تحقيق مسبار
تعدّ عملية تدجين الحيوانات عملية معقدة تضم مراحل عديدة، ينتج عنها تغيير المظاهر الشكلية والفسيولوجية والسلوكية للحيوانات المدجنة بالنسبة إلى أسلافهم البرية.
يوضح هذا المقال ماهية عملية تدجين الحيوانات وأسبابها وفوائدها، بالإضافة إلى معلومات عن تاريخ تدجين الحيوانات وأنواع الحيوانات التي تم تدجينها.
ما هو تدجين الحيوانات؟
التدجين بشكل عام والذي يضم تدجين الحيوانات والنباتات، هو عبارة عن عملية إعادة التنظيم الوراثي للحيوانات والنباتات البرية إلى أشكال معينة تخدم مصالح محددة للناس، وذلك عن طريق تربيتها بشكل انتقائي وتكييفها وراثيًا من أجل أن تصبح غذاء، أو من أجل العمل أو صنع الملابس أو ربما صنع دواء معين، بالإضافة إلى العديد من الاستخدامات المتنوعة، وتكون هذه الحيوانات والنباتات الناتجة مختلفة وراثيًا عن أسلافها البرية.
ويمكن تقسيم الأسباب الأساسية لتدجين الحيوانات إلى ثلاث أسباب رئيسية وهي:
- حيوانات مدجنة من أجل المرافقة: مثل القطط والكلاب.
- حيوانات مدجنة من أجل الطعام: مثل الأغنام والأبقار والخنازير والديوك الرومية.
- حيوانات مدجنة من أجل المساعدة في أعمال الزراعة والنقل: مثل الخيول والحمير والجمال والثيران.
وتعد عملية تدجين الحيوانات عملية صعبة، وذلك لأن الحيوانات المدجنة تحتاج إلى اهتمام من البشر في تأمين الغذاء والبيئة المناسبة لها، لذا تعد الحيوانات العاشبة من أسهل أنواع الحيوانات لتدجينها، وذلك لتوافر الغطاء النباتي والأعشاب على مساحات كبيرة وبشكل طبيعي، أي لا تحتاج للتأمين من قبل البشر. على عكس الحيوانات اللاحمة، التي تتطلب ربما اصطياد أو قتل حيوانات أخرى لتأمين غذاءها الأساسي، كما ينطبق ذلك على الحيوانات التي تتغذى على الحبوب والتي قد لا تكون متوفرة بشكل كبير، وربما تحتاج إلى تدجين أيضًا للحصول عليها بوفرة.
والأهمية الاقتصادية لتدجين أنواع مختلفة من الحيوانات لم تظهر فورًا مع بدء عملية التدجين، فقد تعددت أهمية الحيوانات نفسها عبر مراحل مختلفة من التاريخ، فالكلاب على سبيل المثال يعتقد أن عملية تدجينها بدأت من الذئاب الرمادية، والتي تعتبر فصيلة منفصلة عنها تمامًا في الوقت الحالي.
ويعتقد أن الهدف في بداية عملية تدجين الذئاب كان استخدام الكلاب من أجل الطعام، فقد اعتبرت الكلاب مصدرًا للحم من قبل البشر سابقًا، لكن فيما بعد تغيرت أهمية الكلاب وأصبحت تتعرض للتدجين من أجل استخدامها في عملية الصيد والحراسة وحماية البشر وتنبيههم من الخطر القريب، لتتحول أهمية عملية التدجين في العصر الحالي إلى الرغبة بتربية هذه الكلاب كحيوانات أليفة في المنزل.
ما هي الحيوانات المدجنة؟
الحيوانات المدجنة هي الحيوانات التي يتم تربيتها بشكل انتقائي وجعلها تتكيف وراثيًا للتعايش مع البشر، وتختلف الحيوانات المدجنة عن الحيوانات المروّضة التي يتم تكييف سلوكها للعيش بالقرب من البشر، لكن وراثيًا تبقى هذه الحيوانات برية متوحشة.
ويتم اختيار الحيوانات المدجنة تبعًا لعوامل متنوعة تمنحها الأفضلية من بين أسلافها ومنها:
- أن تصل الحيوانات إلى مرحلة النضج واكتمال النمو بسرعة، مما يساعد على استخدامها في مجالات الزراعة.
- يمكن أن تتكاثر بسهولة خارج بيئتها الأساسية، أي في المحميات أو المزارع، ويفضل أن يكون لديها فترات خصوبة متعددة في العام الواحد.
- أن تكون الحيوانات عاشبة أو تأكل الحبوب، مما يخفض من تكاليف تغذيتها.
- أن تملك الحيوانات قدرة عالية على التكيّف مع الظروف.
- أن تكون الحيوانات تعيش بشكل قطعان، أو أن أسلافهم كانوا يعيشون كقطعان، لأن ذلك يسهل على البشر السيطرة عليهم.
وبدأت في البداية عملية تدجين الحيوانات من خلال التربية الانتقائية للأفراد الذين يظهرون صفات مرغوبة والعمل على تكاثرهم وزيادة عددهم، مع إهمال الحيوانات صغيرة الحجم أو التي تمتلك صفات ليست مميزة.
الحيوانات المدجنة
يوجد أنواع مختلفة من الحيوانات المدجنة والتي تم تدجينها للاستفادة منها في أمور متنوعة، وبعض هذه الحيوانات:
- الأبقار: تم تدجين الأبقار في البداية للاستفادة من الجلود واللحوم، كما تم استخدامها في عملية الزراعة مما أدى إلى تطور في هذا المجال، وفيما بعد أراد البشر الاستفادة من حليب الأبقار فعملوا على تدجين الإناث اللواتي ينتجن كميات كبيرة من الحليب، وهذه العملية في انتقاء الأفراد المميزة أدت إلى ظهور اختلافات بين السلالات من حيث اللون وطول القرون وحجم الجسد.
- الأغنام والماعز: كانت في البداية مصدر غذاء للإنسان ولكنها أصبحت فيما بعد ذات قيمة لإنتاج سلع الحليب والصوف.
- الخيول: توضح الأدلة أن الإنسان القديم استخدم الخيول في البداية لتناول لحومها والاستفادة من الجلود، ويوجد أدلة على أن الإنسان قديمًا عمل على تدجين هذه الحيوانات، ومن هذه الأدلة وجود تغيرات في أحجام وتنوع في عينات الهياكل العظمية القديمة للخيول، وذلك دليل على أن عمليات التكاثر لم تحدث بشكل طبيعي إنما بإشراف وتنظيم بشري، ومن ثم أصبحت أهمية الخيول الاقتصادية تأتي من استخدامها كوسيلة للتنقل وجر العربات وشن الحروب.
- الجمال والحمير: ينطبق عليها ما تم ممارسته على الخيول واستخدامها كوسيلة للتنقل ونقل الحمولات.
- الدجاج: تعد من أكثر الأنواع التي تعرضت للتدجين، فقد خضعت لثلاث فترات زمنية عبر التاريخ تشمل عدة أساليب من التدجين، وتنوع مورثات الدجاج المنزلي حاليًا نتج عن التأثيرات التأسيسية في وقت تدجين الدجاج، وعن عملية التدجين التي استمرت لوقت طويل وشملت اختيار صارم للأفراد القوية والأفضل في السلالات، فمثلًا كان يصل وزن الدجاج البري قديمًا إلى حوالي الرطلين ويبيض عدد قليل من البيوض لمرة واحدة في السنة فقط، لكن الآن وبعد أن تم تدجين الدجاج لآلاف السنين، أصبح وزن الدجاج المنزلي يصل إلى 17 رطلًا ويبيض أكثر من 200 بيضة في العام الواحد.
فوائد تدجين الحيوانات
يمكن القول إن الأنواع التي نتجت عن تدجين الحيوانات كان لها فوائد متعددة، فقد ساعدت البشر بطرق نفسية واقتصادية منذ بداية الزمن، ولعبت دورًا مهمًا في توفير الطعام والحماية والمواصلات والصداقة، حيث أن كل حيوان يملك مجموعته الفريدة من المهارات والقدرات التي تساهم في تحسين جودة الحياة بطريقة أو بأخرى، فتعتبر الحيوانات المدجنة من أهم إنجازات الإنسان، فقد غيرت عالم وشكل حياة الإنسان على مدى أجيال عديدة، ونشأ تنوع كبير في سلالات الحيوانات.
وقد سمح تدجين الحيوانات بتطوير الزراعة، وبالتالي لم يعد البشر بحاجة للتنقل والبحث عن مصادر للطعام واصطياد الحيوانات، مما أدى إلى بدء البشر بالاستقرار وتكوين المجتمعات والحضارات.
كما أن تطور الزراعة أدى إلى وجود فائض من هذه الأنواع، وبالتالي بدأت عملية التجارة وتبادل المواد الغذائية وغير الغذائية بين البشر، ومساعدة الحيوانات في عملية الحراثة وغيرها من عمليات الزراعة أدى إلى إنجاز المهام بسرعة أكبر، وبالتالي منح الإنسان وقتًا أطول ليمارس نشاطات أخرى في يومه، أي كان للتدجين دور كبير في عملية تطور الجنس البشري والثقافة المادية.
تاريخ تدجين الحيوانات
يعود تاريخ تدجين الحيوانات لفترة زمنية طويلة، حيث يعتقد بأن تدجين الحيوانات والنباتات حدث في أوقات متقاربة منذ حوالي 10000 عام مضى، وذلك في منطقة بلاد ما بين النهرين الواقعة بين نهري دجلة والفرات (التي تشمل الدول الحديثة مثل إيران والعراق وتركيا وسوريا)، وتمت عملية التدجين حينها من أجل الحصول على اللحوم والحليب والجلود.
ويتم تحديد تاريخ تدجين بعض أنواع الحيوانات كما يلي:
- الكلاب: منذ 15000 سنة وكانت الفصيلة كانيس، ويعتقد أنها حدثت بداية في آسيا وربما بمكان آخر.
- الأغنام: منذ 10000 سنة والفصيلة هي أوفيس أريس وحدثت في الشرق الأوسط.
- الخنازير: منذ 8000 سنة والفصيلة هي سوس سكورفا وحدثت في الشرق الأوسط وربما الصين.
- الأبقار: منذ 8000 سنة والفصيلة هي بوس توروس وحدثت في الشرق الأوسط.
- أبقار زيبو: منذ 6000 سنة والفصيلة هي بوس إنديوس وحدثت في باكستان.
- الخيول: منذ 6000 سنة والفصيلة هي إيكوس كابالوس وحدثت في آسيا الوسطى.
- اللاما: منذ 4500 سنة والفصيلة هي لاما جلاما وحدثت في البيرو.
تدجين الحيوانات في العصر الحجري
كان تدجين الحيوانات عبارة عن عملية حدثت ببطء وتطورت عبر السنين، كما اختلفت الأسباب وراءها، ويعتقد أن أول عملية تدجين حدثت في التاريخ تعود إلى العصر الميزوليتي (العصر الحجري المتوسط) حيث كانت قبل 15000 سنة، وتلى ذلك عمليات تدجين عدة إلى حين أن نجحت أول عملية تدجين للنباتات والماعز والأبقار والأغنام في وقت ما قبل 9500 قبل الميلاد، وكان هذا الحدث المبشر لبداية العصر الحجري الحديث.
ولكن لم تصبح الزراعة نشاطًا سائدًا إلا بعد بداية العصر الحجري الحديث، وقد كان تدجين الحيوانات مرتبطًا بها. وعلى الرغم من الفائدة الكبيرة التي قدمتها الحيوانات والنباتات المدجنة، إلا أن العديد من الأنواع قد تم تدجينها في فترات لاحقة، فالأرانب مثلًا بدء تدجينها في العصور الوسطى، وبدأت رغبة البشر بتربية الحيوانات للحصول على فراء عالي الجودة في القرن العشرين.
تدجين الحيوانات في العصر الحديث
إن تطور العلم في العصر الحديث ساعد في القدرة على إجراء التدجين لأنواع من الحيوانات لم تكن من ضمن التجارب القديمة الناجحة عبر التاريخ، لكن على الرغم من ذلك لم يتم إضافة أنواع جديدة من الثدييات الكبيرة التي يمكن تدجينها إلى الأنواع التي تم تدجينها عبر التاريخ، سوى حيوان واحد وهو حيوان الرنة، وعلى الرغم من نجاح تدجينه خلال فترة الألفية الماضية، إلا أن قيمته تعتبر الأقل في قائمة الثدييات، حيث تحتل الأبقار والأغنام والماعز والخنازير والخيول المراتب الخمس الأولى، والتي تم القيام بتدجينها جميعًا في العصور القديمة جدًا وتشمل القائمة الكلية:
- الأغنام
- الماعز
- الأبقار
- الخنازير
- الخيول
- الجمال العربية
- الجمال البكتيري
- اللاما والألبكة
- الحمار
- الرنة
- جاموس الماء
- الياك أو القطاس البري
- أبقار بالي
- الغور (جايال)
وكان هناك جهود مستمرة من قبل مربي المواشي منذ فترات طويلة من أجل العمل على محاولة تدجين ثدييات برية أخرى، تتناسب قيمتها مع قيمة الثدييات ذات المراتب الخمس الأولى، ولكن لم تنجح التجارب حتى وقتنا الحالي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الثدييات التي نجح تدجينها بالفترات الزمنية الأخيرة مثل الهامستر والشنشيلا والثعلب القطبي الشمالي، هي عبارة عن ثدييات صغيرة تتضاءل في فائدتها، وكذلك في حجمها مقارنة بالأبقار والأغنام.
اقرأ/ي أيضًا:
هل تواجدت حضارة المايا في المكسيك فقط؟
هل بدأ استخلاص المعادن في العصر الحجري؟
