تحقيق مسبار
ما بين الشك في غايةٍ عسكرية من إنشائه، والتصريح باقتصار غايته على الأغراض المدنية، لا يزال البرنامج النووي الإيراني عالقًا بين الشكوك والنوايا، كما لا يزال الاقتصاد الإيراني يتأرجح بين العقوبات المفروضة من جهة، والاتفاق النووي المأمول من الجهة الثانية.
ما هو الاتفاق النووي الإيراني؟
الاتفاق النووي الإيراني هو اتفاق بين إيران ومجموعة دول 5+1 (والتي تشمل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين إضافة إلى ألمانيا)، وقد تم التوصل إليه في فيينا عاصمة النمسا في تاريخ 14 يوليو/تموز عام 2015.
موضوع الاتفاق هو البرنامج النووي الإيراني، وينص على تقييد الأنشطة النووية الإيرانية، والسماح بمراقبتها، في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية والمالية والعسكرية المفروضة من قبل الغرب على إيران، وذلك وفق حدود زمنية معينة.
اتفاق لوزان النووي
إن اتفاق لوزان النووي تمّ بين إيران من جهة ودول 5+1 من جهة ثانية، وذلك بتاريخ 2 أبريل\نيسان من عام 2015، في مدينة لوزان في سويسرا. وقد استمرت المفاوضات حول الاتفاق إلى مايقرب من سنة ونصف، و عُرف عند التوصل له باسم: خطة العمل الشاملة المشتركة، واختصارًا (JCPOA)، وقد امتدّ نصّه على على 159 صفحة.
إن اتفاق لوزان النووي هو اتفاق إطار، تم فيه التوصل إلى صياغة البنود الأساسية للاتفاق النووي الإيراني النهائي، والذي اكتمل بعد فترة قصيرة في فيينا، وذلك بعد أن استمرت المفاوضات المكملة لاتفاق لوزان النووي.
جاء اتفاق لوزان النووي بهدف طي صفحة 12 سنة من الخلافات بين إيران والغرب حول برنامج إيران النووي، وهو يهدف لتقليص حجم البرنامج النووي في إيران، وكبح وتيرة تقدمه، وذلك من خلال تعليق أكثر من ثلثي الأنشطة النووية الإيرانية لمدة 10 سنوات.
حيث تلتزم إيران بألا تزيد نسبة تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها النووية عن 3.67%، وذلك لمدة 15 سنة على الأقل، وأن تقتصر أنشطة التخصيب على مفاعل نطنز النووي فقط، وأن تقلل من مخزون اليورانيوم المخصب، وتلتزم بالعمل بأجهزة طرد مركزي غير متطورة.
في المقابل تلتزم الدول الغربية برفع معظم العقوبات المطبّقة على الجمهورية الإيرانية، وذلك من خلال التخفيف المتدرج للقيود المفروضة، سواء في إطار العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أو تلك المفروضة من قبل مجلس الأمن.
على ماذا ينص الاتفاق النووي مع إيران؟
ينص الاتفاق النووي مع إيران على فرض العديد من القيود التقنية على الأنشطة النووية الإيرانية، وذلك خلال فترة زمنية محددة، وفق آلية مفصلة ومتفق عليها، مع سماح إيران لمفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء جولات تفتيش للتحقق من مدى التزامها بتطبيق الاتفاق على أكمل وجه.
يهدف الاتفاق إلى منع الطرف الإيراني من وضع قدراته النووية في خدمة الاستخدام العسكري، فهو يحدّد مثلًا نسبة تخصيب اليورانيوم المسموحة بما لا تتجاوز 3.67%، ويحصر أنشطة التخصيب في منشأة نووية واحدة بدل اثنتين قبل الاتفاق.
كما ينصّ الاتفاق على خفض عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة إلى 5060 جهازًا، علمًا أن عددها قبل الاتفاق كان 21 ألف طارد مركزي، وعلى خفض مخزون اليورانيوم إلى 300 كيلوغرام، بينما كان قُبيل الاتفاق يصل إلى عدة أطنان من اليورانيوم المُخصَّب بنسب 5% و20%.
كما أنه وفق ماينص عليه الاتفاق النووي مع إيران يجب أن تخضع برامج التطوير والبحث العلمي في مجال أجهزة الطرد المركزي الجديدة لقيود صارمة، كما أن الاتفاق صعّب على المنشآت الإيرانية الحصول على البلوتونيوم، وجعل الزمن اللازم لهذه العملية أكثر طولًا.
بالنسبة لتطبيق معايير الشفافية وإجراءات التحقق من تنفيذ الاتفاق النووي، تلتزم الدولة الإيرانية بالسماح لمفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء جولات تفتيشية في المنشآت النووية المعلن عنها، بالإضافة إلى أي جولات ضرورية خارج هذه المنشآت، بما فيها المواقع العسكرية، وذلك عند الاشتباه بحدوث أي خرق للاتفاق النووي الإيراني.
في المقابل ينص الاتفاق النووي مع إيران على أنه يجب على الدول الغربية الالتزام برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومن قبل مجلس الأمن، وعلى إلغاء تجميد الأرصدة الإيرانية في الخارج، بالإضافة إلى تخفيف القيود المفروضة على بيع الأسلحة للجمهورية الإيرانية.
ما هي بنود الاتفاق النووي الإيراني؟
يمكن تلخيص أهم بنود الاتفاق النووي الإيراني كالتالي:
- ا يُسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 3.67%، وذلك خلال 15 عامًا.
- يقتصر تخصيب اليورانيوم على مفاعل واحد فقط، وهو منشأة نطنز النووية.
- يقتصر استخدام مفاعل فوردو على أغراض البحث العلمي، وأي تجارب تتم فيه تكون مُنسَّقة مع الجهات الدولية، علمًا أن هذا المفاعل هو منشأة محصّنة تحت الأرض ومحمية بشكل جيد.
- يُحدد عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة بـ 5060 جهازًا، وذلك لمدة عشر سنوات، أما الأجهزة المتبقية فتخزن في مستودعات تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- لا تُستخدم في عمليات تخصيب اليورانيوم إلا أجهزة الطرد المركزي من النوع القديم (IR-1)، وذلك لمدة عشر سنوات.
- يقتصر استخدام أجهزة الطرد المركزي من الأنواع الأحدث (IR-4، IR-5، IR-6 ve) على أغراض البحث والتطوير، وذلك لمدة عشر سنوات، وتحت شروط مفصلة.
- لا يسمح لإيران باستخدام تقنية فصل النظائر في عمليات تخصيب اليورانيوم، ولايسمح لها بدمج جهازي طرد مركزي معًا، وفي حال تعطل جهاز طرد يتم استبداله بآخر من نفس النوع حصرًا.
- يجب خفض مخزون اليورانيوم المخصَّب بحيث لاتزيد كميته عن 300 كيلوغرام، ويستمر العمل بهذا الحد لمدة 15 سنة، أما الكميات الزائدة فيمكن للدولة الإيرانية أن تبيعها في الأسواق الدولية.
- سيتم تأمين الوقود النووي تحت إشراف روسيّ، وسيقتصر استخدام إيران لليورانيوم المخصّب بنسبة 20% على أغراض البحث العلمي، على أن تحوله لوقودٍ نوويّ.
- يتم تحويل مفاعل أراك الذي يستخدم الماء الثقيل، إلى العمل بالماء الخفيف، حيث أن مفاعلات الماء الثقيل يمكن لها إنتاج البلاتينيوم المستخدم في الأسلحة النووية، وسيقتصر عمل هذا المفاعل على مجال البحث العلمي، وسيكون قادرًا على إنتاج بطاريات النظائر المشعة.
- لا يسمح لإيران ببناء أي مفاعلات نووية تعمل بالماء الثقيل خلال 15 عامًا، أما كميات الماء الثقيل الموجودة لديها، فيسمح لها بتصريفها من خلال بيعها لجهات الدولية.
- لا يُسمح لإيران بممارسة أي عمليات متعلقة بالوقود المستنفذ، وذلك خلال 15 عامًا، باستثناء تلك المتعلقة بإنتاج بطاريات النظائر المشعة.
- تلتزم طهران بالسماح لمراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء جولات تفتيشية.
- تلتزم الأطراف الدولية بتعهداتها في الاتفاق النووي الإيراني، وذلك برفع جميع العقوبات عن طهران، بما فيها تلك المفروضة من قبل الأمم المتحدة، كما تتعهد بعدم فرض أي عقوبات جديدة.
متى بدأ المشروع النووي الإيراني؟
بدأ المشروع النووي الإيراني في منتصف السبعينات من القرن العشرين، قبل الثورة الإسلامية، في عهد الشاه محمد رضا البهلوي، ضمن إطار مشروعه "الحضارة الإيرانية الكبرى". حينها عرضت الولايات المتحدة على الشاه بناء مفاعلات كهرونووية، ولكن ارتفاع تكاليف العرض الأمريكي دفعه لقبول عرض شركة ألمانية، والتي كلفها ببناء مفاعلين في مدينة بوشهر عام 1974.
بعد اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، كان المفاعل الأول قد أنجز 85% من بنائه، وقد توقف الألمان عن استكمال العمل بالمشروع حينها، وفوق ذلك قام العراق بقصف المفاعلين عام 1987 أثناء الحرب بين البلدين.
أوكلت إيران استكمال برنامجها النووي إلى الاتحاد السوفيتي، وقد باشرت منذ العام 1996 ببناء مفاعل آراك العامل بالماء الثقيل، وسرّعت من وتيرة العمل على برنامجها النووي في عهد الرئيس القومي هاشمي رفسنجاني، وهو ما أدى إلى اصطدامها مع الغرب الذي شكك في نواياها النووية، في أزمة لم تنتهي حتى بعد التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني في فيينا.
متى ضربت إسرائيل المفاعل النووي الإيراني؟
إسرائيل التي تمتلك السلاح النووي لم تضرب المفاعل النووي الإيراني باستخدام هجمات جوية، على الرغم من الحديث عن إجراء تدريبات ووضع خطط لفعل ذلك، ولكنها سبقت وقامت بالتعاون مع الأمريكيين ضمن جهود استخباراتية فاعلة في توجيه ضربة استخباراتية سيبرانية باستعمال فيروس "ستاكسنت"، والذي استهدف مفاعل نطنز النووي، وذلك في العام 2008.
هذا الفيروس الذي تم زرعه بواسطة عميل في الداخل الإيراني لضرب منظومة التحكم في مفاعل نطنز، أدى إلى تعطيل آلاف أجهزة الطرد المركزي، وسبب تأثيرًا مباشرًا على عمل المفاعل النووي الإيراني.
إضافة إلى استخدام فيروس "ستاكسنت"، قامت إسرائيل عن طريق عمليات استخباراتية باستهداف علماء نوويين إيرانيين، ولعل أشهرهم محسن فخري زادة، الذي تم استهدافه باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث استعملت رشاشًا روبوتيًا يتم التحكم به عن بعد، لاغتيال هذا العالم النووي الإيراني، في عملية جاسوسية ناجحة.
هذا وسبق لإسرائيل توجيه ضربات جوية لما اعتبرته تهديدًا نوويًا مستقبليًا لأمنها، وذلك في استهدافها لمفاعل تموز-1 النووي العراقي عام 1981، قبل يومٍ واحد من افتتاحه رسميًا، وكذلك استهداف ماقيل أنه مفاعل نووي في موقع "الكُبر" في دير الزور في سوريا عام 2007، وهما عمليتان تظهران عدم تردد إسرائيل في توجيه ضربات من هذا النوع لأي منشآت نووية في المنطقة.
ما هو الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا؟
بعد التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015، ودخوله حيّز التنفيذ بداية عام 2016، توقف العمل به في نهاية العام 2017، وذلك بعد انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من الاتفاق.
تمّ الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا إلى جانب بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا، أو ماعُرف بمجموعة 5+1، وذلك في فترة ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والذي عمل جاهدًا للتوصل إليه، ولكن خلفه دونالد ترامب، والذي دائمًا معارض الاتفاق، ألغى التزام الولايات المتحدة به، وأعاد فرض العقوبات على طهران.
كان الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي أحاديًا، وقد خالف رغبات الشركاء الأوروبيين، والذين حثّوا طهران على الاستمرار بالعمل بمخرجات فيينا، ولكن إيران رفضت الالتزام بكامل متطلبات الاتفاق النووي، فخفضت مستوى تعاونها مع مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبدأت بتخصيب اليورانيوم مجددًا فوق المستويات المسموح بها وفق اتفاق لوزان.
بعد تولي جو بايدن منصبه كرئيس للولايات المتحدة، أكد على تخليه عن موقف سلفه الرافض للاتفاق النووي الإيراني، وشجع على إعادة التفاوض مجددًا مع الطرف الإيراني، وهو ماتمّ بين إيران ودول بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا (مجموعة 4+1) بشكلٍ مباشر، ومع الولايات المتحدة بشكل غير مباشر.
ولكن اختلاف الأولويات بين إيران وأمريكا، أدخل المفاوضات في حالة من الجمود، حيث تصرّ طهران على رفع العقوبات الأمريكية عنها قبل أي وقف لتخصيب اليورانيوم، فيما تشدّد واشنطن على أولوية وقف التخصيب قبل أي خطوة تجاه رفع الحظر.
قبل الاتفاق النووي الإيراني في فيينا، كانت طهران ترزح تحت عقوبات قاسية، والتي كانت الدافع الرئيسي لها لقبول الاتفاق، فقد أسهمت هذه العقوبات في تقليص حجم الاقتصاد الإيراني، حيث انخفضت الصادرات من انتاج الدولة من النفط الخام بمعدل النصف، وفقدت الحكومة الإيرانية قدرتها على الاستفادة من أرصدتها من العملات الأجنبية في البنوك الدولية، وهو ماعادت إيران لتعاني منه مجددًا بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها.
اقرأ/ي أيضًا: