تحقيق مسبار
احتمالية وجود أو عدم وجود مخلوقات فضائية خارج كوكب الأرض يعد أمرًا مخيفًا في كلتا الحالتين، ولكن كما قال "كارل إدوارد ساجان" وهو عالم فلك وكواكب أمريكي وأستاذ في جامعة كورنيل: "إن الكون مكان شاسعٌ جدًا وإذا كنا وحدنا فيه فقط، يبدو الأمر وكأنه مضيعة مروعة للفضاء" لذلك سعت البشرية للبحث عن أشكال أخرى للحياة في الفضاء.
يستعرض هذا المقال استعراض طريقة البحث عن الحياة خارج الأرض والدلائل التي تم التوصل إليها حتى يومنا هذا وكيفية التعامل مع هذه البيانات.
الحياة خارج كوكب الأرض
علم الأحياء الفلكي هو علم يقوم بالبحث عن علامات الحياة البيولوجية خارج كوكب الأرض بناءً على معرفتنا بكيفية بدء الحياة على كوكب الأرض، وفهم التركيب الكيميائي للكون والخطوات التي دفعت المواد الأولية للتفاعل والتكاثر وتكرار الجينات والانتشار، بالإضافة إلى إمكانية وجود الحياة في مكان آخر على أساس عناصر أخرى غير الكربون ونظام مختلف عن الحمض النووي، وإمكانية وجود مثل هذه الحياة على كوكب الأرض لكن لم يتم اكتشافها بعد.
وقد يعود السبب في عدم اكتشاف حياة أو مخلوقات فضائية خارج كوكب الأرض حتى الآن إلى محدودية العقل البشري في تصور أشكال أخرى للحياة والإجابة بشكل دقيق عن سؤال ما هي الحياة في الواقع؟
وقد تساءلت سارة ستيوارت جونسون وهي عالمة أحياء وكيميائية جيولوجية وعالمة فلك أمريكية، تعمل كأستاذة مساعدة في جامعة جورج تاون في واشنطن، ماذا لو لم تكن الحياة خارج كوكب الأرض تحتوي على DNA أو RNA أو أحماض نووية أخرى؟ أو أن الحياة خارج كوكب الأرض ليست كما هي معروفة هنا أو لم تبدأ بنفس الطريقة وبالتالي سكان الكواكب الأخرى مختلفون تمامًا عنا على المستوى الأساسي والكيميائي وهذا ما يقود لصعوبة البحث عنهم وإيجادهم.
فحتى الآن ينطوي البحث عن الحياة أو مخلوقات فضائية خارج كوكب الأرض عما نعتقد أنه هام لوجود الحياة أي الأكسجين والماء والعناصر المغذية، لكن ربما الحياة الخارجية لا تعتمد على هذه العناصر!، وبالتالي هناك قلق دائم فيما إذا صادفت المركبات الفضائية أو البعثات أمثلة أخرى للحياة ولم تتعرف عليها.
هل هناك مخلوقات فضائية خارج كوكب الأرض؟
في الحقيقة حتى اليوم لا يمكن الجزم فيما إذا كانت الكائنات الفضائية موجودة أم لا لعدم وجود دليل مؤكد على ذلك وفقًا لحدود مقدراتنا الحالية على الاستكشاف، حيث لم يتم اكتشاف أي دليل على وجود الحياة أو مخلوقات فضائية خارج كوكب الأرض حتى يومنا هذا، كما أنه لا يوجد دليل على زيارة الكائنات الفضائية لكوكبنا.
لكن ذاك لا ينفي وجود حياة أو مخلوقات فضائية خارج كوكب الأرض لم نستطع اكتشافها بعد لمحدودية إمكانياتنا وأدواتنا أو لبعدها الكبير عن كوكب الأرض، حيث ترجح بعض النظريات العلمية وجود عشرات الآلاف من الحضارات النشطة في مجرة درب التبانة وحدها.
هل هناك بشر يعيشون على كواكب أخرى؟
عند التفكير بوجود بشر يعيشون على كواكب أخرى سيتم افتراض وجود حضارات وسينصب التركيز على التواصل معهم عبر التكنولوجيا، فبشكل عام يتوجه البحث عن أشكال الحياة ووجود كائنات فضائية خارج الأرض عن البحث بشكل أساسي عما يسمى بالبصمة الحيوية، أي أشكال الحياة البيولوجية البسيطة المعروفة للجنس البشري، وخلال العقد الماضي تم التوجه للبحث عن البصمة التقنية أي الحياة الذكية التي بنت حضارة تكنولوجية، والتي قد يكون إيجادها أسهل من إيجاد البصمة الحيوية.
يترأس هذا البحث آدم فرانك أستاذ الفيزياء وعلم الفلك في جامعة روتشستر، بمنحة مقدمة من وكالة ناسا، وتركز الدراسة على محاولة اكتشاف التكنولوجيا السابقة أو الحالية المستخدمة على الكواكب الأخرى، وسيبدأ الباحثون المشروع من خلال النظر في بصمتين تقنيتين محتملتين قد تشيران إلى نشاط تكنولوجي ذكي على كوكب آخر:
- أولًا: الألواح الشمسية، ويتم افتراض أن الحضارات على الكواكب الأخرى تسخر طاقة الشمس لخدمتها مثلما نفعل على الأرض، فإذا تم استخدام ألواح شمسية بعدد كبير على كوكب ما سينتج عن ذلك ضوء له أطوال موجية معينة وعند البحث وقياس هذه الأطوال قد يتم إيجاد دليل على وجود الحياة الخارجية.
- ثانيًا: الملوثات، يمكن تحديد الغازات الموجودة في الغلاف الجوي للأرض مثل الميثان والأكسجين والغازات الاصطناعية مثل مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs) عن طريق مواد كيميائية ناتجة عن التفاعلات وتعكس إشعاعات بأطوال أمواج معينة، وبنفس الطريقة سيتم البحث عن غازات منبعثة مشابهة موجودة في الأغلفة الجوية للكواكب الأخرى.
هل هناك مخلوقات غيرنا في الكون؟
إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند التفكير بالمخلوقات الفضائية خارج كوكب الأرض هو أشكالهم كما صورتهم أفلام الخيال العلمي والصحون الطائرة التي من المفترض أنها تشكل طريقة تنقلهم عبر الفضاء.
فقد انتشرت في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي العديد من القصص والروايات والشائعات حول رؤية صحون طائرة وأضواء غريبة في السماء مما قد يدل على وجود كائنات فضائية، مما دفع وسائل الإعلام ومخرجي الأفلام وصناع السينما لاستغلال الأمر وإنتاج العديد من التقارير والأفلام التي تصور الفضائيين الأشرار وخطر تهديدهم للحياة على كوكب الأرض.
كما أن الكائنات الفضائية هي أيضًا جزء من الثقافة الشعبية الأمريكية المتوارثة، حيث تعتبر أفكار الكائنات الفضائية والصحون الطائرة جزءًا من أساطير أمريكا.
أما بالنسبة للأجسام الطائرة الغريبة التي يتم تصويرها في السماء من حين إلى آخر، فقد تم الحديث عنها لأول مرة عام 1977 عندما تم طرح السؤال عنها من قبل رئيس وزراء غرينادا في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة واقترح إنشاء هيئة تحقيق رسمية حولها، لكن تم الضغط عليه من قبل دبلوماسيين بريطانيين لإلغاء هذه الفكرة.
إلا أنَّ الحكومات مهتمة بهذا الأمر بالفعل، حيث تم تسريب ملف فرنسي عام 1999 من قبل الصحفي ليزلي كين يظهر أن الجنرالات والسياسيين يعتقدون أن مثل هذه الظواهر غير المبررة قد تكون إشارات لوجود حياة خارج كوكب الأرض، وفي عام 2022 ولأول مرة منذ عقود، ناقش الكونجرس الأمريكي علنًا ما يجب فعله حيال هذه الأجسام الطائرة الغامضة، على الرغم من عدم وجود دليل على أنها من أصل خارج كوكب الأرض، بل في الحقيقة يرفض العلماء بشكل عام فكرة وجود مخلوقات فضائية خارج كوكب الأرض تزور الأرض.
عدد الحضارات خارج كوكب الأرض
عند الحديث عن احتمالية وجود الحياة أو مخلوقات فضائية خارج كوكب الأرض لا بدَّ من ذكر العالم فرانك دريك ومعادلته الشهيرة، وهو عالم الفيزياء الفلكية والرئيس الفخري لمعهد SETI (البحث عن ذكاء خارج الأرض) في كاليفورنيا، ففي عام 1961 طور دريك معادلة تحسب عدد الحضارات المتقدمة والقابلة للاكتشاف التي يجب أن تكون موجودة في مجرة درب التبانة، وعلى الرغم من أنها مجموعة من الاحتمالات إلا أنها مبينة على إحصاءات حقيقية وعلم قوي وفي أحسن الأحوال تعد طريقة لتنظيم جهلنا.
