` `

كيف يتعامل الإعلام العربي مع قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة؟

كفاء مساعد كفاء مساعد
أخبار
14 ديسمبر 2021
كيف يتعامل الإعلام العربي مع قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة؟
خرافات كثيرة وأخبار مضللة يتداولها الإعلام العربي عن ذوي الإعاقة (Getty)

الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي كاتبها ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي “مسبار”.

الأخبار المضلّلة والخرافات عادة ما تطال أكثر فئات المجتمع إقصاء، فهي تنسج طريقها إلى بيوتنا وأفكارنا، وتصبح الخرافة بعد تكرارها وإعادة تكرارها معتقدًا وحقيقة دامغة لا مجال لأي لبس فيها، مع أنّها غالبًا ما تكون بعيدة عن واقعنا المعاش. وتسهم الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا هذا، في خلق هذه الخرافات وتكريسها من خلال الصورة المضلّلة التي تعكسها عن هذه الفئات. 

وفي نظريّته حول الدور الذي تلعبه الصور الإعلامية في تكوين هويّات الأفراد والفئات المهمّشة، يكشف المنظّر والأكاديمي الكوبي ستيوارت هول، وهو أحد أبرز مؤسسي المدرسة الفكرية التي تُعرف اليوم باسم الدراسات الثقافية، عن أهمية اللغة في هذه العملية، كأداة لبناء هوية هذه الفئات وفرض قوّتها أو تفككيكها.

في هذه المدوّنة، نتطرّق إلى الخرافات التي يتداولها عدد من وسائل الإعلام العربي حول قضايا ذوي الإعاقة، باعتبارهم إحدى الفئات المهمّشة في غالبية مجتمعاتنا العربية، ونتطرق إلى كيفية تأثير الأساليب المتبعة واللغة المضلّلة التي نستخدمها كصحفيين في مقاربة هذا الملّف، على هذه الفئة المجتمعية. ونستعرض أمثلة تتناول أفرادًا ذوي إعاقة من خلال الاعتماد على الإثارة لاستقطاب المشاهدين والقرّاء.

وتأتي معظم الأمثلة المطروحة في هذه المدونّة على خلفية التغطية الإعلامية لاحتفال الأمم المتحدة في 3 ديسمبر/كانون الأوّل باليوم الدولي للأشحاص ذوي الإعاقة؛ وما يتبعها من احتفالات محلية في البلدان العربية. فالأمم المتحدة تحتفل بهذه المناسبة في هذا التاريخ كلّ عام، منذ 1993، وتضع برنامجًا فيه أنشطة ونقاشات متعدّدة، لتشكّل مناسبة سنوية تتذكّر من خلالها الوسائل الإعلامية ضرورة تسليط الضوء على شريحة هي مكوّن أساسي في مختلف المجتمعات. فمواقع إخبارية عديدة كتبت عن خبر احتفال الأمم المتحدة في هذا اليوم وعرضت برنامجه، لتلامس تغطيتها الموضوع بطريقة سطحيّة دون أن تدخل في عمق المشكلة، فأغلب هذه المواقع عمدت إلى عرض ما جاء على موقع الأمم المتحدة دون أن تجتهد ولو قليلًا في البحث عن قصص تستحقّ الإضاءة عليها في عالمنا العربي.

وعمدت مواقع إخبارية مصرية على تسليط الضوء على حفل تكريم الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي لذوي الإعاقة، فكتبت بوابة الأهرام مقالة بعنوان "في يومهم العالمي.. ذوو الهمم يعيشون عصرهم الذهبي في عهد الرئيس السيسي" ليصبح الحدث هو الرئيس المصري، لا أصحاب الشأن أنفسهم، هذا أوّلًا. ثانيًا عمدت الصحيفة إلى استخدام مصطلح "ذوو الهمم" وليس "ذوو الإعاقة" وهو المصطلح المتعارف عليه وفق تعريف الأمم المتحدة للموضوع. فدلائل أخلاقية كثيرة تتحدّث عن ضرورة استخدام المصطلح المناسب لتعريف هذه الفئة، لأنّها تنقل صورة واقعية تجسّد حقيقة وضعهم. فمصطلح الإعاقة يشمل مجموعة واسعة من الإعاقات على اختلافها، منها الجسدية والنفسية والاجتماعية، إضافة إلى الإعاقات الحسيّة أو الفكرية التي قد تؤثر أو لا تؤثر على قدرة الشخص على القيام بأنشطته اليومية، بما في ذلك العمل. 

ويقول باحثون وخبراء في هذا المجال إنّ تجميل العبارات لا يغيّر الواقع، بل يظهر الإعاقة على أنّها عيب يجب التستّر عليه عوضًا عن تسليط الضوء على نقاط قوّة أصحابها. فالمصطلح الخاطئ هو "معاقون" أمّا "ذوو الإعاقة" فيجسّد الحالة بطريقة صادقة. 

صورة متعلقة توضيحية

ويتطرّق الدليل الذي وضعته منظمة العمل الدولية عام 2015 تحت عنوان "إرشادات حول التغطية الإعلامية لذوي الاحتياجات الخاصّة"، إلى أهمية التركيز على الشخص نفسه وليس على الإعاقة التي يعاني منها، وإحدى الطرق التي تكرّس ذلك هي من خلال استخدام مصطلحات تتوخّى الدقّة في توصيف الحالة، مثل ضرورة القول الأشخاص ذوي الإعاقة بدلاً من المعاقين، شخص قصير القامة عوضًا عن كلمة "قزم"، شخص يستخدم كرسيًا متحركًا، فتاة صماء، وشخص كفيف. ومن هنا، نلحظ التضليل في عنوان القصة التي نشرها موقع حكايات عربية على يوتيوب في مايو/أيار الفائت، باسم "مجوعة قصص عن المعاقين". وفي هذا الإطار، يتحدث الصحافي الكفيف في قناة الجديد اللبنانية ناصر بلوط، إلى "مسبار" قائلًا "إنّ التوصيف الأفضل بالنسبة لنا هو "ذوو الإعاقة" لأن المصطلح يصف حالتنا، فنحن لدينا إعاقة بالفعل؛ لسنا معاقين ولا أصحاب حاجات خاصّة، فلكلّ منّا حاجاته الخاصّة وليس فقط أصحاب الإعاقة".

وكتب موقع صدى البلد المصري أيضًا أسفل خبر التكريم ذاته على قناته على موقع يوتيوب "الرئيس الأب.. السيسي يبكي على الهواء بسبب فرحة أم خلال احتفالية قادرون باختلاف". وفي مقطع الفيديو يظهر السيسي وهو يبكي بعد إلقاء شخص من ذوي الإعاقة كلمة على المسرح. في العنوان والخبر نفسه استدرار للشفقة لا تشبه على الإطلاق هدف المناسبة الذي يكمن في تمكين هؤلاء الأشخاص. فالشفقة عادة تؤدي إلى التركيز على الإعاقة لا على الشخص وتساهم في التضليل من خلال نشر الأفكار السلبية عن الموضوع، استنادًا إلى دلائل إعلامية دولية كثيرة تحذّر من اعتماد الشقفة كوسيلة لكسب التعاطف.

وفي سياق متصل، عرضت قناة الجزيرة مباشر على قناتها على موقع إنستغرام مقطع فيديو في مناسبة اليوم العالمي لذوي الإعاقة، يظهر الرئيس التركي رجب طيب أدوغان، وهو يقبّل يد فتًى ينتمي إلى هذه الفئة، واصفة إياه من ذوي الاحتياجات الخاصّة؛ ليظهر استخدام المصطلح غياب الدقّة في التوصيف حسب تصنيف الدلائل الأخلاقية للعبارة. ويشكّل الخبر صورة غير مكتملة عن وضع هذه الفئة ضمن المجتمع التركي في هذه الحالة، لأنّه يغطي خبر التكريم فقط دون أن يبحث في القوانين التركية المسنة لصون حقوق هذه الفئة مثلًا، نظرًا لكون باحثين كثر يعتبرون ذلك تضليلًا لأنّه يركز على حدث ما ويغفل عمّا إذا كان الأداء العام تجاه هذه الفئة يترجم خارج هذه المناسبات. ويصوّر الفيديو الرسام الصغير على أّنه بطل، وهو ما يحذّر منه دليل منظمة العمل الدولية لأنّه يعطي صورة مضخمّة عن أولئك الأفراد، قد يكون عدد كبير منهم غير قادر على ترجمتها في الواقع، ويقول الدليل إنّ المطلوب هو الواقعية والتمكين لا المبالغة في تصوير أفراد هذه الفئة على أنّهم خارقون. ومجددًا تسلّط هذه القصة الضوء على أردوغان باعتباره بطل القصة المطروحة لا الفتى صاحب الرسمة والموهبة، باعتباره إنسانيًا ومتعاطفًا مع هذه القضية. 

صورة متعلقة توضيحية

خرافة أو معلومة أخرى متداولة على عدد من وسائل الإعلام والمواقع عند ذكرها لهذه الفئة وفق الدلائل الأخلاقية المتوفرة، تكمن في الترويج لفكرة أنّ ذوي الإعاقة غير قادرين على الزواج والإنجاب، وربمّا إعاقتهم لا تسمح لهم بذلك، وتترجم القصة التي نشرها موقع حكايات عربية عن ذوي الإعاقة هذه المعلومة المضللة من خلال طرحها لقصة طبيبة تعالج شخصًا يسخدم كرسيًّا متحركًّا، وتنتهي القصة بأنّ الطبيبة وقعت في حبّه وتزوجته فقط بعد أن تمكّن من السير على قدميه مجددًا. الرسائل التي تمررها هذه القصة عن دراية أو عدم دراية، هي أنّ ذوي الإعاقة لا يحقّ لهم الارتباط أو هم غير قادرين على الزواج وهو محصور فقط على الأصحاء جسديًا، بينما الواقع مختلف تماما نظرًا لخصوصية كلّ حالة.

صورة متعلقة توضيحية

وفي أمثلة أخرى، تطغى الإثارة على المشهد الإعلامي لاستقطاب المشاهد أو القارئ دون الأخذ بعين الاعتبار النتائج السلبية الناجمة عن الصورة التي تظهر على الإعلام. ففي إحدى حلقات برنامج المسامح كريم الذي كان يقدّمه الاعلامي جورج قرداحي على قناة الجديد اللبنانية والذي عرض على موقع البرنامج على "يوتيوب"، يستضيف المذيع شخصًا من ذوي الإعاقة قدم خصيصًا من المغرب، لا ليطلب السماح من أحد، بل ليشكر ابن عمّه وعائلته على الاعتناء به. ويبدأ المذيع الفقرة على أنّها مؤثرة جدًّا، ليجعل من الشخص الذي اعتنى بضيفه بطلًا، وهو أمر تحذّر منه أغلبية الدلائل الأخلاقية، لأنّه يصوّر الذين يعتنون بالأشخاص ذوي الإعاقة على أنهم يستحقون التبجيل بسبب المأساة المجبرين على التعايش معها، والتي تتجسّد في تحملهم "عبء" الاضطرار إلى رعاية شخص من ذوي الإعاقة، وفق دليل منظمة العمل الدولية. وفي الفقرة نفسها من هذه الحلقة، تطغى الإثارة أيضًا، من خلال استدرار دموع الجمهور والتركيز عليها من خلال اللقطات واللغة، فقرداحي يقول إنّ هذه اللحظة أبكت الحضور في الاستوديو، بينما المتضرر الوحيد هو ضيفه صاحب الإعاقة لأنّه صُوّر على أنّه عبء على المجتمع، دون أن تطرح الفقرة بجديّة سبل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسهيل حياة الأفراد الذين ينتمون إلى هذه الفئة وتأمين احتياجاتهم. فالخاتمة كانت على لسان قرداحي "المعاق لا يجب أن يترك، يجب أن نعتني به لأن هناك جزاء من الله" بإشارة إلى جلب الشفقة والاستعطاف بينما دور الإعلامي في هذه الحالة يكمن في التركيز على تمكين صاحب الإعاقة وعرض مشكلة أمثاله بصورة جديّة.

ختامًا، أكثر الخرافات انتشارًا في الإعلام وفق عدد من الدلائل الأخلاقية الموجودة، هي في اعتبار ذوي الإعاقة قلّة في المجتمع، بينما آخر تقرير للأمم المتحدة يقول إنّ عددهم يصل إلى أكثر من مليار نسمة حول العالم. وبالتالي الخرافات المضللة التي تنتشر أحيانًا على وسائل الإعلام تخلق صورًا مغلوطة ومضللة عن فئة في المجتمع، فتحرمها الحقّ الذي تستحّق في أن تمنح فرصتها في الحياة والعمل والارتباط وتكوين أسرة وفي احترام شخصها وحقوقها ووجودها على أنّها يمكن أن تكون عنصرًا فاعلًا في المجتمع لا تقلّ فاعلية عن سواها في حال رسمت لها صورة أكثر قربًا إلى الواقع لا إلى منابع القوة.

إقرأ/ي أيضًا:

الإثارة والتضليل في تغطية قضايا العنف ضدّ المرأة

الذكاء الاصطناعي قد لا يكون حلًا سحريًا لمشكلة الأخبار الزائفة

المصادر:

حكايات عربية

المسامح كريم

بوابة الأهرام

صدى البلد

Ten

الجزيرة مباشر

International Labour Organization

Marina Tuneva

STEVEN MARSHALL

الأكثر قراءة