` `

الرواية الإسرائيلية حول مجزرة المستشفى المعمداني: من التبني إلى الإنكار

نزهة خلالف نزهة خلالف
أخبار
19 أكتوبر 2023
الرواية الإسرائيلية حول مجزرة المستشفى المعمداني: من التبني إلى الإنكار
صبية تعبر ساحة مستشفى المعمداني في غزة غداة القصف (Getty)

في 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، على الساعة السادسة و59 دقيقة مساءً بالتوقيت المحلي، قصف الاحتلال الإسرائيلي مستشفى الأهلي العربي (المعمداني) في مدينة غزة، مخلّفًا ما يزيد عن 500 ضحية بحسب تقديرات أولية أدلى بها المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في غزة.

كيف تفاعل إيدي كوهين مع خبر قصف مستشفى المعمداني؟

سارعت حسابات نشطاء إسرائيليين للاحتفاء بالغارة. ففي تمام الثامنة مساءً، نشر حساب إيدي كوهين على إكس خبرًا مفاده أنّ محمد السنوار، الذي وصفه بـ"أحد أبرز قياديي حماس"، قد استُهدف.

إيدي كوهين يحتفي باستهداف مزعوم لقيادي في حماس
إيدي كوهين يحتفي باستهداف مزعوم لقيادي في حماس 

وفي الثامنة وتسع دقائق، نشر كوهين منشورًا آخر قال فيه إن العشرات من قيادات حماس الذين كانوا مختبئين قرب مستشفى قد "هلكوا".

لكن في الساعة 9:21 مساءً، تراجع كوهين عن أقواله التي كانت تشير إلى تورّط الاحتلال الإسرائيلي في قصف مستشفى المعمداني، وتبنّى رواية رسمية للجيش الإسرائيلي مفادها أن المقاومة الفلسطينية هي مصدر القصف. إذ عاد ونشر منشورًا قال فيه إن أحد الصواريخ التابعة لحركة حماس “فشل وانفجر” على الأبرياء في غزة،  وأنّ حماس هي مرتكبة مجزرة مستشفى المعمداني، وأرفق منشوره بمقطع فيديو، ادّعى أنّه دليل قاطع على تورّط حماس.

ادعاء إيدي كوهين بأن حماس هي المتسببة بمجزرة مستشفى المعمداني

واستطاع مسبار الوصول إلى مصدر المقطع، لكنّه لم يجد في الوصف الذي أُرفق به ما يشير إلى تورّط حركة حماس بمجزرة مستشفى المعمداني.

وكان كوهين قد النشر المشهد دون صوت، غير أن المقطع الأصلي كان مرفقًا بصوت تبيّن أنه غير مرتبط بمشهد القصف. إذ يُسمع في خلفية المقطع صوت مذيعة في القناة الثانية عشرة الإسرائيلية، وهي تتحدث عن لقاء ستجريه مع إحدى الناجيات من أحداث طوفان الأقصى. في حين صُوّر المشهد من شاشة تعرض تسجيلات لكاميرا مراقبة، ولم يكن فيها ما يشير إلى توقيت القصف أو الجهة التي صدر عنها.

وكرّر كوهين الرواية نفسها في تغريدة نشرها في الساعة 9:28 مساءً، وجاء فيها: “أيادي حماس هي التي اقترفت مجزرة المعمداني”.

إنّ التحوّل في ادعاءات كوهين تدفع إلى التساؤل عن مصدر روايته الأولى، وعمَّ إذا كانت الرواية الثانية جديرة بالتصديق، في ظل التضارب بين الروايتين. إذ أشارت أولاهما إلى أنّ القصف استهدف قادة حماس، في حين قالت الثانية إنّ حماس كانت مصدره.

وفي الساعة 9:48، نشر إيدي كوهين مقطع فيديو آخر، ادّعى أنه يُظهر لحظة فشل إطلاق صاروخ حركة حماس. لكن عندما تحقّق مسبار من المقطع، وجد أنه قديم ومنشور منذ عام 2022.

ولم يتوقّف كوهين عند ذلك الحد، إذ عدّل روايته مرة أخرى، مستبدلًا حماس بحركة الجهاد الإسلامي، وادّعى أنّها تقف وراء القصف الدموي الذي استهدف مستشفى المعمداني في مدينة غزة.

