مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تشهد الولايات المتحدة تصاعدًا في حملات التضليل الإعلامي التي تستهدف شرائح معينة من المجتمع، وعلى وجه الخصوص الجاليات المهاجرة والأقليات العرقية. وفي السنوات الأخيرة، أصبح التضليل السياسي أكثر انتشارًا وتعقيدًا، إذ يُستخدم بطرق تهدف إلى زعزعة الثقة في العملية الديمقراطية، واستهداف الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، مما يزيد من تفاقم التحيزات والانقسامات الاجتماعية.
وتواجه الجاليات المهاجرة في الولايات المتحدة تحديات مضاعفة بسبب الفجوة في التغطية الإعلامية، والتحيزات المتأصلة تجاههم، وخلال الحملات الانتخابية، تُستغل هذه الفئات من خلال نشر معلومات مضللة تهدف إلى تشويه الحقائق حول حقوقهم، وقدرتهم على المشاركة السياسية. كما تُستخدم هذه المعلومات أيضًا كأداة لجذب مؤيدين، أو لتصعيد المنافسة بين المرشحين السياسيين. وتشير بعض الدراسات إلى أن التضليل الموجه ضد هذه الفئات يعتمد بشكل كبير على استغلال الحواجز اللغوية والثقافية، مما يجعل عملية تصحيح هذه المعلومات المضللة أكثر صعوبة.
إضافة إلى ذلك، يتم استهداف الجاليات المهاجرة بطرق متنوعة تشمل حملات التضليل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والادعاءات الكاذبة خلال المناظرات السياسية، وحتى نشر معلومات غير صحيحة حول حقوقهم ومدى قدرتهم على المشاركة في الانتخابات.
تأثير التضليل حول تصويت المهاجرين غير النظاميين على الجاليات المهاجرة
وفقًا لتقارير إعلامية أميركية، بدأ الجمهوريون من حركة "MAGA" بإعداد الساحة لإنكار نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، من خلال تروّيج كذبة مفادها أن المهاجرين غير النظاميين يُسمح لهم بالتصويت، ويخططون لاستخدام هذا الادعاء كذريعة في حال حدوث هزيمة، عبر الإشارة إلى أن الأصوات غير القانونية هي السبب.
ليست هذه الادعاءات حول تصويت المهاجرين جديدة، فقد سبق للرئيس السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب أن زعم في عام 2016 أن ملايين المهاجرين غير النظاميين صوتوا لصالح هيلاري كلينتون، ولكن التحقيقات حينها لم تسفر عن أي دليل يدعم هذا الادعاء. ومع اقتراب موعد الانتخابات، تشير التوقعات إلى أن الجمهوريين قد يواصلون تقديم طعون قانونية واهية ورفض التصديق على النتائج، زاعمين أن الانتخابات مزورة.
كما تؤكد تقارير ودراسات سابقة، بأن حالات تصويت المهاجرين غير النظاميين نادرة جدًا، إذ تم توثيق أقل من 100 حالة تصويت غير قانوني لغير المواطنين بين عامي 2002 و2022، من بين أكثر من مليار صوت قانوني.
ويُستخدم هذا النوع من الادعاءات المضللة كأداة للتأثير السياسي، من خلال إثارة المشاعر المعادية للمهاجرين وإشاعة الشكوك حول نزاهة العملية الانتخابية، وتُسهم هذه المعلومات المضللة في تعميق التحيزات الاجتماعية ضد المهاجرين، سواء كانوا نظاميين أو غير نظاميين. فبالنسبة للمهاجرين النظاميين، تعزز هذه الادعاءات التمييز والعنصرية ضدهم وتثير مخاوفهم حول استغلالهم كأداة سياسية، مما يضعف ثقتهم في العملية السياسية.
أما بالنسبة للمهاجرين غير النظاميين، فإن هذه الادعاءات تزيد من مخاوفهم من التعرض للتدابير القانونية وتضعهم تحت دائرة الشك العام، رغم عدم مشاركتهم الفعلية في التصويت. وفي النهاية، تُسهم هذه المعلومات المضللة في خلق بيئة تبرر تشديد قوانين الهجرة، واتخاذ إجراءات أكثر صرامة، مما قد يؤثر بشكل سلبي على مستقبل الجاليات المهاجرة في الولايات المتحدة.
ادعاء ترامب حول تناول المهاجرين للحيوانات الأليفة
خلال مناظرة رئاسية مع كامالا هاريس، ادّعى الرئيس السابق والمرشح الحالي، دونالد ترامب، أن المهاجرين في مدينة سبرينغفيلد بولاية أوهايو يتناولون الحيوانات الأليفة مثل الكلاب والقطط، وأثارت هذه التصريحات جدلًا واسعًا، لكن تحقيقات مستقلة، منها تحقيق أجراه مسبار، أكدت عدم وجود أي تقارير محلية تدعم هذه المزاعم.
وفي السياق، صرّح مسؤول في مدينة سبرينغفيلد لقناة أي بي سي نيوز، بعدم تسجيل أي تقارير موثوقة تشير إلى تعرض الحيوانات الأليفة للأذى من قِبل المهاجرين. كما نفت شرطة سبرينغفيلد وجود شكاوى بشأن سرقة أو تناول الحيوانات الأليفة، ما يتناقض بشكل واضح مع تصريحات ترامب.
من جانبه، أدلى نائب حملة ترامب، جي دي فانس، بتصريحات مشابهة في سبتمبر، زاعمًا أن مهاجرين غير قانونيين اختطفوا حيوانات أليفة وتغذوا عليها. غير أن شبكة إن بي سي نيوز نقلت عن الشرطة تأكيدها لعدم وجود أدلة تدعم هذه الادعاءات.
ورغم نفي المسؤولين لهذه الادعاءات، أظهر استطلاع أجرته شركة YouGov بعد المناظرة أن غالبية مؤيدي ترامب 52 في المئة، يصدقون الادعاء حول اختطاف المهاجرين الهايتيين للكلاب والقطط الأليفة وتناولها. وعند استبعاد المشاركين "غير المتأكدين"، كانت نسبة من يرون الادعاء "ربما صحيح" ضعف نسبة من يرونه "ربما خاطئًا".
إضافةً إلى افتقار ادعاء ترامب لدليل حقيقي، يمثل هذا النوع من المعلومات المضللة خطرًا مباشرًا على المهاجرين، فإن مثل هذه الادعاءات تُعزز الصور النمطية السلبية وتُغذي مشاعر الكراهية تجاه الجاليات المهاجرة، مما يزيد من احتمالات تعرضهم للتمييز والاعتداءات.
التضليل يستهدف الأقليات العرقية في الانتخابات الأميركية المقبلة
في تقرير صادر في أغسطس/آب الفائت، أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش، بأن المعلومات المضللة، التي تتزايد مع اقتراب الانتخابات الأميركية، تستهدف بشكل متزايد مجتمعات الأقليات العرقية، وأثار التقرير مخاوف من أن يؤدي هذا التضليل إلى تغيير أنماط التصويت وربما يؤثر على نتائج الانتخابات الرئاسية وغيرها.
وأوضحت المنظمة أن التضليل، وهو نشر متعمد لمعلومات خاطئة بقصد التضليل، قد يشمل نشر معلومات مربكة حول عملية التصويت، ما يعادل قمع الناخبين، مشيرة إلى أن مجتمعات ذوي البشرة السوداء، اللاتينيين، والمهاجرين تتأثر بشكل كبير بهذا النوع من التضليل، إذ يتم استغلال الصدمات الجماعية السابقة لزعزعة ثقتهم في التصويت.
على سبيل المثال، في انتخابات 2020، استهدف التضليل الناخبين اللاتينيين في فلوريدا بإعلانات كاذبة تربط الرئيس جو بايدن بالزعماء القمعيين مثل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. كما وجد المهاجرون الذين يعتمدون على المحتوى المترجم أنفسهم عُرضة لسوء الترجمة في مجموعات واتساب ومنصات أخرى، إذ تخضع مراقبة المحتوى باللغة الإسبانية لقيود.
وذكرت المنظمة أن التضليل المرئي والصوتي أكثر صعوبة في الكشف عنه مقارنة بالنصوص، وتزيد هذه التهديدات مع تطور الذكاء الاصطناعي، الذي يمكّن الجهات المضللة من إنتاج محتوى واقعي بشكل سريع ومنخفض التكلفة، واستهداف الأقليات بدقة عالية.
واختتمت هيومن رايتس ووتش، بدعوة المسؤولين والجهات الإعلامية إلى توفير مصادر معلومات دقيقة وموثوقة، مع تحميل المنصات الرقمية مسؤولية احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في التصويت، لضمان نزاهة العملية الديمقراطية.
تأثير المعلومات المضللة على الناخبين اللاتينيين
أظهر تقرير من معهد الديمقراطية الرقمية للأميركتين (DDIA) أن الناخبين اللاتينيين، الذين يُعدون من الفئات الحاسمة في الانتخابات الأميركية المقبلة، يتعرضون بشكل كبير للمعلومات المضللة حول السياسة. وبيّن الاستطلاع، الذي شمل ثلاثة آلاف شخص من أصل لاتيني، أن المشاركين الأكثر انخراطًا سياسيًا، والذين يتابعون المحتوى الحزبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هم الأكثر عرضة لرؤية الادعاءات الكاذبة.
وأشار التقرير، إلى أن مستوى الشك لدى المستجيبين تجاه المعلومات المنتشرة قد يكون مؤشرًا إيجابيًا على وعيهم بالتضليل، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى تراجع الثقة في المعلومات الموثوقة، كما أن اللاتينيين يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار أكثر من غيرهم من الفئات الديموغرافية، إذ يعتمدون بشكل خاص على منصة يوتيوب كمصدر رئيسي للأخبار السياسية مقارنةً بغيرهم، سواء كانوا من المتحدثين بالإسبانية أو ثنائيي اللغة.
ومن ناحية أخرى، وجد باحثون من مركز الإعلام العام بجامعة واشنطن أن منصات تيك توك وإنستغرام وفيسبوك، لا تطبق بعض سياساتها الخاصة بمواجهة المعلومات المضللة الانتخابية باللغة الإسبانية، فعلى سبيل المثال، بينما تُوجّه عمليات البحث باللغة الإنجليزية حول مصطلحات مثل "سرقة الانتخابات" أو "تزوير الانتخابات"، المستخدمين، إلى صفحات تحتوي على معلومات موثوقة عن انتخابات 2024، لا تُطبّق هذه التدابير بشكل مماثل عند البحث باللغة الإسبانية، مما يزيد من تعرض المجتمعات اللاتينية للمعلومات المضللة.
وأكدت ميتا أنها زادت من إرسال المحتوى بالإسبانية لتدقيق الحقائق منذ عام 2020، بينما انتقدت منظمات مثل الصحافة الحرة نقص الشفافية والتراجع عن وعود سابقة من قبل منصات التواصل الاجتماعي بخصوص مراقبة المحتوى بلغات غير الإنجليزية.
التضليل حول المهاجرين في انتخابات 2024
أظهرت دراسة لمؤسسة KFF، حول التضليل المتعلق بالمهاجرين في انتخابات 2024 انتشارًا واسعًا للمعلومات الكاذبة الموجهة نحو المهاجرين، ما أثار قلقًا بشأن تأثيرها المحتمل على أنماط التصويت، ووجدت الدراسة أن غالبية الأميركيين سمعوا ادعاءات مضللة من المرشحين والمسؤولين السياسيين، مثل الادعاء بأن المهاجرين يتسببون في زيادة الجرائم العنيفة بنسبة 80 في المئة من البالغين، وأنهم يأخذون وظائف المواطنين بنسبة 74 في المئة، مما يؤدي إلى ارتفاع البطالة.
في المقابل، أشار 69 في المئة من المستجيبين إلى أنهم سمعوا ادعاءً صحيحًا يفيد بأن المهاجرين يساهمون في سدّ النقص في العمالة في قطاعات حيوية، مثل الزراعة والبناء والرعاية الصحية، لكن نسبة أقل بكثير، تقدر بـ 31 في المئة، سمعوا الادعاء الصحيح بأن "المهاجرين غير الشرعيين يدفعون مليارات الدولارات كضرائب سنوية".
ووفقًا للدراسة، يتبنى جزء كبير من الأميركيين موقفًا مترددًا حول صحة هذه الادعاءات، إذ يرى البعض أن هذه الادعاءات إما "ربما صحيحة" أو "ربما خاطئة". فعلى سبيل المثال، يعتقد 56 في المئة من البالغين أن الادعاء الكاذب حول زيادة الجرائم العنيفة بسبب المهاجرين "ربما صحيح" أو "ربما خاطئ". أما فيما يخص الانقسامات الحزبية، فقد أظهرت الدراسة فروقًا واضحة، إذ يميل الجمهوريون إلى تصديق الادعاءات الكاذبة حول المهاجرين أكثر من الديمقراطيين، فعلى سبيل المثال، يؤمن 45 في المئة من الجمهوريين بأن ادعاء زيادة الجرائم العنيفة بسبب المهاجرين "صحيح بالتأكيد"، بينما يرى 39 في المئة من الديمقراطيين أن هذا الادعاء "خاطئ بالتأكيد".
تأثير خطاب المرشحين على المهاجرين
وكان لخطاب المرشحين تأثير مباشر على المهاجرين، إذ أفاد 36 في المئة من المهاجرين بأن تصريحات ترامب أثرت سلبًا على معاملتهم، وترتفع النسبة بين المهاجرين الآسيويين إلى 45 في المئة. في المقابل، قال 72 في المئة من المهاجرين إن خطاب نائبة الرئيس كامالا هاريس لم يؤثر سلبًا عليهم، بينما شعر 30 في المئة من المهاجرين الآسيويين بأن خطابها كان له تأثير إيجابي.
كما كشفت الدراسة عن ارتباك واسع بين الأميركيين حول أهلية المهاجرين للحصول على برامج الدعم الحكومية، نظرًا لتصريحات ترامب التي زعمت استنزاف المهاجرين غير النظاميين لهذه البرامج، يعتقد الكثيرون خطأً أن المهاجرين مؤهلون للحصول على التأمين الصحي الفيدرالي فور وصولهم، على الرغم من أن القوانين الفيدرالية تفرض قيودًا صارمة على الأهلية لهذه البرامج.
أولويات الناخبين من المهاجرين في الانتخابات الرئاسية الأميركية
فيما يتعلق بأولويات الناخبين من المهاجرين، يولي المهاجرون الحاصلون على الجنسية والمسجلون للتصويت في الولايات المتحدة أهميةً لقضايا مشابهة لتلك التي يهتم بها الناخبون الأميركيون عمومًا، مع تمتعهم بحافز قوي للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، إذ يُشكّل المواطنون المجنسون حوالي نصف عدد المهاجرين في البلاد، وهم مؤهلون للتصويت، ومن بين هؤلاء، أفاد حوالي 53 في المئة بأنهم يشعرون بدافع أكبر للتصويت هذا العام مقارنة بالانتخابات الرئاسية السابقة، وفقًا للدراسة، وهي نسبة قريبة من نسبة الناخبين الأميركيين الذين أبدوا الشعور ذاته (59 في المئة).
وتُظهر النتائج، أن الناخبين من المهاجرين يضعون الاقتصاد والتضخم (39 في المئة) وتهديدات الديمقراطية (24 في المئة)، على رأس قائمة أولوياتهم في الانتخابات الرئاسية، وفي المقابل، أفاد حوالي 9 في المئة من الناخبين المهاجرين، بأن الهجرة وأمن الحدود هي القضايا الأهم بالنسبة إليهم، تليها قضايا مثل برنامج الرعاية ميدي كير والضمان الاجتماعي (8 في المئة)، والإجهاض (5 في المئة)، والحرب على غزة (5 في المئة).
أما من ناحية الانقسامات الحزبية، فتُظهر نتائج الدراسة أن الناخبين من المهاجرين المنحازين إلى الحزب الجمهوري، يميلون أكثر من الديمقراطيين إلى التركيز على الاقتصاد والتضخم (51 في المئة مقابل 32 في المئة). في المقابل، يضع المهاجرون المنحازون نحو الديمقراطيين الأولوية لتهديدات الديمقراطية (35 في المئة مقابل 3 في المئة)، وقضية الإجهاض (7 في المئة مقابل 1 في المئة).
اقرأ/ي أيضًا
دور إيلون ماسك في نشر المعلومات المضللة والتأثير على الانتخابات الأميركية
الانتخابات الأميركية: أبرز الادعاءات المضللة والزائفة عن المرشح الرئاسي دونالد ترامب