تحقيق مسبار
يملك نهر الفرات دورًا هامًا في التنقل والري وتوليد الطاقة، وذلك في الدول الثلاث التي يقطعها خلال مسيره إلى مصبه الأخير.
فمن أين ينبع نهر الفرات ونهر دجلة، وما هي خصائصه من عمقه إلى ارتفاعه، ومتى يجف نهر الفرات، وما الفرق بين نهر الفرات ونهر دجلة، سيقدم هذا المقال الإجابة على كافة التساؤلات هذه.
من أين تنبع أنهار العراق؟
يوجد العديد من الأنهار في العراق، منها الأنهار القصيرة ومنها الطويلة، ولعل أشهر أنهار العراق نهري دجلة والفرات، حيث ينبع نهر الفرات ونهر دجلة المارين في العراق من منطقتين متقاربتين في تركيا، ويعدان من أطول الأنهار في العراق، بالإضافة إلى نهر الدجيل أو دجيل الأحواز الذي ينبع من جبال البختيارية (لرستان)، ويصب في شط العرب وهو فرع من فروع نهر دجلة.
وبالنسبة لمنابع أنهار العراق القصيرة فهي تتنوع بين المدن العراقية، فمثلًا الرافد الثالث لنهر دجلة وهو نهر الزاب الصغير ينبع من شمال غرب إيران، ويدخل بعدها إلى الأراضي العراقية ليصب في نهر دجلة شمال مدينة بيجي. أما نهر الزاب الكبير أو الأعلى الذي يعد من ثاني أهم روافد نهر دجلة، ينبع تحديدًا من بحيرة وان في تركيا، ويدخل العراق عبر إقليم كردستان العراق، حيث يلتقي بعدها هذا النهر بنهر دجلة جنوب شرق الموصل.
أمّا أول رافد من روافد نهر دجلة هو نهر خابور، الذي ينبع من منطقة الأناضول الشرقية في محافظة هكاري في تركيا، ثم يدخل إلى الأراضي العراقية ليصب في نهر دجلة بالقرب من قرية فيشخابور. كما يوجد نهر شط العرب الذي يتكون نتيجة التقاء نهري دجلة والفرات، حيث يلتقي نهر دجلة مع نهر الفرات للمرة الأولى قرب بغداد، ويلتقيان مرة ثانية في كرمة علي، ليصب بعدها نهر شط العرب في الخليج العربي.
من أين ينبع نهر دجلة والفرات؟
ينبع نهر الفرات ونهر دجلة بشكل أساسي من تركيا ليدخلا بعدها أراضي البلدان الحدودية جنوب تركيا أي سوريا والعراق، وبسبب قرب منبع نهر الفرات عن منبع نهر دجلة، حيث يبعدان عن بعضهما حوالي 80 كيلومترًا فقط، وجريان النهرين في مجاري متوازية ومتقاربة من بعضها، تم اعتماد منظومة نهرية كبيرة تقوم على هذين النهرين، اللذان يعدان من أطول الأنهار في جنوب غرب آسيا، وتعتمد المنظومة على تقسيم جريان الأنهار إلى ثلاث مسارات تختلف فيما بينها من حيث الارتفاع، وهي كالآتي:
- المسار الأول أو الأعلى: ويضم الممرات والأودية في شرق الأناضول، والتي تنحدر من خلالها الأنهار من منابعها المرتفعة فوق مستوى سطح البحر بحوالي 1800 إلى 3000 متر.
- المسار الثاني أو المتوسط: هو عبارة عن المسارات التي يسلكها النهرين في المرتفعات شمال سوريا وفي العراق، حيث يكون ارتفاعها متفاوت ما بين 370 متر في سفح الجرف الكردي و50 متر في السهول العراقية الوسطى.
- المسار الثالث أو السفلي: ويضم سهول الطمي المنخفضة والتي شكلها مرور النهرين، ومن ثم يندمج نهر الفرات مع نهر دجلة ليشكلا نهر شط العرب.
منبع دجلة والفرات
ينبع نهر دجلة بالتحديد من بحيرة هزار الموجودة شرق تركيا، وهي بحيرة جبلية صغيرة تقع في جبال طوروس جنوب شرق إيلازغ. وبعد أن يجري نهر دجلة تحت الأسوار البازلتية الضخمة لديار بكر، قاطعًا مسافة 400.7 كيلومترًا داخل تركيا، يدخل إلى الأراضي السورية عبر الحدود ما بين تركيا وسوريا تحت منطقة الجزيرة، ومن ثم يتجه النهر إلى الحدود السورية العراقية قاطعًا مسافة 43.45 كيلومترًا داخل سوريا، ليلتقي بعدها داخل العراق مع أول رافد من روافده وهو نهر الخابور.
وقد حمل نهر دجلة أهمية كبيرة عبر التاريخ، فقد بني على ضفافه عاصمتين من عواصم الإمبراطورية الآشورية القديمة وهما نينوى ووكال.
بينما ينبع نهر الفرات بشكل أساسي من مكانين، فهو عبارة عن نهر نتج عن التقاء نهرين معًا، الأول هو نهر مراد سو الواقع شرق تركيا وينبع من منطقة ما بين بحيرة وان وجبل أرارات في أرمينيا. والنهر الثاني هو كرا سو وينبع من شمال شرق الأناضول، ليجري بعدها النهران باتجاه الغرب ثم يلتقيان لينحدر بعدها نهر الفرات، قاطعًا سلسلة جبال طوروس الرئيسية باتجاه الحدود السورية سالكًا مسافة 1230 كيلومترًا داخل تركيا، ثم يقطع بعدها الهضبة السورية ويندمج مع نهرين هما البليخ والخابور.
ومن ثم يتجه النهر باتجاه الجنوب الشرقي ليدخل الأراضي العراقية بعد أن قطع مسافة 710 كيلومترًا داخل سوريا. وبعد دخول نهر الفرات للعراق، يتحد مع نهر دجلة ويشكلان نهر شط العرب، ليصب بعدها في الخليج العربي، وبذلك يكون نهر الفرات قد قطع مسافة 1060 كيلومترًا داخل في العراق.
متى يجف نهر الفرات؟
يعتمد نظام نهري دجلة والفرات بشكل كبير على الأمطار في فصل الشتاء وعلى ذوبان الثلوج في فصل الربيع في جبال طوروس وزاغروس حيث ينبع نهر الفرات ودجلة من تلك المناطق.
واعتمد الناس بشكل أساسي على مياه نهري دجلة والفرات من أجل الشرب والزراعة وتربية الحيوانات. مثال على ذلك قد لبت مياه نهر الفرات عبر التاريخ 85% من حاجة سوريا للمياه من أجل عملية الزراعة، لكن تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة الذي يصيب الأرض أدى إلى حصول تغييرات في منسوب مياه نهر الفرات ونهر دجلة أيضًا، حيث أدى الجفاف وتغير المناخ وزيادة درجات الحرارة إلى انخفاض هطول الأمطار بشكل كبير في حوض النهر، وبالتالي انخفضت مستويات المياه في نهر الفرات إلى أقل المستويات انخفاضًا عبر التاريخ.
وأصبح من الواضح بشكل متزايد أن نظام نهري دجلة والفرات قد بدأ بالجفاف، وحذر تقرير حكومي في عام 2021 صادر عن وزارة الموارد المائية العراقية أنه من المتوقع أن يجف نهر الفرات بحلول عام 2040.
كما تحدث الباحث الرئيسي المشرف على الدراسة التي أجرتها وكالة الفضاء الأميركية ناسا أن معدل الانخفاض في إجمالي تخزين المياه في أحواض نهري دجلة والفرات ينذر بالخطر، حيث تمت الدراسة باستخدام أقمار ناسا التوأم لإصلاح الجاذبية وتجربة المناخ (GRACE)، والتي عملت على التقاط صورًا لنهري دجلة والفرات في عام 2003 وعام 2013، وبينت هذه الصور أن حوضي نهري دجلة والفرات قد فقدا 144 كيلومترًا مكعبًا من المياه العذبة خلال هذه الفترة.
عمق نهر الفرات
ينبع نهر الفرات في الأساس من تركيا، وبالتالي عملت الدولة التركية على التحكم بهذا النهر وبناء عدد كبير من السدود عليه.
وتم عقد اتفاق ما بين الدولة السورية والدولة التركية على آلية تقسيم هذا النهر المشترك، ونص برتوكول التعاون الاقتصادي هذا على أن 16 مليار مترًا مكعبًا أي (500 مترًا مكعبًا/ثانية) سيتم تحريرها على الحدود السورية التركية، إلا أنه في العامين السابقين قامت تركيا بخرق هذا البرتوكول وخفضت نسبة تدفق الماء إلى سوريا من 500 إلى 200 مترًا مكعبًا/ثانية، مما أدى إلى توقف إنتاج الكهرباء في سد الفرات، وتسبب في تراجع الري ومياه الشرب.
بالإضافة إلى نضوب بحيرة الأسد بشكل هائل، كما أثر هذا الأمر على دولة العراق، حيث انخفض تدفق المياه في أجزاء النهر المارة ضمن الأراضي العراقية، وبالإضافة إلى تأثير الجفاف، شهد النهر في العراق انخفاضًا خطيرًا أدى إلى تدهور الأوضاع في المنطقة، حيث وصل عمق نهر الفرات في يناير من عام 2022 في العراق من 22 إلى 55 سم فقط، في حين جفت مناطق أخرى منه بشكل كامل.
لكن بعد مرور سنة بمعدل أمطار جيد على العراق، ارتفع منسوب مياه النهر في يناير من عام 2023، حيث أصبح عمق نهر الفرات يتراوح ما بين 100 و110 سم.
مقارنة بين نهر دجلة والفرات
يعد نهر الفرات أطول نهر واقع في جنوب آسيا، ويليه في المرتبة الثانية نهر دجلة، ولأن نهر الفرات يقطع مسافات كبيرة جدًا مقارنة بمسافة جريان نهر دجلة، يجعله ذلك يفقد سرعته خلال رحلته عبر المنحدرات في سوريا وشمال العراق، إضافة إلى وجود رافدين فقط يغذيان هذا النهر ويتصلان به من جهة واحدة، كما أن تغذيته تنشأ من ينابيع، لذا يتدفق النهر بلطف عبر مسيره.
أما نهر دجلة فهو على عكس نهر الفرات، حيث يتم تغذيته من خلال أربع روافد من الأنهار التي تستمد مياهها بشكل أساسي من ذوبان ثلوج الجبال والجليد، وبالتالي يكون تدفقه قوي وسريع وخاصة في بداية فصل الربيع وارتفاع درجات الحرارة، لذا يعد نهر دجلة أكثر عرضةً من نهر الفرات لحصول الفيضانات قصيرة المدى، إضافة إلى أن طوله القصير يجلب فترة الفيضان السنوية قبل شهر. ولأن نهر دجلة يملك سرعة وتدفق كبيرين، يكون معدل تفريغه الوسطي ومعدل حمولته من الطين بالطن ضعف ما هي عليه لنهر الفرات.
وفي دراسة أجريت في جامعة الأنبار للمقارنة ما بين نهر دجلة والفرات من حيث الخصائص، تبين أن نوعية المياه تكون أفضل في المقاطع العليا للنهر، وهناك اتجاه عام بزيادة الملوحة كلما اتجهنا جنوبًا وانخفضت المناسيب وتراكم احتمال حدوث التلوث لكلا النهرين. كما تبين أن نوعية مياه نهر دجلة رغم تأثره بتصريف بحيرة الثرثار بصورة عامة أفضل من نوعية مياه نهر الفرات، لأن نهر دجلة تغذيه مجموعة من الروافد بالمياه العذبة داخل الأراضي العراقية، في حين يتعرض نهر الفرات إلى الكثير من التصاريف داخل الأراضي السورية قبل دخوله الحدود العراقية، إضافة الى تأثره بتصريف بحيرة الثرثار وبحيرة الحبانية وسد القادسية في حديثة وسدة الفلوجة.
اقرأ/ي أيضًا:
هل تضم بلاد الرافدين مناطق من دول خارج العراق؟
الصور قديمة وليست لانحسار مياه نهر الفرات حديثًا