وفي سياق الترويج لأقواله، شارك كوهين تغريدة تضمّنت مقطع فيديو لغارة وثّقها بث مباشر لقناة الجزيرة، ادّعى الناشر أن المقطع يُظهر "صاروخًا فاشلًا لحركة الجهاد الإسلامي، استهدف مستشفى المعمداني في غزة"، وهو ما أيّده كوهين.

وبدوره، ادّعى المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن مصدر القصف هو “إطلاق فاشل” لصاروخ باتجاه إسرائيل، وأنّ مطلقي الصاروخ يتبعون حركة الجهاد الإسلامي.

أفيخاي أدرعي ينشر ادعاءات مضلّلة حول مجزرة المعمداني

وفي السياق ذاته، فنّد أدرعي تصريحًا نُسب إليه، قال فيه إنّ الجيش الإسرائيلي حذّر في وقت سابق مستشفى المعمداني من قصف وشيك وأمر بإخلائه، إلى جانب خمسة مستشفيات أخرى.

أفيخاي أدرعي يقول إن إسرائيل أنذرت بإخلاء المستشفى المعمداني
تصريح منسوب لأفيخاي أدرعي

لكن، وعلى الرغم من تكذيبه للتصريح، إلّا أنّ المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، كشف خلال مؤتمر صحافي، عقده محاطًا بجثث ضحايا القصف الذي طال مستشفى المعمداني، أنّ الجيش الإسرائيلي أنذر المستشفى بالفعل، مساء يوم 14 أكتوبر الجاري، ذلك عن طريق قذيفتين سقطتا على مقربة منه.

مؤتمرٌ صحافيٌ وسط جثث ضحايا قصف المستشفى المعمداني
مؤتمرٌ صحافيٌ وسط جثث ضحايا قصف المستشفى المعمداني (Getty)

وأضاف القدرة أنّ مدير المستشفى، ماهر عيّاد، تلقى صباح اليوم التالي مكالمة هاتفية من الجيش الإسرائيلي، سُئل فيها عن سبب عدم إخلائه المستشفى، رغم تحذيره بالقذيفتين. وذكر المتحدث أن الجيش الإسرائيلي برّر لعيّاد إطلاق القذيفتين بعدم ردّ المستشفى على اتصالاته السابقة.

وإثر ذلك، اتصل المدير بمطران الكنيسة الإنجيلية في بريطانيا، الذي أجرى بدوره اتصالات مع مؤسسات دولية، وطمأن بعدها مدير المستشفى.

كما عثر مسبار على الصفحة الرسمية لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة على فيسبوك، على تصريحات منشورة بتاريخ 14 أكتوبر الفائت، يستنكر فيها أشرف القدرة "التهديد بقصف المؤسّسات الصحية"، ويقول إنّ ذلك "يُعبّر عن السلوك الإجرامي الممنهج للاحتلال الإسرائيلي"، مطالبًا العالم باتخاذ إجراءات جادة ضد ما وصفه بـ"العربدة".

وزارة الصحة في غزة تستنكر تهديدات باستهداف المستشفيات
وزارة الصحة في غزة تستنكر تهديدات باستهداف المستشفيات

ويدّعي أدرعي في منشور لاحقٍ على إكس أنّ حركة حماس ضخّمت أرقام ضحايا قصف المعمداني، وهو ادعاء صدر أيضًا عن كبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري.

غير أنّه وبالاطلاع على إحصائيات ضحايا القصف، يتّضح أنّ أعداد الضحايا في القصف الذي استهدف ساحة مستشفى المعمداني ناهزت التقديرات الأولية للدفاع المدني الفلسطيني، إذ بلغ عددهم مساء يوم 18 أكتوبر 471 فلسطينيًّا، معظمهم سيدات وأطفال. وما يزال 28 آخرون في حالات حرجة، فيما أصيب 314 شخصًا بجروح مختلفة.

