تحقيق مسبار
تُثير نظرية المليار الذهبي جدلًا كبيرًا بين مُؤيديها ومُعارضيها، فمن ناحية، يعتبر المؤمنون بنظرية المليار الذهبي أنها حقيقة واقعية، ولا يُراودهم أي شك في صحتها، ومن ناحية أُخرى، يرى مُعارضو هذه النظرية أنها ليست إلا خُرافة لا تمُت للواقع بِصِلة.
ولعلّ من الأمور التي أعادت تسليط الضوء على نظرية المليار الذهبي و تسببت في طرحها كموضوع للنقاش هي جائحة كورونا، التي اعتبرها مُؤيدو نظرية المليار الذهبي دليل قاطع على صِحة تِلك النظرية. فما هي نظرية المليار الذهبي؟ وما هي علاقتها بجائحة كورونا؟ وما أصل هذه النظرية؟
يُقدم هذا المقال مجموعة من الحقائق التاريخية والعلمية، ويُجيب على عدد من الأسئلة حول نظرية المليار الذهبي، كالأسئلة سابقة الذكر بالإضافة إلى سؤال: هل نظرية المليار الذهبي علمية؟
ما هي نظرية المليار الذهبي؟
تنص نظرية المليار الذهبي على أن الموارد المُتاحة في كوكب الأرض، من مواد خام ووقود أُحفوري (مثل النفط والغاز الطبيعي) والمعادن والمياه وغيرها، بالإضافة إلى ما يتم إنتاجه من هذه الموارد من خلال الصناعة والزراعة، لا يكفي إلا لمليار نسمة فقط، وأن النُخبة التي تحكم الدّول المُتقدمة، تسعى لتقليص عدد سُكان العالم لِيُصبح مليار نَسَمة فقط، وبالطبع تنص النظرية على أن هؤلاء الذين يشملهم مُصطلح المليار الذهبي هُم سُكان هذه الدول المُتقدمة والتي تشمل: أوروبا الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وأستراليا، واليابان. ويدّعي المؤمنون بنظرية المليار الذهبي، أن النُخَب التي تحكم الدول المتقدمة، تستخدم كل الوسائل المُمكنة لتحقيق ذلك الهدف، أي تقليص عدد سُكان العالم، بما في ذلك الحروب، ونشر الأمراض، والتسبب في حدوث المجاعات وغيرها.
ومِن المُهم التفريق بين مُصطلح المليار الذهبي كمصطلح، وبين نظرية المليار الذهبي، حيث أن مُصطلح المليار الذهبي يُستخدم في سياقات مختلفة بعيدة عن نظرية المليار الذهبي، لِيُشير إلى مجموع سُكان الدول المتقدمة التي تحظى يمُستوى معيشي مُرتفع.
ما هو أصل نظرية المليار الذهبي؟
تستند نظرية المليار الذهبي بشكل رئيسي على الكتابات التي وضعها الاقتصادي البريطاني توماس مالتوس، والتي أصبحت تُعرف فيما بعد باسم النظرية المالتوسية. في نهايات القرن الثامن عشر، قام مالتوس بتأليف كتاب يحمل عنوان "مقالة حول التعداد السكاني وتأثيره على تقدم المجتمع في المستقبل"، في هذا الكتاب، ادّعى توماس مالتوس أن النمو السكاني سيظل دائمًا يتصاعد وبشكل مُتزايد، بِمُعدل يفوق بكثير مُعدلات النمو الاقتصادي، مما يعني أن المستوى المعيشي المرتفع والرفاهية الاجتماعية أُمور لا يُمكن تحقيقها، وبحسب وجهة نظر توماس مالتوس، فإن حل هذه المشكلة يكمن في تراجع مُعدلات النمو السكاني من خلال عدة عوامل، مثل الحروب والكوارث الجماعية كالأمراض والمجاعات، هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى كأن يلتزم عدد كبير من الناس بالامتناع عن الزواج والإنجاب. وهي الطريقة الوحيدة التي يُمكن من خلالها تحقيق مُستوى معيشي مُرتفع للناس طالما أن أعدادهم أصبحت قليلة.
أما بالنسبة لمُصطلح نظرية المليار الذهبي، فيُشير أحد المصادر إلى أنه ظهر وانتشر بعد أن استخدمه الكاتب أناتولي تسيكونوف في كتابه الذي يحمل عنوان "مُؤامرة حكومة العالم" والذي صدر في عام 1994.
ما علاقة نظرية المليار الذهبي بجائحة كورونا؟
يعتقد المؤمنون بنظرية المليار الذهبي أن نشر الأمراض هو أحد الوسائل المُستخدمة في عملية تقليص التعداد السُّكاني للعالم، ولهذا تم توظيف جائحة كورونا لدعم هذه المُعتقدات التي تستند إلى كتابات توماس مالتوس. فيما يخُص جائحة كورونا تحديدًا، ظهر الادّعاء القائل بأنها مؤامرة من أجل إبادة أعداد هائلة من سُكان العالم بناءًا على عدة نقاط مِنها:
- أن الفيروس المُسبب لجائحة كورونا تم تصنيعه بشكل مُتعمد في المُختبرات بحيث يتميز بخصائص مُعينة.
- أن الفيروس تم تصنيعه بشكل مُتعمد ليكون قاتلًا بالنسبة لِكبار السن بشكل خاص، وذلك لتتجنب الحكومات دفع الرواتب التقاعدية لهذه الفئة من الناس، على اعتبار أنهم يتقاضون مُرتبات دون أن يعملوا.
- أن النُخَب الحاكمة ستقوم بتفادي الإصابة بالمرض من خلال اتّباع إجراءات خاصة لا تتوفر للأشخاص العاديين.
إلاّ أن جميع هذه الادّعاءات تُخالف الواقع، فليس هُناك دليل قاطع بأن الفيروس تم تصنيعه في المُختبر بشكل متعمّد، كما أن الإحصاءات تُشير إلى أن الإصابة قد تحدث لجميع الناس بغض النظر عن أعمارهم، حتى وإن كانت خطورة المرض تزداد بزيادة عُمر المُصاب. أما بالنسبة للنقطة الثالثة، فقد تم الإعلان بشكل رسمي عن إصابة العديد من المشاهير من السياسيين والفنانين، منهم مثلًا المُمثل الأمريكي توم هانكس وزوجته، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وكذلك ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، بالإضافة إلى زوجة رئيس الوزراء الكندي جستِن ترودو، وغيرهم.
هل نظرية المليار الذهبي علمية؟
لا، لا يُمكن القول بأن نظرية المليار الذهبي عِلمية، إذ أنها لا تستند إلى أي دليل علمي قاطع يُؤكد صحتها، قد يكون هُناك بعض الشواهد أو الوقائع التي تتوافق مع بعض جوانب النظرية، لكن هذه الشواهد لا يُمكن اعتبارها أدلة قاطعة. على سبيل المثال، حاولت الحكومة الصينية السيطرة على مُعدل النمو السُكاني للشعب الصيني، لكنها لم تفعل ذلك من خلال إبادة شعبها أو نشر الأمراض بين أفراد الشعب، وإنما من خِلال تطبيق قانون يُعرف باسم سياسة الطفل الواحد.
جدير بالذكر أن حتى النظرية الاقتصادية التي تستند إليها نظرية المليار الذهبي، أي المالتوسية التي وضعها توماس مالتوس، تعرّضت للانتقاد وظهر فيها الكثير من نقاط الضعف التي تجعلها غير دقيقة، فيما يلي عدد من نقاط ضعف نظرية توماس مالتوس:
- لم يقم توماس مالتوس بتحديد المعايير التي استند إليها لوضع نظريته بشكل واضح.
- تأثر توماس مالتوس بالأوضاع الاقتصادية التي عايشها، ولم يتمكن من توقع نتائج الثورة الزراعية في نطاق بلاده أي بريطانيا.
- استطاعت بريطانيا أن ترفع إنتاجها الغذائي من خلال الثورة الزراعية بشكل كبير، ولم يصل إنتاج بريطانيا من الغِذاء إلى حد الكفاية فحسب، بل تجاوزه، أي أن بريطانيا حققت فائض في الإنتاج. وهو أمرُ يتعارض تمامًا مع وجهات نظر مالتوس.
- ظهرت العديد من وسائل منع الحمل في عالمنا، وتُستخدم اليوم للسيطرة على النمو السكاني بالفعل، أي أن السيطرة على النمو السُكاني مُمكنة، دون الحاجة للوسائل التي اقترحها توماس مالتوس، أي الحروب والمجاعات ونشر الأوبئة.
اقرأ\ي أيضًا: