` `

اللغة تكشف كل شيء: كيف يمكن لخوارزمية أن تساعدنا على تحديد الأخبار الزائفة؟

أنس سمحان أنس سمحان
تكنولوجيا
1 يونيو 2020
اللغة تكشف كل شيء: كيف يمكن لخوارزمية أن تساعدنا على تحديد الأخبار الزائفة؟

ذكرنا في مواد سابقة أن التحقق من الأخبار الزائفة والدراسات عليها ليست موجودة حصراً في إطار تخصص الصحافة، بل تتقاطع مع العلوم التطبيقية والعلوم الاجتماعية والإنسانية مثل علم اللغة واللسانيات وتحليل الخِطاب وعلم النفس وغيرها. ومع التطور الكبير في مجال التقنية والبرمجة، صارَ أيضاً للخوارزميات وعلوم الحاسب دوراً كبيراً، خصوصاً أن العمل عليها يكون عبر دراسة الأنماط والتلقّي والانتشار وكيف يتفاعل الناس معها بالمقام الأول. لقد طوّرت العديد من المراكز البحثية العلمية والجامعات أدوات ذكاء اصطناعي تساعد في تحديد الأخبار الزائفة وأرشفتها وتصنيفها لدراستها عن قرب مثل جامعة "واترلو" في كندا. وفي هذا الإطار أجرى مجموعة من الباحثين في مختبر معالجة الخِطاب بجامعة سايمون فريزر دراسة على الخصائص اللغوية للأخبار الزائفة.

أثر الأخبار الزائفة

وجدت دراسة في المملكة المتحدة أن ثلثيّ العينة المبحوثة من البالغين يقرؤون الأخبار بانتظام على موقع فيسبوك، وأنّ نصف هؤلاء كانوا قد خبروا معنى أن تصدق قصة إخبارية زائفة حتى ولو للحظة. ووجدت دراسة أخرى صدرت من معهد "ماساشوستس" للتكنولوجيا ركّز فيها الباحثون على الجوانب السلوكية لتلقي الأخبار الزائفة، إلى أن القارئ المتوسط للأخبار يصدّق 20% من العناوين الإخبارية الخاطئة/المُضللة. وحسب أبحاث متعددة أخرى، فإن القصص المكذوبة والأخبار الزائفة تنتشر أسرع بعشر مرات من الأخبار الحقيقية، وهذا الإشكالية تُنبئ بخطرٍ شديد يحيق بمجتمعاتنا وطبيعتنا الإنسانية.

على سبيل المثال، صدّق كثير من الناس في انتخابات 2016 الأميركية الادعاء الكاذب والقائم على نظرية المؤامرة والذي يفيد بأن هيلاي كلينتون كانت على علاقة بشبكة إتِّجار بالبشر من محل بيع بيتزا. وأيض في السياق العربيّ، انتشرت الكثير من الأخبار الزائفة المؤذية حتى ولو على صعيد عاطفيّ، مثل ما حصل مع المخرج السوري بايزيد والذّي نشر قصة «محاولة اغتياله» لكسب التعاطف، ولكن السحر انقلب على الساحِر وانكشفت اللعبة من أولها. هذا النوع من التلاعب في القصص الكبيرة قد يؤدي بالشخص أو المؤسسات إلى خسارة سمعتها ومصالحها وهذا على الصعيد التجاري والمهنيّ، أما على الصعيد المُجتمعي، فهو يؤدي بالناس لخسارة قدرتهم على التضامن والتعاطف لاحقاً. لا يتوقف أثر الأخبار الزائفة على المستوى المعنوي، بل قد يصل أحياناً للأذية الجسدية والموت، فمثلاً في حالة خبر هيلاري كلينتون، تعرض صاحب محل البيتزا في القصة الزائفة إلى تهديدات بالقتل إلكترونياً، بل وحتى زار المُطعم أحد الذين صدّقوا القصة حاملاً سلاحه ومشهراً به. هذا النوع من القصص لا يتوقف أثره على اللحظة، بل يؤثر على المُجتمعات ومستقبل العلاقات فيها، وكما شهدنا في السياق الأميركي، فهو أيضاً يؤثر على أصوات الناخبين.

معروف أنّ الأخبار الزائفة ليست اختراع حديث، وإنما وجدت في هذا العصر الأدوات والطرق الممكنة للانتشار وسهولة الوصول لأكبر قدرٍ ممكن من البشر، وقد ساهمت التكنولوجيا والبرمجة والخوارزميات الخاصة بالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في هذا الأمر، وقد آن لنا أن نسأل أنفسنا سؤالاً: هل يمكن لنفس التكنولوجيا أن تساعدنا على تقويض المشكلة أو التخلص منها؟

لا شيء خارج النص

التطورات الأخيرة في حقل التعلم الآلي جعلت من الممكن للحواسيب أن تكمل بعض المهام لحظيًا، والتي تستغرق من البشر عادة وقتاً أطول بكثير. وخير مثال على هذا، برنامج التعرف على الأوجه والمُستخدم من أجهزة الشرطة حول العالم للتعرف على المجرمين في ظرف ثوانٍ فقط. يعمل هذا النوع من الذكاء الاصطناعي على تدريب الخوارزميات لتصنّف وتحدد وتتخذ القرارات فيما يخص قضية أو شأناً ما.

عند تطبيق التعلم الآلي على معالجة اللغات الطبيعية، فمن الممكن بناء نظام تصنيفات نصيّة يمكنه التفريق بين أنواع النصوص المختلفة. طبعاً هذا لا ينفي وجود قصور ومشاكل في هذا النظام "الآلي" لأنه يعتمد على ذكاء اصطناعي غير مكتمل التطور بعد، ويعمل في مواجهة إنسان يكتب منشورات قد تكون أحياناً تقنية للغاية، وفي أحيان أخرى بأنماط وأساليب مختلفة يصعب تصيدها أو تحديدها.

صار علماء معالجة اللغات الطبيعية في السنوات القليلة الماضية أكثر نشاطاً في بناء الخوارزميات لاكتشاف المعلومات الخاطئة. يساعدنا هذا على فهم خصائص الأخبار الزائفة وتطوير التكنولوجيا لمساعدة القراء. إحدى النُهج المعتمدة تعمل على تحديد مصادر المعلومات ذات الصلة وتخصص لكل مصدر درجة مصداقية ثم تدمج هذه المعلومات لتأكيد أو تفنيد ادعاءٍ معين. يعتمد هذا الأسلوب اعتماداً كبيراً على تتبع المصدر الأصلي للأخبار وتسجيل مصداقيته بناءً على مجموعة متنوعة من العوامل.

أما النُهج الثّاني فيعمل على فحص أسلوب كتابة المقال الإخباري بدلاً من أصله. يمكن للخصائص اللغوية لأي مادة مكتوبة وعبر فقه اللغة أن تفيدنا بالكثير وتغذينا بمعلومات عن المؤلفين ودوافعهم. تميل مقالات الأخبار الزائفة إلى تكرار كلمات وعبارات مُحددة مقارنة بالنصوص المكتوبة بأمانة. أيضاً لا تتوقف الأخبار الزائفة والشائعات على المعلومات المُعاصرة بل تستمر لنسب مقولات وأحياناً كُتب لمؤلفين قُدامى، ويساعدنا فقه اللغة هنا مجدداً في تحديد عمر الكلمات والنصوص ومَوْقَعة النَّص زمانياً (مُعاصِر أو قديم أو مُلفّق).

تحديد الأخبار الزائفة

يُعرف فريق الباحثين الخصائص اللغوية لتحديد الأخبار الزائفة عبر استخدام التعلم الآلي وتكنولوجيا معالجة اللغات الطبيعية. أظهر تحليل دراسة جامعة "سيمون فريزر "والمُجرى على مجموعة كبيرة من المقالات الإخبارية حول مواضيع متنوعة والتي تم التحقق منها، أن المقالات الإخبارية الزائفة تستخدم في المتوسط تعبيرات ومفردات شائعة في خطاب الكراهية أكثر من غيرها، بالإضافة إلى استخدام الكلمات المتعلقة بالجنس والموت والقلق. تحتوي الأخبار الحقيقية من ناحية أخرى على نسبة أكبر من الكلمات المتعلقة بالأعمال (Business) والمال (Economy).

وعليه تشير الدراسة إلى أن النهج الأسلوبي أعلاه وعند ربطه مع التعلم الآلي، فقد يكون مفيداً في اكتشاف الأخبار المشبوهة. وكان من نتائج الدراسة أن صُمم برنامج لكشف وتحديد الأخبار الزائفة بناءً على الخصائص اللغوية المستخرجة من مجموعة كبيرة من المقالات الإخبارية. يأخذ البرنامج جزءاً من النص المُلصق ويُظهِر مدى تشابهه مع الأخبار الزائفة والقصص الإخبارية الحقيقية التي صنفها قبلاً على أنها حقيقية. يمكنك تجريب البرنامج على الموقع هنا.

وكما أشرتُ أعلاه، يمكن التحدي الحقيقي لمثل هذه البرامج والتقنيات في تطويرها لتكون قادرة على تناول المواضيع الجديدة بتنويعتها والتغييرات في عناوين الأخبار والقصص عبر الإنترنت، وهذا نظراً لأن الحاسوب يتعلم من النماذج السابقة ويراكمها، وإن لم تكن النماذج المنشورة مُعبّرة عن محتواها، فحينها لن يكون بإمكاننا الاعتماد على توقعات هذا البرنامج والبرامج الأخرى. يمكننا طبعاً مناورة هذا التحدي عبر توظيف العنصر البشري في جميع وتصنيف كميات مهولة من الأخبار الحقيقية والزائفة، وبعدها، تغذية البرنامج بهذه البيانات، وهو ما يساعد التعلم الآلي في العثور على خصائص شائعة ومشتركة وتستمر في الظهور في كل مجموعة من الأخبار، بغض النظر عن أي اختلافات في العوامل الأخرى. حينها سيمكننا الاعتماد تماماً على البرنامج في التمييز بين المحتوى الحقيقي والزائف.

خِتاماً، على الرغم من حداثة عمر الذكاء الاصطناعي وتطوير أدواته وتغذيته، إلا أنه بإمكاننا بكل ثقة أن نتوقع حدوث طفرة فيهِ وفي قدرته على مساعدة الإنسان في كل مناحي الحياة، خصوصاً في مجال كشف الأخبار الكاذبة، فقبل مائة سنة من اليوم، كانت الحقب التاريخية القديمة للقطع والمستحثات غير معروفة، ولكن في عام 1949، تمكن عالم الكيمياء ويلارد ليبي من اكتشاف التأريخ الكربوني أو التأريخ بالكاربون المشع  لتقدير عمر المواد العضوية، مثل الخشب والجلود، وتصل إلى نحو 58,000 إلى 62,000 سنة ماضية، وقبله كان علماء اللغة ومنذ نهاية القرن السابع عشر، قادرين على دراسة الأطراس والمكتوب عليها، والممسوح منه، وتقدير عمر المخطوطات من الكلمات والمُفردات والصياغات المكتوبة. من هُنا وعلى الرغم من البداية المُتعثّرة للذكاء الاصطناعي، إلا أننا نرى في المستقبل القريب أملاً واعداً فيها حين يستمر علماء معالجة اللغة بالعمل جنباً إلى جنب مع علماء التقنية.

 

المراجع

Misbar

Forbes

sciencedaily

acm

Misbar

Heconversation

Sciencedirect

science

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة