` `

هل تتم عملية البناء الضوئي في الظل؟

علوم
23 أغسطس 2022
هل تتم عملية البناء الضوئي في الظل؟
يتلاشى البناء الضوئي بوجود الظلام (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

عندما نسمع بعملية البناء الضوئي فإنَّ أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو أوراق النباتات الخضراء، التي تكون مسؤولة عن القيام بهذه العملية الأساسية والضرورية لحياتها، ولكن كما نعلم، فإنَّ عملية البناء الضوئي من اسمها، تحتاج لضوء الشمس لكي تتم؛ وهذا ما يثير سؤال هل تتم عملية البناء الضوئي في الظل؟

 

تعريف البناء الضوئي

قبل الاجابة على سؤال هل تتم عملية البناء الضوئي في الظل، لا بدّ لنا من الأخذ بعين الاعتبار أنَّ النباتات بشكلٍ عامٍّ يُطلَق عليها اسم الكائنات ذاتيّة التغذية (autotrophs)، وذلك لكونها تستطيع استخدام الطاقة من الضوء لتصنيع مصدرها الخاص من غذائها.

ويعتقد الكثير من الناس أنّهم "يُطعٍمون" النبات عندما يضعونه في التربة أو يسقونه، أو يضعونه في الخارج في الشمس، ولكن لا يعدّ أيٌّ من هذه الأفعال طعامًا للنبات. وبدلًا من ذلك، تستخدم النباتات ضوء الشمس والماء والغازات الموجودة في الهواء لإنتاج سكّر الجلوكوز، وهو شكلٌ من أشكال السكّر الذي تحتاجه النباتات للبقاء على قيد الحياة. وتُسمى هذه العملية بالبناء الضوئي، ويتم إجراؤها في جميع النباتات والطحالب وحتى بعض الكائنات الحية الدقيقة، لذلك فهي ليست فقط مقتصرةً على النباتات.

ولحصول عملية التمثيل أو البناء الضوئي، تحتاج النباتات إلى ثلاثة عناصر: غاز ثاني أكسيد الكربون والماء وضوء الشمس. وعليه، فالتمثيل أو البناء الضوئي هو العملية التي تقوم من خلالها النباتات الخضراء وبعض الكائنات الحية الأخرى بتحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية. وأثناء عملية التمثيل الضوئي في النباتات الخضراء، يتم أخذ الطاقة الضوئية واستخدامها لتحويل الماء وثاني أكسيد الكربون والمعادن إلى أكسجين ومركبات عضوية غنية بالطاقة.

عملية البناء الضوئي

تستخدم النباتات والكائنات الحية الأخرى في عملية البناء الضوئي ضوء الشمس لتصنيع الغذاء من ثاني أكسيد الكربون والماء، ممّا يولّد الأكسجين كمنتجٍ ثانويٍّ لهذه العملية. ولهذا تكون عملية البناء الضوئي ضرورية لجميع أشكال الحياة على الأرض؛ ويعتمد عليها كلٌّ من النباتات والحيوانات والإنسان.

ويمكن القول إنّ عملية البناء الضوئي هي العملية البيولوجية الوحيدة التي يمكنها التقاط الطاقة التي تنشأ من ضوء الشمس وتحويلها إلى مُركّب كيميائي (سكّر الجلوكوز)، الذي يستخدمه كل كائنٍ حيٍّ لتشغيل وظائفه اليومية. ولا تكمن أهمية عملية البناء الضوئي في قدرتها على التقاط طاقة ضوء الشمس فقط، بل تعدّ عملية البناء الضوئي ضرورةً حيويةً لأنّها توفر طريقةً لالتقاط الطاقة من الإشعاع الشمسي (الجزء الضوئي)، وتخزين تلك الطاقة في روابط الجلوكوز الكربوني والكربون (جزء الاصنطاع). فسكّر الجلوكوز هو مصدر الطاقة الرئيسي الذي تستخدمه الحيوانات والبشر لاصطناع جزيئات تخزين الطاقة الأدينوزين ثلاثي الفوسفات ATP، وهي الجزيئات المحتوية على الطاقة الموجود في خلايا جميع الحيوانات والبشر.

ويتم تجميع الطاقة من الأطعمة التي نتناولها في صورة ATP واستخدامها لتغذية الجهد أو العمل في الخلايا. وهذه الطاقة المخزنة في جزيئات الكربوهيدرات من عملية التمثيل الضوئي تمر عبر السلسلة الغذائية. وكذلك تعدّ عملية البناء الضوئي أيضًا مصدرًا للأكسجين الضروري للعديد من الكائنات الحية لكون الأوكسجين ينتج عنها.

وإذا توقف التمثيل الضوئي، فسرعان ما سيكون هناك القليل من الطعام أو المواد العضوية الأخرى على الأرض، وستختفي معظم الكائنات الحية. وبمرور الوقت، يصبح الغلاف الجوي للأرض خاليًا تقريبًا من الأكسجين الغازي. علمًا أنّ الكائنات الحية الوحيدة القادرة على الوجود في ظل هذه الظروف هي البكتيريا التخليقية الكيميائية، والتي يمكن أن تستخدم الطاقة الكيميائية لبعض المركبات غير العضوية وبالتالي لا تعتمد على تحويل الطاقة الضوئية.

كيف تتم عملية البناء الضوئي؟

تحدث عملية البناء الضوئي بشكلٍ عام في أوراق النباتات، وهي عملية متعددة الخطوات تتطلب ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون (CO2 الموجود في الهواء) والماء (H2O من التربة). وبعد اكتمال العملية، يطلق النبات الأكسجين في الهواء (O2) وينتج جزيء الكربوهيدرات البسيط من الجلوكوز، والذي يمكن استخدامه كمصدر للطاقة من قبل النبات، وتحويله إلى نشا وتخزينه كمصدر الطاقة في وقتٍ لاحق، أو تحويلها إلى جزيئات عضوية أخرى مثل الدهون والبروتينات والفيتامينات، حيث يحتوي هذا الغلوكوز على الطاقة التي تحتاجها جميع الكائنات الحية للبقاء على قيد الحياة.

وتكون الصيغة الأساسية لعملية البناء الضوئي كما يلي:

CO2 + 6H2O6 + طاقة الشمس = C6H12O6 + 6O2

وبعبارةٍ أخرى يمكن فهم المعادلة السابقة كما يلي:

في عملية البناء الضوئي يتم استخدام:

  • 6 جزيئات من ثاني أكسيد الكربون (6CO2).
  • 6 جزيئات من الماء (6H2O).
  • طاقة الشمس.

وينتج من عملية البناء الضوئي:

  • 1 جزيء جلوكوز (C6H12O6).
  • 6 جزيئات من الأكسجين (O26).

ويعدّ النشا الشكل الأساسي لتخزين الجلوكوز في النباتات، ويتم تخزينه في البذور والجذور والدرنات لاستخدامه لاحقًا كمصدر للطاقة لتكاثر النبات.

فعندما تُدفن بذرة في أعماق التربة، يمكن تفكيك هذا النشا إلى مكوناته الأساسية وهي جزيئات سكر الجلوكوز لاستخدامها كمصدر للطاقة لتنبت البذور. وعندما تنبت البذور وتنتقل البراعم فوق سطح التربة وتبدأ الأوراق في التكوّن، عندها يمكن للنبات الجديد بعد ذلك أن يقوم بعملية البناء الضوئي لتشكيل الجلوكوز، وبالتالي الحصول على مصدر للطاقة.

هل يطلق مصطلح الأيض الخلوي على عملية البناء الضوئي؟

الأيض الخلوي (Metabolism) أو التمثيل الغذائي هو سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تحدث في الكائنات الحية على المواد الغذائية المختلفة بواسطة العوامل الإنزيمية، بغرض الحصول على الطاقة أو بناء الأنسجة للحفاظ على الحياة. 

وينقسم التمثيل الغذائي (الأيض الخلوي) إلى:

  1. التقويض أو الأيض الهدمي (Catabolism): حيث يتم تكسير المواد الغذائية الرئيسية سواءً كانت كربوهيدرات أو بروتينات أو دهون خلال طرائق مختلفة من التفاعلات الحيوية إلى جزيئات بسيطة ويتم خلال ذلك الحصول على الطاقة.

ويُعدّ التنفس الخلوي (التنفس الهوائي) المسار الرئيسي في استقلاب الطاقة (عملية تحويل الغذاء إلى طاقة) لجميع الكائنات الهوائية. فالتنفس هو عملية تقويضية لإطلاق الطاقة يتم فيها أكسدة السكريات أو الجزيئات العضوية الأخرى (مثل الأحماض الدهنية والحمض العضوي وأكسدة البروتين) بالكامل إلى ثاني أكسيد الكربون (CO2) والماء (H2O). حيث تحصل النباتات على الطاقة عن طريق عملية التنفس الخلوي، والتي يتكسّر فيها الجلوكوز إلى ثاني أكسيد كربون وماء لتحرير الطاقة. 

  1. الابتناء أو الأيض البنائي (Anabolism) أو البناء الضوئي: الجزيئات البسيطة الناتجة من عملية الهدم يمكن استخدامها كنواة لبناء مواد أكثر تعقيدًا، سواء كانت بروتينية أو أحماض نووية، من خلال سلسلة من التفاعلات، وذلك لبناء الأنسجة. حيث تبدأ عمليات الأيض البنائي في الكائنات ذاتية التغذية مثل النبات الأخضر بعملية البناء الضوئي (Photosynthesis)، التي توفر المركبات التي تؤدي إلى بناء الكربوهيدرات والدهون والبروتينات والأحماض النووية والفيتامينات. 

وتتم عملية البناء الضوئي جنبًا إلى جنب مع عملية التنفس، حيث تُمثّل مخرجات أحد هذين التفاعلين مدخلات التفاعل الآخر. وتحدث عملية التنفس الخلوي ليلًا ونهارًا، بينما لا يمكن أن تحدث عملية البناء الضوئي إلا نهارًا بوجود ضوء الشمس. وتحدث عملية التنفس الخلوي الهوائي في الميتوكوندريا، ويتم تخزين الطاقة الناتجة عن عملية التنفس الخلوي في صورة جزيئات من الأدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP)، والتي يمكن للخلايا تكسيرها واستخدامها عند الحاجة إلى طاقة.

وتكشف المقارنات بين المعادلات الكيميائية لعملية البناء الضوئي والتنفس أن العمليتين متعارضتين تمامًا مع بعضهما البعض، إذ يؤدي البناء الضوئي إلى تراكم الكربوهيدرات بامتصاص ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأوكسجين؛ بينما يؤدي التنفس إلى تكسير الكربوهيدرات بامتصاص الأوكسجين وإطلاق ثاني أكسيد الكربون.

وتستمر عملية التنفس الهادمة في جميع الأوقات وفي جميع الخلايا الحية، بينما تستمر عملية البناء الضوئي فقط في ضوء الشمس وتقتصر على الخلايا الخضراء فقط. إذًا التمثيل الضوئي عملية أسرع مقارنةً بالتنفس.

وبالتالي للإجابة على سؤال هل يطلق مصطلح الأيض الخلوي على عملية البناء الضوئي؟ نستنتج أن البناء الضوئي هو أحد جُزئَي عملية الأيض الضوئي، حيث يمكن أن يطلق مصطلح الأيض الخلوي البنائي على عملية البناء الضوئي، ومصطلح الأيض الضوئي الهدمي على عملية التنفس.

هل تتم عملية البناء الضوئي في الظل؟

في إحدى الدراسات من أجل معرفة هل تتم عملية البناء الضوئي في الظل، جرى فحص تأثير ضوء الشمس الكامل، وبنسبة 60٪ وبنسبة 90٪ من الضوء المخفف (التظليل)، على معدل البناء الضوئي والنمو ومورفولوجيا الأوراق وأنماط توزُّع الوزن الجاف والصفات الظاهرية والقابلية للحش، في البيت الزجاجي لنبات الشويعرة (Bromus tectorum)، وهو من النباتات العشبية النجيلية. حيث كان صافي استجابة التمثيل الضوئي للضوء عند النباتات المزروعة في الظل قابلةً للمقارنة مع استجابات النباتات المزروعة في ضوء الشمس الكامل. وبنتيجة هذه الدراسة تبيّن أنَّ النباتات المزروعة في ظروف ضوء الشمس الكامل أنتجت كميةً أكبر من الكتلة الحيوية والنموّات الجديدة والأوراق، وخصصت نسبة أكبر من إجمالي إنتاجها للجذور مقارنةً بالنباتات المزروعة في الظل. 

وممّا لا شكّ فيه أنّه في كثير من الأحيان قد يكون هناك أيامٌ مشمسةٌ ومصحوبةٌ بالغيوم، لذلك فالنبات يتعرَّض بشكل متواترٍ للشمس والظل في اليوم ذاته، وبالتالي اختلاف معدل عملية البناء الضوئي، وهذا ما ينبغي علينا فهمه.

لذلك ولفهم كيف تعمل النباتات في الظل والضوء يجب الأخذ بعين الاعتبار أنَّ معدل البناء الضوئي للنباتات يكون متغيرًا في البيئات التي يتقلّب فيها الضوء بسرعةٍ وبشكلٍ كبيرٍ، فعلى سبيل المثال سيتغيّر معدل البناء الضوئي بوجود ظلال السحب التي تمر فوقها أو من ظلال الأوراق على الأشجار المتدلية التي تتحرك عندما تهب الريح. وبالتالي، يتعين على النباتات ضبط معدل البناء الضوئي بسرعةٍ لزيادة التقاط الطاقة مع منع الطاقة الزائدة من التسبب في الضرر. ولمنع هذه التغيرات في شدة الضوء من التأثير على قدرة النباتات على حصاد الطاقة التي تحتاجها للبقاء على قيد الحياة، يجب أن تكون الاستجابة سريعةً للغاية.

ويمكن اعتبار أن الإجابة على سؤال هل تتم عملية البناء الضوئي في الظل؟ هي نعم، لكن نسبته تكون أقل بكثير مقارنة بحالة وجود ضوء الشمس المباشر، في حين يتلاشى البناء الضوئي بوجود الظلام. أما بالنسبة لعملية التنفس، يمكنها أن تحدث عند النباتات في جميع الأوقات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل الأرض من مكونات النظام البيئي؟

هل هناك طرق طبيعية لتنشيط الأيض في الجسم؟

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على