` `

لماذا لا تذوب النواة الداخلية للكرة الارضية؟

علوم
30 أبريل 2024
لماذا لا تذوب النواة الداخلية للكرة الارضية؟
تشكل كل من النواة الداخلية والنواة الخارجية لب كوكب الأرض (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

تعتبر النواة الداخلية للكرة الأرضية أحد أكثر الأسرار غموضًا في علم الجيولوجيا والفيزياء الكونية، وتتكون هذه النواة من مادة صلبة تحت ضغط هائل ودرجات حرارة شديدة، ومع ذلك فإنه لا تذوب النواة الداخلية للكرة الأرضية رغم هذه الظروف القاسية.

صورة متعلقة توضيحية

ما هي المكونات الداخلية للكرة الأرضية؟

تقسم الكرة الأرضية كيميائيًا إلى أربع طبقات وهي:

  1. القشرة the crust: والتي تتألف من:
  • قشرة المحيطات: وتكون أكثر كثافة وأرق، وتتكون بشكل أساسي من البازلت.
  • قشرة القارات: وتكون أسمك وأقل كثافة وتتألف بشكل أساسي من الجرانيت والصخور الرسوبية والصخور المتحولة.
  1. الوشاح the mantle (يقسم بدوره إلى الوشاح العلوي والوشاح السفلي)، وهو يشكل معظم حجم الأرض، وتتسبب حركته (بسبب تغيرات حرارة اللب) في تحرك الصفائح وبالتالي حدوث الزلازل والبراكين.
  2. اللب الخارجي (النواة الخارجية السائلة) the outer core 
  3. اللب الداخلي (النواة الداخلية الصلبة) inner core the

تختلف درجة الصلابة والانصهار بين هذه الطبقات إلى حدٍ كبير، بحسب الضغط المطبق ودرجات الحرارة التي تزداد بازدياد العمق، وكذلك درجة انصهار المعدن الرئيسي المكون لكل طبقة.

خلال المراحل الأولى لتشكل الأرض يُعتقد أن العناصر الأكثر كثافة غرقت باتجاه المركز بينما بقيت المواد الأقل كثافة في الطبقات الأعلى، وبالتالي يعتقد أن اللب مكون بشكل أساسي من الحديد والنيكل وبعض العناصر الأخف، في حين أن السطح يحوي العناصر الخفيفة وصخور السيليكا.

ما هي النواة الخارجية للأرض؟

النواة الخارجية للأرض هي ثاني أعمق طبقة من الأرض، تقع فوق النواة الداخلية للكرة الأرضية وتحت طبقة الوشاح وتتمتع بالخصائص التالية:

  • تتكون من مزيج سائل من المعادن المنصهرة (مثل الحديد بنسبة 80% والنيكل وبعض العناصر الأخف).
  • السبب في أن هذه الطبقة سائلة هو درجات الحرارة العالية الصادرة من النواة الداخلية للكرة الأرضية، وبسبب عدم تعرضها لضغط كافٍ لتصبح صلبةً كما هو حال النواة الداخلية حيص لا تذوب النواة الداخلية للكرة الأرضية، لذا فهي سائلة على الرغم من تركيبها المشابه للنواة الداخلية.
  • تبلغ سماكتها حوالي 2200 كيلومترًا، وتقيس درجة حرارتها بين 4000-6000 درجة مئوية (الجزء الأكثر سخونة منها يملك نفس درجة حرارة الشمس تقريبًا).
  • يكون سائل النواة الخارجية منخفض اللزوجة للغاية ويدور بشكل أسرع من بقية الكوكب، مما يجعله موقع الحمل الحراري العنيف، وهذا يؤدي لتشكيل تيارات دوامية يعتقد أن لها دورًا هامًا في توليد المجال المغناطيسي للأرض، حيث أن تيارات المادة المعدنية المتحركة في النواة الخارجية باتجاه واحد تولد التيارات الكهربائية التي تسبب المجال المغناطيسي.
  • المجال المغناطيسي في منطقة النواة الخارجية للأرض والذي يعادل 50 ضعف قوة المجال المغناطيسي المقاس على سطح الأرض يمتد بعيدًا عبر الوشاح والقشرة في الفضاء ويحمي الأرض من الإشعاعات الضارة ويسهم في توجيه البوصلة.

ما هي النواة الداخلية للكرة الأرضية؟

النواة الداخلية للكرة الأرضية عبارة عن كرة معدنية ساخنة ضخمة تتوسط جسم الكوكب وتتمتع بالخصائص التالية:

  • يبلغ نصف قطر النواة الداخلية للكرة الأرضية حوالي 1220 كيلومترًا.
  • تتكون بشكل أساسي من الحديد وبشكل أقل من النيكل.
  • تبلغ درجة حرارة النواة الداخلية للكرة الأرضية حوالي 5000-6000 درجة مئوية، 
  • تكون النواة الداخلية للكرة الأرضية صلبة بسبب الضغط الهائل المحيط بها، فالسبب الذي يجعل الحديد والمعادن الثقيلة الأخرى صلبة عند درجات الحرارة العالية هو أن درجات انصهارها تزداد بشكل كبير عند الضغوط الهائلة الموجودة هناك والتي تكون بين 330-360 جيجاباسكال. 
  • يعتقد أن النواة الداخلية للكرة الأرضية تدور باتجاه الشرق (مثل السطح) بمعدل درجة واحدة أسرع منه بمعدل يتراوح بين 0.3-0.5 درجة سنويًا بالنسبة للسطح، أي أنها تدور دورة إضافية كل 1000 عام.

ومن النظريات الجديدة بما يخص دراسة هذه الطبقة:

  • من المرجح أن الحديد الصلب ضمنها يملك بنية بلورية مختلفة بنمط سداسي متراص HCP (hexagonal close-packed) تصطف من الشمال إلى الجنوب وهذا ما يفسر أن الموجات الزلزالية تنتقل بشكل أسرع بأربع ثوان من الشمال إلى الجنوب مقارنةً بانتقالها من الشرق إلى الغرب، ويذكر أن الموجات الزلزالية تقاس بواسطة مقياس ريختر.
  • توصل العلماء كذلك إلى أن النواة الداخلية للكرة الأرضية بحد ذاتها قد تكون مؤلفة من عدة طبقات، حيث يرون أن للنواة الداخلية نواة داخلية أصغر يبلغ قطرها 1180 كيلومترًا، ويكون اصطفاف بلورات الحديد فيها باتجاه الشرق والغرب وهذا ما لا يتوافق مع محور الأرض.
  • كما أن حركات باطن الأرض تدفع النواة الداخلية للتوسع بمعدل حوالي ميليمترًا واحدًا في السنة بشكل كتل وعناقيد بسبب تجميد الطبقات الأعمق من اللب الخارجي.

ما الفرق بين النواة الداخلية والنواة الخارجية؟

تشكل كل من النواة الداخلية والنواة الخارجية لب كوكب الأرض الذي يقع على بعد حوالي 5150 كيلومترًا تحت سطح الأرض، حيث يبلغ نصف قطره الإجمالي 3489 كم.

كلا الطبقتين متشابهتين من حيث التركيب الكيميائي، حيث تتكونان بشكل أساسي من الحديد والنيكل بالإضافة إلى بعض العناصر التي تذوب بالحديد تسمى Siderophile والتي تشمل الذهب والبلاتين والكوبالت، ونظرًا إلى أنها نادرة على سطح الأرض سميت "بالمعادن الثمينة"، ومن العناصر الهامة الموجودة في اللب أيضًا هو الكبريت والذي يعتبر خفيفًا نسبيًا. 

الفارق الأهم بين النواة الداخلية والنواة الخارجية هو أن الأولى تكون بحالة صلبة أما الثانية تكون بحالة سائلة وهذا ما تدل عليه الأدلة الزلزالية، وتسمى الحدود التي تفصل بينهما بانقطاع بولن Bullen discontinuity.

تختلف هاتان الطبقتان من حيث الكثافة، فكثافة النواة الداخلية الصلبة تتراوح بين 9.9-12.2 جم/سم3 أما كثافة النواة الخارجية فتتراوح ما بين 12.6-13 جم/سم3.

بالنسبة لدرجة الحرارة فتُعد درجة حرارة النواة الداخلية للكرة الأرضية، والتي تقيس وسطيًا 5200 درجة مئوية أعلى بقليل من درجة حرارة النواة الخارجية، كما أن الضغط الذي تتعرض له النواة الداخلية أكبر من الضغط المطبق على النواة الخارجية.

وبسبب اختلاف الكثافة والحالة الفيزيائية بينهما والضغط المطبق على كل منهما تختلف وظيفتهما، فيمكن اعتبار النواة الداخلية كجزء صلب من الهيكل الداخلي للأرض يولد حرارة، بينما يمكن اعتبار النواة الخارجية كجزء سائل يولد المجال المغناطيسي.

لماذا لا تذوب النواة الداخلية للكرة الأرضية؟

تعتبر النواة الداخلية للكرة الأرضية من أكثر الأجزاء غموضًا وتعقيدًا في تركيب الكوكب، وتتكون هذه النواة والتي تكون بحجم كوكب بلوتو من الحديد الصلب تحت ضغط هائل ودرجات حرارة عالية، ومع ذلك فإنها لا تذوب أو تنصهر رغم هذه الظروف القاسية.

على الرغم من أن درجة حرارة النواة الداخلية للكرة الأرضية أعلى بكثير من درجة انصهار الحديد، فإن ذرات الحديد غير قادرة على الانتقال من الحالة الصلبة إلى الحالة السائلة بسبب الضغط الشديد المطبق عليه والذي يكون بمقدار 3.5 مليون ضعف الضغط الجوي، وبالتالي تكون النواة صلبة.

ومن النظريات الحديثة حول تفسير لماذا لا تذوب النواة الداخلية للكرة الأرضية، هو شكل ذرات الحديد، فمن المعروف أن شكل بلورات الحديد في درجات الحرارة والضغوط التي تكون على سطح الأرض عندما يتم استخراج الحديد من الأرض تأخد شكل المكعب الكلاسيكي body-centered cubic (BCC)، ومن المعروف أيضًا أنها تتحول للشكل السداسي المتراص hexagonal close-packed (HCP) عند الضغوط العالية.

وبشكلٍ متناقض توصل باحثون في مختبر ليفرمور لورانس الوطني في كاليفورنيا إلى أن الحديد ضمن النواة الداخلية يكون بشكله المكعب رغم الضغط العالي!، وقد تم تفسير ذلك بأن الذرات تتحرك بسرعة وتكون قريبة جدًا من بعضها البعض في درجات الحرارة العالية جدًا لدرجة أنها غير قادرة على الانزلاق وتغيير شكلها، مثل الركاب ضمن عربة المترو المزدحم، حيث يمكنهم تبديل أوضاعهم لكنهم يحافظون على شكلهم الأصلي، وهذه النظرية تفسر بشكل أكبر كون النواة صلبة. 

أعمق حفرة حفرها الانسان

خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، بدأت المنافسة باتجاه البحث العلمي والاكتشافات الجديدة التي تغني المعرفة البشرية، من التنافس في الفضاء إلى الحفر لأعماق الأرض.

من هنا انطلقت فكرة حفر أعمق حفرة حفرها الإنسان على وجه الأرض، وهي بئر كولا العميق the Kola Superdeep Borehole في شبه جزيرة كولا في روسيا، والذي تم حفرة من قبل معهد الجيولوجيا التابع للاتحاد السوفييتي.

بدأ حفر البئر عام 1970 واستمر لقرابة 20 عامًا بفتحة صغيرة بقطر حوالي 23 سم فقط، وقد تم الوصول لعمق 12.262 كيلومترًا (40230 قدمًا) أو ما يقارب 7.6 ميلًا، وهي بذلك تكون أغمق من ارتفاع جبل إيفرست.

وعلى الرغم من التحديات التي واجهها المشروع إلا أنه قدم اكتشافات قيمة حول جيولوجيا الأرض وطبقاتها وكشفت العينات المأخوذة من أعماق مختلفة معلومات هامة حول تركيبة قشرة الأرض، كما تم اكتشاف المياه على أعماق لم تكن متوقعة، بالإضافة لاكتشاف نشاط بيولوجي لكائنات بحرية وحيدة الخلية تعود لمياري عام.

وقد تم التخلي عن المشروع في نهاية المطاف في أوائل التسعينيات بسبب نقص التمويل والصعوبات الفنية للحفر بسبب تخرب المعدات المستمر نظرًا لارتفاع درجات الحرارة، وأغلق الروس البئر عام 2005 ثم تحول المكان لموقع مهجور، لكنه يظل معلمًا مهمًا في تاريخ الحفر العلمي.

كيف تشكل كوكب الأرض

إن تشكل كوكب الأرض هو عملية معقدة حدثت على مدى مليارات السنين، فقد طور العلماء نظريات ونماذج مختلفة لشرح كيفية ظهور كوكبنا إلى الوجود، والنظرية الأكثر قبولًا على نطاق واسع هي الفرضية السديمية، والتي تشير إلى أن الأرض والكواكب الأخرى في النظام الشمسي تشكلت من سحابة هائلة دوارة من الغاز والغبار منذ حوالي 4.6 مليار سنة.

ولسبب ما مجهول من قبل العلماء حدث اضطراب في تلك السحابة (قد يكون بسبب انفجار نجم قريب منها)، أدى لسلسلة من الأحداث انتهت بتكون كوكب الأرض كما نعرفه اليوم، حيث ازدادت الجاذبية في مركز السحابة وتجمعت معظم المادة فيه لتشكل الشمس، ثم بدأت تكتلات نارية أصغر من الغاز والسائل بالتجمع حولها، والتي بردت وشكلت الكواكب ومنها كوكب الأرض. 

في البداية كان كوكب الأرض شديد الحرارة ومعظمه عبارة عن صخور ذائبة وبراكين ثائرة، ثم خلال بضع ملايين من السنين، بدأ الكوكب يبرد وحدثت سلسلة من الاصطدامات مع كويكبات تحمل الماء انتهت بإيداعه على الأرض وربما أدت هذه الاصطدامات أيضًا إلى تشكيل القمر، من ثم بدأت العناصر الثقيلة مثل الحديد والنيكل بالغرق باتجاه نواة الكرة الأرضية وبقيت المواد الأخف على السطح لتشكل القشرة الأرضية مع تشكل المجال المغناطيسي خلال هذه الفترة.

ومنذ حوالي 2.7 مليار سنة بدأت البكتيريا التي تطورت في المحيطات منذ بدء تشكلها بإنتاج الأوكسجين والذي أخد بالتراكم في الغلاف الجوي خلال ملايين السنين، إلى أن تشكل الغلاف الجوي المناسب للحياة بأشكالها كما نعرفه اليوم.

اقرأ/ي أيضًا:

ما هو المجال المغناطيسي للأرض؟

هل الأرض كوكب؟

كيف يتم استخراج الحديد من الأرض؟

هل طبقات الأرض أربعة؟

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على