تحقيق مسبار
زاد الاهتمام مؤخرًا بمضيق جبل طارق كممر غير شرعي للسفر عبر البحر من أفريقيا إلى أوروبا وذلك لقصر المسافة بين القارتين عند هذا المضيق، فأين يقع مضيق جبل طارق ولماذا سمي بهذا الاسم؟
يتناول هذا المقال الإجابة على هذه الأسئلة بالإضافة لذكر تفاصيل جغرافية أخرى حول عرض مضيق جبل طارق وعمقه وأهمية موقعه والدول التي تسيطر عليه.
لماذا سمي مضيق جبل طارق بهذا الاسم؟
سمي مضيق جبل طارق بهذا الاسم نسبةً لجبل طارق (Gibraltar) الذي يقع في إسبانيا على ساحلها الجنوبي المطل عى البحر الأبيض المتوسط شرق خليج جبل طارق (خليج الجزيرة الخضراء) على ارتفاع مئات الأمتار التي تصل إلى 460 مترًا، ويقع المضيق في الجنوب الغربي نسبةً للجبل.
يعد جبل طارق قاعدة عسكرية جوية وبحرية وموقع شديد التحصين للقوات البريطانية، حيث ازدادت أهميته بعد الحرب العالمية الثانية، كما تستخدم قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) الميناء الخاص به وقد دعي بالصخرة The Rock رمزًا لقوة وأهميته موقعه الاستراتيجي.
وجبل طارق بدوره سمي نسبةً إلى الفاتح الإسلامي طارق بن زياد الذي احتل شبه الجزيرة الإسبانية عام 711م أو ما كان يدعى بالأندلس آنذاك في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.
عبر طارق بن زياد مضيق جبل طارق بواسطة أسطول كبير من السفن متجهًا لفتح الأندلس ونزل بجيشه المكون من إثني عشر ألف مقاتل على الساحل الجنوبي لإسبانيا، ثم صعدوا على سفح الصخرة الكبيرة حيث قال كلمته المشهورة "البحر من خلفكم والعدو من أمامكم"، واستطاع هزيمة جيش الروم واحتلال الأندلس، ومن ذلك الحين سمي الجبل باسمه.
أين يقع مضيق جبل طارق؟
تكاد تلتقي القارة الأوروبية العجوز بالقارة الأفريقية عند مضيق جبل طارق أو كما يدعى Strait of Gibraltar وباللغة اللاتينية Fretum Herculeum، وهو عبارة عن قناة تقع بين إسبانيا في الشمال والمغرب في الجنوب والبحر الأبيض المتوسط في الشرق والمحيط الأطلسي في الغرب.
يعد مضيق جبل طارق نقطة الاتصال الطبيعية الوحيدة بين البحر الأبيض المتوسط مع المحيط الأطلسي وبقية محيطات العالم ومن دونه سيكون البحر المتوسط عبارة عن بحيرة مالحة هائلة الحجم!
تذكر الدراسات حول عينات الرواسب المأخوذة من قاع البحر المتوسط أن هذا الأمر قد تحقق بالفعل قبل ستة ملايين عام، فقد كان يدعى البحر المتوسط سابقًا ببحر التيثيس The Tethys في عصور قريبة من وجود الديناصورات، والذي اختفى أثر حدوث زلزال ناجم عن اصطدام الصفيحة الإفريقية والهندية بالصفيحة الأوراسية وبناء جسر بري يفصله تمامًا عن المحيط الأطلسي مما أدى إلى جفافه تاركًا خلفه صحراء ملحية هائلة.
بعد سبعمئة ألف عام تقريبًا بدأ الجسر البري بالغرق تدريجيًا مع عودة تدفق الماء من المحيط الأطلسي إلى حوض المتوسط على مدى آلاف السنين إلى أن ارتفع منسوبه وتشكل البحر الأبيض المتوسط.
خريطة مضيق جبل طارق
يظهر موقع Earth Observatory التابع لإدارة الملاحة الجوية والفضاء الوطنية NASA"" صورة ثلاثية الأبعاد لمضيق جبل طارق، تُظهر مدخل البحر الأبيض المتوسط من المحيط الأطلسي، وأوروبا إلى اليسار وأفريقيا إلى اليمين.
وفي صورة أخرى على الموقع الرسمي لناسا تظهر صورة حقيقية ملتقطة لخريطة مضيق جبل طارق من محطة الفضاء الدولية في 23 آب من العام 2013، تلاحظ فيها إسبانيا إلى الشمال والمغرب من الجنوب، والبحر الأبيض المتوسط من الشرق بشكل كامل مع تياراته المائية والمحيط الأطلسي من الغرب.
