` `

البروباغندا والإثارة في استراتيجية داعش الإعلامية

كفاء مساعد كفاء مساعد
سياسة
26 يناير 2022
البروباغندا والإثارة في استراتيجية داعش الإعلامية
يستخدم داعش الإثارة في إنتاج محتواه الإعلامي (Getty)

الأفكار الواردة في هذا المقال تعكس آراء الكاتب ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي مسبار.

 

يُعيدُ تَداول مقطع فيديو، نشرهُ تنظيم داعش يوم السبت 23 يناير/كانون الثاني الجاري، من قلب سجن الصناعة في مدينة الحسكة السورية، على أنّه لأسرى يحتجزهم داخل السجن الذي ادّعى سيطرته عليه، مسألة استخدام مثل هذه التنظيمات للمنصّات الإعلامية، بهدف الدعاية والترويج لأنشطتها وأيديولوجيّتها، والوسائل التي تستخدمها في سبيل خدمة أجندتها.

صورة متعلقة توضيحية

البروباغندا

عرّف جوزيف جوبلز، وزير الدعاية لدى هتلر، البروباغندا بأنّها فنّ الكذبة الكبرى، أي الدعاية. وعلى الرغم من أنّ فنّ الدعاية كان معروفًا في القرن العشرين، إلّا أنّ مصطلح "البروبغندا" لم يُعتَمد حتّى عام 1962. وفي هذا السياق، كان يعني "التوسّع" أو "التضخيم". واستُخدم للمرّة الأولى، لوصف أساليب الإقناع التي انتُهِجَت خلال الحرب العالمية الأولى، لتلجأ بعض الأنظمة السياسيّة إلى تطبيقها في وقت لاحق. 

ورأى لازلو كونتلر أنّ الدعاية تحاول فرض تفوّق أيديولوجيا مهيمنة (Thaithe and Thorne 1999: 14). إلّا أنّ ليونارد دبليو دوب، عرّفها بدوره عام 1948، على أنّها "محاولة للتأثير على الشخصيات والتحكّم في سلوك الأفراد، خدمةً لأهداف تُعدّ غير علميّة، أو ليست ذات قيمة ومشكوك في أمرها، في مجتمع محدّد ووقت معيّن". 

كما يمكن تصنيف الدعاية بناء على ثلاثة أنواع مختلفة: الأبيض، والأسود، والرمادي. فالدعاية البيضاء تعني الكشف عن مصدر المادة التي تصل إلى الجمهور، بينما الدعاية السوداء تُشير إلى أنّ المادّة التي يتمُّ الكشف عنها للجمهور تحتوي على معلومات كاذبة، ومصدرها مخفي عنهم؛ أمّا الدعاية الرمادية، فتفتقر إلى تحديد مصدر الموادّ التي تمَّت مشاركتها مع الجمهور.

فأيّ نوع من البروباغندا استخدمت داعش منذ نشأتها حتّى اليوم؟ وكيف وظّفها التنظيم في تضخيم دوره، ونشر الأيديولوجيا التي يتبناها، والتأثير على سلوك من يتلقون المحتوى الذي يُروّج له؟ والأهمّ، لأيّ هدف لجأ إليها، وما القواسم المشتركة بينه وبين الأنظمة الاستبدادية في هذا الإطار؟ وما الدور الذي لعبته وما زالت تلعبه في تزييف الحقائق والواقع؟

أيديولوجيا داعش

اعتمد تنظيم داعش منذ ظهوره عام 2014، على المنصّات الإعلامية لأكثر من غاية، فقد كان من الضروري بالنسبة إليه لفت الانتباه إلى العمليات الانتحارية التي نفذها بعض المنتسبين إليه، وبثّ الرعب في نفوس السكان المقيمين ضمن نفوذه لضمان انصياعهم وطاعتهم، إضافة إلى سعيه الدائم لتجنيد مقاتلين في صفوفه من الأجانب والمواطنين. 

فكيف وظّف التنظيم المنصّات الإعلامية خدمة لهذه الأهداف؟

لم يكن لجوء داعش إلى الإعلام اعتباطيًّا أو مُنفَّذًا بطريقة عشوائية، بل وضع التنظيم استراتيجية إعلامية مدروسة لهذا الغرض، تطرّقت لها الباحثة تيريز منصور، في رسالة دكتوراه أنجزتها في الجامعة اللبنانيّة، بعنوان "إعلام داعش والخطاب الدعائي والتقنيات"، ونشرتها مجلة الجيش اللبناني في عددها المئة في أبريل/نيسان عام 2017. وتُناقش منصور أنواع المؤسسات الإعلامية التي أسّسها التنظيم وتشرح آليّات عملها، لتبدأ من تأسيسه لمركز الحياة الإعلامي، الذي يُعدّ ذراعه الإعلاميّة، والمسؤول عن نشر الدعاية له في الغرب. وأصدر المركز أوّل مجلة رسمية لداعش في 5 يوليو/تموز عام 2014، وهي مجلة دابق الناطقة باللغتين العربية والإنجليزية. وتقول منصور، إنّ مجلة دابق كانت تُباع على موقع أمازون إلى أن سحبها الموقع في يونيو/حزيران عام 2015.

 كذلك، لدى التنظيم هيكلٌ تنظيميٌّ رسميٌّ للإعلام، يتجسّد في إنشائه لوزارة إعلام، وهي عبارة عن كيان افتراضي، يدير وسائل إعلامية فاعلة على شبكة الإنترنت. فوفقًا لمنصور، "رفضت قيادات داعش فكرة تأسيس الوزارة على أرض الواقع، خوفًا من استهدافها من قبل الغارات الأميركية أو الجيش العراقي". كما وضع أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم حينها، ميزانية مبدئية قدرها نحو مليون دولار، خصّصها من أجل تأسيس وزارة الإعلام الافتراضية. وتتمثّل أهداف هذه الوزارة بمنح أذونات لمقاتليها بإعطاء تصريحات إعلامية، فمِن غير المسموح الإدلاء بأي تصريح دون الحصول على إذن من "وزارة الإعلام". ويُلزِم التنظيم كلّ من كان يعيش في المناطق التي يسيطر عليها، بمتابعة حصريّة لوسائله الإعلامية الخاصة فقط. 

وتُدير وزارة إعلام "داعش"، "شبكة شموخ الإسلام" و"منتدى الاعتصام"، اللذين يشكّلان منبرًا رسميًّا لها، تنشر من خلالهما بياناتها الرسمية.

صورة متعلقة توضيحية

كما بحث خبراء في المجال الإعلامي منذ ظهور التنظيم، عن دلالات اهتمامه بتقنیّات التصویر وزوایا التقاط المشاهد وجودة الصورة، ورؤوا أنّ المحتوى المرئي الذي يُروّجه داعش دليلٌ على وجود متخصّصین في هذا المجال بین عناصره. ولجأ باحثون أيضًا إلى تحليل العديد من مقاطع الفيديو التي نشرها التنظيم خلال السنوات الفائتة، ومساءلة مدى صدقيّتها ودرجة التزييف واستخدام تقنية الفوتوشوب فيها، لأغراض مختلفة. 

ومثال على ذلك، مقطع الفيديو الذي نشره التنظيم عام 2015، لحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة داخل قفص حديدي. أثار هذا المقطع الكثير من الجدل، ودفع العديد من الخبراء للتحقّق من مدى صحّته. وقال بعض من حلّل لقطاته، إنّ مخرجه ليس شخصًا عاديًّا، فلا بدّ أن يكون مخرجًا سينمائيًّا بارعًا، نظرًا لطريقة توظيفه أحجام ومواضع الإطارات المختارة للصورة، عبر استخدامه خمس كاميرات، بهدف إظهار أفراد التنظيم على أنّهم أقوى، من أجل فرض سياسة الترهيب.

ويأتي مقطع الفيديو الذي انتشر حديثًا من داخل سجن الحسكة، ليعيد النقاش من جديد، حول دور داعش الإعلامي، بعد أن اندثر نسبيًا منذ آخر هزائمه في مارس/آذار عام 2019. إذ صرّحت قوات سورية الديمقراطية (قسد)، يوم الاثنين 24 يناير الجاري، على لسان مدير مركزها الإعلامي، فرهاد الشامي، الذي علّق على مقطع الفيديو في صفحته الرسمية على “فيسبوك”، يوم الأحد 23 يناير الجاري، قائلًا إنّه عبارة عن مشهد تمثيلي من إخراج تنظيم داعش، مبرِّرًا ذلك من خلال عرض ستّ نقاط يحاول من خلالها إثبات نظريّته حول زيف المقطع.

صورة متعلقة توضيحية
منشور للمسؤول الإعلامي في قوات سورية الديمقراطيّة

ويتّضح أنّ “داعش” يستمرّ باستخدام الدعاية من جديد، بغضّ النظر عن صدقيّة مقطع الفيديو من عدمها، وهو أمر يصعب التحقّق منه. لكنّها دون شكّ وجدت في البروباغندا، ركيزة أساسية لها لإعادة فرض موقع قوّة لنفسها وإظهارها بهيئة المنتصر، لعلّها تحقّق من خلال الدعاية والإثارة هدفها بإضعاف خصمها وإعادة تحفيز مقاتليها. 

من هنا، يأتي دور التربية الإعلامية لمواجهة هذه الحملات الهادفة إلى استقطاب الرأي العام وترهيبه في آن.

اقرأ/ي أيضًا:

ما حقيقة معاينة دي ميستورا لتجنيد الأطفال في المخيمات الصحراوية؟

المحكمة العليا للانتخابات في البرازيل تدرس حظر تليغرام بسبب الأخبار الزائفة

 

المصادر:

إعلام داعش الوسائل والخطاب الدعائي والتقنيات

مركز كارتر

بي بي سي عربي

الأمم المتحدة

فرهاد الشامي

روسيا اليوم

الأكثر قراءة