تحقيق مسبار
يتساءل الكثير من العرب والمسلمين فيما لو كانت الأندلس هي إسبانيا، حيث يرتبط ذكر الأندلس بعصر الفتوحات الإسلامية، وكثيراً ما يستحضره العرب اليوم كأحد العصور الذهبية لازدهار الحضارة العربية الإسلامية، وامتدادها عبر العالم في آسيا وأوربا وأفريقيا. ويجد هذا الحنينُ إلى زمان الأندلس مبرراته في ما خلّفته هذه الحضارة من مآثر وموروث ثقافي وفنّي عريق، لا يزال حاضراً في بعض البلدان الأوروبية وبلدان شمال إفريقيا.
تسلِّط هذه المقالة الضوء على تاريخ الأندلس، وتُبرز جذورها الثقافية، وتحدد طبيعة علاقتها بإسبانيا، وتجيب على سؤال: هل الأندلس هي إسبانيا؟
أين ظهرت الأندلس؟
ارتبط اسم الأندلس بشبه الجزيرة الإيبيرية. ويُقصد جغرافياً بإيبيريا شبه الجزيرة الواقعة في أقصى جنوب غربيِّ أوروبا، ويحدُّها من الشرق والجنوب الشرقي البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب والغرب المحيط الأطلسي، ومن الشّمال سلسلة جبال البرانس التي تفصلها عن فرنسا، أمّا جنوباً فتطلّ شبه جزيرة إيبيريا على القارة الأفريقية عبر مضيق جبل طارق، الذي يفصلها عن مدينة طنجة المغربية، وتزيد مساحتها على 582 ألف كيلومتر مربع.
متى بدأت قصة الأندلس؟
يعود تاريخ فتح الأندلس إلى بدايات شهر رجب سنة 92هـ/711م، عندما عبَر الجيش الإسلامي بقيادة القائد الأمازيغي طارق بن زياد من المغرب باتّجاه الأندلس، في الضفة الأوروبية من المضيق الذي سيُسمّى باسمه. جاء عبور طارق بن زياد بتكليف من الوالي الأموي موسى بن نصير. حيث قاد طارق بن زياد في فتح الأندلس جيشاً مكوناً من 12 ألف مقاتل، امتزج فيهم العرب بالأمازيغ، واشتهر هذا الفتح بخطبة شهيرة تُنسب فيها إلى القائد طارق بن زياد المقولة الشهيرة "العدوّ أمامكم والبحر وراءكم"، بعد أن عَمَد إلى إحراق السّفن حتى لا يتراجع جنوده.
انتصر المسلمون في هذا الفتح على ملك القوط لوذريق، ثم تواصلت بعد ذلك معارك الفتوحات على يد الولاة الأمويين، مثل السمح بن مالك الخولاني وعنبسة بن سحيم الكلبي وعبد الرحمن الغافقي، لتشمل الجنوب والوسط الفرنسي. وتوقفت على بعد كيلومترات من باريس بعد هزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء قرب مدينة بواتييه الفرنسية عام 114 هـ على يد شارل مارتِل.
ما أصل تسمية الأندلس؟
يُرجع بعض المؤرخين سبب تسمية بلاد الأندلس إلى بعض القبائل الجرمانية الهمجية الوافدة من شمال أوروبا، وبالضبط من اسكندنافيا من بلاد السويد والدنمارك والنرويج وغيرها. ويشير هؤلاء المؤرخون إلى أن هذه القبائل غزت شبه الجزيرة الإيبيرية، التي ستصبح لاحقاً منطقة الأندلس، وعاشت فيها فترة من الزمن. وكانت هذه القبائل تسمى الفِندال أو الوِندال باللغة العربية، فسُمِّيت هذه البلاد بفانداليسيا، على اسم القبائل التي كانت تعيش فيها. وبمرور الزمن تحرَّف الاسم إلى أندوليسيا فالأندلس. وقد كانت هذه القبائل تتسم بالوحشية، التي يقابلها في اللغات الجرمانية لفظ Vandalism الذي يُعتقد أنه أصل التسمية. ويؤكد المؤرخون أن سكان شبه الجزيرة الإيبيرية المسلمين في العصر الوسيط لم يستعملوا سوى لفظ “أندلسي”، لتسمية كل ما يتعلق بالجزء الذي دخل في الإسلام من إسبانيا القديمة الرومانية أو القوطية. ومن المحقّق أن الفاتحين العرب استخدموا لفظ الأندلس دون غيره وفضلوه على “هسبانيا” أو “سبانيا” أو كما يلفظونه “إشبانيا”.
ما هي الدول التي تعاقبت على حكم الأندلس؟
دام الوجود العربي الإسلامي في الأندلس من 711م إلى 1492م تاريخ سقوط إمارة غرناطة آخر إمارات الأندلس. وهذا يعني أن الحضارة الأندلسية استمرت لما يناهز ثمانية قرون، كانت فيها منارةً للعلم والثقافة والتّحضّر في أوروبا، التي ظلت طوال هذه القرون غارقة في ظُلمات الجهل والصراعات الطائفية والدينية. لكن الأندلس نفسَها لم تسلم من هذه الصراعات السياسية، والتي أدّت بها باستمرار إلى الوقوع تحت هيمنة دول وممالكَ من المشرق والمغرب.
ويمكن إيجاز الحقب التاريخية التي مرت منها الأندلس، والدّول التي تعاقبت على حكمها كما يلي:
- حُكم الوُلاة (92هـ إلى 137هـ): هو العصر الذي كان يحكم فيه الأندلسَ وُلاة مكلَّفون من قِبل الدولة الأموية، وتميزت هذه الحقبة بعدم الاستقرار وخسارة المسلمين لكل المدن التي فتحوها في فرنسا وفي شمال شبه الجزيرة الإيبيرية.
- حكم الدولة الأموية (137 هـ إلى 422 هـ): بدأ بوصول عبد الرحمن الداخل الأمير الأموي الفارّ من مطاردة العباسيين، والذي نجح في تأسيس دولة قوية، جددت دولة الأمويين في المغرب بعد انهيارها في المشرق.
- حكم الدولة العامرية (366هـ-399هـ): يُعد هذا الحكم جزءاً من العصر الأموي، لأن السيادة الاسمية والرسمية كانت لخليفة أموي، فيما كانت السلطة والحكم الفعلي للحاجب المنصور محمد بن أبي عامر.
- حكم ملوك الطوائف (422 هـ إلى 479 هـ): في هذه الحقبة انقسمت الأندلس إلى أكثر من 20 ولاية، يحكم كل منها أسرة مهيمنة، وكانت أقوى تلك الممالك إشبيلية، التي استبد بها بنو عباد، وقرطبة التي هيمن فيها بنو جهْور، وبطليوس التي سيطر عليها بنو الأفطس.
- حكم المرابطين (479 هـ إلى 539 هـ): جاء استجابةً لملوك الطوائف بعد سقوط طليطلة في يد الجيوش المسيحية، فعبَر يوسف بن تاشفين من المغرب إلى الأندلس، وهزم ألفونسو ملك القوط في معركة الزلاقة الشهيرة.
- حُكم الموحدين (541 هـ إلى 609 هـ): كان آخر عهد لدولة قوية تمثل المسلمين في الأندلس، وقد ابتدأ بنصر كبير في معركة الأرَك، وانتهى بهزيمة تاريخية في معركة العُقاب. وقد كانت نتيجتها انهيار الممالك والإمارات الإسلامية واحدة بعد الأخرى، وسقوطها تحت الحكم المسيحي باستثناء غرناطة.
- مملكة غرناطة (635 هـ إلى 897هـ): قامت بعد انهيار دولة الموحدين في المغرب، وحظيت بدعم خلفائهم المرينيين، وأسّسها بنو الأحمر، وكانت آخر ممالك المسلمين في الأندلس.
هل الأندلس هي إسبانيا؟
يتبين من خلال ما سبق أن الأندلس ليست إسبانيا وحدها، بل كانت تشمل شبه الجزيرة الإيبيرية، التي تضم كلاً من إسبانيا والبرتغال. ولا تزال المدن الإسبانية اليوم شاهدة على الوجود العربي والإسلامي، بحواضرها الشهيرة التي من أهمها:
- غرناطة Granada
- قرطبة Córdoba
- طليطلة Toledo
- بلنسية Valencia
- إشبيلية Sevilla
شاهد آثار الأندلس في إسبانيا