الحصيلة الأحدث لضحايا القصف الذي استهدف مستشفى المعمداني
الحصيلة الأحدث لضحايا القصف الذي استهدف مستشفى المعمداني

وكانت وزارة الصحة الفلسطينية قد أشارت، في العاشر من الشهر الجاري، إلى أن ساحات المستشفيات ومراكز الإيواء تحولت منذ بداية "الاستهداف الوحشي" للأحياء السكنية، إلى ملاجئ للمواطنين، الذين شُرّد أزيد من 140 ألفًا منهم منذ بدء أحداث طوفان الأقصى. كما حذرت الوزارة من أنهم يعيشون في ظروف قاسية، قد تتسبّب في انتشار الأمراض الجلدية والمعدية والأوبئة.

طفل فلسطيني يمكث في مستشفى النصر في خان يونس بعد تدمير منزله
طفل فلسطيني يمكث في مستشفى النصر في خان يونس بعد تدمير منزله (Getty)

وذكر المدير العام لوزارة الصحة في غزة، في مكالمة أجرتها معه قناة الجزيرة، قبل أمس الثلاثاء، أنّ حرم مستشفى المعمداني كان يستقطب الأعداد الأكبر من المواطنين، لأنّه لم يسبق أن استهدف في الحروب الماضية، مما دفع أكثر من 30 ألف شخص للجوء إليه بحثًا عن الأمن.

طفلة تعبر ساحة المستشفى المعمداني وسط مخلّفات القصف
طفلة تعبر ساحة المستشفى المعمداني وسط مخلّفات القصف (Getty)

حنانا نفتالي يتراجع عن تغريدة تدين إسرائيل ويزعم أنها لا تقصف المستشفيات

ولم يكن كوهين الناشط الإسرائيلي الوحيد الذي غيّر روايته، إذ نشر حساب حنانيا نفتالي، المقرّب من نتنياهو، على إكس: "عاجل: الطيران الحربي الإسرائيلي يقصف قاعدة إرهابية تابعة لحماس داخل مستشفى في غزّة. عدد كبير من الإرهابيين في عداد الموتى. إنّه لشيء يفطر الفؤاد أن تُطلق حماس الصواريخ من المستشفيات والمساجد والمدارس، وأن تستخدم المدنيين كدروع بشرية. #حماس_هي_داعش".

لكنه سُرعان ما حذف منشوره ذاك، مُقرًّا في منشور لاحق أنّه نقل الخبر عن وكالة رويترز، التي ذكرت "عن طريق الخطأ" أنّ إسرائيل قصفت المستشفى. واعتذر عن الخطأ قائلًا إنّه "افترض" أنّ إسرائيل كانت تستهدف إحدى قواعد حماس في غزة لأن "جيش إسرائيل لا يقصف المستشفيات"، مؤكّدًا استخدام حماس للمدنيين كدروع بشرية، وواصفًا ذلك بجريمة الحرب ضد الإنسانية وداعيًا لأن يكون ذلك هو محور الاهتمام.

واطلع مسبار على نسخة سابقة من الخبر الذي نشرته رويترز، ووجد أنّ الوكالة حمّلت بالفعل إسرائيل مسؤولية القصف، قبل أن تتراجع عن ذلك في وقت لاحق.

رويترز تقول إن إسرائيل قصفت المستشفى المعمداني في غزة
رويترز تقول إن إسرائيل قصفت المستشفى المعمداني في غزة

وللتحقّق من ادعاء نافتالي حول عدم استهداف إسرائيل للمستشفيات، عاد مسبار إلى صفحة وزارة الصحة الفلسطينية/غزة على “فيسبوك”، وراجع جميع منشوراتها وبياناتها الصحافية. وتبيّن أنّ الاحتلال استهدف، منذ بداية عدوانه على قطاع غزة في السابع أكتوبر الجاري، 12 مؤسسة صحية بينها مقر وزارة الصحة وهي: المستشفى الإندونيسي، ومجمع ناصر الطبي، ومستشفى بيت حانون، ومجمع الشفاء، ومركز شهداء الرمال الصحي، ومركز حيدر عبد الشافي الصحي، والمركز الدولي للعيون، ومشفى الدرة للأطفال الذي استُهدف بقنابل الفوسفور الأبيض في 13 أكتوبر، ومستشفى غزة الأوروبي، والمستشفى الميداني الإماراتي، ومستشفى الكرامة، وذلك أيام السابع والتاسع والعاشر والثالث عشر والسابع عشر من الشهر ذاته.

وقصف الاحتلال محيط تلك المستشفيات والطرقات المؤدّية إليها مما تسبّب في عزلها وخروج معظمها عن الخدمة. فيما أوقفت مستشفيات أخرى خدماتها بسبب الأضرار التي لحقت بها جرّاء القصف.

وتستهدف إسرائيل المستشفيات على الرغم من كونها أماكن محمية بموجب القانون الدولي، فالسلطات الفلسطينية ترسل إحداثيات المواقع الجغرافية المقترحة لتشييد المستشفيات، إلى السلطات الإسرائيلية عن طريق الصليب الأحمر، ولا تبني المستشفيات إلا بعد حصولها على الموافقة، ممّا يعني أنّ مواقع المستشفيات معروفة جيّدًا لدى سلطات الاحتلال، وأنّ تكرار استهدافها ليس محض حوادث عرضية.

وبحلول 14 أكتوبر، كانت الغارات الإسرائيلية قد أودت بحياة عشرة مسعفين وسائقي سيارات إسعاف، وأصابت 27 آخرين بجروح مختلفة، ودمّرت 23 مركبة إسعاف.

الاحتلال الإسرائيلي يستهدف سيارة خدمات صحية في غزة
الاحتلال الإسرائيلي يستهدف سيارة خدمات صحية في غزة

 وأسفرت غارات شنّتها الطائرات الإسرائيلية، يوم 16 أكتوبر الجاري، عن مقتل خمسة من عناصر الدفاع المدني. كما استهدف الاحتلال منازل الأطباء فقتلت ثلاثة منهم على الأقل، وقتلت زوجة وطفل طبيب رابع.

حساب إسرائيل الرسمي ينشر مقطعًا مضلّلًا لإثبات عدم تورط إسرائيل في مجزرة المعمداني

ونشر حساب إسرائيل الرسمي على منصة إكس، مقطع فيديو مرفق بوصفٍ نسبت المعلومات الواردة فيه إلى المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي. وجاء في الوصف أنّ تحليلًا للأنظمة العملية للجيش الإسرائيلي، أظهر أنّ المقاومة الفلسطينية أطلقت رشقة صواريخ باتجاه إسرائيل، وأن هذه الأخيرة عبرت فوق المستشفى في لحظة تعرضه للقصف. وأضاف الحساب، أنّه وفقًا لمعلومات استخباراتية من مصادر عدّة لديهم، فإنّ "منظمة الجهاد الإسلامي الإرهابية" هي المسؤولة عن الإطلاق الفاشل للصاروخ الذي ضرب المستشفى.

المنشور الذي حذفه حساب إسرائيل الرسمي
لقطة شاشة للمنشور الذي عدّل عليه حساب إسرائيل الرسمي

لكن حساب إسرائيل الرسمي عدّل المنشور بعد وقت قصير، وحذف مقاطع الفيديو منه، بعدما لاحظ العديد من المستخدمين وجود فارق في التوقيت والتواريخ بين تسجيلات المراقبة الثلاثة، رغم أنّها من مدن تقع في منطقة زمنية واحدة، ناهيك عن عدم توافق توقيت القصف (الساعة السادسة و59 دقيقة مساءً بتوقيت غزة) مع توقيت المشهد المشار إليه في الفيديو (الساعة السابعة و59 مساءً).

حركة الجهاد الإسلامي تنفي اتهامات إسرائيل

نفت حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عن القصف الذي استهدف ساحة المستشفى المعمداني في مدينة غزة، والذي أدّى إلى مقتل المئات. ووصفت الحركة الاتهامات التي وجّهتها لها إسرائيل بـ"الأكاذيب"، التي تسعى من خلالها لتبرير استهدافها للمشافي والتهرب من مسؤوليتها عن جريمة قصف المستشفى المعمداني. وذكّرت الحركة بالتهديدات وأوامر الإخلاء التي تلقّتها المستشفيات من سلطات الاحتلال، واعتبرت التضارب في رواياتها مؤشرًا على الكذب.

اقرأ/ي أيضًا

مؤشرات تنافي رواية إسرائيل حول عدم مسؤوليتها عن مجزرة مستشفى المعمداني

شبح الإلغاء: لماذا يخشى نجوم هوليوود مساندة الفلسطينيين؟

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة