` `

هل التنمية البشرية وتطوير الذات علمين منفصلين أم بينهما رابط؟

علوم
10 أغسطس 2021
هل التنمية البشرية وتطوير الذات علمين منفصلين أم بينهما رابط؟
التنمية البشرية هي تفاعلٌ معقدٌ بين علم النفس وعلم الأحياء والمجتمع (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

يختلط مفهوميّ علم التنميه البشريه وتطوير الذات على العديد من الأشخاص في كثيرٍ من الأحيان؛ إذ تعتبر التنمية البشرية المقياس الأهم لتقدم الدول والجماعات المتنوعة، بينما يشير مصطلح تطوير الذات إلى تطوير الفرد ضمن المجتمع؛ لهذا فإن مفهوم التنمية البشرية أعم وأوسع، ويُعتبر العلم الأساسي الذي تتفرع منّه مجموعة أخرى من العلوم، التي سنعمل على مناقشتها، ومحاولة التفريق بينها، وتوضيح أهم المفاهيم المتعلقة فيها.

هل يرتبط علم التنمية البشرية وتطوير الذات معًا؟

الحقيقة أن علم التنمية البشرية ومفهوم تطوير الذات مرتبطين معًا بعلاقة وطيدة وتبادلية؛ إذ يعتبر تطوير الذات أو علم التنمية الذاتية جزءًا من التنمية البشرية، ويعبّر عن معرفة ووعي الأشخاص بقيمتهم وأهميتهم في المجتمع، وكيفية الاستفادة من طاقاتهم القصوى في خدمة المجتمع؛ للنهوض بالمجتمع عن طريق التركيز على المهارات والقدرات، التي يمتلكها الإنسان وتطويرها؛ للوصول إلى التنمية البشرية للمجتمع بالكامل، بهذا يمكن القول أن تطوير الذات هو المرحلة الأولى من مراحل التنمية البشرية.

ما هو علم التنمية البشرية؟

التنمية البشرية هي تفاعلٌ معقدٌ بين علم النفس وعلم الأحياء والمجتمع والتركيز على تنمية الأفراد الموهوبين؛ مثل مفهوم الذكاء في علم النفس، وهي فرعٌ من علوم النفس التي تهدف بشكلٍ أساسيٍّ لفهم تطوّر الناس في كافة المجالات من ناحية النمو والتطور الفكري والمجتمعي؛ إذ يقاس بها مقدار تطوّر الشعوب؛ من ناحية التعليم والصحة والثروة والأمن والحقوق والسلامة البيئية، والعديد من المؤشرات التي تحدد مقدار تطوّر الأمم ويتم تصنيف الدول بحسبها، كما يساعد هذا العلم على فهم العلاقات بين الأفراد، التي تضبطها ضوابط معينة وقوانين محددة تعتمد على فهم نموّهم وتطوّرهم، وهذا في الواقع سبب الخلط بين علم التنميه البشريه وتطوير الذات؛ إذ يشترك المصطلحان في العديد من الأمور التي سنتحدث عنها لاحقًا.

هل التنمية البشرية علم؟

التنمية البشرية لا تعتبر علمًا حقيقيًا بالرغم من إطلاق هذا المصطلح عليها أحيانًا، لكنها في الحقيقة دراسة تمّ إطلاقها من قبل الاقتصادي محبوب الحق، الذي ركّز على أنها قائمة على تحسين حياة الناس وتحقيق الرفاهية لهم في مختلف المجالات، ثم بدأ العلماء بعدها يضعون نظريات في علم التنميه البشريه وتطوير الذات؛ لدراسة الجوانب والمراحل المختلفة وتقسيمها إلى عدة مراحلٍ أساسيةٍ؛ إذ سنتحدث هنا عن بعض النظريات التي تحدّد مراحلها بشكل مفصّل:

نظرية التطور النفسي

وهي نظرية أطلقها إريكسون؛ حيث قسّم فيها علم التنميه البشريه وتطوير الذات إلى 8 أجزاءٍ متتاليةٍ، تعتبر المراحل الأساسية، وهذه المراحل هي: 

  • مرحلة الثقة مقابل عدم الثقة: تعتبر هذه المرحلة أولى مراحل التطوّر البشري، ويكتسب فيها الطفل الثقة بناءً على تفاعل الوالدين معه؛ إذ تكون احتياجاته بسيطة ومتمثلةً في إطعامه وتغيير الحفاظ فقط، وعند تلبية حاجاته بشكلٍ سريعٍ يتعلّم الطفل أن اعتماده على الآخرين جيّد ويحقّق له مطالبه ويكسبه الثقة، أما في حال التأخّر في تلبية طلباته فيشعر بعدم الثقة تجاه الآخرين.
  • مرحلة الاستقلالية: هذه المرحلة أيضًا تعتمد على المحيطين بالطفل ومقدار اعتمادهم عليه؛ فإذا نشأ الطفل في بيئةٍ توفّر له جميع متطلباته دون تعبٍ أو محاولة استكشاف العالم المحيط؛ فسيكون معتمدًا على الآخرين وغير قادر على اكتشاف قدراته أمام الأطفال الذين يحصلون على تشجيع لاكتشاف العالم وحدهم؛ حيث ستطوّر ثقتهم بأنفسهم ويشعرون بالكفاءة الذاتية، وهذا يستلزم من الأهل الثقة بقدرات الطفل ومنحه مساحةً معينةُ؛ ليختبر قدراته دون مساعدة؛ مثل محاولة المشي لوحده.
  • مرحلة ما قبل المدرسة: في هذه المرحلة العمرية يتعلّم الأطفال التعبير عن رغباتهم وحاجاتهم؛ إذ يجب حثُّ الطفل على المبادرة وطلب حقوقه وعدم الخجل؛ ليتعلم أن المطالبة بالحقوق أمر جيد ومفيد.
  • مرحلة المدرسة: في هذه المرحلة تبدأ المقارنة مع الأطفال الآخرين من ناحية المهارات والإنجازات؛ فإذا أظهر الطفل تفوقًا عن أقرانه ينمو لديه شعورًا باحترام الذات، أما النتائج السلبية فقد تنمّي عند الطفل شعورًا بالنقص.
  • مرحلة المراهقة: تُعرف هذه المرحلة بمرحلة الهوية مقابل ارتباك الدور، التي يحاول فيها المراهق إثبات نفسه بعيدًا عن تأثير والديه والمحيطين به، ويسعى لتحقيق اهتماماته الخاصة ودوره في المجتمع.
  • مرحلة الشباب: تبدأ هذه المرحلة في عمر العشرين؛ حيث يبدأ الشباب فيها بتكوين علاقات عاطفية دائمة؛ فإن نجحت يجنون فوائدًا عاطفيةً، أما في حال فشل العلاقات العاطفية وصعوبة الحفاظ عليها فيبدأ الشعور بالعزلة، وهذا ينطبق أيضًا على علاقات الصداقة.
  • مرحلة التوليد مقابل الركود: في هذه المرحلة يبدأ الأشخاص بتكوين الأسرة وتربية الأطفال وخوض غمار العمل؛ فيشعر الشخص الذي يمتلك أسرة وأطفال ووظيفة مهمة في نظره بالرضا أكثر من الأشخاص الذين يمارسون أعمالًا يعتقدون أنها بلا معنى ولا يمتلكون اسرة.
  • مرحلة النزاهة مقابل اليأس: في هذه المرحلة ينظر الأشخاص الى حياتهم السابقة وإلى إنجازاتهم في تكوين أسرةٍ ناجحةٍ، ويشعرون بالرضا مقابل الأشخاص الذين ينظرون إلى أسرهم بعدم الرضا؛ فيدخلون في سن اليأس.

نظرية التطور المعرفي

ينتقد الكثير من العلماء نظرية التطوّر النفسي لإريكسون باعتبارها نظرية تركّز على مرحلة الطفولة، وتغفل كثيرًا التطوّر في المراحل الأخرى؛ لذلك وضع العلماء نظريات أخرى لتطوير التنمية البشرية؛ منها نظرية التطور المعرفي، التي طوّرها جان بياجيه، وتعتمد على 4 مراحل تُستخدم بشكلٍ واسعٍ في برامج التعليم المتنوعة، وإعداد المعلمين لتوجيه الطلبة، وهذه المراحل هي:

  • المرحلة الحسية: تبدأ من الولادة إلى عمر السنتين، ويتعلّم فيها الأطفال أن الأشخاص والأشياء تبقى موجودة حتى في حال عدم رؤيتها.
  • مرحلة التفكير الرمزي: وهي المرحلة من عمر السنتين إلى 7 سنوات عندما يبدأ الأطفال بتطوير التفكير الرمزي؛ للوصول إلى التفكير الملموس، ثم التفكير المجرّد، وتتميز هذه المرحلة بامتلاك الأطفال أصدقاءً وهميين.
  • مرحلة التشغيل الملموسة: تبدأ المرحلة من عمر 7 سنوات إلى 11 سنة، ويبدأ حينها الأطفال في فهم الأسباب والنتائج بشكلٍ أفضلٍ مع فهم الآثار المنطقية للأفعال.
  • مرحلة التشغيل الرسمية: تمتد هذه المرحلة من المراهقة إلى البلوغ، ويبدأ فيها التخطيط للمستقبل وتحمّل المسؤوليات بشكلٍ أكبرٍ.