في مجرة درب التبانة وحدها تم تقدير عدد الكواكب والنجوم بحوالي 100 مليار نظام نجمي (على الرغم أن الرقم الحقيقي غالبًا ما يشار إليه بأكثر من ذلك بثلاثة أضعاف) كل منها يمكن أن يستضيف حياة ذكية، وبالتالي من المقدر وجود حوالي 100.000 حضارة نشطة في المجرة، أي ما يعادل واحدة لكل مليون نجم.
وفقًا للتوقعات المبنية على الإحصاءات، سيكون الباحثون قد فحصوا مليون كوكب محتمل بحلول عام 2034 تقريبًا، مما يرفع إمكانية اكتشاف حضارة ما خلال الفترة القادمة.
على الرغم من ذلك فإن مجرد وجود أشكال الحياة الذكية لا يخبرنا بأي شيء، إلا إذا كان لدى هذه الحضارات القدرة على تعريف نفسها، مما يعني معالجة موجات الراديو وأشكال أخرى من الإشارات الكهرومغناطيسية، وجميع هذه المتغيرات ترفع التحدي لاكتشاف حياة أو مخلوقات فضائية خارج كوكب الأرض.
إنجازات علمية في استكشاف الفضاء
من الاكتشافات الهامة التي توصلت إليها وكالة ناسا حاليًا بما يخص الحياة خارج كوكب الأرض:
- أرسلت وكالة ناسا خمس مركبات فضائية وأربع مركبات للهبوط إلى سطح المريخ، وقد تم تجهيز المدارات بكاميرات متطورة لالتقاط صور لكامل سطح المريخ، لكن لم يتم اكتشاف سوى جزء صغير منه حتى الآن، وهذا أمر واعد لاستمرار البحث.
- اكتشاف كل من بعثة كاسيني إلى زحل (قمره إنسيلادوس) ودراسات تلسكوب هابل الفضائي حول المشتري (قمره يوروبا) وكلاهما أقمار جليدية، وجود دلائل عن محيطات جوفية فيهما، يمكن أن تكون صالحة للحياة.
- حددت مهمة كبلر الآلاف من الكواكب الخارجية في جزء صغير من مجموعة كواكب Cygnus، على بعد 500 سنة ضوئية وتضمنت هذه الاكتشافات اكتشاف الكواكب الصخرية حول النجوم المركزية والتي من المحتمل أن تكون مناطق صالحة للحياة، وكلما زاد عدد الكواكب الخارجية التي إيجادها حول النجوم الأخرى، كلما تم معرفة المزيد عن عدد البيئات المختلفة التي يمكن أن توجد الحياة فيها.
- اكتشاف عدد كبير من الكواكب الخارجية بواسطة تلسكوب الفضاء الخارجي للكواكب العابرة TESS، مع أكثر من 5000 مرشح جديد من الكواكب الخارجية للاكتشاف.
هل يوجد تنسيق دولي في البحث عن مخلوقات فضائية؟
لا يوجد آلية دولية متفق عليها حتى الآن في كيفية التواصل عند الاتصال مع أي ذكاء فضائي في حال وجوده، لكن أوصت الأكاديمية الدولية للملاحة عام 2010 بإنشاء منتدى للتنسيق الدولي من خلال الأمم المتحدة في حال اكتشاف أي دلائل على حياة ذكية خارج الأرض، وأحد الاعتبارات الأساسية في هذا الأمر هو نيّة الكائنات الفضائية فيما إذا كانت صديقة أو عدو.
وحاليًا يسعى العلماء لتوحيد آلية إبلاغ بعضهم عند اكتشاف أي شكل للحياة ومدى دقة هذا الاكتشاف للابتعاد عن الشائعات والمبالغة في الحكم على الأمور قبل دراستها بشكل جيد، وذلك عن طريق مقياس CoLD أو ما يسمى بمقياس الثقة في اكتشاف الحياة والذي يتألف من 7 مستويات.
ويكون المستوى السابع هو وجود الحياة أو مخلوقات فضائية خارج كوكب الأرض بدليل حتمي بشرط استبعاد التلوث والمصادر غير البيولوجية، وعلى سبيل المثال وجدت بعثات سابقة دلائل على حدوث انفجارات غازية في الغلاف الجوي للمريخ ويرتبط وجود الميثان بالعمليات البيولوجية التي تدل على الحياة، ففي حال إثبات وجود الميثان على المريخ بعد عودة البعثات بعد عدة سنوات، سيسجل ذلك (وجود الميثان على المريخ) الدرجة 4 على مقياس CoLD.
اقرأ/ي أيضًا:
هل الحياة على سطح القمر ممكنة؟