تواجه جهود مكافحة المعلومات المضللة تحديات متزايدة في ظل وجود حوافز قوية لنشرها، مثل تحقيق التفاعل الواسع وتحقيق المكاسب المالية. وقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي تغييرات كبيرة مع التطور التكنولوجي، حيث تراجعت القيود المفروضة على نشر المحتوى المضلل، مما جعل مهمة التصدي له أكثر صعوبة.
وتحت شعار "حرية التعبير"، باتت بعض المنصات تتخذ مواقف أكثر مرونة تجاه نشر المحتوى، ولوحظ ذلك مع استحواذ إيلون ماسك على منصة "إكس"، حيث تشير تقارير متزايدة إلى تساهل المنصة في التصدي للمعلومات المضللة وتشجيع التفاعل مع هذا النوع من المحتوى لأغراض عديدة.
وفي عام 2024، الذي شهد العديد من الانتخابات حول العالم، وآخرها الانتخابات الأميركية التي ستنظم في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تصاعدت حملات التضليل الإعلامي بشكل غير مسبوق بحسب تقارير سابقة راجعها مسبار، حيث استخدمت المعلومات المضللة كوسيلة للتأثير على الرأي العام وتوجيه الأصوات.
مؤخرًا كشف تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن بعض المستخدمين على منصة "إكس" كرسوا جهودًا واسعة لنشر محتوى يتضمن معلومات مضللة حول العمليات الانتخابية، بما في ذلك صورًا مولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي ونظريات مؤامرة لا أساس لها من الصحة، وكشف التقرير أن هؤلاء المستخدمين يتقاضون "آلاف الدولارات" نظير التفاعل الذي تحققه منشوراتهم.
يشير هذا الاتجاه إلى أن منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت تسهم بشكل غير مباشر في انتشار التضليل من خلال السماح بتداوله بحرية أكبر وتحفيز المستخدمين ماديًا على التفاعل معه.
شبكات تعمل بتنسيق لنشر التضليل المربح
جاء في تقرير بي بي سي، أن هنالك شبكات واسعة من الحسابات المزيفة، تتبادل نشر المحتوى المتضمن خليطًا من المعلومات بعضها صحيح والآخر زائف، وتحقق أرباحًا مالية واسعة من خلال التفاعل الكثيف مع المنشورات، وتنجح هذه الشبكات في كثير من الأحيان في كسب تفاعل واسع كونها لا تعتمد على التضليل فقط، بل على محتوى متنوع، وجذاب للجمهور وغير تقليدي.
كما أشار التحقيق أن أعضاء شبكة الحسابات يتعاونون في نشر المحتوى عبر مجموعات دردشة ومنتديات خاصة لتحقيق مزيد من الانتشار، كطريقة لدعم بعضهم البعض في طرق تحقيق الأرباح.
السياسيون وناشرو المعلومات المضللة في فائدة متبادلة
أشار تقرير بي بي سي أن هذه الحسابات توظف في حملات سياسية ولتلميع صورة السياسيين اللذين يستغلونها. وأظهر التقرير أيضًا أن هذا النوع من التلاعب بات متطورًا بشكل كبير، وعاملًا مهمًا في تشكيل الرأي العام السياسي، خاصة مع الدعم الذي تقدمه الحملات الرقمية الممولة من كيانات تجارية خاصة.
من ناحية أخرى وجد تقرير صادر عن معهد أكسفورد للإنترنت أن "التضليل المعلوماتي" أصبح أكثر تنظيمًا، وانتشارًا بسبب الحافز المادي، كما أصبح أكثر جاذبية لعدة أطراف خاصة مع استخدام الحسابات الآلية والبشرية لنشر رسائل موجهة تخدم مصالح معينة، وشركات خاصة تقدم خدمات ما أسماه تقرير أكسفورد "التضليل المأجور" لتحقيق انتشار واسع في الحملات الانتخابية، خاصة في البلدان التي تعاني من مشكلات سياسية واقتصادية، حيث سيصبح التضليل صناعة مربحة.
تغيير منصة إكس لآلية تقييم العائدات على المنشورات سهل تمويل التضليل
في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعلنت منصة إكس عن تغيير جذري في نموذج تقييم العائدات المالية للمحتوى المنشور، حيث أصبحت المدفوعات تعتمد الآن على تفاعل المستخدمين المميزين بدلاً من الإعلانات المعروضة مع المنشورات.
بهذا التغيير، يتم الآن دفع مبالغ مالية لصانعي المحتوى بناءً على التفاعل مع مستخدمي نسخة إكس المدفوعة (X Premium)، والذين يدفعون رسوم اشتراك، مع تخصيص ما يصل إلى 25% من رسوم الاشتراك لدعم هؤلاء المنشئين، مع قيود أقل على نوعية محتواهم.
في الواقع تسمح العديد من مواقع التواصل الاجتماعي للمستخدمين بكسب المال من منشوراتهم أو مشاركة محتوى مدعوم. لكنها غالبًا ما تضع قواعد تسمح لها بإلغاء تحقيق الدخل أو تعليق الحسابات التي تنشر معلومات مضللة. بينما لا تتبع إكس بحسب تقارير استراتيجية قوية لضبط المعلومات المضللة، وتقييم نوعية المحتوى قبل الدفع مقابله بنفس الطريقة التي تتبعها باقي منصات التواصل الاجتماعي.
ويشير تقرير بي بي سي إلى أن نموذج إكس في الدفع مقابل التفاعل يثير مخاوف بشأن إمكانية تعزيزه للمحتوى الجدلي والمثير بهدف جذب تفاعل أوسع، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، دون وجود آليات قوية لمنع انتشار المعلومات المضللة.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت إكس عن إزالة القيود السابقة على الإعلانات في الردود، ما يعني أن المحتوى الجذاب عاطفيًا أو الجدلي والكاذب قد يكون أكثر عرضة للظهور، دون الحاجة إلى متابعة صارمة لمعايير المعلومات المضللة.
المنشورات المضللة على إكس بشأن الانتخابات تصل لمليارات الأشخاص
تزايدت الانتقادات حول منصة إكس منذ استحواذ إيلون ماسك عليها، حيث أشارت عدة تقارير راجعها مسبار مسبقًا، أن المنصة أصبحت تميل أن تصبح بيئة خصبة لنشر المعلومات المضللة السياسية، خاصة فيما يتعلق بالانتخابات الأميركية. وفي دراسة حديثة أجراها مركز مكافحة الكراهية الرقمية (CCDH) أشير إلى أن منشورات ماسك المضللة بشأن الانتخابات على "إكس" وصلت إلى نحو 1.2 مليار مشاهدة هذا العام، رغم أنها متضمنة لادعاءات تم تفنيدها من قبل منصات تحقق وخبراء مستقلين.
وأشار التقرير أن ماسك ضلع في الترويج لادعاءات غذت مناخ التضليل على المنصة مثل نظريات مؤامرة تزعم تزوير الانتخابات أو ادعاءات أخرى تميل إلى ربط المهاجرين غير الشرعيين بعمليات التصويت الانتخابي.
من جهة أخرى، تلقى ماسك رسالة من عدة مسؤولين أميركيين في الخامس من أغسطس/آب 2024 تطالبه بإصلاح برنامج الذكاء الاصطناعي للدردشة Grok التابع للمنصة، والذي يُقال إنه قدّم معلومات خاطئة حول الانتخابات الأميركية مثل إجراءات التصويت، وشفافيتها، ما عزز المخاوف من تأثير ملحوظ على نتائج الانتخابات.
وطالب المسؤولون في خطابهم لماسك، تحسين نظام المنصة في تدقيق المعلومات المضللة، لضمان نشر معلومات دقيقة حول الانتخابات، خاصة خلال فترة الانتخابات الحرجة.
ورغم أن إكس تقول إنها تقدم مجموعة من الحلول التي تكافح المعلومات المضللة، مثل برنامج "ملاحظات المجتمع"، إلا أن مراقبين رأوا بأن الإجراءات مازالت غير فعالة في مواجهة الحجم الكبير من المنشورات المضللة. ويُعتقد أن التغييرات التي أجراها ماسك، مثل تقليص حجم فرق مراقبة المحتوى وتسريح العديد منها، ساهمت في تفاقم الأزمة.
يذكر أن منصة إكس تنفي باستمرار الادعاءات الموجهة إليها، وترى أنها تتعامل بجدية مع مشكلة المعلومات المضللة، إلا أنها تشجع حرية التعبير، وتتهم جهات عدة بمحاربة المنصة. ويعزو مالك المنصة ماسك هذا الهجوم إلى تزايد شعبيتها في مقابل تراجع وسائل الإعلام التقليدية، مشيرًا إلى أن انتقادات هذه الجهات تهدف للنيل من إكس باعتبارها منافسًا مؤثرًا في المشهد الإعلامي الحالي.
اقرأ/ي أيضًا
إيلون ماسك وأبرز الادعاءات التي طاولته وروّج لها منذ استحواذه على منصة إكس
دور إيلون ماسك في نشر المعلومات المضللة والتأثير على الانتخابات الأميركية