تحقيق مسبار
تتبنى الكثير من دولِ العالم استراتيجيات التعلم النشط، وقد أظهرت البرامج التعليمية التي تعمل وفق هذه الاستراتيجيات نجاحات كبيرة في مهمتها، وفي ظلِّ تزايد تطبيق هذه الاستراتيجيات مع تفشي جائحة كورونا، يتساءل البعض عمَّا إذا كان يمكن تطبيق استراتيجيات التعلم النشط في البيت؟
يجيبُ هذا المقال عن السؤال السابق، كما يتحدث عن استراتيجيات التعلم النشط وأنواعها وأهميتها، بالإضافةِ إلى فوائدها الكثيرة وكيفية تطبيقها عمليًا.
استراتيجيات التعلم النشط
أثبتت استراتيجيات التعلم النشط نجاحها في زيادة المستوى العلمي لدى الطلاب في العديدِ من المجتمعات، ممََّا أدى إلى زيادة تبنيها عالميًا وتطبيقها من قبل مؤسسات التعليم الرسمي وغير الرسمي، وهذه الاستراتيجيات مبنية بشكلٍ علمي ومدروس، وتخضع للمراجعة بشكلٍ مستمر، ممَّا يضمن استمرارها بفعالية عالية. وهناك العديد من الركائز التي تقوم عليها استراتيجيات التعلم النشط:
- التعلم التفاعلي: يعملُ المدرس على جذبِ الطلاب أكثر نحو التفاعل فيما بينهم ومع المادة الدراسية أيضًا، بحيث يكون المدرس بمثابة المشرف على عمليةِ التعلم.
- التربية الإبداعية: يشارك الطلاب في تحديدِ واختيار المناهج التعليمية المخصصة لهم، كما يحددون الوسائل التعليمية الأنسب لدراسة المنهاجِ وحصولهم على المعرفة.
- المناهج المرنة: بالرغم من أنَّ الطلاب يشاركون في اختيار المناهج التعليمية، يوجد جهة تعليمية تشرفُ على المناهج المختارة، وهذه الجهة مسؤولةٌ عن جعل المنهاج أكثر مرونةً وملائمة لاستراتيجيات التعلم النشط.
- التواصل المجتمعي: من الركائزِ الهامة لنجاح استراتيجيات التعلم النشط، حيث يُعطي التواصل المجتمعي فرصةً أكبر للطلاب من أجلِ تعزيز اتصالهم بالمجتمع، وزيادة المعرفة لديهم وتنشئتهم اجتماعيًا على نحو سليم.
كما تشمل استراتيجيات التعلم النشط العديد من الوسائلِ التعليمية، مثل النشاطات التي تحث الطلاب على حلِ المشكلات بالطرق العلمية، وآليات أخرى تحفز على العصفِ الذهني. ونظرًا لتميز استراتيجيات التعلم النشط بالمرونةِ العالية، يمكن اتباع أكثر من آلية تعليمية في آنٍ واحد، وهذا من شأنه أن يزيد من قدرة الطلاب على التعلم واكتساب المعرفة.
أنواع استراتيجيات التعلم النشط
تتعدد أنواع استراتيجيات التعلم النشط بشكلٍ يضمن حصول الطالب على المعرفةِ اللازمة في كلِّ الظروف والأوقات، فالتعليم التقليدي مثلًا يحتاج وقتًا محددًا ونمطًا تدريسيًا واحدة في أغلب الأحيان، أمَّا استراتيجيات التعلم النشط فهي أكثر مرونة وأكثر كفاءة أيضًا، حيث أنها تساعد الطلاب على اكتساب المعرفةِ بالطريقة المناسبة لهم. ومن أجلِ اختيار الأنسب من بين أنواع استراتيجيات التعلم النشط، هناك العديد من الأمور الواجب مراعاتها:
- عند الاختيار من بين أنواع استراتيجيات التعلم النشط المختلفة، يجب تحديد الاستراتيجية المناسبةُ لمحتوى المادة التعليمية.
- يجب أيضًا اختيار الاستراتيجيات الأكثر ملاءمة لعمرِ الطالب، فمثلًا يُفضل اختيار استراتيجية تعليمية يكون الطالب فيها أكثر تفاعلًا خصوصًا لو كان صغيرًا في العمر.
- يمكن دمج بعض أنواع استراتيجيات التعلم النشط مع بعضها، وهذا من شأنه أن يجعل العملية التعليمية أكثر راحة ومرونة، وجعل الطالب قابلًا للتعلم بشكلٍ أكبر.
كما تختلف أنواع استراتيجيات التعلم النشط فيما بينها من حيث طريقة التدريس والعديدِ من الجوانب الأخرى، مثل نوع المنهاج الدراسي والمادة العلمية وغيرها، إلاَّ أنَّ جميعها ورغم اختلافها من حيث التطبيق والأسلوب، مصممة لتعليم الطالب بأكثرِ الطرق كفاءة وفعالية، ممَّا يضمن حصوله على المعرفة اللازمة.
فوائد التعلم النشط
فوائد التعلم النشط كثيرة ولا يمكن حصرها، وهذا ما دفع الكثير من الحكوماتِ والمؤسسات التعليمية إلى تبني استراتيجيات التعلم النشط في المؤسسات التعليمية. ومن أبرز فوائد التعلم النشط:
- تمنحُ الطالب فرصة التعلم بطرقٍ عدة، مثل التفكير والاستماع والكتابة ومناقشة المدرس وزملائه الطلاب أيضًا.
- تعتبر قدرة الطالب على تفسيرِ المعلومة بأكثر من طريقة، ودراستها بشكل نقدي وعلمي من أهمِّ فوائد التعلم النشط.
- قدرة الطالب على تصحيحِ المغالطات المعرفية لديه من خلال حصولهِ على مراجعات مستمرة للمعرفة التي اكتسبها.
- مشاركةُ الطالب في أنشطةٍ تعليمية تساعده على ممارسةِ وتطبيق المعرفة المكتسبة.
- التعلم النشط يُبقي الطالب على اتصالٍ بمعلمه، وهذا من شأنه أن يمنحه قدرًا أكبر من المعرفةِ ومساحة أوسع لتعلم أشياء جديدة.
وفوائد التعلم النشط أكثر من ذلك بكثير، فمثلًا يستطيع الطلاب أن يحددوا أي من النشاطات التعليمية المناسبة لهم، كما يكون الطالب أكثر حريةً في اختيار طريقة دراسته للمواد التعليمية، وفي ظلِّ اتصاله الدائم بمدرسيه، يحصلُ الطالب على المعرفةِ بأكثر من طريقة ويستطيع تطبيقها بطرقٍ إبداعية.
استراتيجيات التعلم النشط عن بعد
قد لا تختلف استراتيجيات التعلم النشط عن بعد عن تلك المطبقة داخل المدارس والمراكز التعليمية من حيثِ الكفاءة، فالعامل الرئيسي في نجاح أي استراتيجية تعليمية هو في اختيارِ النوع المناسب، وقد لا يؤثر الموقع كثيرًا على عملية التعليم ما دامت استراتيجيات التعلم النشط عن بعد مطبقة بشكل سليم. وهناك فوائد عدة يمكن الحصول عليها جراء ذلك، منها:
- تسهل على الطالب عملية الدراسة وتمنحه أكبر قدرٍ من المعرفة، من خلالِ تحديد وقت الدراسة بما يناسب طاقته ورغبته.
- تعزز من التفاعلِ بين الطالب والمدرس، وتجعل من الطالبِ جزءًا من عملية التدريس، بحيث لا يقتصر دوره على كونه متلقٍ للمعلومة.
- أظهرت استراتيجيات التعلم النشط عن بعد دورًا كبيرًا في منح الطالب القدرة على الوصولِ إلى مختلف المصادر العلمية بكلِّ سهولة وفي أي وقت.
- تشجع على الدراسة بشكلٍ جماعي وتفاعلي، كما تشجع أيضًا على الدراسة بشكلٍ مستقل دون أن ينخفض المستوى الدراسي للطالب.
إنَّ الفوائد الكثيرة من وراء تطبيق استراتيجيات التعلم النشط عن بعد نابعة من كونها مُفصلة ومكيَّفة حسب ما يحتاجه الطلاب، من أجلِ أن يدرسوا ويتعلموا بشكلٍ جيد، وكون هذه الاستراتيجيات فعالة لا يعني أن استراتيجيات التعلم التقليدية ليست كذلك، إنَّما يعني أن الطلاب بحاجةٍ لوسائل تعليمية تعززُ من دورهم كمشاركين في عملية التعليم، وتجعل الدراسة أكثر مرونة وسهولة.
هل يمكن تطبيق استراتيجيات التعلم النشط في البيت؟
نعم، يمكن تطبيق استراتيجيات التعلم النشط في البيت، وقد استطاعت العديد من البلدانِ تطبيق استراتيجات التعلم النشط من البيت مع تفشي وباء كورونا وفرض حظر التجوال على المواطنين، وكانت استراتيجيات التعلم النشط في البيتِ فعالة للغاية لإبقاء المسيرة التعليمية مستمرة رغم تفشي الجائحة. وحتى وقتنا الحالي، ظلَّ يمكن تطبيق استراتيجيات التعلم النشط في البيت، لكن هناك العديد من الأمور الواجب مراعاتها:
- تحليل الاحتياجات العامة من عمليةِ التعلم، بالإضافة إلى تحليل الإمكانات المتاحة وتحديد الاستراتيجية المناسبة وفق هذه الإمكانات.
- من أجلِ تطبيق استراتيجيات التعلم النشط في البيت، يجب تحديد المناهج التعليمية وطرق تدريسها بما يتوافق مع بيئةِ الدراسة، وهذا يشملُ تحديد الدروس وترتيبها وجدولتها بالشكل المناسب.
- يجب وضع توقعات لمخرجاتِ العملية التعليمية، وضبط العملية كي تساهم في نجاحِ التوقعات.
ويمكن تطبيق استراتيجيات التعلم النشط في البيت بفعاليةٍ تفوق وسائل التعليم التقليدية، خصوصًا لو تم دمج هذه الاستراتيجيات مع نشاطات الحياة المختلفة للطالب، وتخصيص أوقاتٍ مختلفة للدراسة لجعلها أكثر تشويقًا، كما تنجح هذه الاستراتيجيات كلَّما كانت أكثر تنوعًا وتشمل العديد من الأنشطة المختلفة.
أساليب التعلم النشط
يمكن استخدام أيٍ من أساليب التعلم النشط في عمليةِ التعليم، ولكن يعتمد اختيار الأسلوب المناسب على العديدِ من العوامل، حيث يلعب عمرُ الطلاب وعددهم ونوع المادة الدراسية وغيرها من العوامل دورًا في تحديدِ الأسلوب المناسب، وتخضع أساليب التعلم النشط للدراسةِ بشكلٍ مستمر بغية تطويرها وجعلها أكثر كفاءة، وأساليب التعلم النشط كثيرة ومنها ما يلي:
- الإجابة ضمن مجموعات: من أساليب التعلم النشط الفعالة في جذب الطالب إلى مشاركةِ زملائه، حيث يقومُ المدرس بطرح سؤال مفتوح الإجابة، وتقسيم الطلبة إلى مجموعات كي يقوموا بمناقشةِ السؤال بينهم وكتابة إجابة جماعية.
- الاستبيانات: تعد الاستبيانات من الأساليبِ المبتكرة لتقييم كفاءة العملية التعليمية، حيث يقومُ الطلاب بتعبئة استبيانٍ لتقييم المدرس أو المادة أو غيرها من النقاط حول دراستهم.
- النشاطات الجماعية: من أساليب التعلم النشط الشائعة في المراكز التعليمية، وهذا الأسلوبُ يساعد على دمجِ الطالب أكثر وجعله أكثر نشاطًا، كما يساعد على جعلِ الدراسة أكثر تشويقًا من خلالِ تحويلها إلى نشاطٍ تفاعلي مع الزملاء.
- جلسات النقاش: من الأنشطةِ الجماعية الهامة عند تطبيق استراتيجيات التعلم النشط، ويقوم الطلاب في هذا النشاط بمناقشةِ موضوع معين بإدارة المدرس، ومن الممكنِ أن يكون النقاش حول دروسهم أو أي موضوع آخر.
استراتيجيات التعلم النشط في اللغة العربية
يمكن تطبيق استراتيجيات التعلم النشط في اللغة العربية بشكلٍ فعال كما الحال عند تدريس أي مبحثٍ آخر، فالفكرة في طريقة التدريس وليست فيما يدرسه الطالب، حيث جرت العادة في استراتيجياتِ التعليم التقليدية أن يكون المدرس ملقِّنا والطالب متلقيًا، لكنَّ الأمر يختلف عند تطبيقِ استراتيجيات التعلم النشط في اللغة العربية أو أي مساقٍ آخر، إذ يتيح التعلم النشط مساحةً أكبر للطالب من أجلِ أن يناقش ما يتعلمه، كما يشاركُ بنفسه مع بقية زملائه في تحديدِ آلية الدراسة والنشاطات الملائمة وغيرها من الأمور:
- يستطيعُ الطالب مثلًا اختيار تحديد مجموعة الدراسة التي يرغب بالإنضمامِ لها، لتقوم هذه المجموعة بممارسةِ الأنشطة الدراسية المختلفة مع المجموعات الأخرى داخل الفصل.
- عند تطبيق استراتيجيات التعلم النشط في اللغة العربية، يستطيعُ الطلاب تحديد الأنشطة المناسبة حسب موضوع الدراسة، فمثلًا يمكنهم اختيار أنشطة تفاعلية لدرس التعبير، أو أن يختبروا بعضهم البعض في درس القواعد.
- على خلافِ التعليم التقليدي، فإنَّ الطالب يستطيع ضِمن استراتيجيات التعلم النشط أن يناقش المدرس بشكلٍ أكبر حول محتوى الدروس، كما يجد حريةً أكثر في التعبير عن رأيه حول ما يتعلمه.
إنَّ استراتيجيات التعلم النشط في اللغة العربية لا تقللُّ من دور المدرس، فالمدرس أولًا وأخيرًا هو مصدر المعرفة للطلاب، إلَّا أنها تغير طريقة عمله ومستوى مسؤولياته، فعند تطبيق أي من استراتيجياتِ التعلم النشط، يكون المدرس مسؤولًا عن توجيه الطلبة نحو اختيار أنشطتهم الدراسية الملائمة والإشراف على هذه الأنشطةُ إلى جانب تلقينهم المعرفة اللازمة.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يوجد إيجابيات وسلبيات للتعليم عن بعد؟
هل يوجد أهمية لتعلم مهارة التفكير العلمي؟