` `

هل خوارزميات غوغل تؤدي لنتائج بحثٍ مُضلِّلة؟

خالد فرحات خالد فرحات
تكنولوجيا
27 مايو 2021
هل خوارزميات غوغل تؤدي لنتائج بحثٍ مُضلِّلة؟

يحتفظ غوغل بصدارته كمحرك البحث الأول عالميًا منذ أكثر من عقد، بحصةٍ تتجاوز 90% من مستخدمي محركات البحث حول العالم، ومع أكثر من خمسة مليارات عملية بحثٍ يوميًا، فإنّ 15% منها جديدة لم يتلقاها غوغل من قبل، ممَّا جعله منفذًا رئيسيًا للوصول إلى المعلومة عبر الإنترنت. 

ورغم أنه لا يُنشئ المعلومة، إلا أنّه يقوم بتشكيلها بناءً على طريقة عرضها، فالمعلومات على غوغل تتشكَّل بطريقةٍ تبادلية، من خلالِ برمجياته من جهة، والمستخدم الذي يستعلم عنها من جهةٍ أخرى. وتختلف طريقة العرض على وسائل التواصل الاجتماعي عن تلك التي يتبعها غوغل، فعلى سبيل المثال: تُعرض المعلومات على "تويتر" من المستخدم إلى المستخدم مباشرةً بطريقة آخر الأخبار (Last news)، ويتم عرضها بناءً على الترتيب الزمني، مما يبقيها لفترةٍ قليلة في أعلى سلم الأخبار مقارنةً بما يتم عرضه على غوغل، فنتائج البحث قد تبقى لأيام طويلة في ترتيبها من دون تغيير، ممَّا يضاعف تأثيرها على آراءِ وأفكار المستخدمين.

يتلقى المستخدم المعلومة عرَضيًا على شبكات التواصل الاجتماعي، أما على غوغل، فإنه يتلقى المعلومة بحسب ما استعلم الموقع عنه. ومن خلال عمله على تشكيل المعلومات وطرق عرضها للجمهور. بهذا الشكل الاحتكاري، اكتسب غوغل ثقة المستخدمين فيما يعرضه لهم من نتائج، مما جعله لاعبًا هامًا في نشر المعلومات، ومنها المعلومات المضللة التي تفشت في الشبكة العنكبوتية.

 كيف يعمل غوغل؟

يمر عمل جوجل بثلاث مراحل رئيسة هي: البحث والترتيب والأرشفة، فبعد أن تبحث برمجياته المعروفة باسم "العناكب" في ملايين الروابط عبر الإنترنت، يتم تخزين هذه الروابط وأرشفتها وفق خوارزمية معينة، ومن ثم إظهارها بالشكل المرتب الذي نراه عندما نبحث عن شيء ما. ولكل مرحلة من مراحل عمل جوجل خوارزمياتها الخاصة، إلا أنّ جميعها تعمل لهدفٍ واحد،هو ترتيبُ نتائج البحث، ومدى ارتباطها باستعلام المستخدم.

وبعدما كانت هذه النتائج تأتي مرتبةً وِفق ارتباطها بما تم الاستعلام عنه دلاليًا، أصبحت لاحقًا تعتمد على عدد مرات النقر على الرابط، وإذا حصل على عدد كافٍ من النقرات، سيرتفع ترتيبه إلى المراكز الأولى، أي أنَّ نتائج البحث يتم ترتيبها بشكلٍ أتوماتيكي اعتمادًا على عدد زيارات المستخدمين دون وجود تدخلٍ بشري، وقد لاقت هذه الطريقة الكثير من الانتقادات لعدم قدرتها على إظهار نتائجَ مرتبطة بشكلٍ وثيق بما تم الاستعلام عنه، ولما أظهرته من نقاط ضعفٍ ساعدت على نشر الأخبار الكاذبة والمحتوى الإلكتروني المضلل.

معلومات مضللة ونتائج بحث منحازة

يؤكد مدراء غوغل وبشكلٍ دائمٍ على أنّ خوارزميات محرك البحث مستقلة وموضوعية، وغير منحازة على الإطلاق، لرأي أو جهة سياسية أو حتى تجارية، غير أن تحقيقًا مطولًا أجرته صحيفة وول ستريت جورنال أظهر عكس ذلك.

فقد أظهر التحقيق بأن شركة غوغل أجرت تعديلاتٍ مستمرة على نتائج بحثها مُفضلةً الشركات الكبيرة على الصغيرة مثل شركتي إي باي وأمازون، بالإضافة إلى تعديلاتٍ يجرونها على مزايا المحرك الأخرى مثل اقتراحاتِ البحث وخاصية الإكمال التلقائي، علاوةً على ما يتم تعديله في نتائج البحث نفسها، يدويًا ودون تدخل خوارزمي.
وبالرغم من إنكارها العلني، إلا أنه وبحسب الصحيفة، فإن "غوغل" لديها قائمة سوداء لمواقع معينة أو لنتائج بحث معينة تمنعها من الظهور إذا ما تم الاستعلام عنها، وتقول الصحيفة إنّ شركة غوغل قد عمدت وبشكلٍ متزايد إلى إدخال تعديلاتٍ على خوارزمياتها، مع إجراء تغييرات على نتائج البحث، سواء كان ذلك بغية تحقيق الربح من المعلنين أم استجابةً لطلبات الحكومات والمنظمات.

لا تقتصر مشكلة المحرك على ذلك، إذ يستغل ناشرو المعلومات المضللة نقاط الضعف الموجودة في خوارزميات غوغل، عبر الارتباط الدلالي بين الكلمات بحشو المحتوى المضلل بكلماتٍ دلالية معينة ليرفع من ترتيبها، ويستغلون أيضًا نقاط الضعف في خصائص أخرى مثل شعبية الصفحات و خاصية اقتراحات البحث وغيرها، فقد أظهرت الأخيرة ضعفًا في الأداء والفاعلية،  فيما يُعرف باسم التحيز الخوارزمي، وهو تحيز محرك البحث لنتائجٍ حققت حدًا معينًا من عدد النقرات واستوفت شروطًا أخرى لتظهر في المراتب الأولى دون التأكد من صحة ما تحمله من معلومات.

وعيّنت شركة غوغل موظفين لإدخال تعديلاتٍ يدوية على اقتراحات البحث التي تتم تلقائيًا، للحد من انتشار المعلومات المضللة، كما عملت على تغيير نتائج البحث المرتبطة بقضايا عديدة منها معاداة السامية، ففي عام 2016، غيّرت اقتراحات البحث الخاصة بعبارات مثل "اليهود أشرار" من أجل إظهار نتائج بحثٍ أخرى غير تلك التي كانت تظهر قبل اجراء التغييرات.

لكن من جهة ثانية فإنّ تغيير نتائج البحث كان جزءًا من عملية تضليل في بعض الأحيان، يتجلى ذلك مثلًا عندما ربط "غوغل" بين الكوفية الفلسطينية والإرهاب، في نتائج البحث عن سؤال "ماذا يرتدي الإرهابيون فوق رؤوسهم؟"، فكانت الكوفية الفلسطينية تتصدر الإجابات في نتائج البحث، الأمر الذي أثار غضبًا واسعًا لدى الفلسطينيين والعرب. وعند سؤال الموقع باللغتين العربية والإنجليزية أو بصيغ مختلفة أو حتى بالبحث في الصور، كان يعطي الإجابة نفسها، مما يبدو جليًا تعمده ربط الكوفية الفلسطينية بالإرهاب بما ينافي الحقائق ويشوه صورة الشعب الفلسطيني عالميًا، خصوصًا بعد الأحداث الأخيرة التي جرت على الساحة الفلسطينية.

وبحسب الجزيرة نت، اعتذرت غوغل عمَّا وصفته بالخطأ التقني معللةً ذلك بأنّ المقتطفات التي تظهر في نتائج البحث تنشأ تلقائيًا دون تدخلٍ بشري، لكن ذلك يتناقض مع ما يقوله غوغل أيضًا، وهو أنّ المقتطفات تظهر في صفحة نتائج البحث الاعتيادية ولا تظهر في نتائج البحث عن الصور، كما أنَّ نتائج البحث المتعلقة بلباس الإرهابيين أظهرت الكوفية الفلسطينية في صفحة النتائج الاعتيادية وصفحة البحث عن الصور.

تلعب المعلومات المضللة دورًا هامًا في تشكيل الآراء والأفكار لدى الناس، مما قد يهدّد بظهور مناهج حياتية تستمد أفكارها من هذه المعلومات على المدى البعيد، ويمكن أن يؤدي ظهورها في الصفحة الأولى من نتائج البحث إلى منحها موثوقيةً أعلى لدى المستخدمين، ما يجعل من معالجتها وتصحيحها أمرًا صعبًا، إذ يغرس هذا النمط غريزةً غير واعية للثقة في تصنيف غوغل لهذه المعلومات، وربط صدقيّتها بترتيبها في نتائج البحث.

كيف يحارب غوغل المعلومات المضللة

بدأت شركة غوغل حزمةً من الإجراءات من أجل الحد من تفشي المعلومات المضللة، فقد قدمت مؤخرًا مساهمة مالية للاتحاد الأوروبي من أجل محاربة الأخبار الكاذبة، كما أعلنت منذ سبتمبر/أيلول عام 2020، عن حظرِ المواقع المروجة لها، بالإضافة إلى تعاونها مع مواقع فحص الأخبار وكشف الحقائق. 

ففي عام 2020، رصدت الشركة على محرك بحثها 50 ألف عملية تحقق من الأخبار الكاذبة، وتصدّرت هذه الحقائق نتائج البحث بأكثر من 2.4 مليون مرة في العام نفسه، كما تقوم بإشراك المستخدمين في حملتها ضد الأخبار الكاذبة، وذلك من خلال نشر الوعي حول مخاطر المعلومات المضللة وطرق اكتشافها، فنشرت على مدونتها مجموعة من النصائح والإرشادات للمستخدمين من أجل كشف هذه الأخبار، كما أطلقت أداتها الخاصة لفحص الحقائق “Fact check explorer” لتساعدهم على فحص المعلومات والتأكد منها.

على الرغم من ذلك، لم تقم  شركة غوغل بتغييرات جذرية على محرك بحثها من شأنه أن يحدّ من تفشي المعلومات المضللة، كما لم تعالج المشاكل المتعلقة بالانحياز الخوارزمي لاقتراحاتِ بحثٍ دون الأخرى، أو حتى الانحياز التأكيدي لمعلوماتٍ دون الأخرى، وإنما تكتفي بعلاج ما يثير السخط حولها، فقد قامت بتغيير اقتراحات البحث عن استعلام "اليهود أشرار" بعدما تلقت شكاوي وانتقادات عديدة من جهات حكومية وغيرها، في حين أنها مثلّا لم تقم بإجراء أي تغيير في نتائج البحث وحتى اقتراحاته، حول استعلام "أزمة المناخ خدعة"، مما يثير تساؤلًا حول مدى صدقية المحرك، وحياديته في عرض المعلومات.
ولا تكمن خطورة الدور الذي يلعبه غوغل هنا فحسب، فهناك ما يقارب 750 مليون استعلام جديد يتلقاه يوميًا للمرة الأولى، وبالتالي عليه أن يقدم نتائج بحث لهذه الاستعلامات للمرة الأولى أيضًا، فما هو شكل المعلومات التي سيقدمها في نتائج بحثه؟ وما مدى صدقيّتها؟ وما الدور الذي تلعبه هذه النتائج في إثراء المعرفة لدى المستخدم؟ وماذا لو كانت المعلومات التي يتلقاها المستخدم للمرة الأولى منحازة أو غير حقيقية؟ 

 

المصادر:

Google

Stanford Publications

 WSJ
Google

الأكثر قراءة