` `

حول مخاطر تقنيّة الزيف العميق

مريم هواري مريم هواري
سياسة
25 أكتوبر 2020
حول مخاطر تقنيّة الزيف العميق
يصل ضرر الزيف العميق للمجال السياسي والمسار الديمقراطي (Getty)

لم تعدْ تقنية الزيف العميق (Deepfake) أداة للتسلية، إنّما باتت تهديداً واضحاً لهويّاتنا وحقوقنا الفردية، فقد سبق وعرضنا كشف مجلّة فايس، والّذي أحدث ضجّة إعلامية كبيرة، عن تطبيقٍ يُدعى DeepNude، يمكّن مستخدميه من تعرية صور النساء، وعن وجود حساب آليٍّ في منصّة تيلغرام يعمل بذات التقنية، تقنيّة الزيف العميق. مؤخّراً، ومع اقتراب الانتخابات الأميركية، أشار محللون أميركيون إلى التهديد المتصاعد الّتي تشكله هذه التقنية على الانتخابات الرئاسية المُقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، نظراً لسهولة استخدامها وخلق معلومات زائفة وروايات مضلّلة، ولصعوبة التمييز بين المُحتوى الحقيقي وبين ما تُنتجه هذه التقنية ممّا يجعله تهديداً لثقة المواطنين بمؤسّسات الدولة نفسها.

ما هي التهديدات الّتي تشكّلها تقنية الزيف العميق؟

يُشير الباحثون إلى أنّ "الزيف العميق" سيُستغل من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية، كمورد مهم لنشر المحتوى ضد خصومهم من الجهات الحكومية، لمحاولة الحشد أو التأثير على الرأي العام الشعبي، والذّي لا يثق أصلاً بهذه الجهات الحكومية، ممّا يسهّل عملياً اختراق الوعي الشعبي، إلى جانب استغلالها من قبل جهات دولية، على شاكلة محاولات التأثير الروسية في الانتخابات الأميركية عام 2016، والّتي لا تزال تؤثر في الولايات المتّحدة على الصعيد الاجتماعي والسياسي. فإن القدرة على تشويه الواقع وخلق الأوهام، باستخدام الذكاء الاصطناعي، هي مرحلة مُختلفة من ظاهرة الأخبار والمعلومات الزائفة، وهنالك من يعتبرها بمثابة تصعيدٍ لهذه الظاهرة، فإنشاء صور ومقاطع مصوّرة وتسجيلات لأشخاص حقيقيين، تنتفع من سرعة انتشار المُحتوى في الفضاء الرقمي وتستغلها بشكلٍ ذكي، تضع تحدّياً كبيراً أمام الفاعلين والمنصّات لكشف الحقائق، فبينما يُثار الجدل حول المعلومات الزائفة المكتوبة، وعن مدى صدقيتها، يتلاشى التشكيك فيها عندما تنتشر على شكل فيديو أو تسجيل.

يمتد ضرر الزيف العميق إلى ما بعد الأفراد، ليصل إلى المجال السياسي، وإلى إعاقة المسارات الديمقراطية، وتعزيز الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية، حتّى تصعيد الخلافات الدولية، فبإمكان "الزيف العميق"، أن يُظهر خطابات مصوّرة مزيّفة لسياسيين، أو تصويرهم في أماكن ومواقع لم يتواجدوا بها قط، كما يُمكن استغلال هذه المقاطع المصوّرة لتأجيج الصراع حول قضيّة معيّنة، أو للتأثير على نتيجة الانتخابات. يمكن لتقنية الزيف العميق أن تكون مدمّرة، خاصّةً في ظل تلاشي الحد الفاصل بين الحقيقة والوهم، وتوجّه العديد الى منصّات التواصل الاجتماعي لاستسقاء المعلومات والأخبار دون التحقق من صحّتها، فهل لنا أن نتخيّل، كيف ستكون نتيجة الانتخابات الأميركية المُقبلة، عند نشر فيديو مزيّف لدونالد ترامب أو جو بايدن، وهم يعترفون بالفساد؟ أو يطالبون المصوّتين بعدم التصويت لهم؟

هل من حلٍّ؟

يُثار السؤال حول الحل لهذه الظاهرة الخطرة، وعن كيفية الحدّ منها قبل أن تُصبح مدمّرة فعلاً. فهنالك العديد من التوجّهات التكنولوجية والقانونية والاجتماعية، بإمكانها أن تُساهم بتقليل الأضرار الناتجة عن هذه التقنية. على سبيل المثال، أولاً، استخدام تقنية متعلقة بالجسم البشري، عن طريق البحث عن أنماط غير طبيعية لا تتماشى مع حركات الجسد، أو حركات الجفن. ثانياً، المُصادقة على المحتوى قبل نشره، أو إبراز المحتوى الأصلي والحقيقي، كشرط مسبق قبل نشرهفي منصّات التواصل الاجتماعي، ممّا يقلل من انتشار المحتوى الزائف. ثالثاً، وتحديداً فيما يخص السياسيين والشخصيات البارزة، تطرأ على ساحة التكنولوجيا الرقمية ما يسمّى "خدمات الذريعة الموثٌقة" (Authenticated Alibi Services)، وهي توثيق جميع لحظات حياتهم العامّة لإثبات مواقعهم وأقوالهم، عن طريق أجهزة قابلة للحمل، أو شراكات مع منصّات تواصل اجتماعي أو مواقع إخبارية، لاستخدامها في حال تعرّضوا للزيف العميق.

إضافةً، يمكن الحد من استخدام تقنية الزيف العميق عن طريق استخدام القوانين الحالية الموجودة الّتي تجرّم التشهير أو الاحتيال، لكن غالباً ما يصعب تحديد هويّة الفاعل، أو تصعب إمكانية مقاضاته قانونياً، تحديداً عندما يتعلّق الأمر بجهاتٍ أجنبية، ممّا يستدعي منصّات التواصل الاجتماعي تقييد ما يمكن نشره عليها. إضافةً، سعت بعض الدول لإصدار قوانين تحمّل منصّات التواصل الاجتماعي مسؤولية المحتوى الذي بداخلها، مع ذلك، هنالك من يدّعي أنّ هذا التوجه القانوني يؤدي إلى الإفراط بالرقابة وتقييد حريّة التعبير.

أخيراً، هنالك من يدعم التوجّه القائل إنّنا لسنا بحاجة إلى تغييرٍ تكنولوجي أو تنظيمي أو قانوني لمحاربة الزيف العميق، فبإمكان الأفراد اتّخاذ إجراءات وفرض معايير شخصية وأخلاقية، لكيفية استسقاء المعلومات، نشرها، والتفاعل معها على منصّات التواصل الاجتماعي، فإن تكنولوجيا الزيف العميق موجودة، ومثلها مثل الأخبار الكاذبة، وبالتالي، ما يحتّم استمرارها، هم مستخدمو الفضاء الرقمي نفسهم.

المصادر:

WORLD ECONOMIC FORUM

BROOKINGS

DEEP FAKES: A Looming Challenge for Privacy, Democracy, and National Security

Deepfakes and the New Disinformation War

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة