تحقيق مسبار
تُصادفنا في حياتنا اليومية مفرداتٌ متنوعة، لبعضها مثل كلمة المسبار دلالات مختلفة، فقد تدل على المسبار الكهربائي، أو مسبار أعماق البحار، أو حتى المسبار الفضائي ولكنها جميعها تشترك في صفة واحدة، وهي سَبْرُ وكشفُ المجهول، سواء كان قياس قيمةٍ ما في دارة كهربائية، أو اكتشاف كوكبٍ بعيد.
يَسْبُر هذا المقال أغوار هذه الكلمة، كما ويُعرّفنا على أداة المسبار الكهربائي، ويذهب أبعد من ذلك ليشرح لنا عن المسبار الفضائي مثل مسبار باركر ومسبار فوياجر.
ما هو المسبار الكهربائي؟
المسبار الكهربائي هو أداة تعمل كصلة وصل فيزيائية وكهربائية بين مصدر الإشارة أو النقطة المراد اختبارها في الدارة الكهربائية من جهة، وراسم الإشارة أو جهاز القياس الكهربائي من جهة ثانية.
يختلف نوع المسبار الكهربائي باختلاف وظيفته والغرض المصنوع لأجله، فقد يكون بسيطًا، يعتمد على طول السلك مثلًا، أو قد يكون أكثر تعقيدًا، مثل المسبار التفاضلي النشط.
يجب أن يتوفر في المسبار الكهربائي ثلاث صفات كي تجعله مناسبًا في عمله كصلة وصل بين نقطة الاختبار وجهاز القياس، أولها هو الاتصال الفيزيائي الجيد مع النقطة المختبرة، حيث يجب أن يكون المسبار الكهربائي مناسبًا للوصول إلى هذه النقطة، ونقل الإشارة منها.
الصفة الثانية هي أن يكون للمسبار الكهربائي تأثير طفيف على عمل الدارة الكهربائية التي يطبق عليها الاختبار، أما الصفة الثالثة فهي أن تكون للمسبار الكهربائي القدرة على نقل الإشارة إلى مدخل جهاز القياس بدقة وبدون تشويش، سواء خلال رأس المسبار أو عبر الكابل الخاص به.
ما معنى كلمة المسبار؟
في معجم "مختار الصحاح" معنى كلمة المسبار هو مايُسبَر به الجُرحُ، وذلك من سَبَرَ الجرح، أي نَظَر داخله.
في معجم "لسان العرب" يأتي معنى السَّبْرُ: أي التجربة، واستخراج كُنْهِ الأمر - أي استكشافُ ماهيته -، وسَبَرَ الشيء سَبْرًا: أي حزره وخبره، وسَبَرَ الجرح: أي نظر مقداره وقاسه ليعرف عمقه. ومعنى كلمة المسبار: ماسُبِرَ به، وقُدَّر به عُمقُ الجرح.
أما معنى كلمة المسبار في عصرنا الحالي: هو آلةٌ لسبر الأعماق، مثل: مسبار بحري ومسبار لاسلكي، وهو لا يختلف عن السابق في المدلول، ولكن استخدام الكلمة اتسع أكثر، ليدل على الأداة المُستخدمة في كشف ما هو خفي، أي شيءٍ كان.
ما هو مسبار باركر؟
مسبار باركر الشمسي هو مسبارٌ فضائي أطلقته وكالة ناسا باتجاه الشمس في 12 أغسطس\آب من عام 2018، وذلك بهدف دراسة هالة الشمس والرياح الشمسية.
إن أقرب مسافة سيصلها مسبار باركر من سطح الشمس هي 4 مليون ميل، وهي مسافة لم تسبقه إليها أي مركبة فضائية من قبل، وسيبدو المسبار وكأنه "يلامس " الشمس. عند هذه المسافة ستصل درجة الحرارة إلى 1400 درجة مئوية، وفي حين أن الدرع الشمسي الخاص بالمسبار سيواجه هذه الحرارة العالية، ستكون المعدات وأجهزة القياس خلف هذه الدرع في درجة حرارة قريبة من درجة حرارة الغرفة، مما سيمكنها من إجراء القياسات وجمع البيانات المطلوبة.
إن الغرض من مهمة مسبار باركر الشمسي يمكن تلخيصها في ثلاثة أهداف:
- تتبع تدفق الطاقة الذي يسخن ويسبب تسارع هالة الشمس والرياح الشمسية.
- تحديد بنية وديناميكية البلازما والحقول المغناطيسية في منبع الرياح الشمسية.
- استكشاف آليات التي تنقل وتسرّع جزيئات الطاقة.
كم تبلغ سرعة مسبار باركر؟
عند وصوله إلى أقرب مسافة له إلى الشمس، سوف تبلغ سرعة مسبار باركر الشمسي 195 كيلومترًا في الثانية الواحدة، ليكون عندها أسرع مركبة صنعها الإنسان على الإطلاق، حيث لم تسبقه إلى هذه السرعة أي آلة من قبل.
بهذه السرعة يمكن الانتقال من مدينة القاهرة إلى الإسكندرية في أقل من ثانية واحدة، بل ويمكن الانتقال من العاصمة الأردنية عمان، إلى العاصمة السورية دمشق في زمن أقصر من ذلك أيضًا، كما أن الرحلة من مدينة مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ستستغرق ما يقل قليلًا عن 2 ثانية عند السفر بسرعة تقارب سرعة مسبار باركر.
ما هو مسبار فوياجر؟
مسبار فوياجر هو في الحقيقة مسباران توءمان، فوياجر 1 وفوياجر 2، أُطلقا في الأساس لاستكشاف كوكبي المشتري وزحل، وذلك في عام 1977م، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، مازالا يعملان ويرسلان البيانات الفلكية، وذلك من مسافة سحيقة في عمق الفضاء، مسافةٌ لم يصل إليها قبلهما أيُّ شيء أُطلق من كوكبنا.
حيث أنه في عام 2012م، خرج مسبار فوياجر 1 من مجموعتنا الشمسية، إلى الفضاء مابين النجوم، في سابقةٍ تاريخية، ليتبعه مسبار فوياجر 2 إلى الفضاء ما بين النجمي في عام 2018م، وهناك ومن مسافة أبعد من كوكب بلوتو، مازالا حتى الآن، يبعثان بالمعلومات القيمة عن الفضاء العميق حولهما.
زَخُرت رحلة توءم مسبار فوياجر بالإنجازات العلمية، مثل اكتشاف البراكين النشطة على أحد أقمار المشتري، ودراسة العُقد على حلقات زُحل، ليتم بعد ذلك تمديد رحلتهما من أجل استكشاف الكواكب الأبعد، أورانوس ونبتون، وهي مهمةٌ لم تنجزها أي مركبة فضائية غيرهما حتى الآن.
وقد أنهيا مهمتهما الأخيرة هذه، ليبدأ كلٌ منهما بالمهمة الحالية، المعروفة باختصار VIM، أي مهمة فوياجر للفضاء ما بين النجمي.
ما هو شكل المسبار؟
شكل المسبار الفضائي عمومًا بسيط، حيث أن له جسم ذو شكل أسطواني أو كروي أو مخروطي... أو خليط من ذلك، مع مجموعة من ألواح الطاقة الشمسية، ويلاحظ اختلاف شكل المسبار من واحدٍ إلى آخر، وتنوع أشكالها بشكلٍ كبير.
يتكون المسبار الفضائي من مجموعة من المكونات الأساسية، مثل المحرك ومنظومة الطاقة ونظام التوجيه ونظام الاتصالات، والتي تكوّن ما يُعرف بوحدة الخدمة، وذلك بالإضافة إلى المعدات العلمية وأجهزة القياس، والتي تشكّل ما يسمى بوحدة الحمولة، ويجمع بين الوحدتين هيكل المسبار الخارجي.
تختلف الأجهزة العلمية التي يحملها المسبار باختلاف المهمة الفضائية وغرضها وأهدافها، وهي تشمل التلسكوبات والكاميرات والأجهزة الكاشفة بأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى المعدات المكملة، مثل المرايا لتجميع الأشعة الضوئية، والحاجب المحيط بالتلسكوب، والذي يمنع تشويش الرؤية من مصادر الضوء المحيطة.
كيف يسير المسبار؟
معظم الطاقة المستخدمة لتحريك أي مركبة فضائية تستخدم في إطلاقها ودفعها خارج الكرة الأرضية، عندما يصبح المسبار، أو المركبة الفضائية أيًا كانت، في الفضاء الخارجي، "يبحر" فيه دون صرف أي كمية إضافية من الطاقة، حيث لا يوجد أي شيء يعيق حركته ويسبب تباطؤه في الفراغ، وذلك لخلوه من المادة.
يوضع المسبار منذ انطلاقه من الأرض في مسار محدد، يسير المسبار في هذا المسار نحو وجهته، ولكن يلزم غالبًا إجراء تصحيح على خط سيره، أو تعديل مساره وإعادة توجيهه حسب أهداف المهمة العلمية، يتم ذلك بالاستفادة من مجالات الجاذبية حول الكواكب والنجوم، وباستخدام أنظمة توجيه آلية في المسبار.
يمكن الاستفادة من جاذبية الأجرام في الفضاء لزيادة سرعة أو إبطاء المسبار، حيث يتم توجيه المسبار باستخدام جهاز الدفع النفاث إلى مدار قريب من الجرم الفضائي (كوكب أو نجم غالبًا). في مدار قريب تكون قوة الجاذبية أكبر، وتصبح سرعة الدوران حول الجرم أعلى، وبالعكس في حال كانت الغاية جعل المسبار يسير بسرعة أبطأ، يتم توجيهه إلى مدار أبعد، حيث سرعة الدوران تكون أقل.
يسير المسبار ويتم توجيه حركته آليًا باستعمال طريقتين: أجهزة دافعة، وعجلات الدوران، تجعل هاتان الآليتان المسبارَ يدور ويغير اتجاهه، كما تسمحان له بتعديل سرعته. يُزوَّد المسبار بإحدى هاتين الآليتين، أو بكلتيهما معًا، وذلك وفق الحاجة.
في طريقة الأجهزة الدافعة، يُزوَّد المسبار بأجهزة دفع من الأمام والخلف والجانبين، وذلك لزيادة سرعته باتجاه معين، أو لكبحها، كما يستفاد من عزم الفتل في تدوير المسبار، عن طريق استخدام أزواج متقابلة من الدوافع، تعمل بشكل متعاكس وتسبب دوران المسبار إلى الوضعية المطلوبة.
أما في طريقة عجلات الدوران، فتتم الاستفادة أيضًا من عزم الفتل، ولكن عن طريق تدوير عجلة باتجاه معين، والتي تسبب دوران المسبار، ولتحقيق التوجيه المطلوب في فراغ ثلاثي الأبعاد، يتم استعمال ثلاث عجلات تدوير، تكون موجهة بزوايا مناسبة بالنسبة لبعضها البعض، وذلك حتى تحقق التوجيه المطلوب بدقة.
ما الفرق بين المسبار والقمر الصناعي؟
الفرق بين المسبار والقمر الصناعي هو في طبيعة الحركة والمسار الذي يتخذه كل منهما بشكل أساسي، وكذلك في شكل الوظيفة التي يؤديانها.
المسبار الفضائي هو آلة غير مأهولة بطاقم بشري، تُرسل عميقًا في الفضاء بغرض جمع المعلومات العلمية والبيانات الفلكية، ولاستكشاف الأجرام المختلفة من كواكب وأقمار وكويكبات وغيرها. قد تكون رحلة المسبار الفضائي باتجاه واحد، أو قد يرجع إلى الأرض ليجلب معه عينات فضائية.
القمر الصناعي هو آلة تُرسَل إلى الفضاء، ولكنها تبقى قريبة من الكرة الأرضية، وتدور حولها في مدار ثابت، وفي حين أن المسبار يستخدم للاستكشاف العلمي، فإن الأقمار الصناعية غالبًا تُستخدم كوسيلة للتواصل (راديو والتلفاز)، أو للتوجيه والملاحة، أو لدراسة الطقس، ولغيرها الكثير من الوظائف الأخرى.
اقرأ/ي أيضًا: