المصاريف التشغيلية والإدارية وأي نفقات أخرى مثل الضرائب والفوائد وغيرها.
وعلى الأرجح أن الشركة اعتمدت في تقليص الخسائر على بيع الأصول، إذ تُظهر البيانات المالية أن المبيعات السنوية للشركة في 2021 لم تتجاوز 800 ألف ين (7 آلاف دولار). وبشكل عامٍ، انخفض صافي قيمة الشركة في 2021 عمّا كان عليه في 2018، حيث بلغ 2 مليار و86 مليون ين (13 مليون و331 ألف دولار أميركي)، وفي 2018 كان يبلغ 2 مليار و217 مليون ين (14 مليون و170 ألف دولار).
يُذكر أنّه حتى الآن، وبعد أكثر من شهرين على إعلانه رغبته في الاستثمار في مصر، لم يُعلَن عن توقيع أي اتفاقٍ استثماري لكانازاوا يوكيو في مصر باستثناء اتفاق الإنتاج المشترك لجهاز كوسوي الموقع في 2022.
اقرأ/ي أيضًا
الفيديو قديم ولا يشكر فيه أدرعي السيسي لسماحه برسو السفينة كاثرين في مصر
الصورة قديمة وليست للقبض على عناصر من الإخوان المسلمين يوزعون هواتف لنشر الشائعات في مصر