تحقيق مسبار
عند الحديث عن الأسماك، فإنّ أول ما يتبادر إلى الذهن هو معلومات المدرسة أو الجامعة حول معيشة الأسماك بصورةٍ طبيعيةٍ في المياه سواءً في البحار أو المحيطات أو الأنهار أو المجاري المائية وغيرها، وبالتالي يكون من غير المألوف مشاهدة أسماكٍ تعيش في الطين أو سمكٍ يعيش في الصحراء كما يظهر في بعض مقاطع الفيديو المنتشرة عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
يجيب هذا المقال عن سؤال هل يوجد أسماك تعيش في الطين حقًا أو في الصحراء، وما هي حقيقة وجود أسماك الطين وكيف تتغذى هذه الأسماك وتعيش دون الحاجة للماء.
أسماك تعيش في المياه المالحة
توجد عديدٌ من أنواع الأسماك تعيش في المياه المالحة بصورةٍ طبيعيةٍ وتسمى هذه الأسماك أيضًا بالأسماك البحرية والتي تشمل التونة وبعض أنواع السلمون والسردين والرنجة والتراوت والأسماك المفترسة مثل أسماك القرش وغيرها من الأنواع. وتستطيع هذه الأسماك العيش في المياه التي تكون نسبة ملوحتها مرتفعةً نسبيًا وضمن أعماقٍ متباينةٍ وتشمل المياه المالحة البحار والمحيطات.
تميل معظم الأسماك التي تعيش في المياه المالحة إلى فقدان الماء، فمحتوى الملوحة العالي في المحيطات يتسبَّب في تدفُّق المياه باستمرارٍ من خلال خياشيم الأسماك. لذلك تحتاج الأسماك إلى شرب كمياتٍ كبيرةٍ نسبيًا من مياه البحر لتحافظ على محتواها المائي ورطوبة جسمها ولتعويض السوائل المفقودة ومن ثمّ التخلُّص من الأملاح الزائدة.
ومن أجل فهم كيف أنّ هذه الأسماك تعيش في المياه المالحة رغم وجود ملوحةٍ شديدةٍ في مياه البحر، فإنّها من أجل القدرة على العيش طورت هذه الأسماك طرائقًا لضخ الملح الإضافي سواءً من خلال الكلى أو باستخدام الخلايا المتخصصة في الخياشيم مع الحفاظ على توازن مستويات المياه لديها. حيث تنتج الكلى عند الأسماك التي تعيش في المياه المالحة كميات صغيرة من السوائل تحتوي على تركيزات عالية من الملح.
سمك يعيش في الصحراء
في الحقيقة لا يوجد نوعٌ من السمك يعيش في الصحراء في الدول العربية بصورةٍ دائمةٍ، لكنَّ بعض أنواع الأسماك المستزرعة في المصبات المائية والجداول والأحواض المائية الأخرى في الصحاري وخصوصًا أسماك القرموط (Catfish) من المحتمل أن تنتقل مع التيارات المائية أو الفيضانات إلى مناطقٍ أخرى في الصحاري، وهذه الأسماك قد تتمكن من العيش في بياتٍ صيفيًّ لفترةٍ طويلةٍ.
وفي بعض المناطق في الولايات المتحدة الأمريكية مثل أريزونا وكاليفورنيا وشمالي المكسيك يوجد نوعٌ من الأسماك يعيش في الصحراء بصورةٍ موسميةٍ يدعى سمكة البوب أو سمكة الواحات الصحراوية (Cyprinodon macularius) حيث يتواجد هذا النوع في الينابيع والمستنقعات والبحيرات وبرك المياه الضحلة، لكنّه يُفضل الأحواض الرملية وهذا النوع مهددٌّ بالانقراض حاليًا بسبب تدمير الموائل وتجزئتها.
تتغذى سمكة البوب على اللافقاريات المائية والنباتات، وتتميز أسماك البوب بقابليتها للتكيف بشكلٍ ملحوظٍ مع التغيرات السريعة في درجة الحرارة والملوحة. ومن المعروف أن سمك البوب يعيش في المياه العذبة والمالحة حتى التي تكون ذات ملوحةٍ أكبر من مياه البحر، كما يتحمل درجات حرارة أعلى من 38 درجة مئوية أو أقل من 10 درجات مئوية.
أمّا في بعض البلاد العربية وخصوصًا دول الخليج العربي أو المغرب العربي، فيوجد نوعٌ من الزواحف يُدعى سمك الصحراء أو سمك الرمال أو السقنقود واسمه العلمي (Scincus scincus) وهو يشبه الأسماك في جسمه، حيث يقضي معظم حياته مدفونًا تحت رمال الصحراء، ولا يخرج إلّا لتناول الطعام وإفراز الفضلات والتكاثر.
وعادةً ما تبقى زواحف سمك الصحراء في أعماقٍ من 1 إلى 3 سم تحت سطح الرمال خلال معظم حياتهم.
هل يوجد أسماك تعيش في الطين؟
نعم، هناك نوعٌ من الأسماك يدعى سمك نطاط الطين (Mudskipper) يمكنه أن يعيش في الطين لفتراتٍ زمنيةٍ طويلةٍ، كما يوجد أنواعٌ من الأسماك تدعى أسماك الطين mudfish تتبع لجنس Neochanna الذي ينتمي لفصيلة Galaxiidae تستطيع أن تعيش في الطين أيضًا.
أسماك الطين
تنتشر أسماك الطين في العديد من دول العالم وخصوصًا الدول الآسيوية مثل ماليزيا والصين وكذلك في استراليا ونيوزيلندا ودول أفريقيا، حيث تتبع هذه الأنواع إلى الجنس Neochanna الذي يتبع بدوره العائلة Galaxiidae وفي نيوزيلندا توجد 4 أنواعٍ معروفةٍ من أسماك الطين وهي أسماك الطين السوداء Black Mudfish، أسماك الطين الشمالية Northland Mudfish، أسماك الطين البنية Brown Mudfish، أسماك الطين كانتربري Canterbury Mudfish.
وعندما تجف موائل الأراضي الرطبة في الصيف، فإنّها تحفر في التربة أي الطين وتستقر فيه بلا حراكٍ وتتنفس الهواء وتبقى هكذا حتى يملأ أول فيضانٍ في الخريف الأراضي الرطبة ويملأ ملجأها لتخرج منه. وبالتالي تسمح هذه القدرة في بقاء الأسماك على قيد الحياة لفتراتٍ طويلةٍ من الجفاف.
ويمكن لسمك الطين الأفريقي أو سمك الرئة lungfish أن يعيش خارج الماء لعدة أشهرٍ في جحوره في الطين تحت مجرى مائي جاف.
تعيش أسماك الرئة في المياه الموحلة أو الطين منخفضة الأكسجين، وتتنفس عن طريق الخياشيم والمثانة الهوائية المفصصة التي تعمل بمثابة رئةٍ بدائيةٍ، لذلك يجب أن تظهر إلى السطح بانتظامٍ لاستنشاق الهواء. وتعيش الأنواع الأربعة من أسماك الطين الأفريقية والتي تتبع للجنس Protopterus في المستنقعات والأنهار الموحلة في إفريقيا الاستوائية.
وفي الصيف، تجف المياه في البرك والمستنقعات الاستوائية التي يعيش فيها سمك الطيني الأفريقي لأسابيعٍ أو شهورٍ في كل مرة وتصبح قاسيةً بسبب الشمس الشديدة في هذه المناطق. لذلك تقوم هذه الأسماك مع اقتراب موسم الجفاف بحفر جحورٍ لها في الوحل.
وعندما تكون في حالة السبات، فإنّه في منطقة تلامس الفم مع الشرنقة تتشكل فتحةٌ صغيرةٌ تتصل بسطح الطين بواسطة أنبوبٍ صغيرٍ، وبهذه الحالة تستطيع أسماك الطين أن تتنفس ما يكفي من الهواء لإبقائها حيةً ولكن ليس بما يكفي لتجفيفها.
سمكة الطين
توجد عدّة أنواعٍ من الأسماك تدعى سمكة الطين، فمنها سمكة الطين mudfish ومنها سمكة الطين المعروفة أيضًا بنطاط الطين mudskipper أو سمكة القرموط المعروفة بسمكة القطة catfish إضافةً إلى أنواع أسماك الطين الأربعة المذكورة والتي تدعى سمكة الرئة lungfish.
تستقر سمكة الطين أو القرموط (Clarias gariepinus) التي تعرف أيضًا بسمكة القطة catfish في التربة وقد تتنقل مع التيارات المائية لمناطقٍ أبعد من مكان تواجدها.
تعيش في المياه العذبة فقط وتكون درجة الحرارة المفضلة لها والمثالية لنموها بين 28 ـ 30 درجة مئوية في حين أنها تستطيع مقاومة التغيرات الحرارية التي تتراوح بين 8 ـ 35 درجة مئوية.
تعدّ أيضًا أسماك القرموط مقاومةً بصورةٍ جيدةٍ للتغيرات البيئية وخصوصًا تعكر المياه بالطين وانخفاض الأكسجين. كما يمكن لسمك القرموط أن يعيش في الوحل لأنّ جلدها يكون جزءًا من جهازها التنفسي، وتتنفس هذه السمكة بعمليةٍ تسمى التنفس الجلدي. وهذا يعني أنّ سمكة الطين هذه يمكنها أن تعيش في الوحل شريطة أن المحافظة على المخاط الواقي أو اللزج حول جسمها وأن تبقى في الوحل الرطب، فستكونون على ما يرام تمامًا.
وعندما تكون هذه السمكة في الوحل الرطب، يتباطأ التمثيل الغذائي لديها وتصبح السمكة خاملةً بشكلٍ فعالٍ. وهذا يعني أنّه يمكنها البقاء على قيد الحياة لفتراتٍ طويلةٍ في هذه الحالة دون ماءٍ بشرط أن تبقى في الطين الرطب. لكن في حال بدأ الطين في الجفاف وأُزيل المخاط الواقي المغلف لجسمها، فلن يكون لديها سوى بضع ساعاتٍ للبقاء على قيد الحياة.
إضافةً إلى النوع السابق، يوجد نوعٌ من أسماك القرموط يدعى سمك القرموط الرملي Sand Catfish (Arius arenarius) وهو نوعٌ من الأسماك شعاعية الزعانف في عائلة سمك السلور البحري. ويمكن لأفراد هذا النوع أن تنمو إلى طولٍ يصل إلى 29 سم، كما أنّها تتكاثر جنسيًا.
ومن الأنواع الأخرى التي تعرف بسمكة الطين يوجد أسماك المنوة الطينية الصغيرة (Umbra limi) في أمريكا الشمالية وأوروبا التي تحفر في الوحل بحثًا عن الطعام والسبات في الوحل. حيث يمكن أن تبقى في سباتٍ لعدة لشهورٍ ثم تعود للنشاط مرة أخرى دون أي آثار سيئةٍ.
سمكة نطاط الطين
تعدّ سمكة نطاط الطين Mudskippers من الأسماك البرمائية التي طورت تكيفاتًا مورفولوجيةً وفسيولوجيةً لتلائم أنماط حياتها الفريدة.
يوجد عدّة أنواعٍ من سمكة نطاط الطين تتبع لأجناسٍ مختلفةٍ Periophthalmodon، Periophthalmus، Scartelaos و Boleophthalmus وجميع هذه الأجناس تندرج تحت العائلة Gobiidae. ويُعدّ كلا النوعين سمكة نطاط الطين المرقطة بالأزرق B. pectinirostris وسمكة نطاط الطين الزرقاء S. histophorus مائيين في الغالب ويقضيان وقتًا أقل خارج الماء.
بينما يكون نوعا سمكة نطاط الطين العملاقة Periophthalmodon schlosseri وسمكة نطاط الطين كبيرة الزعانف Periophthalmus magnuspinnatus بريين بشكلٍ أساسيٍ ويقضيان فترات طويلة من الوقت على الأرض.
وتُعرف سمكة نطاط الطين شائعةٍ حول العالم، وتتميّز هذه السمكة بحياتها البرمائية ولديها زعانفٌ حوضيّةٌ والتي تشكل محاجمًا، إضافةً إلى امتلاكها لزعانفٍ صدريةٍ قويةٍ متطورةٍ تشبه الذراعين والتي تسهل حركتها على اليابسة، حيث أنّها بزعانفها الصدرية القوية تكون قادرةً على النطّ أو القفز عبر المسطحات الطينية الرطبة عند حصول المدّ كما أنّها بواسطتها تتخبط على المسطحات الطينية في مستنقعات المنغروف عند انخفاض المد بحثًا عن الطعام.
كيف يتغذى سمك الطين؟
لفهم كيف يتغذى سمك الطين يجب تحديد المقصود بها، فإذا كان المقصود بأنّها أسماك القرموط التي تعرف بسمكة القطة فإنّها تتغذى في قاع المسطحات المائية لكنّها أحيانًا تتغذى عند سطح الماء. وتعدّ من الأسماك آكلة اللحوم حيث تشمل المادة الغذائية الرئيسية لتغذيتها البلانكتون واللافقاريات والحشرات والأسماك الصغيرة الأخرى التي تعيش في بيئتها.
ولتوضيح كيف يتغذى سمك الطين (القرموط)، فإنّ هذا النوع يقطن في القاع ولذلك فهو يقوم بمعظم تغذيته في القاع وهذا ما يجعله غير محددٍ في متطلباته الغذائية لكنّه يفضل الأنواع الموجودة في بيئته كالبلانكتون والأسماك واللافقاريات.
يتغذى سمك القرموط الشمال أفريقي على الحشرات والعوالق والقواقع وسرطان البحر والروبيان واللافقاريات الأخرى. كما أنها قادرةٌ على أكل الحيوانات النافقة والطيور والزواحف والبرمائيات والثدييات الصغيرة والأسماك الأخرى والبيض والمواد النباتية مثل الفاكهة والبذور.
ولكون هذه الأسماك قادرةٌ على التحرك على الأرض، فهي قادرةٌ على افتراس الكائنات الأرضية. لذلك قد يصطاد هذا النوع أيضًا في مجموعاتٍ في بعض الأحيان عن طريق استدراج الأسماك الصغيرة وحبسها. ويُشار إليها أيضًا باسم سمكة السلور حادة الأسنان بسبب امتلاكها لأشرطة أسنانٍ مدببةٍ رفيعةٍ.
اقرأ/ي أيضًا:
هل السعرات الحرارية في السمك المشوي منخفضة؟
