تحقيق مسبار
تعد تجربة الحمل من أصعب التجارب التي تمر بها النساء خلال حيواتهن، والتي قد تصاحبها العديد من المشاكل والاضطرابات الجسدية والنفسية كذلك. ولعل اكتئاب ما بعد الولادة هو أحد أشهر هذه الاضطرابات التي قد تصيب النساء وأحيانًا الشركاء من الرجال أيضًا.
خلال هذا المقال سيتم استعراض مشكلة اكتئاب ما بعد الولادة، ومدى خطورة الإصابة به، بالإضافة إلى كيفية التعامل في حالة الإصابة.
ما هو اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression)؟
يعرّف مكتب صحة المرأة (OWH) التابع لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية اكتئاب ما بعد الولادة أو (postpartum depression) على أنه مرض عقلي خطير يصيب الدماغ ويؤثر على السلوك والصحة الجسدية للمرأة، حيث تسيطر عليها المشاعر الحزينة أو الفارغة ويمكن أن تتداخل مع الحياة اليومية. يمكن أن تكون هذه المشاعر خفيفة إلى شديدة وتستمر لأكثر من أسبوعين بعد الولادة.
وتشير خدمة الصحة الوطنية بالمملكة المتحدة (NHS) إلى أن اكتئاب ما بعد الولادة، هو مشكلة شائعة، تصيب أكثر من امرأة واحدة من بين كل 10 نساء خلال عام من الولادة. كما يمكن أن يؤثر أيضًا على الآباء والشركاء.
ما هي أسباب اكتئاب ما بعد الولادة؟
هناك عدد من الأسباب التي قد تساهم في إصابة المرأة باكتئاب ما بعد الولادة القيصرية أو الطبيعية، وفقًا للكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد (ACOG) وقد تشمل كل من:
- التغيرات الهرمونية: تنخفض مستويات هرمون الإستروجين والبروجسترون بشكل حاد في الساعات التي تلي الولادة. هذه التغييرات قد تؤدي إلى الاكتئاب بنفس الطريقة التي تؤدي بها التغيرات الصغيرة في مستويات الهرمون إلى تقلبات المزاج والتوتر قبل فترات الحيض.
- تاريخ مرضي مع الاكتئاب: النساء المصابات بالاكتئاب في أي وقت -قبل الحمل أو أثناءه أو بعده- أو اللواتي يتلقين علاجًا من الاكتئاب لديهن مخاطر متزايدة للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة القيصرية أو الطبيعية.
- العوامل العاطفية: مشاعر الشك حول الحمل شائعة، خاصة إذا لم يكن الحمل مخططًا له أو لم يكن مرغوبًا فيه، مما قد يؤثر ذلك على شعور المرأة تجاه حملها وجنينها. حتى عندما يتم التخطيط للحمل، فقد يستغرق الأمر وقتًا طويلاً للتكيف مع فكرة إنجاب طفل جديد. يمكن أن تؤثر هذه المشاعر على احترام المرأة لذاتها وكيفية تعاملها مع التوتر.
- التعب: تشعر العديد من النساء بالتعب الشديد بعد الولادة، وقد يستغرق الأمر أسابيع حتى تستعيد المرأة قوتها الطبيعية وطاقتها. بالنسبة للنساء اللواتي أنجبن أطفالهن بالولادة القيصرية، قد يستغرق الأمر وقتًا أطول.
- أسلوب الحياة (Lifestyle): يمكن أن يؤدي نقص الدعم من الآخرين وأحداث الحياة المجهدة، مثل وفاة أحد أفراد الأسرة مؤخرًا أو مرض عائلي أو الانتقال إلى مكان جديدة، إلى زيادة خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة بشكل كبير.
ما الفرق بين اكتئاب ما بعد الولادة والكآبة النفاسية (baby blues)؟
الكآبة النفاسية أو (Baby Blues) هو مصطلح يستخدم لوصف التغيرات المزاجية المعتدلة ومشاعر القلق والتعاسة والإرهاق التي تعاني منها العديد من النساء أحيانًا خلال أول أسبوعين بعد الإنجاب، حيث تشعر الأمهات بالتعب أو الإرهاق بسبب احتياج الأطفال إلى الرعاية على مدار الساعة، وهو أمر طبيعي في أغلب الأحيان.
أما إذا كانت تغيرات المزاج ومشاعر القلق أو التعاسة شديدة، أو إذا استمرت أكثر من أسبوعين، فقد تكون المرأة مصابة باكتئاب ما بعد الولادة. وبشكل عام النساء المصابات باكتئاب ما بعد الولادة لا يشعرن بالتحسن ما لم يتلقين العلاج.
ما هي أعراض اكتئاب ما بعد الولادة؟
تتضمن بعض الأعراض الأكثر شيوعًا لاكتئاب ما بعد الولادة، بحسب المعهد الوطني للصحة النفسية (NIMH) ما يلي:
- استمرار المزاج الحزين أو القلق أو "الفارغ".
- حدة الطبع.
- الشعور بالذنب أو انعدام القيمة أو اليأس أو العجز.
- فقدان الاهتمام أو الاستمتاع بالهوايات والأنشطة.
- التعب أو انخفاض غير طبيعي في الطاقة.
- الشعور بالضيق أو صعوبة الجلوس.
- صعوبة التركيز أو التذكر أو اتخاذ القرارات.
- صعوبة النوم (حتى عندما يكون الطفل نائمًا)، أو الاستيقاظ في الصباح الباكر، أو النوم الزائد.
- شهية غير طبيعية أو تغيرات في الوزن أو كليهما.
- أوجاع أو آلام أو صداع أو تقلصات أو مشاكل في الجهاز الهضمي ليس لها سبب جسدي واضح أو لا تخف حتى مع العلاج.
- مشكلة في تكوين ارتباط عاطفي بالمولود الجديد.
- شكوك مستمرة حول القدرة على رعاية المولود الجديد.
- أفكار عن الموت أو الانتحار أو إيذاء النفس أو الطفل.
هل اكتئاب ما بعد الولادة القيصرية خطير؟
صحيح. فبالرغم من أن مشكلة اكتئاب ما بعد الولادة القيصرية أو الطبيعية شائعة وتصيب العديد من النساء، إلا أن إهمال اكتئاب ما بعد الولادة القيصرية أو الاستخفاف به قد يتسبب في تفاقمه ويؤدي إلى نتائج غير محمودة، خاصة إذا كانت الولادة قيصرية، حيث يزداد التعب على المرأة واستمراره لفترة أكبر بعد الولادة، مما قد يزيد احتمالية الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.
وتنصح خدمة الصحة الوطنية بالمملكة المتحدة (NHS) بضرورة استشارة الطبيب إذا كان هناك شكوك حول الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، وعدم الانصياع خلف الخرافات التي تحيط بهذا الاضطراب، والتي منها على سبيل المثال:
- الاعتقاد بأن اكتئاب ما بعد الولادة أقل حدة من أنواع الاكتئاب الأخرى، حيث في الواقع، هو بنفس خطورة أنواع الاكتئاب الأخرى.
- الاعتقاد بأن اكتئاب ما بعد الولادة سيختفي قريبًا، فعلى عكس الكآبة النفاسية (baby blues)، يمكن أن يستمر اكتئاب ما بعد الولادة لأشهر إذا تُرك دون علاج وفي بعض الحالات يمكن أن يصبح مشكلة طويلة الأمد.
لذلك ينصح باستشارة الطبيب إذا بدأت أعراض اكتئاب ما بعد الولادة في الظهور والاستمرار لأكثر من أسبوعين، حتى يمكن علاج المشكلة مبكرًا قدر الإمكان ومنعها من التفاقم.
كيف يمكن علاج اكتئاب ما بعد الولادة؟
بحسب مكتب صحة المرأة (OWH)، تشمل الأنواع الشائعة لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة –والتي يمكن استخدامها منفردة أو مجتمعة معًا حسب الحالة- كل من:
- العلاج النفسي: أثناء العلاج، يتم الحديث إلى معالج أو أخصائي نفسي أو أخصائي اجتماعي لتعلم استراتيجيات لتغيير الطريقة التي يدفع بها الاكتئاب الشخص إلى التفكير والشعور والتصرف.
- الأدوية: هناك أنواع مختلفة من الأدوية لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة، يتم وصفها من قبل الطبيب أو المعالج. أكثر هذه الأدوية شيوعًا هي مضادات الاكتئاب، التي يمكن أن تساعد في تخفيف أعراض الاكتئاب ويمكن تناول بعضها أثناء الرضاعة الطبيعية. قد تستغرق مضادات الاكتئاب عدة أسابيع لبدء مفعولها.
- العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT): ويمكن اللجوء لاستخدام هذه الطريقة في الحالات القصوى لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة.
هل يمكن تجنب الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة القيصرية؟
لا. على الرغم من وجود العديد من الدراسات حول الوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة، لا يوجد دليل على أن هناك أي شيء محدد يمكن القيام به لمنع الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، بغض النظر عن الحفاظ على أسلوب حياة صحي قدر الإمكان.
ولكن في حالة وجود تاريخ مرضي من الاكتئاب أو مشاكل الصحة العقلية، أو إذا كان هناك تاريخ عائلي من مشاكل الصحة العقلية بعد الولادة، لابد ن استشارة الطبيب خلال فترة الحمل أو التخطيط للإنجاب.
اقرأ/ي أيضًأ: