تحقيق مسبار
تقع قلعة حلب في شمال سوريا، وتعد من أقدم وأكبر القلاع في العالم، وقد صنفت في قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ العام 1986.
ولكن كم عدد أبواب قلعة حلب؟ هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال، إضافة إلى تاريخ القلعة وعمرها، وأشهر المعالم الأثرية داخلها، وما هي أهم الحقائق التاريخية عنها، وأبرز مميزاتها وخصائصها المعمارية.
تاريخ قلعة حلب
إن تاريخ قلعة حلب موغل في القدم، حيث يعود استخدام الهضبة التي تقع عليها القلعة إلى أواسط الألفية الثالثة قبل الميلاد، وقد تعاقبت عليها العديد من الحضارات على مرّ الأزمنة، كاليونانيين والبيزنطيين والأيوبيين والمماليك.
ويمكن تقسيم تاريخ قلعة حلب منذ بداية الحكم الإسلامي إلى ثلاث مراحل، كل منها تمثل فترة منفصلة ذات طابع معماري مختلف:
- المرحلة الأولى: كان فيها القصر في مركز القلعة مجاورًا للمسجد، وهو ما يشابه نمط بناء المدن في ذلك الزمان، كالكوفة وبغداد.
- المرحلة الثانية: نقل فيها القصر إلى طرف قلعة حلب، هذا التجديد بدأه العباسيون على نمط مدينة سامراء حينها، وقد استمر حتى القرن العاشر أو الحادي عشر، وهو يشمل فترة الحكم الحمدانية للمدينة.
- المرحلة الثالثة: وفيها تم استبدال النمط السامرائي بالتدريج بنمط "القصر الحصن"، وذلك في أواسط القرن الحادي عشر تحت حكم المرداسيون، وتعتبر حلب أول مدينة تخضع لهذا التحول بين المدن الإسلامية.
قلعة حلب من بناها؟
إن أول من استفاد من موقع القلعة كحصن عسكري هو سلوقس نيكاتور خليفة الإسكندر الأكبر، حيث استخدمه لأغراض دفاعية وكمسكن لجنوده، أما الرومان والبيزنطيون فجعلوه مقرًا رسميًا لإدارة المدينة، وعندما دخل المسلمون مدينة حلب، لم يتخذوا قلعتها كمقر للحكم، بل بنوا قصورًا لهم خارج المدينة وسكنوها.
وفي عهد سيف الدولة الحمداني، بدأ استخدام القلعة كمركز عسكري محصّن في وجه غزوات البيزنطيين، ولكنها لم تصبح مركزًا للحكم إلا في عام 962 على يد سعد الدولة، وذلك بعد أن قام نكتور فوكس بتدمير قصر الإمارة السابق خارج أسوار المدينة، حينها بدأ الاهتمام الجدي ببنائها وتحصينها وتزيين عمارتها.
وفي الفترة الزنكية، قام نور الدين الزنكي بترميم قلعة حلب، وبنى مسجدها، وأقام الجدران الخارجية لها، والتي بقيت ماثلة حتى يومنا هذا، كما أنشأ السجن لأسرى حروبه من الصليبيين، هذا السجن الذي أسر فيه العديد من أمراء الحملات الصليبية كملك القدس وأمير أنطاكية.
ولكن لم تصل القلعة إلى ذروة مجدها إلا في فترة حكم الأمير الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي، والذي حكم حلب لثلاثين سنة، وبنى فيها العديد من المباني الفريدة، ويعتبر عهد الظاهر هو الفترة الذهبية لقلعة حلب، حيث أن الشكل الحالي للقلعة يعود إلى تلك الفترة. وقام الظاهر بإنشاء 26 بناء بين قصور ومساجد وحمامات وأبراج وأحواض مياه ومخازن، وهو من حفر الخندق حول القلعة، ورصف جدرانه بالحجارة، فأصبحت قلعة حلب في عهده مدينة مصغرة مكتفية ذاتيًا تحيط بها المدينة الأم.
عمر قلعة حلب
إن معظم البناء القائم حاليًا في قلعة حلب بما في ذلك أبواب قلعة حلب يعود إلى الفترة الأيوبية خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد، ولكن عمر قلعة حلب أقدم من ذلك بكثير، حيث يرجع استخدام التل الذي تقوم عليه القلعة إلى حوالي 4500 سنة مضت.
ويعد اكتشاف معبد الإله "حدد" ذو أهمية كبيرة في هذا المجال، وذلك لأنه يعتبر أول دليل مادي ملموس على أبكر فترة معروفة من عمر قلعة حلب وأبواب قلعة حلب، وقد سمح للباحثين أن يتعرفوا على طبقة أثرية غير مكتشفة سابقًا من المدينة.
مساحة قلعة حلب
إن لقلعة حلب شكلًا بيضويًا، طوله 550 مترًا وعرضه 350 مترًا عند قاعدة التل، أما القمة فيبلغ طولها 380 مترًا، ويحيط بها خندق بعمق 22 متر وعرض 30 متر، وهو أقل عمقًا حاليًا بسبب تراكم الأتربة فيه. وهذا ما يجعلها أحد أكبر القلاع مساحة في العالم، ويمكن تقدير مساحة قلعة حلب بحوالي 151 دونمًا أو 0.15 كيلو متر مربع.
كم عدد أبواب قلعة حلب؟
عدد أبواب قلعة حلب أربعة أبواب، تقع على طول مدخل رئيسي واحد، ويعدّ هذا المدخل معلمًا أيقونيًا لقلعة ومدينة حلب.
أبواب قلعة حلب
لقلعة حلب مدخل رئيسي واحد، تقع عليه أبواب قلعة حلب الأربعة كما يلي:
- البوابة الخارجية: وهي البوابة الأولى بين أبواب قلعة حلب، ويصل بينها وبين البوابة الثانية الجسر، هذا الجسر الذي يتميز بثماني قناطر، قواعدها تعود إلى فترة الظاهر غازي الأيوبي، بينما قسمها العلوي يعود إلى الفترة المملوكية.
- البوابة الجانبية: وهي البوابة الثانية، تتموضع إلى الجهة الجانبية من المدخل، وهو تصميم يمنع المهاجمين من استخدام المدق (رأس الكبش) لدكّ الباب واقتحام القلعة، على هذا الباب نقشت رسومٌ لثعابين، واسما قلاوون والأشرف خليل.
- البوابة الثالثة: وتوجد داخل البرج، وتمثل المدخل الرئيسي، وقد نقش عليها أسدان وشجرة بلح بينهما.
- باب الأسدين الضاحك والباكي: وهو البوابة الرابعة والأخيرة بين أبواب قلعة حلب، حيث يقع في نهاية المدخل الرئيسي، يعود هذا الباب إلى فترة الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي.
وعلى مقربة من الباب الأخير يقع مقام الخضر (مقام مار جرجرس)، وبين أبواب قلعة حلب توجد حجرات مجهزة بفتحات رماية (مزاغل)، تستخدم لرمي السوائل المغلية والحجارة على الجنود المهاجمين، كما أن الممر الواصل بينها يحوي ست منعطفات، على المهاجمين اجتيازها عند اقتحامهم للقلعة، مما يفقدهم زخم الهجوم، ويجعل اقتحام القلعة أكثر فأكثر صعوبة.
قلعة حلب من الداخل
إن قلعة حلب من الداخل تماثل مدينة مصغرة، وهي تحوي العديد من المعالم الأثرية من حقب تاريخية مختلفة ولعل أهم هذه المعالم هي:
- معبد إله العواصف "حُدد": يمثل معبد الإله "حُدد" اكتشافًا أثريًا شديد الأهمية، كونه أحد أقدم الطبقات الأثرية المكتشفة في القلعة، فهو يسبق من حيث وجوده الحقبات التاريخية المتلاحقة التي أتت بعده، بمافيها الهلنستية والرومانية والبيزنطية والزنكية والأيوبية والمملوكية وأخيرًا العثمانية.
- القصر الأيوبي: يعتبر القصر الأيوبي تمثيلًا للقصور الكلاسيكية الإسلامية، وهو وعلى الرغم من بساطته، يعتبر أيقونيًا من حيث عمارته، وقد طبع طراز بنائه عمارة القصور الإسلامية الأيوبية من بعده.
- الجامع الكبير: بني الجامع الكبير في قلعة حلب بين العامين 1213 و1214، برعاية الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي، وهو يقع على أكثر بقعة ارتفاعًا في القلعة، كما ترتفع مئذنته حتى 21م، وهذا مااكسبها أهمية عسكرية إلى جانب دورها الديني المعتاد.
- قاعة العرش: تعتبر قاعة العرش في قلعة حلب من أجمل معالم القلعة من حيث فخامتها، وهي تقع في قمة مجمع مدخل القلعة، وكانت قد أنشأت بدايةً في القرن الثاني عشر خلال أعمال ترميم القلعة، ثم أعيد بناؤها مجددًا من قبل المماليك، وذلك في إطار برنامج الترميم والإعمار الواسع النطاق الذي أطلقوه عقب غزو تيمورلنك لحلب وتدميرها.
مميزات قلعة حلب
إن قلعة حلب كغيرها من القلاع المأهولة، لم تكن مجرد حصن عسكري أو مركز إدارة وحكم، على الرغم من أنها مصممة بنظام مغلق عسكريًا ومجازيًا، حيث كانت مثل نواة لينة تحيط بها قوقعة صلبة، فمثلت بحق صورة للسلطة التي تحيط وتحمي الجو الملكي المغلق.
وتلعب أبواب قلعة حلب مجتمعةً دورًا هامًا في حماية القلعة وصدّ المقتحمين عنها، وهي تتميز بتصميمها الذي اتبع الأسلوب المعماري العربي، من حيث المدخل الضيق والباب المتموضع بشكل جانبي، كما أن الممرات بين أبواب قلعة حلب تلعب دورًا حيويًا في الدفاع، حيث جهزت بالعديد من المزاغل التي تستخدم لإطلاق الأسهم وسكب الزيت المغلي على المهاجمين، هذا النموذج المعماري الذي ميّز قلعة حلب، وطبع الفترة الأيوبية، أصبح نموذجًا لباقي القلاع الإسلامية.
حقائق تاريخية عن قلعة حلب
تعرضت قلعة حلب للعديد من الكوارث والغزوات على مدى تاريخها الطويل، ولعل أبرزها غزو هولاكو لمدينة حلب وتدميره لقلعتها، وذلك بعد نقضه اتفاق الصلح الذي أبرمه مع أهلها.
وبعد تعرض التتار للهزيمة على يد المسلمين في عين جالوت، تخلوا عن مدينة حلب، ولكنهم عادوا بعد سنة، ودمروا ما تم إعادة بنائه وترميمه فيها.
كما سيطر تيمورلنك على القلعة ودمرها ودمر المدينة، وهو الغزو الذي أدى إلى مقتل الكثير من سكان حلب، وتشريد من تبقى من أهلها.
ولم تسلم المدينة وقلعتها من الكوارث الطبيعية كذلك، ومنها زلزال 1138م، ولكن أشهرها زلزال حلب الكبير، الذي ضرب المدينة سنة 1822م، حينها كانت مدينة حلب ثالث أكبر مدينة في الدولة العثمانية، وقد خلف هذا الزلزال دمارًا كبيرًا وواسعًا.
أقدم قلعة في العالم
تعتبر قلعة حلب إحدى أقدم القلاع في العالم، وقد دلت الحفريات الأثرية على قدم موقعها، حيث اكتشفت حجارة صوان تعود إلى الألفية السابعة قبل الميلاد، وذلك في معبد قديم على هضبة القلعة، مما يدل على أنها كانت مكانًا للعبادة لسكان المدينة حينذاك.
ويعتقد أن استخدامها لأول مرة كحصن عسكري يرجع للعصر الهلنيستي، وذلك من قبل خليفة الإسكندر الأكبر، القائد سلوقس نيكاتور، حيث جعل منها نقطة عسكرية دفاعية، ومسكنًا لجنوده، ومنذ ذلك الحين اكتسبت أهميتها العسكرية المعروفة، سواء كموقع عسكري أو كمركز للإدارة والحكم.
وفيما يلي قائمة تتضمن 6 من أقدم القلاع في العالم:
- قلعة حلب في سوريا.
- قلعة ريتشبريغ كوشيم في ألمانيا.
- قلعة وارويك في إنجلترا.
- قلعة وندسور في إنجلترا.
- قلعة هوينسالسبورغ في النمسا.
- قلعة روتشستر في إنجلترا.
اقرأ/ي أيضًا:
لماذا سمي باب العامود بهذا الاسم؟
هل يعود تاريخ بناء قصر الحمراء إلى ما قبل القرن الرابع عشر ميلادي؟