نظرية التطور الأخلاقي

قام لورنس كولبرج بابتكار هذه النظري،ة وهي إحدى نظريات التنمية البشرية التي تقوم على مفاهيم التطوّر الأخلاقي، وتتكوّن من المراحل التالية:

  • مرحلة ما قبل التقليدية: في هذه المرحلة يتبع الأشخاص القواعد؛ لخوفهم من العقاب، ويتخذون القرارات بناءً على مصالحهم المُطلقة.
  • المرحلة التقليدية: في هذه المرحلة يتصرّف الأشخاص وفقًا لقواعد المجتمع والعادات؛ لتجنّب أحكام المجتمع والحفاظ على الأنظمة الموجودة بالفعل.
  • مرحلة ما بعد التقليدية: يتصرّف الأشخاص بناءً على قواعد الصالح العام للمجتمع، ويكون الاهتمام الحقيقي برفاهية المجتمع.

النظرية النفسية الجنسية

أطلق سيغموند فرويد النظرية النفسية الجنسية، التي تتكوّن من خمس مراحلٍ وهي:

  • المرحلة الفموية: تمتد هذه المرحلة منذ الولادة وحتى العام الأول، ويبدأ فيها الطفل بتعلّم المصّ والبلع.
  • مرحلة الشرج: تمتد هذه المرحلة من عمر 1-3 سنوات، ويتعلّم فيها الأطفال استخدام الحمام، وطرد البراز من الشرج.
  • المرحلة القضيبية: تبدأ من عمر 3-6 سنوات، وفيها يكتشف الطفل أن أعضائه التناسلية قد تمنحه المتعة.
  • مرحلة الكُمون: تبدأ من عمر 6 سنوات إلى سن البلوغ، وفيها تبدأ عملية تطوير العقل والعواطف بدلًا من التطوّر الجسدي.
  • مرحلة الأعضاء التناسلية: في هذه المرحلة يتعلّم الأشخاص التعبير عن أنفسهم جنسيًا.

النظرية السلوكية

وهي نظرية تعتمد على سلوكيات الشخص بدلًا من المشاعر، كما يعتقد أصحاب هذه النظرية أن تغيير السلوك سيُغيّر المشاعر، وتُركّز النظرية على العلاقات العميقة مع الأشخاص لتطوير العلاقات في المستقبل، وبهذا تحثّ الأطفال على تطوير الروابط القوية مع الأفراد في مرحلة الطفولة؛ لبناء الثقة وتطوير العلاقات في المستقبل. تتكوّن هذه النظرية في المجمل من 4 مراحل وهي:

  • مرحلة ما قبل التعلّق: وهذه المرحلة التي يكون فيها الطفل غير اجتماعي، وتبدأ منذ الولادة وحتى عمر 6 أسابيع.
  • الحجز العشوائي: تمتُد من 6 أسابيع إلى 7 أشهر.
  • مرفق محدد: تمتُد من عمر 7-9 أشهر.
  • مرفق متعدد: تبدأ من عمر العشر أشهر.

نظرية التعلم الاجتماعي

هذه النظرية مرتبطة نوعًا ما بالنظرية السلوكية، وتفترض أن الأشخاص يتعلّمون من خلال مراقبة السلوك والتقليد، كما أن الأشخاص الذين يراقبون السلوكيات والنتائج عندها يقومون بتحديد طريقة السلوك الخاص بهم، ولهذه النظرية 4 مراحل تتمثل فيما يلي:

  • الانتباه: ملاحظة سلوك الأشخاص المحيطين.
  • الاستبقاء: يقارنون بين السلوك والعواقب.
  • التكاثر: تطوير القدرة على تقليد السلوكيات وإعادة إنتاج ما يريدون منها.
  • التحفيز: وهي مرحلة التطبيق للسلوكيات.

ما هو الفرق بين التنمية البشرية وعلم النفس؟

قد تختلط علينا بعض المفاهيم الأساسية؛ مثل مفهوم علم التنميه البشريه وتطوير الذات ومفهوم علم النفس، إضافةً إلى بعض المصطلحات المرتبطة؛ فيتصوّر البعض أن المصطلحات متداخلة، والحقيقة أن هذا الأمر خاطئ تمامًا؛ لأن علم النفس علم قائم بحد ذاته يعتمد على مجموعة من النظريات والأبحاث والتجارب طويلة المدى، أما التنمية البشرية التي نُخطئ حين وصفها بالعلم؛ فهي مجرد ظاهرة حديثة تهتم بحلّ المشاكل المستعصية والبسيطة، كما أنها تهدف إلى توفير الرفاهية للأفراد من خلال تطوير قدراتهم ومعارفهم للوصول إلى تطوير المجتمع بالكامل، أما علم النفس فيبحث في وسائل النمو والتطوّر، ويعتمد على مجموعة من الحقائق والدراسات الأكيدة، التي تُعطي طريقة مُفصّلة لفهم النفس البشرية وطريقة تطورها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يمكن معرفة المسافة بين الأرض والقمر؟

هل الثقب الأسود حقيقي؟

هل ينطبق قانون نيوتن الثالث على الحياة العملية؟

هل السفر عبر الزمن ممكن؟

هل يمكن تفسير الذكاء العاطفي علميًا؟

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على