` `

ما هو التعلق المرضي؟

صحة
30 يونيو 2023
ما هو التعلق المرضي؟
اضطراب التعلق المرضي يجعل الأطفال يعانون من صعوبة الارتباط العاطفي (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

يحدث اضطراب التعلق المرضي عندما يُعاني بعض البشر وخصوصًا في مرحلة الطفولة من افتقار القدرة على التواصل مع الآخرين، وتكوين علاقات سليمة، إذ تعتبر عملية تطوير العلاقات العاطفية الصحية عامل أساسي في تحقيق السعادة.

يستعرض هذا المقال اضطراب التعلق المرضي وأعراضه وأسبابه وطرق العلاج، بالإضافة إلى طرق التعامل مع الأشخاص الذين يعانون من التعلق المرضي.

ما هو التعلق المرضي؟

التعلق المرضي هو عبارة عن اضطراب أو حالة مزاجية أو سلوكية تؤثر على قدرة الأشخاص على تكوين علاقات مع الآخرين وأيضًا على الحفاظ على العلاقات. وعادةً ما تحدث هذه الحالات عند الأطفال وقد تستمر إلى مرحلة البلوغ إذا لم تعالج، ومن الممكن أن تحدث عند البالغين.

درس علماء النفس أنواع التعلق المختلفة لدى الأشخاص، وعملوا على مقارنة أنواع التعلق لدى الأطفال مع تلك التي لدى البالغين، وتبين أن أنواع التعلق متشابهة رغم اختلاف العمر، ففي الغالب يتكون أسلوب التعلق لدى البالغين بدءًا من طفولتهم، ووفقًا لهذه الدراسة تم تصنيف أساليب التعلق وفق الآتي:

  • آمن وغير آمن: إذا عاش الطفل الصغير تجربة مع مقدم الرعاية الخاص به مبنية على قدرته على تلبية كافة احتياجات الطفل وبشكل فوري، سوف ينشأ لدى الطفل عند وصوله لمرحلة البالغ أسلوب تعلق آمن، قائم على الثقة بالأشخاص وعلى قدرتهم على منحه كافة الاحتياجات. أما إذا كان مقدم الرعاية لا يمنح الطفل احتياجاته أو يمنحها بشكل بطيء، سوف يملك الطفل عند بلوغه أسلوب تعلق غير آمن قائم على قلة الثقة بالأشخاص حتى المقربين منهم.
  • القلق والانشغال: إذا كانت تلبية احتياجات الطفل متقطعة أو غير متوقعة، سيجعل منه ذلك إنسانًا بالغًا يعاني من مشاكل في الثقة، بالإضافة إلى حاجته إلى تلقي الاهتمام وتأكيد الشعور بالرغبة تجاهه من قبل المحيطين به، كما يكون بحاجة إلى أن يشعر بالطمأنينة بشكل مستمر.
  • الرفض أو التجنب: إذا كان مقدم الرعاية غير متكيف مع حاجات الطفل، قد ينشأ كشخص بالغ يعتمد في أسلوب حياته على الاكتفاء الذاتي والاستقلالية ورغبته بالانفراد، وعدم الثقة بالعلاقات. 
  • غير منظم: قد يتطور استجابة لصدمة الطفولة أو سوء المعاملة، ويكون الشخص البالغ فوضوي في علاقاته.
  • الخوف: حيث يكون البالغ يعاني من خوف عند دخوله أي علاقة عاطفية، ويكون هذا التخوف من عدم كفاءته في هذه العلاقة أو من التعرض للأذية من الشريك.

اضطراب التعلق المرضي

اضطراب التعلق المرضي يجعل الأطفال يعانون من صعوبة الارتباط العاطفي بالآخرين، ويعني ذلك إما نقص في الاستجابات العاطفية أو فرط في الاستجابات العاطفية.

وعمل علماء النفس على دراسة كافة أنواع وحالات التعلق المرضي لدى الأطفال ولدى البالغين، ووجدوا نوعين أساسيين من التعلق المرضي لدى الأطفال والذي من الممكن أن يستمر إلى مرحلة البلوغ وهما:

  1. اضطراب التعلق التفاعلي (RAD): هو عبارة عن اضطراب يجعل الأطفال ينفرون من مقدمي الرعاية، أي يكون هؤلاء الأطفال غير قادرين على التعبير عن مشاعرهم وتكوين علاقات سليمة مع الآخرين، وإنما يميلون إلى عدم الاستجابة العاطفية حتى وإن كانوا يتعرضون لمواقف تجعلهم غير راضيين. كما تسيطر عليهم أثناء قيامهم بالأنشطة الروتينية اليومية مشاعر الحزن أو الانفعال أو الخوف عند تواجدهم مع مقدمي الرعاية، وبالتالي يكونون معرضين للإصابة بفرط النشاط والقلق والاكتئاب.
  2. اضطراب المشاركة الاجتماعية المحظورة (DSED): وهو على العكس تمامًا من الاضطراب السابق، حيث يعاني هؤلاء الأطفال من استجابة عاطفية مفرطة تجاه الغرباء، فقد يميلون لمعانقة الغرباء أو التقرب منهم أو ملامستهم أو التجول معهم من دون تردد وحتى من دون أخذ موافقة الوالدين.

أعراض التعلق المرضي

تحدثت الأكاديمية الأميركية للطب النفسي للأطفال والمراهقين عن أعراض التعلق المرضي لدى الأطفال والبالغين حسب نوع التعلق، حيث تبين أن أعراض التعلق المرضي التي تظهر على الأطفال الذين يعانون من اضطراب التعلق التفاعلي هي:

  • ضعف التفاعل مع الآخرين.
  • عدم القدرة على إظهار مشاعر عند الانخراط مع الآخرين.
  • يبدو الطفل غير راضي أو حزين أو خائف أو عصبي عند قيامه بالأنشطة اليومية مع مقدم الرعاية.

وإذا لم يتم علاج اضطراب التعلق التفاعلي لدى الأطفال قد يستمر إلى مرحلة البلوغ، وعندها تكون أعراضه كالآتي:

  • صعوبة قراءة العواطف.
  • مقاومة المودة.
  • صعوبة إظهار المودة للآخرين.
  • غير قادر على منح الثقة.
  • صعوبة الاستمرار والحفاظ على العلاقات.
  • عدم الرضا بالذات.
  • الغضب.
  • الاندفاع.
  • الانفصال.

أما بالنسبة للأطفال الذين يعانون من النوع الثاني من التعلق المرضي، وهو اضطراب المشاركة الاجتماعية المحظورة فتكون الأعراض لديهم كالتالي:

  • فرط النشاط.
  • عدم القدرة على الحفاظ أو خلق حدود اجتماعية.
  • مؤانسة شديدة.
  • الاستعداد للاقتراب والتعامل مع الغرباء.

وإذا لم تعالج سوف تستمر لدى الشخص البالغ حيث يصبح:

  • ذو نشاط كبير.
  • يثق بالناس بسرعة ثقة كبيرة.
  • يعاني من قلة الوعي بالحدود الاجتماعية.
  • يعاني من الفضول الكبير أو الميل لطرح أسئلة تطفلية على الأشخاص الذين التقى بهم للتو.

أسباب التعلق المرضي

تعود معظم أسباب التعلق المرضي إلى حالات من التجارب السلبية للأطفال مع البالغين في وقت مبكر من الحياة، حيث يلعب مقدمو الرعاية دورًا كبيرًا في تكوين شخصية الأطفال الذين يتعاملون معهم. وتحدث اضطرابات التعلق بشكل أساسي إذا شعر الطفل بأنه مهجور أو مهمل أو منعزل أو عاجز. وبالتالي إذا كان مقدم الرعاية مهملًا أو غير كفؤ، قد يؤثر تعامله سلبًا على نفسية الطفل والتي من الممكن أن تخلق لديه اضطرابات نفسية تتطور مع زيادة عمره إلى أن يصبح شخصًا بالغًا.

وفي حين قد لا يتأثر أطفال آخرين بهذه الأمور، لكن يوجد صلة بين اضطرابات التعلق المرضي والإهمال وبين التنشئة الأولية للأطفال في المؤسسات أو لدى مقدمي الرعاية، حيث أن نسبة تعرض هؤلاء الأطفال للاضطرابات النفسية تفوق النسبة لدى الأطفال الذين ينشؤون بالقرب من والديهم.

وفئة الأطفال التي تعد الأشيع لحدوث اضطرابات التعلق لديهم هم:

  1. الأطفال الذين عاشوا في دور الأيتام.
  2. الأطفال الذين تم أخذهم من مقدم رعاية أو عائلة متبينة بعد أن تم تشكيل علاقة صحية بينهم.
  3. الأطفال الذين يتم تبنيهم من قبل العديد من العائلات المختلفة.
  4. الأطفال الذين عانوا من العديد من الأحداث الصادمة.

ومن أشيع أسباب التعلق المرضي:

  • الأنواع مختلفة من الإساءة الجسدية أو العاطفية أو الجنسية أو الصدمات وسوء المعاملة.
  • مشاكل غضب الوالدين وإهمالهم.
  • الآباء يعانون من اضطرابات نفسية.
  • التعرض قبل الولادة للكحول أو المخدرات.
  • بكاء الطفل لساعات طويلة من دون استجابة من أحد سواء كان الطفل جائعًا أو مريضًا أو مبللًا.

علاج التعلق المرضي

كلما بدأ علاج التعلق المرضي بعمر مبكر كلما كان أفضل، ويشمل العلاج استشارة نفسية وتعليم أبوي وربما أدوية إذا كان الطفل يعاني من الاكتئاب أو فرط النشاط أو القلق. ويتم علاج التعلق المرضي لدى الأطفال عن طريق عدة طرق قد يقترحها الاستشاري النفسي حسب حالة الطفل تشمل:

  • العلاج الأسري: والذي يرتكز على القيام بعدة أنشطة وأمور مسلية مع الطفل تساعد الأبوين على معرفة ما تعرض له الطفل في السابق.
  • الإرشاد النفسي الفردي: والذي يهدف إلى التركيز على سلوكيات الطفل وعواطفه.
  • العلاج باللعب: فقد يساعد دمج الطفل مع أطفال آخرين على اكتسابه مهارات اجتماعية وطرقًا للتعامل مع المواقف.
  • كما يساعد أيضًا العلاج النفسي للبالغين الذين يعانون من التعلق المرضي والذي يعمل على مساعدة الشخص على التغلب على تأثير التجارب المبكرة السلبية في حياته مع التعلق.

بالإضافة إلى الاستشارة الزوجية التي تمكن الزوجين من معرفة كيفية تأثير التعلق المرضي على نواحي حياتهم الزوجية وآلية تخطيها وتقوية الروابط فيما بينهم.

التعامل مع التعلق المرضي 

ليس من السهل أن يتعامل الشخص مع الأفراد المصابين بالتعلق المرضي، إذ يعد أمر إنجاح علاقة مع شخص لديه اضطراب التعلق المرضي أمرًا ليس بالسهل، كما أن تربية طفل يعاني من هذا الاضطراب تتطلب جهدًا وصبرًا كبيرين.

لكن مع الوقت والجهد والإصرار يمكن إصلاح اضطرابات التعلق، فبالنسبة للأطفال من أهم الأمور التي يمكن فعلها هو الحفاظ على الهدوء أمام الطفل الذي يعيش توترًا دائمًا، لكن في نفس الوقت يجب الالتزام بالحزم لكي يخلق لدى الطفل شعورًا بإمكانية الاعتماد على هذا الشخص والوثوق به. كما يساعد القيام بجدول روتين يومي للطفل لأن العالم بالنسبة له هو مكان غير مستقر وكثير التقلب ومخيف وبالتالي الروتين اليومي سوف يجعله يعيش حالة من الاستقرار.

أما بالنسبة لما يمكن فعله للبالغين فهو التواجد من أجلهم عاطفيًا عند حاجتهم لذلك، وتشجيعهم على البوح بمشاعرهم والذي سيعزز الثقة بين الطرفين، بالإضافة إلى احترام حدودهم في كافة الأمور، فهم قد لا يتفاعلون أو يتقبلون الأمور المختلفة مثل بقية الأشخاص.

اقرأ/ي أيضًا:

هل يمكن التفريق بين علم النفس والطب النفسي؟

هل الهرمونات من أسباب تقلب المزاج؟

هل يوجد فرق بين الاضطرابات النفسية والسلوكية؟

هل يمكن علاج فقدان الشهية النفسي؟

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على