أما على موقع الوكالة الأوروبية للفضاء، فتبدو صورة خريطة مضيق جبل طارق التي التقطتها مهمة كوبرنيكوس سنتينل -2 في 28 تشرين الأول عام 2020، بألوان مشعة مصطنعة وبحدود واضحة تظهر أبعاد المضيق التي تتراوح بين 58 كيلومترًا حتى 13 كيلومترًا في أضيق نقطة له.
وقد عرض موقع أطلس العالم صورة ترسيمية لخريطة مضيق جبل طارق تظهر القارتين الأفريقية والأوروبية وأسماء الدول: إسبانيا Spain والمغرب Morocco وجبل طارق Gibraltarوالبحر المتوسط Mediterranean sea والمحيط الأطلسي Alantic Ocean.
عرض مضيق جبل طارق
يبلغ طول مضيق جبل طارق حوالي 66 كيلومترًا ويتراوح عرضه بين 13 و58 كيلومترًا (من 36 ميلًا إلى ثمانية أميال بأضيق نقطة فيه)، وتبلغ النهاية الغربية للمضيق مسافة 43 كيلومترًا (27 ميلًا) بين رأسي ترافالغار في الشمال وسبارتل في الجنوب، أما نهايته الشرقية فتبلغ مسافة 23 كيلومترًا (14 ميلًا) بين أعمدة هرقل وهي جبل طارق في الشمال بالنسبة لإسبانيا وجبل موسى في الجنوب بالنسبة للمغرب (أو جبل حشو جانب مدينة سبتة والواقع تحت السيطرة الإسبانية).
يترواح عمق المضيق بين 1000 و3000 قدمًا بينما يبلغ متوسط العمق حوالي 1200 قدمًا (365 مترًا) وذلك في المنطقة بين جبال أطلس في شمال أفريقيا Atlas Mountains of North Africa والهضبة المرتفعة الإسبانية High Plateau of Spain.
ولحماية الكائنات البحرية التي تعيش في هذه المنطقة تم تحديد سرعة السفن المناسبة من قبل وزارة البيئة الإسبانية في شباط عام 2007 وهي 13 عقدة (أي ما يعادل 24 كم/سا).
أقل عرض لمضيق جبل طارق
أقل عرض لمضيق جبل طارق يبلغ حوالي 13 كيلومترًا (ثمانية أميال) ويقع بين مدينة طريفة والتي تقع بدورها في أقصى جنوب الساحل الإسباني لقارة أوروبا وتدعى بنقطة ماروكي Point Marroquí، وجبل موسى في المغرب في قارة أفريقيا في الجانب المقابل من المضيق ويدعى بنقطة سيرس Point Cires.
ويعد أحد الأماكن القليلة في العالم التي يمكن من خلالها رؤية القارة المقابلة من كلا الجانبين، ففي حال كان الطقس صاف يمكن رؤية قارة أفريقيا من إسبانيا ورؤية قارة أوروبا من المغرب.
وبسبب قرب المسافة بين القارتين فتح ذلك المجال للهجرة غير الشرعية عبر المضيق، حيث يعبر آلاف المهاجرين المضيق كل عام من أفريقيا باتجاه أوروبا على الرغم من رداءة القوارب المستخدمة وأحوال الطقس السيئة أحيانًا بالتالي خطورة الغرق والوفاة، ففي عام 2018م لقي 687 مهاجرًا حتفهم أثناء محاولتهم دخول إسبانيا عن طريق مضيق جبل طارق بين شهري كانون الثاني وكانون الأول وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة I0M، وهذا الرقم أكبر بثلاثة أضعاف من العام السابق له، ولا تزال عمليات النقل غير الشرعي في ازدياد حتى الآن مع ازدياد الخطورة والكوارث البشرية.
ما الدول التي تتحكم في مضيق جبل طارق؟
تتشارك كل من إسبانيا والمغرب على حكم مضيق جبل طارق لكن على الرغم من أن جبل طارق والذي هو نقطة برية رئيسية وميناء هام يطل على المضيق يقع على الأراضي الإسبانية إلا أنه مستعمرة بريطانية، حيث تم توقيع معاهدة سلام في مدينة أوتريخت الهولندية عام 1713م تدعى (معاهدة أوتريخت) تنص على تنازل إسبانيا عن حكم جبل طارق لصالح بريطانيا العظمى مع بقائه أرضًا إسبانية، إلا أن الإسبان قد حاولوا فيما بعد استعادة هذه الأراضي وضمها لبقية الأراضي البرية الإسبانية لكن دون جدوى.
وقد تم طرح هذا الموضوع أمام الأمم المتحدة عدة مرات مؤخرًا، إلا أن بريطانيا كانت متمسكة جدًا بموقفها حتى بعد خروجها من الاتحاد الأوربي بسبب أهمية المضيق التابع لهذه المنطقة (مضيق جبل طارق) والذي يعد نقطة عسكرية وتجارية وممر هام للسفن كما رفضت تسميته "بالمستعمرة"، ثم تم طرح فكرة ترك القرار للشعب الذي يسكن هذه المنطقة والبالغ عددهم ثلاثين ألفًا، فيما إذا كان يريد الإنضمام للشعب الإسباني أو البقاء بريطانيين، وكانت نتيجة الاستفتاء الذي تم عام 2002م ساحقة لصالح بريطانيا بنسبة 98% من الأصوات.
إلا أنه حسب قانون الأمم المتحدة لا يوجد أي قيود تمنع الدول من استعمال المضائق كممر لسفنها طالما أن الأمر قانوني، ولا يحق لبريطانيا أو غيرها من الدول المطلة على المضيق منع السفن من العبور أو التحكم بمسارها إلا إذا كان النقل غير شرعي أو تهريبًا.
أهمية مضيق جبل طارق
يعتبر مضيق جبل طارق واحدٌ من أكثر الممرات المائية ازدحامًا في العالم، حيث تعبره السفن يوميًا بما لا يقل عن ثلاثمئة سفينة بمعدل سفينة كل خمس دقائق.
وتنبع أهمية مضيق جبل طارق من كونه ممرًا للشحن والتجارة وذلك منذ زمن بعيد حتى الآن، فقد استعمله العديد من البحارة كطريق للشحن من جنوب أوروبا وغرب آسيا وشمال أفريقيا للدخول إلى حوض البحر المتوسط ولا يزال معبرًا ذو موقع استراتيجي هام تتنافس العديد من الدول للسيطرة عليه منذ عدة قرون عن طريق السيطرة على جبل طارق في الشمال الشرقي للمضيق وبالتالي السيطرة على التجارة واكتساب اليد العليا في المنطقة.
بالإضافة إلى وجود حياة مائية مميزة فيه بسبب وجود التيارات البحرية الخاصة من أعماق البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي وذلك لاختلاف نسبة الملوحة بينهما مما يؤدي لتشكل هذه التيارات المحملة بالمغذيات والعوالق النباتية من الأعماق إلى السطح والتي أدت إلى جذب الكائنات البحرية خاصة الدلافين والحيتان للعيش في هذه المنطقة، بالتالي أصبحت مقصدًا لمحبي الطبيعة والسياح للتمتع بالمناظر الخلابة ومراقبة هذه الكائنات الجميلة.
المسافة بين مضيق جبل طارق وإسبانيا
يقع مضيق جبل طارق والذي هو عبارة عن قناة مائية تربط البحر المتوسط بالمحيط الأطلسي بين إسبانيا في الشمال والمغرب في الجنوب، أي أن ساحل إسبانيا الجنوبي يطل على المضيق مباشرة، وتتراوح المسافة بين إسبانيا والمغرب عبر مضيق جبل طارق بين 58 كيلومترًا حتى 13 كيلومترًا.
ولهذا المضيق تاريخ عريق في إسبانيا والأساطير اليونانية حيث يشكل جبل طارق في إسبانيا مع جبل موسى (القمة الأفريقية الشمالية) في المغرب ما يسمى بأعمدة هرقل وفقًا للأساطير اليونانية، حيث تذكر الأسطورة أن المحارب العظيم هرقل ضرب بقبضته الخارقة جبل أطلس مما أدى إلى انشطاره إلى جبلين وتشكل المضيق وذلك عندما أراد أن يقطع الجبل لسرقة قطيع الماشية من العملاق جيريون، وتدعى القمة الإسبانية باسم كالبي مونس Calpe Mons أما القمة المغربية المقابلة فتدعى باسم أبيلا مونس Abila Mons، وهذه الأعمدة مرسومة على العلم الوطني الإسباني.
كما يوجد أسطورة يونانية أخرى عن مضيق جبل طارق، وهي أن العملاق أطلس Titan Atlas حمل وزن السماء على كتفيه في هذه المنطقة، وجميع هذه الأساطير تشير لأهمية هذا المضيق والاهتمام الموجه له منذ القدم وحتى الآن.
اقرأ/ي أيضًا: